قراءة في الرواية العربية المُغترِبة

أعمال لكتاب من مصر والسودان والعراق

قراءة في الرواية العربية المُغترِبة
TT

قراءة في الرواية العربية المُغترِبة

قراءة في الرواية العربية المُغترِبة

صدر عن منشورات «الاغتراب الأدبي» بلندن كتاب جديد للباحث والناقد صلاح نيازي يحمل عنوان «مراحل الرواية المُغترِبة». وقد ارتأى نيازي أن يقسِّم مادة البحث إلى ثلاث مراحل رئيسية، حيث تتمثّل الأولى في الانتقال الجغرافي، وخير منْ جسّد هذه المرحلة هو توفيق الحكيم في روايته «عصفور من الشرق». أما المرحلة الثانية فيكون فيها بطل الرواية قد درس في أوروبا وعاد إلى وطنه لكنه لم يتمكن من الانسجام مع بيئته الأولى التي لا تؤمن بالعلوم والمعارف الإنسانية، وتضع كامل ثقتها في الغيبيات، وأفضل من مثّل هذه المرحلة هو يحيى حقي في رواية «قنديل أم هاشم» والطيب صالح في روايته الشهيرة «موسم الهجرة إلى الشمال». أما المرحلة الثالثة والأخيرة في مادة البحث فإن البطل يدرس ويعيش مغتربا ولا يعود إلى الوطن لأنه بؤرة طاردة، وأبرز من جسّد هذه المرحلة هم سميرة المانع، ومحسن الرملي، وحسين الموزاني وفوزي كريم، وكلهم عراقيون غادروا العراق لأسباب سياسية تتعلق بانحسار الحريات الشخصية والعامة.
لا شك في أن مادة البحث محدودة ومقتصرة على كُتّاب من ثلاثة بلدان عربية وهي مصر والسودان والعراق، وسبعة أعمال أدبية تتوزع بين الرواية والقصة القصيرة، الأمر الذي يُربك عنوان البحث ويشتتهُ إلى نوعين أدبيين مُختلفَين حتى وإن جمعهما الإطار السردي.
تُشكِّل فكرة الاغتراب هاجسًا كبيرًا للشاعر والناقد صلاح نيازي، فلا غرابة أن يتخصص في هذا المضمار ويتفحصهُ بعناية فائقة، وينشر بالتعاون مع الروائية سميرة المانع نتاجات المغتربين في مجلة أدبية سمياها «الاغتراب الأدبي» على مدى سبع عشرة سنة. وأكثر من ذلك، فإن رؤية نيازي ليست نقدية وحسب وإنما هي رؤية اجتماعية ونفسية وحضارية، وهذا ما نستشفه من الملاحظات الدقيقة التي أشار إليها، وأوجه التشابه والاختلاف التي رصدها بين الثقافتين العربية والأوروبية على وجه التحديد.
في رواية «عصفور من الشرق» لتوفيق الحكيم ينقل محسن عاداته وتقاليده المحلية إلى مُغترَبه الجديد باريس، جالبًا معه ظاهرة التسكّع في الشوارع، وأكل البلح ورمي النوى وغيرهما من العادات المجلوبة التي لا تتفق مع البيئة الجديدة التي لم يستطع أن يتفاعل معها أو يتأثر بها، فظلت ردود أفعاله انعكاسية لا ترتقي إلى الإدراك الشامل، وهي بتعبير نيازي «حلقات منفصلة لا تشكِّل قواعد» ثابتة تعينه على استغوار المجتمع الجديد وفهم ثقافته المختلفة.
يُحب محسن ثلاثة أشياء مهمة وهي القراءة والتأمل والموسيقى، ولكن التغيّير الوحيد الذي طرأ عليه في الغربة هو حبه العميق للموسيقى الكلاسيكية الغربية، وقد يكون المؤشر الإيجابي الوحيد هو انتقاله من مرحلة الانشغاف بالموسيقى ذاتها كلغة تجريدية إلى مرحلة التحليل، لكنه ظل من وجهة نظر الباحث مُتلقيًا ولم يكن لمّاحًا، وبعبارة أخرى، كان صدى ولم يكن مصدرًا لصوت يؤكد وجوده في هذا المغترَب البعيد.
إن أبرز ما تفرزهُ المرحلة الثانية التي يدرس فيها البطل في أوروبا ويحصل على شهادة جامعية، ثم يعود إلى بلده هو عدم قدرته على الانسجام مع بيئته الأولى التي انشطر عنها، وأصبح جسمًا غريبًا عليها كما هو حال إسماعيل في رواية «قنديل أم هاشم» ليحيى حقي الذي درس طب العيون لمدة سبع سنوات في أوروبا، وعاد إلى القاهرة ليجد ابنة عمه فاطمة تعالج بزيت قنديل أم هاشم لأن فيه الخير والبركة والشفاء، فتثور ثائرته ويحطِّم القنديل المعلّق على قبر السيدة زينب، ويتعرض إلى سخط الناس السذّج الذين أوسعوه ضربا. لقد فتحت له ماري الأوروبية آفاقًا جديدة لم يألفها من قبل مثل جمال الفن والموسيقى والطبيعة، بل أنها فتحت له آفاق الروح التي كانت هلامية أو مُضببة بالنسبة إليه فجسّدتها على أرض الواقع، لكنه ما أن عاد حتى وجد نفسه في مواجهة القناعات الغيبية التي تتسيّد على العلم، فلا غرابة يزاوج بين الاثنين كي يردم الهوّة الكبيرة التي تفصل بين المتعلمين وعامة الناس البسطاء. ثمة آراء نقدية مهمة يغدقها نيازي على هذه الرواية من بينها «أنها تتجدد مع كل قراءة كأنها كُتبت البارحة» وأنه يعتبر ثغراتها البنائية التي لا يمكن استساغتها في أي قصة أخرى «من عناصر قوتها»! أما الرأي النقدي الثالث فيتمثل بالكُتّاب الموهوبين الذين يبذرون أفكارهم في النص بطريقة تبدو وكأنها عفوية لكنها تنمو لاحقًا لتصبح أشجارا عيطاء.
في دراسته المعمقة لرواية «موسم الهجرة إلى الشمال» للطيّب صالح يتتبع نيازي البطل مصطفى سعيد مستغورًا عوالمه الداخلية، ومُحللاً لطريقة تفكيره. فالرواية ذهنية وقد جاءت بقالب ابتكاري متفرد لم نألفه في الرواية العربية على أقل تقدير. وميزة هذه الرواية أن بطلها كان يُتقن اللغة الإنجليزية وآدابها قبل أن يذهب إلى لندن. أما بناء هذه الرواية المُتقنة فليس اعتباطيًا، وهي تخلو من الثغرات لأن كل شيء محسوب وكأن الشخصيات والأحداث مدروسة بعين مجهرية. نبّه نيازي إلى الطريقة المختبرية التي درس فيها الطيب صالح بطله مصطفى سعيد الذي «كان يعيش نهاره في السودان.. ولكنه في الليل يستحيل إلى مخلوق إنجليزي» بينما كان في لندن إنجليزيًا في النهار وسودانيًا في الليل!
لا بد من الإشارة إلى تقنية الحواس والألوان عند الطيب صالح الذي يمتلك عينًا سينمائية حرصت على أن تلمّ الشرق والغرب في روايته «المرمّزة الملأى بالمغاليق».
أما المرحلة الثالثة والأخيرة، فإن البطل الروائي لا يعود إلى وطنه وإنما يدرس ويقيم في أوروبا وعليه أن يتعايش مع البيئة الجديدة وقد تكون رواية «السابقون واللاحقون» لسميرة المانع هي خير نموذج لهذا البطل الذي يتميز عن أبطال الروايات السابقة بكونه امرأة تُدعى منى وهي مُدرِّسة مثقفة، وملمّة بالشعر، والفن التشكيلي، والموسيقى الكلاسيكية الغربية، وقد أحبت سليمًا الذي يحب هو الآخر الموسيقى والفن التشكيلي حُبًا من نوع خاص على الرغم من اختصاصه العلمي. إنّ ما يلفت النظر في هذه الرواية هو مختبرها الذي تعمل فيه منى في سفارة عربية بلندن وهو لا يختلف عن المختبر الذي يعمل فيه حبيبها سليم إلا في كون الأول قد تحول إلى مستشفى للأمراض الجسدية والعاطفية والعقلية.
في رواية «الفتيت المُبعثَر» لمحسن الرملي يغادر الراوية الوطن، مُتتبعًا خُطى محمود، باحثًا عنه، وحالمًا بأن يصبح رجلاً يستحق الاحترام. وعلى الرغم من تداخل الأجواء العراقية والإسبانية فإن الراوية يجد نفسه متسكعًا إلى ما لا نهاية وكأن التسكّع، هذه العادة المجلوبة، هي العلامة الوحيدة لبقائه على قيد الحياة.
لا تندرج «طريبيل» لحسين الموزاني، و«مدينة النحاس» لفوزي كريم ضمن بحث «مراحل الرواية المُغترِبة» لأنهما ببساطة شديدة قصتان قصيرتان، لكن مادتهما السردية تنطبق عليها اشتراطات البطل المُغترب الذي يظل متشبثًا بالمغتربات الأوروبية خاصة، والمغتربات العالمية بشكل أوسع.
لا يدّعي صلاح نيازي أن هذا الدراسة المقتضبة مكرّسة للرواية العربية بقدر ما هي تتبّع لأبطال الروايات العربية المُغترِبة التي درسها، والحق يُقال، هي دراسة نقدية معمّقة تجاوزت الجوانب الثقافية لتلامس الأبعاد النفسية والحضارية والفلسفية للشخصية العربية. كما أن هذه الدراسة المتفحصة تفتح الطريق واسعًا أمام الباحثين لاستكمال هذا الجهد النقدي المتفرِّد.



قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.