{داعش} ليبيا يغير من تكتيكاته ويتوسع في الهلال النفطي

أعاد نشر عناصره من درنة وسرت إلى تخوم طرابلس

{داعش} ليبيا يغير من تكتيكاته ويتوسع في الهلال النفطي
TT

{داعش} ليبيا يغير من تكتيكاته ويتوسع في الهلال النفطي

{داعش} ليبيا يغير من تكتيكاته ويتوسع في الهلال النفطي

أعاد تنظيم داعش في ليبيا نشر عناصره من درنة وسرت، إلى تخوم طرابلس ومصراتة، لكنه يعاني من ضعف الخطاب الديني، ونقص القدرة على الإقناع، في مواجهة القادة المحليين الرافضين له، سواء كانوا مسؤولين تنفيذيين أو شيوخ مساجد من التيار الديني المعتدل، ولهذا كان من بين خططه تصفية مثل هؤلاء القادة والتنكيل بأسرهم، بطرق بشعة، من بينها قتل إمام مسجد قرطبة في سرت وتعليق جثته في الشارع، وسحل آخرين في درنة وبنغازي. وإلى جانب التصفية والذبح لمن يرى قادة التنظيم أنهم منافسون لهم ويقفون ضد طموحاتهم في ليبيا، يقوم مسؤولو التنظيم المتطرف بإغراء الشبان العاطلين عن العمل من أجل الحرب تحت راية التنظيم مقابل أموال لهم ولأسرهم، حتى لو كانوا من العرب والأجانب. وبين حين وآخر تنفذ العناصر الداعشية على حواجز الطرق في سرت عمليات لترهيب المواطنين، ولإثارة الفزع بين الأهالي، من أجل الرضوخ لأوامر التنظيم وعدم التفكير في أي نوع من أنواع المقاومة حتى لو كانت مقاومة سلبية، كما يقول أحد قيادات القبائل في المدينة التي كانت في السابق مقرا مفضلا للقذافي.
وعلى الرغم من المشكلة التي يواجهها تنظيم داعش في ليبيا فيما يتعلق بالخطاب الديني، حيث يفتقر إلى القيادات الفقهية التي لها قدرة على الإقناع والحشد للشبان الليبيين الباحثين عن المستقبل، فإنه تمكن من تنفيذ خمس عمليات كبيرة على الأقل في عدة مواقع في الداخل، وذلك منذ بداية الشهر الماضي حتى مطلع هذا الشهر. وكان الملاحظ، كما يقول العقيد محمد حسين، وهو مسؤول أمني ليبي ممن كانوا يتابعون هذه التطورات، إن غالبية من تقدموا الصفوف لمهاجمة الخصوم، سواء من الجيش أو من الميليشيات المنافسة، دواعش من تونس والسودان ومصر ومن أوروبا.
ولم ينس التنظيم في ليبيا أن يشارك في توجيه تهديدات باستهداف دول غربية أيضا، بينما يواصل محاولاته للاستفادة من تغيير تكتيكاته للتوسع في منطقة الهلال النفطي في هذا البلد المطل على أوروبا والذي تضربه الفوضى، منذ سقوط نظام القذافي أواخر عام 2011. وبدأ «داعش»، بحسب مصادر من الجيش الليبي، يعتمد على ثلاث نقاط للتجنيد وإعادة التوجيه للمقاتلين، للتوسع في سرت التي تتوسط شمال ليبيا، ويوجد فيها مطار ويقع في شرقها نحو 60 في المائة من حقول النفط.
النقطة الأولى تقع في ضواحي شرق مدينة درنة التي يفد إليها المتسللون العرب والأجانب الفارون من سوريا عبر البحر المتوسط والمتسللون الآخرون من الحدود البرية المصرية الليبية، وللانتقال من درنة إلى سرت، خاصة بعد أن تلقى التنظيم ضربات موجعة من خصومه، لا بد من التوجه جنوبا إلى الطريق الصحراوي الذي يصل إلى إجدابيا، ومن هناك يبدأ توزيع العناصر، منها مجموعات تقوم بالتمركز في البوابات التي تحاول خنق إجدابيا والسيطرة عليها، ومجموعات نوعية تعمل على تحويل سرت إلى عاصمة لـ«داعش».
ونقطة الارتكاز الثانية للتجنيد، وفقا للعميد حسين، تقع في مدينة صبراتة، في غرب طرابلس قرب الحدود مع تونس، وتستقبل الشبان التونسيين والجزائريين، وغيرهم من المتسللين من الحدود. ويقول مسؤول أمني ليبي إن شابا تونسيا يدعى صابر هو من يتولى إدارة العملية برمتها في صبراتة، أي أنه يعد المشرف الأول على استقبال المقاتلين وإرسالهم إلى سرت. ويضيف أن صابر يتعاون في تمرير المقاتلين الدواعش إلى سرت مع ميليشيات متطرفة في طرابلس ومصراتة، رغم أن توجهات معظم تلك الميليشيات أقرب إلى تنظيم القاعدة.
وحين ذاك قتل «داعش» سرت عقيدا نظاميا اسمه عطايا أمام بيته في إجدابيا، ورجلا آخر معروفا في سرت يدعى عادل المعداني. وبعد عدة أيام شن هجوما استمر أكثر من أسبوع على رواد المساجد المعتدلة في سرت. ومن المشاهد التي أصابت المواطنين بالرعب، قيامه بتعذيب نحو ثلاثين من شباب المدينة حتى الموت، وسحل جثثهم في الشوارع. وبعد ذلك، كما يقول العقيد حسين، أصدر التنظيم أوامر بحظر مشاهدة قنوات التلفزيون الفضائية ومعاقبة كل من يحتفظ بطبق لاقط لتلك القنوات أعلى سطح بيته. وأعقب هذا إلزام المدارس في سرت بتدريس مواد للتلاميذ عن «طرق قتل المرتدين بالمسدسات».
وبينما يجري بحث تنصيب حكومة وفاق وطني برعاية الأمم المتحدة في مثل هذه الأجواء، وجهت الولايات المتحدة الأميركية قبل أسبوع ضربات حربية جوية لمواقع لـ«داعش» في سرت، لكن لم تحقق نتائج تذكر في كسر شوكة التنظيم وفقا للمصادر. ويسود اعتقاد بين كثير من السياسيين الليبيين، مثل رئيس لجنة العدالة والمصالحة في البرلمان الليبي، إبراهيم عميش، بتعمد دول غربية نشر الفوضى في ليبيا تمهيدا للتدخل من أجل تقسيم البلاد ونهب ثرواتها النفطية، مشيرا إلى أن الوضع الأمني في البلاد ينبغي أن يكون على رأس الأولويات.
وفي مصر التي لها حدود بطول 1150 كيلومترا، مع ليبيا، حذر رئيسها عبد الفتاح السيسي، في أكثر من مناسبة، من خطر «داعش» على دول الجوار وعلى أوروبا. ويقول الشيخ نبيل نعيم، القيادي السابق في تنظيم الجهاد في مصر، إن أميركا لا تحارب الإرهاب في ليبيا ودول المنطقة وإنما ترعاه، معتبرا ذلك «مؤامرة على الدول العربية»، ويوضح: «إنها مؤامرة كبيرة، وإلا من الذي سمح بتواجد ألوف المقاتلين الأجانب في البلدان العربية من العراق وسوريا إلى ليبيا.. انظر إلى الوضع في سرت».
ومع ذلك، لا يمكن أن يوصف «داعش» ليبيا بأنه «تنظيم متماسك» مثل حال «داعش» في العراق وسوريا، لعدة أسباب من بينها تقاطع المصالح بين التنظيم في سرت وباقي الميليشيات المتطرفة في طرابلس وبنغازي ومصراتة، والتي يدعم عدد منها عناصر «داعش» ويسيّر لها المراكب والسيارات المحملة بالسلاح ويتغاضى عن تنقلات عناصر التنظيم بين المدن الليبية.
الصراع بين الميليشيات بما فيها «داعش»، يبدو صراعا على الغنائم ومناطق السيطرة. تبذل مجموعات متطرفة جهودا كبيرة لمنع توسع «داعش» من سرت إلى طرابلس، لكنها تتعاون معها في مناطق أخرى لتحقيق أهداف مشتركة مثل محاربة أي عودة للدولة والسلطة المركزية. على سبيل المثال يعلن ما يسمى بـ«مجلس شورى الثوار في طرابلس» وقوفه ضد تنظيم داعش، بينما تتعاون فصائل في مجلس العاصمة وفي المجلس المماثل في بنغازي مع التنظيم نفسه. هذا التضارب في المواقف يستغله «داعش» في التغلغل داخل مدن جديدة وتنفيذ عمليات في مواقع لم يكن له فيها وجود مثل تفجير البوابة الواقعة على الطريق بين مصراتة وطرابلس الأسبوع الماضي.
أما في درنة فإن مشكلة «داعش» كانت أكبر من أي حل، بسبب انشقاق مجلس ثوار المدينة بين موالين لـ«داعش» ومعارضين لها مؤخرا، ورفع السلاح ضد بعضهم البعض، ما أصاب الكثير من قيادات الميليشيات المتطرفة في المدن المجاورة لدرنة بالارتباك، خاصة تجاه مسألة تعضيد طرف ضد الآخر. وتشترك غالبية قيادات مجالس الثوار في طرابلس وبنغازي ودرنة مع «داعش» في استهداف الجيش الوطني الذي يقوده الفريق أول خليفة حفتر، واستهداف السلطات الشرعية ممثلة في البرلمان والحكومة.
وفي الوقت الحالي يحاول «داعش» تحقيق مكاسب رغم هزيمته في درنة، وذلك عن طريق نقل القيادات والعناصر من هناك إلى سرت بوتيرة أسرع من السابق، وإحياء ميناء سرت لاستقبال المقاتلين الفارين من سوريا، والأسلحة، من البحر، وبحث استغلال المطار الجوي في المدينة لتقوية التنظيم مستقبلا، وفتح مزيد من البلدات المحيطة بسرت.
قبل أيام قليلة كانت ميليشيا من الميليشيات التي يديرها رجل يدعى كاره وتسيطر على جزء من طرابلس، تحاول العمل وفقا لآليات جديدة تريد من ورائها إثبات حسن نواياها أمام الأمم المتحدة والأصدقاء الغربيين. جرى هذا بتوجيهات قادة لديهم طموح في التواجد في أي حكومة توافق مقبلة. مشكلة هذه الميليشيا ومن يقف وراءها أنها كانت تسهل الأمور لـ«داعش» خاصة فيما يتعلق بضغط التنظيم المتطرف على قوات حفتر في بنغازي ودرنة وعلى بعض كتائب مصراتة المعتدلة. لكنها قامت باحتجاز ستة دواعش من سرت، وزجت بهم في سجن يقع في مطار معيتيقة المجاور للعاصمة.
بدأت مفاوضات «داعش» مع ميليشيا طرابلس من أجل إطلاق سراح المحتجزين الستة، بشكل هادئ أولا، إلا أنها وصلت بين اثنين من القياديين هما كاره، و«داعشي» في سرت يدعى أبو عبد الله، إلى طريق مسدود. هنا جهز أبو عبد الله مجموعة من أربعة عناصر كلهم شبان يحملون الجنسية التونسية، وبدأ التنسيق مع أفراد من ميليشيات متطرفة في طرابلس مقابل أجر مالي، للهجوم على سجن معيتيقة وتحرير الدواعش الستة.
ويوضح المسؤول الأمني الليبي أن هذا كان مؤشرا آخر على تغير تكتيكات «داعش»، واعتماده على ترهيب المواطنين والقيادات المعتدلة، وترغيب المتطرفين الآخرين للتعاون مع التنظيم بدفع الأموال لهم، وبث الرعب من خلال توصيل رسائل بأنه أصبح لديه قوة ولديه قدرة على التواجد في كل مكان، انطلاقا من سرت، بما في ذلك الوصول للعاصمة وللطريق الحيوي الرابط بين طرابلس ومصراتة التي تعد من المدن التجارية والصناعية الكبرى، وتحتفظ بمخزون ضخم من أسلحة الجيش الليبي.
بعد نجاح مجموعة أبو عبد الله ومن معه من تونسيين في الوصول إلى طرابلس، وإقامتهم ليلة في عدة غرف داخل معسكر اسمه «التوحيد» تابع لقيادي متشدد في طرابلس يدعى القباطي، هجمت قوات تابعة لكاره على الموقع واعتقلت اثنين، بينما فر أبو عبد الله وباقي المجموعة. وبعد أن جرى انتزاع الاعترافات من الشابين بدأت القوات تبحث عن القباطي، إلى أن وجدته في ميدان الفرناج، وهو أحد ميادين العاصمة القريبة من منطقة يبدو أنها غنية بالخلايا النائمة للدواعش. وبعد تبادل لإطلاق النار، قتل القباطي.
مكاسب «داعش»
ووفقا للمصادر الأمنية الليبية فإن «داعش»، ورغم مقتل أحد قيادييه والقبض على آخرين، فإنه حقق مكاسب حين جرى الإعلان عن هذه المحاولة الفاشلة لتحرير السجناء الستة. وأشار إلى أنه، ولأول مرة، تظهر عناصر موالية لـ«داعش» في شوارع العاصمة علانية وتقوم بغلق منطقة الفرناج السكنية بالمتاريس، بينما يتوعد قادتها في سرت بالانتقام لأنصار التنظيم في العاصمة.. «هذا متغير جديد لا بد من وضعه في الاعتبار. (داعش) يريد القول إنه يضرب في كل مكان وقادر على المنافسة في طرابلس أيضا».
من بين قيادات «داعش» التي نقلت رجلها من سرت ووضعتها في طرابلس في الفترة الأخيرة رجل يدعى الدكتور محمود من أصول تعود للمنطقة الشرقية في ليبيا. كان من بين من قدموا تسهيلات لمجموعة أبو عبد الله التي وصلت للعاصمة بسيارة دفع رباعي، ومما قدمه الدكتور محمود خمس بنادق كلاشنيكوف ومادة «تي إن تي» شديدة الانفجار لتنفيذ مداهمة سجن معيتيقة.
وداخل غرفة تحقيق تابعة للميليشيات المتطرفة التي يشرف عليها كاره، بدأ الترويج لمقولة بأن هذه الميليشيا تحارب تنظيم داعش وتمنعه من استهداف السفارات الأجنبية في العاصمة، رغم أن الغالبية العظمى من هذه السفارات أغلقت أبوابها منذ نحو سنة. ومن ضمن من جرى التحقيق معهم من مجموعة أبو عبد الله شاب تونسي يبلغ من العمر 17 سنة. تفيد أقواله بأن قادة التنظيم في سرت يقدمون وعودا بمنح أجور مالية للمقاتلين وإعانات للأسر لمن ينضمون له، حتى لو كانوا من الأجانب. ويبلغ الراتب الشهري في المتوسط ألف دولار، ويتحدد بنوع المهام القتالية المطلوبة. وتمكن سوداني من ادخار نحو 12 ألف دولار من «داعش» في سرت، لكنه حين حاول الشهر الماضي العودة بهذا المبلغ إلى بلاده، جرى توقيفه من قبل التنظيم على حدود سرت مع إجدابيا، واتهامه بالفرار من أرض المعركة وجرى إطلاق الرصاص عليه ومصادرة ما كان معه. ووفقا للمصادر التي تابعت القضية كان السوداني في طريقه للتسلل عبر الحدود مع مصر ومنها يتوجه إلى السودان، لكن أحلامه ماتت معه.
ومثل مئات ممن التحقوا بداعش سرت حديثا، فقد انطلق الشاب التونسي أبو إسلام الذي جرى القبض عليه في عملية معيتيقة، من مدينة بن جردان التونسية قبل أن يتمكن من الوصول إلى مدينة صبراتة الليبية وهي من المدن التي تعج بالمتطرفين وكان يقيم فيها القيادي الجزائري في تنظيم القاعدة مختار بلمختار. ومن هناك جرى الدفع بالشاب إلى سرت للالتحاق بالميليشيات المتطرفة ليجد نفسه في نهاية المطاف أحد مقاتلي «داعش». وقال للمحققين في طرابلس إن التنظيم وعده براتب ألف دولار في الشهر لكنه لم يكن قد أمسك في يده أي أموال من راتبه بعد.
عصابات تعمل للكسب
يقول العقيد حسين، إن الواقعة تؤشر إلى أن التنظيمات التي ترفع شعار تطبيق الشريعة وإقامة الخلافة، مجرد عصابات تعمل من أجل كسب النفوذ والأرض لكي يحقق قادتها أغراضا خاصة. ويضيف أن مجموعات الدواعش التي ترفع الراية السوداء في سرت تريد أن تستولي على حقول النفط وتحقيق مكاسب.. «تريد تكرار تجربة بيع النفط في السوق السوداء كما حدث في العراق وسوريا».
وبينما يشدد الشيخ نعيم على أن الجهات التي تستفيد من بيع البترول الليبي بأبخس الأسعار هي التي تقف وراء استمرار نشر الفوضى وتقوية «داعش» واستنزاف ثروات هذا البلد الغني، يشير الضابط حسين إلى أن بعض قادة الميليشيات في طرابلس والتي تزعم أنها تقف ضد «داعش»، لديهم علاقات مع سماسرة ولديهم جاهزية للاتجار في كل شيء، من النفط إلى تهريب البشر لأوروبا.. «كثير من قادة الميليشيات في المدن الواقعة على البحر مثل زوَّارة ومصراتة.. هم يتعاونون معه ويتنافسون معه أيضا على أماكن البترول وعلى نقاط المرور الحدودية، خاصة مع تونس ومع الجزائر وفي الجنوب مع تشاد والنيجر».



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».