حملة واسعة للدفاع عن فيروز بعد اتهامات بأنها «عدوة الناس وعاشقة المال»

بعد غلاف لمجلة «الشراع» يهاجمها بشراسة

حملة واسعة للدفاع عن فيروز بعد اتهامات بأنها «عدوة الناس وعاشقة المال»
TT

حملة واسعة للدفاع عن فيروز بعد اتهامات بأنها «عدوة الناس وعاشقة المال»

حملة واسعة للدفاع عن فيروز بعد اتهامات بأنها «عدوة الناس وعاشقة المال»

لليوم الثاني على التوالي، ظلت ردود الفعل عاصفة، على العدد الأخير من مجلة «الشراع»، الذي وزع في الأسواق اللبنانية نهار يوم الجمعة الماضي، وعلى غلافه صورة لفيروز ومانشيت أساسي يقول: «ما لا تعرفونه عن سفيرة لبنان إلى النجوم: فيروز عدوة الناس، وعاشقة المال والويسكي ومتآمرة مع الأسد».
ما كاد العدد يوزع في الأسواق حتى التهم سريعًا، وسرى الغضب كالنار في الهشيم. انتشرت صورة غلاف المجلة الذي اعتبره عشاق فيروز إهانة لنجمتهم، على صفحات التواصل الاجتماعي مقرونا بعبارات تندد بالمجلة وبصاحبها حسن صبرا.
المقالة المنشورة طويلة، وفيها يتحدث حسن صبرا عما يقول إنه يعرفه عن فيروز، وعن تجربته معها إثر زيارة لها. وهو يقول في مطلع موضوعه: «فضلاً عن تقديم حقائق قد لا يعرفها القارئ، أو قد لا يريد أن يعرفها، لكنني لن أكتب عن فيروز التي أحب أن أستمع كثيرًا إلى أغانيها إلا ما اعتبره موضوعيًا». ويكمل بالقول وكأنه يعرف سلفًا أنه يدخل منطقة محرمة: «فنحن اعتدنا إذا احتفلنا بفنان أو سياسي أو مثقف أو أي إنسان، أن ننزله منزلة الأنبياء.. ومع هذا فإن الله جل جلاله، في كتابه العزيز، صحح كثيرا من مواقف رسوله كريم الإنسانية.. والله من وراء القصد».
هذه المقدمة لم تشفع لحسن صبرا، ولم تجعل القراء يبتلعون ما يقول إنها معلوماته. ورغم أن غالبية ساحقة لم تقرأ المقال، فإن العنوان وحده كان كافيًا، لإشعال حملة افتراضية انطلقت سريعًا، ضد المجلة تحت عنوان «مع فيروز ضد الشراع» تهدف إلى «المطالبة من إدارة المجلة بالاعتذار من السيدة فيروز وجمهورها بعد الإساءة لها، والضغط بكل الطرق لسحب العدد من المكتبات ومقاضاة رئيس التحرير حسن صبرا». إلا أن العدد عمليا قد نفد لشدة الإقبال عليه، وبدا أن الحملة تتجاوز الدفاع عن فنانة، لتجعل منها رديفا للبنان. وكتبت إحدى عاشقات فيروز على «فيسبوك»: «هل أدرك حين تطاول على السيدة فيروز أنه يتطاول على الوطن؟» وقال آخر: «إهانة فيروز، إهانة للبنان»، آخرون ربطوا بين الهجوم على فيروز وتوجه صاحب المجلة السياسي مع فريق 14، وغيرهم نعتوا الشراع «بالصحافة الصفراء». وأخذت الاتهامات تنحو يمينًا ويسارًا ليدخل الإعجاب الفني بالنكاية السياسية، ويصل حتى إلى الطائفية.
ولعل أقسى ما يمكن قرأته في المقال هو العنوان الذي جاء صادمًا. فكثير مما جاء في الموضوع يتداوله الناس همسًا، إلا أن صبرا بدا وكأنه جمع كل المعايب، ووضعها تحت مجهر مكبر، في مقال واحد خصصه لهذا الأمر، ليشكل صدمة تعوّم مجلته التي نسيها الناس، كما اتهمه أصحاب الحملة المدافعة عن النجمة الفيروزية. ومما قاله صبرا في مقالته إن فيروز «مزاجها مزعج.. حتى لمن تعرفهم، إذا اتصل بها أحدهم ترفع السماعة، وتنتظر سماع صوت من يطلبها، وكثيرا ما كان الطالبون يعرفون عن أنفسهم: يا ست فيروز أنا فلان. قد ترد مرة وقد ترفض الرد مرات، مكتفية بإطباق السماعة».
ويقول صبرا عن فيروز: «إنها كانت تخاف الناس، وتمتنع عن مخالطتهم، وبخيلة لا تساعد أحدًا، ولكنها كانت تبكي خلال الغناء» وتذكر المقالة، أن فيروز كانت تمتنع عن الغناء في أي حفلة خيرية، وتشترط الحصول على أجرها سلفًا، وكان عاصي الرحباني يستعيض عنها في هذه الحالات بجورجيت صايغ لتؤدي أغنياتها بدلا منها. كما يذكر أنها كانت تنتابها حالة من البكاء الشديد بعد الحفلات، وتغلق الباب على نفسها وتبكي ولا يجرؤ حتى عاصي على الاقتراب منها وينتظر حتى تهدأ. في المقال، كلام عن معاملة متعالية من فيروز تجاه كبيرين هما محمد الموجي ورياض السنباطي، كما يصفها بأنها لم تحب الصحافة ولا الصحافيين في حياتها».
كل هذا الانتقاد في مقال واحد، لنجمة كبيرة ومحبوبة، احتفلت منذ أيام بعيدها الثمانين، وسط احتفاء عربي فريد، بدا استفزازيًا جدًا لكثيرين، حتى طالب أحدهم «بترحيل حسن صبرا من لبنان» وذهبت الردود لتطال الرجل في شخصه، واستخدمت عبارات شديدة البذاءة لوصفه. ولعل أكثر ما تذكره عشاق فيروز في هذه المناسبة هي الصفعة الشهيرة التي سددها إلياس الهراوي بتاريخ 28/ 6/ 89 إلى وجه حسن صبرا، وكان الرجل رئيسا للجمهورية اللبنانية يومها، ولم يحتمل نقدًا كتبه فيه. ووصف البعض حسن صبرا بـ«المأجور» واتهمه آخرون بتسلق شهرة فيروز، وانتشرت صور النجمة مقرونة بكلمات من أغنياتها، وبعض من أشرطتها، وفي المقابل، نبش نشطاء وصحافيون في أرشيف حسن صبرا نبشًا شديدًا، بحثًا عما يعيبه، ووصل الحال بالصحافي صهيب أيوب أن نشر قصاصة صحافية تعود إلى عام 1956، وفيها خبر عن «حسن صبرا الممثل الناشئ» الذي يخطو خطواته الأولى، ويتوقع له كاتب الخبر مستقبلا جيدًا في مهنة التمثيل.
وبصرف النظر عن قسوة المقال الذي كتبه حسن صبرا في فيروز، وأغراضه ومراميه، فقد أسهمت هذه الصفحات في إعادة اسم مجلة «الشراع» - التي بدأت بالصدور عام 1982 ثم خبا نجمها - إلى الواجهة ولو من باب الذم، وفي جعل من لم يدافعوا يومًا عن فيروز ينبرون للوقوف صفًا واحدا معها.
حسن صبرا، القابع في القاهرة، بعيدًا عن الضجيج والغضب المشتعل في بيروت، حقق شيئًا مما أراد، وفيروز من ناحيتها لم تحتج حتى لإصدار بيان، ولا بد أنها سعيدة في عزلتها، بكل هذا الحب الذي يغمرها.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».