ليبيا.. بين مسارات متعددة للتفاوض ومخاطر «داعش»

مصادر لـ {الشرق الأوسط} : سلطات طرابلس تتخوف من توقيع اتفاق سلام

ليبيا.. بين مسارات متعددة للتفاوض ومخاطر «داعش»
TT

ليبيا.. بين مسارات متعددة للتفاوض ومخاطر «داعش»

ليبيا.. بين مسارات متعددة للتفاوض ومخاطر «داعش»

تجمع مئات المتظاهرين بعد ظهر أول من أمس في ساحة طرابلس الرئيسية ملوحين بأعلام ليبيا تأييدا لإعلان المبادئ ورفضا لخطة الأمم المتحدة.
هذه المظاهرة التي بدت صادمة لكل من راهنوا على نجاح مساعي الأمم المتحدة للتوفيق بين طرفي الصراع الليبي تكشف بالأساس الفروق الجوهرية بين نظرة الداخل الليبي للأزمة الراهنة مقارنة بالعالم الخارجي، حيث يثير وجود آلاف من مقاتلي تنظيم داعش في منطقة سرت الساحلية مخاوف كبرى في العالم خصوصا أن بعض المسؤولين المحليين يتحدثون عن مئات المتطرفين الأجانب الذين يأتون للتدرب قبل العودة لشن هجمات أو خوض معارك.
وتعكس مظاهرة طرابلس الأخيرة أيضا، بالإضافة إلى سلسلة من ردود الفعل الغاضبة من البرلمان السابق والمنتهية ولايته المدعوم من ميليشيات فجر ليبيا المتطرفة جدلا لم ينته بعد حول تعدد المسارات التفاوضية للتوصل إلى حل سياسي وسلمي للأزمة الليبية.
ويدعو اقتراح الأمم المتحدة إلى تشكيل مجلس رئاسي على أن يكون مجلس النواب هو المجلس التشريعي إلى جانب مجلس استشاري هو مجلس الدولة. وللمجلس الرئاسي أن يشكل حكومة في غضون 30 يوما من توقيع الاتفاق على أن يصدق عليها البرلمان ويدعمها قرار يصدر من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وقال دبلوماسيون إن عقوبات قد تفرض على المعارضين فيما بعد.
وقال مسؤول كبير في برلمان طرابلس تحدث لـ«الشرق الأوسط» شريطة عدم تعريفه: «للأسف راهنت بعثة الأمم المتحدة التي اضطرت لتغيير رئيسها السابق الإسباني برناردينو ليون ليحل محله الألماني مارتن كوبلر على استراتيجية وضع برلمان طرابلس تحت الأمر الواقع بإعلانها رسميا أن ثمة اتفاقا رسميا وشيكا يوم الأربعاء المقبل لإنهاء العملية التفاوضية».
لكن برلمان طرابلس نجح، طبقا لنفس المسؤول، في اللحظات الأخيرة من كسر قواعد اللعبة بعدما نجح في استمالة أحد أعضاء مجلس النواب ليوقع معه اتفاقا منفردا بعيدا عن مسار الأمم المتحدة يتضمن تشكيل لجنة للمصالحة والعودة للدستور السابق للبلاد.
في تونس جرى نوعان من التفاوض، الأول برعاية دولية ممثلة في البعثة الأممية ووفدين من مجلس النواب المتواجد في طبرق وبرلمان طرابلس الموازي، والثاني مفاوضات بين الوفدين لكن خارج عباءة الأمم المتحدة. وفي كل المفاوضات كان برلمان طرابلس حاضرا بوفد ترأسه صالح المخزوم النائب الثاني لرئيس برلمان طرابلس نوري أبو سهمين، بينما كان عوض عبد الصادق النائب الأول لأبو سهمين، هو رئيس وفده للحوار الموازي الذي لم تشرف عليه البعثة الأممية.
وقال دبلوماسيون عرب وغربيون لـ«الشرق الأوسط» إن تعدد المسارات أدى إلى تحير في فهم طبيعة المفاوضات نفسها. ورأى دبلوماسي غربي يمارس عمله في تونس المجاورة نظرا لتدهور الوضع الأمني في العاصمة الليبية منذ العام الماضي «أنهم يحدثون نوعا متعمدا من الإرباك وخلط الأوراق وهذا أمر مدهش».
في المقابل، يعتقد مسؤولون في السلطات الشرعية التي أجبرت على الانتقال إلى المنطقة الشرقية الحافلة بالميلشيات المتطرفة والمسلحة أن ما يفعله برلمان طرابلس مفهوم بالنسبة لهم. وقال مسؤول في البرلمان المعترف به دوليا من طبرق لـ«الشرق الأوسط» إن «هدفهم بسهولة هو إطالة المفاوضات والحصول على المزيد من الوقت ريثما يعيدون ترتيب أوراقهم في الداخل»، لافتا إلى تقارير تحدثت عن خلافات عميقة برزت على السطح مؤخرا بين الأطراف السياسية والعسكرية المهيمنة على عملية صنع القرار في طرابلس. وأضاف: «استمرار الفوضى، وحالة الجدل السياسي في صالحهم، إنهم يعتقدون أن أي اتفاق سلام حقيقي سيضعهم جميعا في السجن». وكان هذا المسؤول يشير بحديثه إلى ما قاله مفتي ليبيا المقال من منصبه الصادق الغرياني خلال ندوة عقدت في شهر أغسطس (آب) الماضي عندما حذر من أي توقيع اتفاق برعاية الأمم المتحدة سيعني وضع كل قادة الميليشيات والمسؤولين السياسيين الداعمين لهم في السجن.
المفتي الذي سبق له تصوير ما يجري في ليبيا على أنه «مواجهة بين المسلمين والكفار» طالب في المقابل بتحديد تعريف واضح للإرهاب وإقالة الفريق خليفة حفتر من منصبه كقائد عام للجيش الوطني الليبي.
ودفع هذا الموقف برلمان طرابلس إلى طلب إعادة المفاوضات من جديد على أمل أن ينجح في الحصول على عفو شامل عن السلطات الحاكمة في العاصمة بما في ذلك قادة الميليشيات.
وفي ضوء التشرذم الحاصل في ليبيا تظل علامات استفهام قائمة حول رد فعل المعارضين والفصائل المسلحة الرافضة للاتفاق لما سيرون أنها حكومة لا تمثل الجميع وكيف يمكن استمالتهم.
وقالت مجموعة الأزمات الدولية في بيان قبل الاجتماع الدولي الذي عقد أمس في العاصمة الإيطالية روما إن «إنهاء المفاوضات سيقوي المتشددين كذلك فإن منح الاعتراف لحكومة لا تحظى بالدعم الكافي سيحكم عليها بأن تظل عديمة الأهمية».
وستواجه أي حكومة تحديات هائلة بسبب ما لحق بصناعة النفط من جراء الهجمات والاحتجاجات، حيث انخفض الإنتاج لأقل من نصف مستواه قبل عام 2011 والذي كان يبلغ 1.6 مليون برميل في اليوم. وسيكون العامل الرئيسي هو أمن طرابلس وتجميع قوة عسكرية تدعم الحكومة الجديدة.
ويقول المسؤولون الغربيون إنه سيتعين على الليبيين البت في شكل المساعدة الأجنبية التي يريدونها لكنهم لا يستبعدون شن ضربات جوية من جانب واحد على المتشددين.
ويتطلع المجتمع الدولي إلى إنهاء النزاع في ليبيا عبر توحيد السلطتين في حكومة واحدة تلقى مساندة دولية في مهمتين رئيسيتين: مواجهة خطر التطرف الذي وجد موطئ قدم له في الفوضى الليبية، ومكافحة الهجرة غير الشرعية. ويسيطر تنظيم داعش على مدينة سرت الساحلية ويسعى للتمدد في المناطق المحيطة بها.
وفي حال صمود الاتفاق الذي ترعاه البعثة الأممية، فسيكون بوسع حكومة الوحدة الوطنية الحصول على أسلحة وحتى على دعم عسكري دولي لبسط سلطتها ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، بحسب ما أوضح مسؤول أميركي.
وقال مسؤول غربي «لن يكون هناك جيش ليبي كما نود لكن توجد مجموعة من القوى إذا عملت معا ستكون قوة كافية لضرب داعش».
وتبدي إيطاليا، سلطة الاستعمار السابقة لليبيا، منذ عدة أشهر استعدادها لتولي قيادة تدخل عسكري بري غير أنها تشترط من أجل ذلك الحصول على ضوء أخضر من الأمم المتحدة ومن السلطات الوطنية المعترف بها.
وتعمل الحكومة المعترف بها ومجلس النواب المنتخب من شرق ليبيا منذ العام الماضي بعدما استولت ميليشيات فجر ليبيا على العاصمة طرابلس وشكلت حكومة منافسة فيما يحظى كل من الجانبين بدعم تحالفات متنافسة تتألف من المعارضين السابقين لحكم القذافي.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.