أميركا وجماعة «الإخوان المسلمين»

بعدما صنفتهم مصر تنظيما إرهابيا.. هل تفعل الولايات المتحدة الشيء نفسه؟

أميركا وجماعة «الإخوان المسلمين»
TT

أميركا وجماعة «الإخوان المسلمين»

أميركا وجماعة «الإخوان المسلمين»

أعلنت الحكومة المصرية الانتقالية رسميا جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية في 25 ديسمبر (كانون الأول) 2013. وجاء القرار الذي مثل صدمة بالنسبة لمعظم مراقبي الشأن المصري، بعد أيام قليلة من عملية انتحارية نفذتها جماعة تطلق على نفسها اسم «أنصار بيت المقدس» – يعتقد أنها ذات صلات بالمسلحين الفلسطينيين في غزة - ضد مقر للشرطة بمنطقة الدلتا. وعلى الرغم من عدم وجود صلة بين الجماعتين، جاءت تلك العملية كالقشة التي قسمت ظهر البعير في أعقاب أشهر من الغضب الشعبي وحنق النظام ضد جماعة الإخوان نظرا للقيام بأعمال عنف والحث عليها.
منذ أن خلع الجيش المصري الرئيس السابق، عضو جماعة الإخوان، محمد مرسي، كانت البلاد ترزح تحت وطأة العنف والصراع الطائفي والاضطرابات. وكان الخطاب السائد والناجم عن ذلك المزيج الخطر – وإن كان هذا الخطاب نسجته بعناية أعلى نخبة بالجيش – هو خطاب الحرب على الإرهاب. وفي إطار هذا الخطاب، أصبحت جماعة الإخوان المسلمين العدو الأول للشعب، خاصة وأن النظام سلط الضوء على التصريحات التي أطلقها أعضاء بجماعة الإخوان في أعقاب الانقلاب تعهدوا فيها بالاستشهاد دفاعا عن قضيتهم.

* استعادة الوضع الأميركي في مصر
* تجد الولايات المتحدة الآن نفسها في موقف ملتبس حيث يجب عليها السير بحذر وسط أرض تعج بالألغام الأرضية. وعلى الرغم من هذا الخطر، تحاول أميركا مرة أخرى أن تستعيد وضعها في مصر؛ وذلك حيث إن العلاقات الثنائية التي كانت من قبل تمثل حجر الأساس في بنية التحالف الأميركي في المنطقة كانت قد بدأت تشهد تراجعا سريعا بعدما أنتج ميدان التحرير ثورة 25 يناير (كانون الثاني). فعلى الرغم من أن الدعم الأميركي لمصر كان قد صمد أمام العديد من التغيرات في السنوات السابقة، فإنه لم يخرج منها دون أضرار، إذ ساهمت العديد من العوامل في تراجع العلاقات الأميركية - المصرية؛ يتداعى اثنان منها على وجه الخصوص إلى الأذهان حاليا. أولا، طبيعة السياسة الخارجية الأميركية تجاه مصر والمعتمدة على رد الفعل والتي كان العديد منا يرى أنها تأتي متأخرة باستمرار خطوتين عن تطور الأحداث على الأرض كما أنها لم تكن تتوافق دائما مع لب المصالح الأميركية وهو ما ساعد على احتقان العلاقات. وثانيا، تعرض ذلك التحالف للاضطرابات إثر تغير الأوضاع السريع في مصر، فبعدما كان مبارك في القمة هبط منها في غمضة عين، وبعدما كانت جماعة الإخوان المسلمين تحظى بأغلبية أصوات الناخبين؛ حيث حصلت على 51.7 في المائة من الأصوات في صندوق الاقتراع، اتهمت في اليوم التالي بأنها تحاول بناء ديكتاتورية إسلامية جديدة. وقد دفعت هذه التغيرات الرئيسة في القيادة الولايات المتحدة للتساؤل عما إذا كان التحالف مع مصر يمكن إنقاذه أم لا وما تكلفة إنقاذه.
وفي هذا السياق، يجب علينا فحص السؤال بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة سوف تؤيد قرار الحكومة المصرية بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية، والأهم من ذلك: هل تحذو حذوها. بغض النظر عن انعدام الثقة المتبادل بين الحلفاء، يجب أن نأخذ في اعتبارنا المشهد الحالي في المنطقة، وذلك حيث إن انتباه الولايات المتحدة كان مشتتا في العديد من القضايا؛ تحديدا إيران وسوريا والمشروع التاريخي لوزير الخارجية الأميركي جون كيري – مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية - مما جعلها تبدو أكثر انشغالا من أن تولي اهتماما لمصر ناهيك عن أن تتخذ موقفا واضحا بشأن قرارها بتصنيف جماعة الإخوان كجماعة إرهابية. كما أن هناك دليلا على أن تقديم الولايات المتحدة الدعم لهذا القرار في هذه اللحظة لن يكون في مصلحة الولايات المتحدة في هذه المرحلة وهو ما سأشرحه لاحقا.
على أية حال، لم يمض قرار الحكومة المصرية بتصنيف الجماعة كجماعة إرهابية تماما دون أن يلفت الأنظار في واشنطن. ومع ذلك، فإن التصريح الرسمي الوحيد حول ذلك القرار جاء من المتحدثة باسم الخارجية الأميركية التي قرأت بعناية تصريحا معدا مسبقا يتمحور حول تداعيات مثل تلك الخطوة على الحريات التي يكفلها القانون للأميركيين وليس للمصريين، فيقول التصريح:
«نحن قلقون بشأن تصنيف الحكومة المصرية الانتقالية في 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي لجماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية، بالإضافة إلى استمرار حملات اعتقال واحتجاز المتظاهرين السلميين ومنظمات المجتمع المدني والنشطاء السياسيين. وما زلنا قلقين بعمق بشأن الاعتقالات والاحتجازات والاتهامات بدوافع سياسية في مصر. وكما قلنا، تثير هذه الأفعال التساؤلات حول تطبيق القانون بعدالة ودون انحياز، كما أنها لن تمضي قدما بالعملية الانتقالية».
وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يدل بأية تصريحات حول تلك القضية حتى الآن، أعرب وزير الخارجية جون كيري عن مخاوفه في مكالمة هاتفية مع نظيره المصري، وزير الخارجية نبيل فهمي قبل ذلك بأربعة أيام. وكان لهذه المكالمة هدفان: التعبير عن عزاء كيري الصادق للحكومة المصرية وأسر ضحايا الهجوم الإرهابي الذي استهدف مديرية أمن الدقهلية في المنصورة وللتأكيد على حاجة مصر إلى إقامة عملية سلام شاملة تحترم حقوق الإنسان الأساسية وتضمنها لكافة المواطنين، بالإضافة إلى الحاجة لتحقيق الاستقرار السياسي والتغير الديمقراطي.
وبالمثل، اتصل وزير الدفاع تشاك هيغل بوزير الدفاع المصري، عبد الفتاح السيسي قبل يوم من تصريح وزارة الخارجية، مقدما تعازيه ومناقشا ما وصفه وزير الدفاع بـ«التوازن بين الأمن والحرية». ولهذه المحادثة أهمية خاصة أخذا في الاعتبار أن قدرا كبيرا من العلاقات الثنائية بين البلدين كان يعتمد على هذين الرجلين وليس على الفرق الدبلوماسية التي أوكلتها الدولتان لهذه المهمة. ومع ذلك، لم يقم أي من كيري أو هيغل بذم أو امتداح ذلك التصنيف. ويبدو أن عدم وجود رد فعل رسمي يعكس إلى حد ما رغبة في التقليل من شأن القضية.

* الولايات المتحدة اختارت عدم الانحياز

* وفي الحقيقة، حدد أوباما هذا المسار بنفسه قبل عدة شهور أثناء الكلمة التي ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما قال مباشرة إنه يعتزم عدم الانحياز لأحد الأطراف، مؤكدا أن كلا من الرئيس المعزول محمد مرسي والحكومة الانتقالية يحكمان بأسلوب قمعي ولا يتضمن كافة الأطياف، مضيفا: «لقد اختارت الولايات المتحدة عدم الانحياز لأي من الأطراف»، مؤكدا أن أميركا سوف تتوقف عن لعب دور الوسيط في السياسات الداخلية المصرية لكي تتمكن من تحقيق أهداف أكثر تحديدا».
وأكد أوباما أن الولايات المتحدة: «سوف تستمر في مضيها قدما في الحفاظ على علاقات بناءة مع الحكومة الانتقالية فيما تدعم المصالح الرئيسة مثل اتفاقيات كامب ديفيد ومكافحة الإرهاب». كما قدم أوباما تفسيرا إضافيا لهذا التصريح قائلا: «سوف تعمل الولايات المتحدة في بعض الأحيان مع حكومات لا تلبي، على الأقل من وجهة نظرنا، أعلى المعايير الدولية، ولكنها تعمل معنا في مضمار مصالحنا الجوهرية ولكننا في الوقت نفسه لن نكف عن التأكيد على المبادئ التي تتفق مع المثل التي نؤمن بها سواء كان ذلك يعني معارضة استخدام العنف كوسيلة لقمع المعارضة أو دعم المبادئ المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان».
وباختصار، أوضح الرئيس أنه على الرغم من أنه والشعب الأميركي يتمنيان الديمقراطية والحرية للشعب المصري فإن المصالح الرئيسة مثل الوصول إلى قناة السويس والتعاون بشأن مكافحة الإرهاب والحفاظ على اتفاقيات كامب ديفيد هي الخط العام للسياسة الأميركية.

* التصنيف أو عدم التصنيف
* تساءل كثير في مصر والولايات المتحدة عما إذا كانت الولايات المتحدة سوف تدعم قرار مصر بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، وهل ستتخذ الولايات المتحدة نفسها خطوة مماثلة؟ وربما يرى البعض في العالم العربي التردد الأميركي في تصنيف جماعة الإخوان كجماعة إرهابية كدليل على تأييدها الضمني للجماعة مستدعيا إلى الأذهان خطاب أوباما في القاهرة في 2009.
ومن جهة أخرى، هناك آخرون من ذوي الميول الإسلامية الذين يقولون إن قيادات الجيش المصري لا يمكنها توجيه مثل تلك الضربة للجماعة إلا بمباركة صريحة من واشنطن. ويقر أوباما بهذه الاتهامات المستمرة والمتناقضة في الخطاب الذي ألقاه بالأمم المتحدة قائلا: «لقد تعرضت أميركا للهجوم من قبل كافة أطراف النزاع الداخلي، حيث اتهمت في الوقت نفسه بدعم الإخوان المسلمين وبتدبير إبعادهم عن السلطة». ومع ذلك، فإن الحقيقة أبسط من هذه الخيالات الجامحة.
ويصف هذه الحقيقة البسيطة كل من دانيال بينجامين الذي عمل كخبير في مكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية الأميركية في الفترة من 2009 إلى 2012 وستيفن سيمون المسؤول عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في الفترة 2011 - 2012 باختصار في مقالهما الذي نشر بصحيفة «نيويورك تايمز» حيث يقولان: «لقد راقب القادة الأميركيون والأوروبيون عملية القمع بقدر من الانفصال نظرا لأنهم ليست لديهم أدوات للتأثير على قرار الجيش بالإضافة إلى أن النزاع يبدو نزاعا داخليا».
ويحتاج هذا المنطق الأخير الذي جاء أيضا في تصريح أوباما (لقد اختارت الولايات المتحدة تجنب الانحياز لأحد الأطراف)، بعض التفسير، فمما لا شك فيه أن كافة الدول تتمتع بالاستقلال، وباستثناء حالات خاصة محددة عادة ما تتعامل تلك الدول مع العنف المتفشي لديها والاضطرابات كما ترى هي. وعلى الرغم من أن أميركا كانت واضحة تماما عندما ارتأت السياسات المصرية كارثية ولكن التوبيخ اللفظي لم يكن من الممكن أن يعمل في النهاية كرادع حقيقي للسلوكيات المصرية. وعلى نفس المنوال، فإن الولايات المتحدة لا تفترض أنها إذا صنفت مجموعة محددة كجماعة إرهابية، فإنه يصبح على جميع حلفائها أن يحذوا حذوها أو حتى يوافقوا على القرار. فقد لجأت الحكومة الانتقالية المصرية لهذا الإجراء للحد من تهديد ما وإقصاء منافس، مما يجعل القضية قضية داخلية تماما.

* أدوات محدودة للتأثير على الجيش المصري
* ومن جهة أخرى، يحتاج العامل الأول من بين العاملين (عدم وجود نفوذ للتأثير على الجيش المصري) إلى الكثير من الشرح. كيف حدث ذلك، كيف تراجع التحالف بين الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية مصر العربية إلى الحد الذي يجعل الولايات المتحدة لا تمتلك سوى أدوات محدودة للتأثير على الجيش؟ هناك ثلاثة أسباب رئيسة: نظرية المؤامرة، وسياسة رد الفعل، والمال.
لقد تراجعت الثقة بين الزعماء المصريين والأميركيين بسبب الشكوك بشأن مشاركة الولايات المتحدة في وضع جماعة الإخوان على رأس السلطة في مصر والاستمرار في تأييدها حتى اليوم. وهذا غير صحيح ببساطة ولا يحتاج أن نهدر الوقت في محاولة تفنيده.
أما عن سياسة رد الفعل، فعلى الرغم من أنها جرى ذكرها من قبل فإنني سوف أشرحها بالتفصيل هنا. ففي إطار محاولاتها للبقاء وفية لحليفها الدائم – في إشارة إلى مصر ولكن إذا أردنا الوصول إلى حقائق الأمور فإن المقصود هو الجيش المصري - أعطت الولايات المتحدة انطباعا بأنها متغيرة ولا يمكن الوثوق بها. فسرعان ما تحول الدعم الأميركي طويل المدى لمبارك إلى دعم لمن خلعه بعد عدة أيام من اندلاع الثورة. وعلى الرغم من أن الدعم الأميركي اللاحق للمجلس الأعلى للقوات المسلحة والانتقال للحكم المدني كان مفهوما، فإنه لم يدم طويلا. وبعدها جاء التأييد الأميركي للانتخابات المصرية الذي تحول على نحو مثير للسخرية إلى تأييد مزعج لمرشح الإخوان المنتخب، محمد مرسي. وسرعان ما تراجعت تلك الحقيقة الجديدة أمام التأييد الأميركي الضمني لخلعه في أعقاب المطالب الشعبية بذلك. وجاءت نهاية ذلك الدعم الذي بدا لا نهائيا للعبة الكراسي الموسيقية المصرية في صورة التأييد الأميركي لسيطرة وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي على الأمور وإعادة تنظيمها. ولكن الولايات المتحدة اضطرت في النهاية أن تتخذ موقفا عندما استخدمت قوات الأمن وسائل عنيفة لإعادة فرض الأمن. ودفعت درجة العنف وإراقة الدماء الطائفية العديدين في الولايات المتحدة للتوقف والتساؤل حول ما إذا كان خلع مرسي يمثل انقلابا وهو ما يوجب على الولايات المتحدة قانونا أن تقطع المساعدات المقدمة لمصر أم لا.
وقد خيب هذا النوع المستمر من الدعم الأميركي أمل العديدين في الولايات المتحدة تجاه مصر برمتها، وتصاعدت أصوات الدعوات المطالبة بسحب المساعدات الأميركية التي تقدم إلى البلاد المتعثرة. وعلى الصعيد المصري، بدأت أزمة الثقة العميقة تظهر داخل كافة المعسكرات المتصارعة بالاعتماد على فكرة بسيطة وهي إذا ما كان الأميركيون «يدعمونهم» فكيف يمكن أن «يدعمونا». ولم تعمل بعض الانتقادات الخليجية المتعلقة بأن أميركا تخلت عن مبارك بسرعة فائقة ونظريات المؤامرة حول التحالف الأميركي مع الإخوان إلا على تصعيد الأزمة. وفي الوقت نفسه، ما زال الأكاديميون وصناع السياسة في واشنطن ينتقدون إدارة أوباما لافتقارها أي نوع من السياسة الرسمية تجاه مصر ويدعون الإدارة إلى سرعة وضع سياسة متماسكة ومنطقية تجاهها.
ويتعلق السبب الأخير لتراجع النفوذ الأميركي في مصر بالمال أو على نحو أكثر تحديدا بتعليق صفقة المساعدات الأميركية وبصفقة المساعدات الخليجية (الأكبر حجما والمجانية). فكنتيجة لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية 1979، بدأت الولايات المتحدة تقديم مساعدات عسكرية واقتصادية سنوية تقدر بمليارات الدولارات إلى مصر.
هذا بالإضافة إلى التدريب والتبادل العسكري، الذي مثل عصب العلاقة الأميركية - المصرية التي استمرت لثلاثة عقود. ومع الوقت، أصبح ينظر إلى تلك الأموال ليس كمدفوعات للحفاظ على اتفاقية كامب ديفيد فقط ولكن كذلك للحفاظ على عدد من القضايا المشتركة الأخرى. ومنذ سقوط مبارك، دعا بعض المصريين إلى رفض «الرشوة الأميركية». وبالمثل، دفع خلع محمد مرسي العديد من أعضاء الكونغرس الغاضبين إلى الإصرار على تعليق المساعدات الأميركية تطبيقا للقانون الأميركي. وفي النهاية، نجح الكونغرس في تحقيق مراده وقلصت الولايات المتحدة جزءا من صفقة المساعدات المقدمة لمصر والتي تصل إلى 1.55 مليار دولار أميركي في أكتوبر (تشرين الأول) 2013 ضمن عدد من الإجراءات العقابية الأخرى.
وقد كان لهذه الخطوة تأثير تنبأ به العديدون بمن فيهم أنا شخصيا؛ فلم يسفر فقط القرار عن زيادة التوتر في العلاقات بين الإدارة الأميركية والنظام العسكري المصري، ولكنه جاء أيضا متأخرا مما جعله يفتقر إلى الأثر المرجو منه وهو تحجيم الحملة القمعية التي يشنها النظام ضد جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من عناصر المعارضة في البلاد. ومن جهة أخرى، تعهدت المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت بمساعدة مصر ماليا بعد الموقف الأميركي بما يقدر بنحو 12 مليار دولار، وهي الصفقة التي قزمت من الصفقة الأميركية، كما أنها تأتي دون أية شروط وجعلت زعماء الخليج يحصلون على انتباه الجيش المصري، وأصبحت الولايات المتحدة تقف في الصف انتظارا لدورها في لفت الانتباه. والأهم من ذلك هو أنه لم يكن العرب فقط هم من رحبوا بملء الفراغ الذي خلفته أميركا، بل بدأت روسيا أخيرا التفاوض على أكبر صفقة سلاح مع مصر منذ الحرب الباردة. وعلى الرغم من أن قدرة مصر على سداد كلفة مثل تلك الصفقة الضخمة محل تساؤل ومن ثم فربما لا تتم الصفقة من الأساس، فإن ذلك التطور يعكس أن الولايات المتحدة لا تحتفظ بنفس القدر من النفوذ الذي كانت تمتلكه في الأيام الأولى من عام 2011.
وقد بدأت بالفعل تداعيات تراجع الدور الأميركي في الظهور. فعلى سبيل المثال، قبل فترة وجيزة من تصنيفها كجماعة إرهابية، رفضت النخبة الحاكمة في مصر اختيار وزير الخارجية الأميركي للسفير الأميركي في مصر (روبرت فورد) الذي كان يعمل حتى وقت قريب سفيرا أميركيا في سوريا دون أن يقيم بها. ومن الواضح، أن النظام العسكري المصري رفض ترشح فورد نظرا لدعمه للمظاهرات المناهضة للأسد في الأيام الأولى للانتفاضة السورية (قبل أن يهيمن عليها الإسلاميون) واستعداده لاحقا للتفاوض مع المسلحين الإسلاميين في سوريا. ومن الواضح أن تأييد خلع نظام عسكري ودعم العديد من الإسلاميين في العديد من أنحاء المنطقة كان يعد خطا أحمر في المنطقة في تلك اللحظة. وما زال المنصب خاويا حتى هذه اللحظة نظرا للسحب المفاجئ للسفيرة الأميركية السابقة إلى مصر آن باترسون في أعقاب المزاعم المتعلقة بعلاقتها الوثيقة بمرسي وجماعة الإخوان بعد استيلاء الجيش المصري على السلطة.
ويأتي خلو المنصب في الوقت الذي يحتاج فيه كلا البلدين لاستخدام وسيط ماهر للمساعدة على إعادة العلاقات لمسارها الصحيح. وتفسر ميشيل دون، الباحثة بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي والعضو المؤسس لفريق عمل بشأن مصر – مبادرة غير حزبية تتضمن أكثر من عشرة من الأكاديميين والخبراء في الشأن المصري والسياسة الخارجية الأميركية - ذلك بأن منصب السفير يأتي كأحد أعراض الافتقار إلى الجدية في البيت الأبيض بشأن السياسة الخارجية. فعلى الرغم من أن معظم الاتصالات بين البلدين كانت تجري مباشرة بين هيغل والسيسي، فمن الحماقة ألا يكون هناك سفير أميركي في مصر.
وفي ضوء العوامل التي ذكرت مسبقا والتي تحد من القدرة الأميركية على دفع التغيير في مصر، ليست هناك خيارات جيدة أمام الولايات المتحدة حاليا. ويشير دانييل بينجامين وستيفن سيمون إلى أن الولايات المتحدة تواجه حاليا احتمالية أن تخسر المزيد من النفوذ. حيث يقولان إن «الولايات المتحدة سوف تصبح في وضع يماثل ما كانت عليه أيام حكم مبارك الذي امتد لثلاثة عقود حيث تتعاون من كثب على مكافحة الإرهاب فيما تحاول الضغط من أجل الحريات».

* مواجهة العدو المشترك أم تحويله إلى راديكالي
* ومع ذلك فهناك أصوات ترغب في أن تقف الولايات المتحدة «إلى جانب مصر» وتعلن جماعة الإخوان جماعة إرهابية، سواء لأنهم يؤمنون بأنها كذلك أو كوسيلة لإصلاح العلاقات الثنائية، بالإضافة إلى وجود حملات شنها أناس عاديون قد قدمت التماسا للرئيس أوباما أن يصنف الإخوان كمنظمة إرهابية أجنبية. وقد حصل أحد تلك الالتماسات على أكثر من 200 ألف توقيع رغم أن البيت الأبيض لم يرد رسميا على هذا الالتماس حتى الآن.
وعلى الرغم من أنه من المستبعد أن يجبر مثل هذا الالتماس الإدارة الأميركية على اتخاذ قرار، فهناك مناصرون أقوياء لتصنيف الجماعة كجماعة إرهابية أجنبية في واشنطن وسوف يبذلون مساعي من أجل ذلك.
ومن جهة أخرى، هناك بعض النواب الجمهوريين مثل ستيفن كينغ ولوي جوهميرت وميشال باكمان الذين أعربوا بوضوح عن دعمهم للجيش المصري وإدانتهم لجماعة الإخوان المسلمين. ففي زيارة إلى مصر في سبتمبر (أيلول) الماضي، أدلى الثلاثة بالعديد من التصريحات المثيرة للجدل والمؤيدة لمقاربة الجيش العنيفة تجاه الإخوان معربين عن إيمانهم بوجود عدو مشترك وهو الإرهابيون الذين ظهروا مؤخرا على هيئة الإخوان المسلمين. وبالنسبة لباكمان فالأمر أبسط من ذلك: «ليس لدينا خيار. فيجب هزيمتهم».
ومن ثم لا يصبح مفاجئا أن تكتب باكمان قبل أيام من تصنيف مصر للجماعة مقالا في صحيفة مصرية يومية مؤيدة للقرار المتوقع. ففي المقال كتبت باكمان: «إذا ما كان قرار الحكومة الانتقالية المصرية أن تصنف جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية فيجب أن تحذو الولايات المتحدة حذوها. مضيفة أن القرار يعد ذا ضرورة قصوى وينبع من تاريخ الجماعة الطويل من الإرهاب الذي جرى تجاهله لمدة طويلة».
على أية حال، هناك ثلاث قضايا رئيسة تمنع الولايات المتحدة من الانضمام لمصر في حملتها ضد جماعة الإخوان المسلمين. أولا أن مصر لم تتخذ أي إجراء رسمي أو قانوني تجاه هذا التصنيف حيث إن هذا الإعلان لم يتجاوز الإدانة اللفظية. وثانيا، سيكون اتباع الولايات المتحدة لموقف مصر موقفا متسرعا، خاصة وأن مصر كانت تشهد تغيرات سريعة خلال الفترة الماضية. وثالثا، أظهر نظام الجيش في مصر بوضوح منذ يوليو (تموز) الماضي أن أفعاله ليست أقل عنفا من تلك التي تقترفها جماعة الإخوان المسلمين. فخلال الأشهر السبعة الماضية، قتل النظام ما يزيد على 1100 شخص وسجن الآلاف لمدة لا يعرف أحد مداها وفقا للمحامين الذين يطالبون المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق.
وفي الحقيقة، أصبح الوضع في مصر أقل استقرارا الآن مما كان عليه في يوليو نظرا للتفجيرات اليومية والاقتصاد المتعثر. ويقول بعض المحللين إن الولايات المتحدة سوف تخاطر إذا ما ألقت بثقلها على قيادة لم تثبت حتى الآن أنها باقية في السلطة. بالإضافة إلى أن العديدين في واشنطن قلقون بشأن احتمالية أن يخلق سلوك الجيش إرهابيين بدلا من أن يحاربهم.
ويحذر كل من دانييل بينجامين وستيفن سيمون من أن هذا المنحى ضد الإخوان «ربما يتضح لاحقا أنه كان خطأ فادحا وهو الدرس المستفاد من التاريخ: حيث دائما كان مزيج القمع والإقصاء السياسي يدفع إلى نشأة الجماعات الراديكالية». ويضيف الباحثان أن «الحرب ضد الإخوان سوف تجعل العنف هو الخيار العقلاني الوحيد أمام من لم ينخرطوا بالفعل فيه».
ويضيف إريك تريغر، زميل إيثر واغنر بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى وصوت مؤثر في السياسة الأميركية تجاه جماعة الإخوان أنه في ظل حملة الاعتقالات وحل الجماعة وتصنيفها جماعة إرهابية «وهي الجماعة التي تعد أكثر الجماعات الإسلامية تماسكا في مصر.. حول الجنرالات مئات الآلاف من جماعة الإخوان المسلمين إلى راديكاليين لن يصغوا بعد ذلك إلى قياداتهم الأكثر حذرا».
وإذا ما أعدت قراءة تصريحات كيري وهيغل الحذرة في ظل تلك الخلفية سوف تبدو أكثر منطقية. وفى المحصلة، بدلا من أن تهدر الأصوات العاقلة في واشنطن طاقتها في الجدل بشأن ما إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية أم لا، فإنها يجب أن تضغط للتنمية على المستوى البعيد ووضع سياسة أميركية مستدامة صوب مصر. ولتحقيق مثل تلك السياسة، سوف يحتاج البيت الأبيض لأن يولي اهتماما بصديقه السابق على الرغم من ضغط الآخرين سواء في الداخل أو الخارج؛ حيث تقتضي المصالح الأميركية الرئيسة في المنطقة ذلك. وكما يقول ميشال دون: «إذا ما كانت الولايات المتحدة ترغب في أن تصبح مصر شريكا أمنيا مستقرا وشريكا مستقرا في عملية السلام فيجب أن تهتم بما يحدث حاليا في مصر».
* مديرة برنامج الشرق الأوسط في معهد أبحاث السياسة الخارجية في فيلادلفيا



يحيى السنوار... حكاية «الرقم 1» يرويها «رفاق الزنزانة»

TT

يحيى السنوار... حكاية «الرقم 1» يرويها «رفاق الزنزانة»

يحيى السنوار متحدثاً إلى وسائل الإعلام في غزة 28 أكتوبر 2019 (رويترز)
يحيى السنوار متحدثاً إلى وسائل الإعلام في غزة 28 أكتوبر 2019 (رويترز)

لشهر أكتوبر (تشرين الأول) في فصول حياة يحيى السنوار «أبو إبراهيم»، الذي تم اختياره رئيسا لحركة «حماس»، قصة خاصة. فيه وُلد في أزقة مخيم خان يونس قبل ستة عقود ونيّف ليبدأ رحلة حياة مليئة بالمحطات الصعبة والمثيرة والشائكة، وفيه نال حريته من السجون الإسرائيلية بعد أكثر من عقدين أمضاهما فيها، وفي الشهر ذاته أطلق «الطوفان» نحو غلاف غزة مخلِّفاً وراءه ارتدادات كبرى هزت أرجاء المنطقة والعالم.

نشأ السنوار في مخيمات الصفيح بغزة وبين أزقتها الضيقة بعدما نزحت عائلته من مدينة المجدل عقب «نكبة 48». طاله نصيب من شظف العيش وقسوته. طبعت الظروف القاسية علاماتها على شخصية الطفل الذي وقف شاهداً على «نكسة 67». راكمت السنوات التي تلت رصيداً من الغضب والسخط في صدره، فاقمتها يوميات البؤس في غزة ومخيماتها مخلّفةً «رغبةً ملحّة بالانتقام» لازمته لعقود تلت. كان في حديثه ونظرته للصراع دائم الحديث عن «النكبة» وما تركته من معاناة ممتدة لأهله، كان لديه تطلع دائم لإحداث «صدمة وتغيير في موازين القوى»، كما يقول من عرفه.

تلقَّى يحيى السنوار تعليمه في مدارس مخيم خان يونس وأكمل دراسته بعدها بالجامعة الإسلامية التي تخرج فيها بشهادة في الدراسات العربية. بدأ نشاطه بالعمل الطلابي والتنظيمي حينذاك تحت مظلة «الكتلة الإسلامية» ومنها شق طريقه إلى أدوار أوسع تكللت بتأسيس جهاز «المجد»، الجهاز الأمني الداخلي لـ«حماس» المضطلع بأدوار حساسة أبرزها ملاحقة العملاء والمرتبطين بأجهزة الأمن الإسرائيلية.

قاد نشاطُه الأمني إسرائيل لاعتقاله أواخر الثمانينات. اتهمته السلطات الإسرائيلية بقتل أربعة «متعاونين» فحكمت عليه بأربعة أحكام مدى الحياة. تنقّل بين السجون الإسرائيلية شمالاً وجنوباً وقضى فترات طويلة في غرف العزل.

صورة توضيحية لمخطط «حماس» اقتحام سجن عسقلان وتحرير أسرى محتجزين

قاد «حماس» داخل السجون، وحمَل «هاجسه الأمني» معه. أتقن اللغة العبرية، ودرّس النحو الصرف لرفاقه، وقاد إضرابات ومفاوضات، وربح جولات وخسر أخرى. بدا الوقت ثقيلاً داخل السجن فيما دارت عجلة الصراع خارج أسواره؛ انتفاضات وحروباً وسرابات سلام. أكثر من عقدين في الأسر لم ينالا من قناعة الرجل بقرب نيل حريته. خطف شقيقه جندياً إسرائيلياً وبادلته «حماس» بألفِ أسير فلسطيني. كان يحيى على رأسهم. خرج ليلعب أدواراً بارزة شكّلت معالم جديدة للصراع.

في أعقاب السابع من أكتوبر، ملأ اسم السنوار الدنيا وشغل كثيراً من دوائر الأمن والسياسية في إسرائيل وخارجها. أثار الرجل عاصفةً من التساؤلات حول شخصيته وأفكاره ورؤيته للصراع وكذلك الدوافع وراء قراراته وحسابات تكاليفها، لا سيما لما أحدثته من انعكاسات وما خلَّفته من تبعات كبيرة وثقيلة.

تحدثت «الشرق الأوسط» إلى «رفاق القيد» ممن عاشوا معه وعرفوه واقتربوا منه خلال سنوات الأسر في السجون الإسرائيلية. يرسم الأسرى السابقون من مشارب سياسية وفكرية متنوعة «صورةً طبَقيّة» عن «العقل المدبر» لـ7 أكتوبر وأفكاره وقيادته لحركته داخل السجون وعلاقته مع الفصائل الأخرى وصولاً إلى الدوافع التي أوصلته إلى ساعة الصفر صبيحة السابع من أكتوبر، وحسابات الحرب الممتدة ومآلاتها.

اللقاءات الأولى

يسرد عصمت منصور، أسير سابق كان ينتمي لـ«الجبهة الديمقراطية» وأمضى سنوات في السجون الإسرائيلية التقى خلالها السنوار، جانباً عن انطباعاته الأولى بعد لقائه في سجن عسقلان أواخر تسعينات القرن الماضي: «حينما تلتقي السنوار ترى إنساناً عادياً، بسيطاً ومتديناً»، بيد أنه يحمل أيضاً «صفات القسوة والحِدّة في التعامل. هو رجل متدين لكنه ليس خطيباً ولا منظِّراً. تحضر الخلفية الدينية في تشكيل علاقاته، ولا يمكن أن يتعامل معك بمعزل عن موقفه المسبق».

يحيى السنوار لدى وصوله إلى احتفالية إحياء «يوم القدس» في غزة 14 أبريل 2023 (غيتي)

تَظهر تجربة السنوار في صغره قبل دخوله السجن مبكراً وقضائه فترة طويلة فيه، جليّة في سلوكه ونظرته لما حوله وتعامله مع الآخرين. يقول منصور إن طفولته القاسية رسمت معالم «حقده» وصاغت توجهاته السياسية، مضيفاً: «هو لا يقبل المساومة، ولا يرى إمكانية للحلول أو إمكانية للتوصل إلى صيغ واتفاقيات إلا في إطار التكتيك».

عبد الفتاح دولة، أسير سابق ينتمي لحركة «فتح» أمضى سنوات في السجون الإسرائيلية، كان قد التقى السنوار أول مرة عام 2006. سبقت انطباعاته عن الرجل اللقاء معه، إذ تناقل الأسرى «صيت السنوار» من سجن إلى آخر ورسموا صورة عن رجل «حاد الطباع وصاحب قرار».

تلك الانطباعات عززها اللقاء الأول الذي جمعهما في سجن بئر السبع الصحراوي. يقول دولة: «يحيى السنوار الشخص الاجتماعي الإنساني يختلف عن القيادي الحمساوي. يحيى السنوار الذي تتناقش معه في قضايا عامة يختلف عن الذي تخوض معه في قضايا فصائلية. هنا يكون اجتماعياً وهناك يكون متعصباً، تشعر كأن الرجل بشخصيتين».

أما صلاح الدين طالب، أسير سابق ينتمي لحركة «حماس» وكان قد قضى سنوات في السجون مع السنوار وأُفرج عنه مع السنوار ضمن صفقة التبادل، يستذكر لقاءه الأول مع «أبو إبراهيم» فيقول: «يلفتك تواضعه، وعلاقته المرحة مع الشباب». بيد أن رفيق الأسر يلفت إلى أن طبيعة القيادي الحمساوي الأمنية جعلته مختلفاً عن قيادات الحركة الآخرين، فهو «ليس داعيةً، هو مؤسس جهاز (مجد) الأمني وهذا ينعكس إلى حد كبير على شخصيته. فرغم علاقاته الاجتماعية القوية فإنه في الجانب الأمني كان شديداً وقاسياً».

يحيى السنوار متحدثاً إلى وسائل الإعلام في غزة 28 أكتوبر 2019 (رويترز)

«هوس أمني» في السجون

داخل السجون كما خارجها، ظل السنوار رجل الأمن الأول. أواسط التسعينات تلقَّت حركة «حماس» وخلاياها في الضفة والقطاع ضربات موجعة متتالية تمثلت في اغتيال أجهزة الأمن الإسرائيلية عدداً من قادتها كان أبرزهم يحيى عياش وعماد عقل، وتنفيذ عمليات اعتقال واسعة لنشطاء الحركة، وإحباط عدد كبير من الخلايا العسكرية. أحدثت هذه التطورات هزات كبيرة داخل أركان الحركة وبعثت بارتدادات عمَّقت المخاوف من اختراقات أمنية واسعة. ألقى هذا بظلال ثقيلة وقاتمة على أحوال الحركة داخل السجون ودشن «مرحلة الهوس الأمني» في تاريخها. كان السنوار محرك هذه المرحلة وضابط إيقاعها.

قادة عسكريون من كتائب «عز الدين القسام» يستقبلون يحيى السنوار في غزة 30 أبريل 2022 (أ.ف.ب)

يستذكر طالب هذه «المرحلة الصعبة» التي اضطلع خلالها بأدوار أمنية برفقة السنوار داخل المعتقلات. اتسعت رقعة «الهوس» وطالت تنظيم «حماس» في كل السجون، «كان هناك تحقيقات واستجوابات، كانت الملفات الأمنية تنتقل بين السجون ومنها إلى الخارج. خلّف ذلك حالة هوس أمني فكانت هناك اختراقات واغتيالات واعتقالات ولم تكن الحركة جاهزة أمنياً أو لديها تجربة ناضجة للتعامل مع ذلك بطريقة مثالية».

تحوّلت غرف حركة «حماس» لمراكز للاستجواب والتحقيق. طالت الاتهامات بالعمالة الكثيرين. يقول طالب إن بعضهم «ثبتت عمالته» بيد أن كثيرين وقعوا ضحية لـ«فوبيا الأمن»، مضيفاً: «كانت مرحلة صعبة لم يخرج منها أحد بسلام».

ويشير عبد الفتاح دولة إلى أن عمليات التحقيق كانت تجري مع «كل من تدور حوله أي شكوك»، ما خلّف تبعات مأساوية، «أشرف السنوار على عديد من عمليات التحقيق الداخلي. ربما كان يفلح بالوصول إلى بعض المتساقطين هنا أو هناك، لكن البعض قُتل تحت التعذيب وتبين لاحقاً أنهم من أفضل أبناء الحركة».

السنوار و«القسّام»

كان السنوار داخل السجون الإسرائيلية مطلع التسعينات حين برزت إلى الواجهة «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، وشرعت بتنفيذ سلسلة من العمليات ضد أهداف للجيش الإسرائيلي والمستوطنين. ورغم أن السنوار كان منخرطاً في الجانب الأمني فإنه اعتُقل مبكراً بينما كان العمل العسكري في طور الإعداد والتطوير. بدأت علاقة السنوار مع شخصيات من الجناح العسكري لـ«حماس» تنشأ وتتطور أكثر داخل السجون، إذ بدأ عدد من الأسماء البارزة بالوصول إلى السجون والمعتقلات.

يحيى السنوار يعتلي المنصة مع مقاتلين من كتائب «عز الدين القسّام» لإحياء ذكرى مَن سقطوا في المعارك مع إسرائيل مايو 2021

يقول منصور: «السنوار من البداية ذهنُه وعقليته أمنية؛ عنده هوس أمني ونظرة أمنية للمحيط ويعيش هذا الهاجس كل الوقت. حتى قراءاته عن إسرائيل غالبيتها أمنية وعن تركيبة الجيش والمخابرات. لذلك هو لديه هذه الخلفية والقابلية للانخراط مع الجناح العسكري».

هذه العلاقة التي تشكلت ونضجت مع الجناح العسكري دخلت لاحقاً فصلاً جديدة بعد إتمام «صفقة شاليط» وخروج «أبو إبراهيم» ورفاقه من السجن عام 2011. كان محمد السنوار، شقيق يحيى الأصغر، مسؤولاً بارزاً في الجناح العسكري ومشاركاً في عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط والاحتفاظ به لسنوات قبل إطلاق سراحه بموجب صفقة التبادل. أسهم شقيق السنوار وكذلك رفاقه الذي خرجوا معه من السجون، ناهيك بـ«رصيده» الذي يحظى به بالحركة، في فتح أبواب الجناح العسكري أمام القادم الجديد. يقول منصور إن هذه العوامل جعلت من السهل على السنوار «الاندماج في محيط العسكريين وإيجاد نفسه فيه».

شاليط والصفقة

قلبت عملية أسر الجندي الإسرائيلي شاليط والمفاوضات التي أعقبتها حول صفقة التبادل معطيات عديدة لدى السنوار وغيَّرت مصيره ومصير رفاقه. كان السنوار على رأس قائمة الأسماء التي طالبت «حماس» بالإفراج عنها. عززت التحولات التي خلّفها ملف شاليط مكانة السنوار داخل السجون وخارجها، إذ شرع بلعب أدوار متقدمة في ملف التفاوض.

يقول منصور: «السنوار بعد 2006 غير السنوار قبلها. بات يمثل مفتاحاً ومركز تجمع قوة كبيرة بسبب شاليط وبسبب سيطرة حماس على غزة بعدها. حماس أضحت نظاماً يحكم منطقة وتمتلك قوة وفي قبضتها أسير، وهذا الأسير بيد شقيق السنوار».

متظاهر يرفع لافتة تحمل صور الرهائن الإسرائيليين لدى «حماس» ويحيى السنوار وبنيامين نتياهو وكتب عليها «ليسوا لعبة... أوقفوا الحرب... لن يكون هناك رابح» (غيتي)

يشير منصور إلى أن قضية شاليط أعطت السنوار داخل السجون «قوة غير مسبوقة لم يسبق لأي قائد من حماس أن امتلكها سوى أحمد ياسين وصلاح شحادة اللذين كانا من الجيل الأول في السجون».

أصبح السنوار حينها عنوان الصفقة القادمة ومفتاحها. بات يمارس هذه القوة التي وقعت بين يديه لتعزيز مكانته وسلطته وقدرته على صناعة القرار داخل السجون وخارجها. يقول منصور: «بات يتصرف كشخص يقول للأسرى: (أنا باقدر أروّحك من السجن وباقدر أخلّيك). وهذا مارسه ليس لأسباب شخصية فحسب بل كانت لديه معايير مختلفة لها علاقة بمشروعهم وتفكيرهم وأولوياتهم».

كانت مفاوضات الصفقة بين إسرائيل و«حماس» قد قطعت شوطاً كبيراً حين دخل السنوار على خطها ورفض مخرجاتها وبدأ مساراً جديداً. يستذكر دولة أن مسؤول ملف التفاوض الإسرائيلي في قضية شاليط «حضر إلى السجون وتفاوض بشكل مباشر مع يحيى السنوار الذي ظهر أنه سيكون صاحب تأثير كبير».

ورم في الرأس وإنقاذ بمروحية خاصة

بينما كانت المفاوضات بشأن تبادل الأسرى تزداد زخماً وتقترب من نهاياتها، تعرَّض السنوار لوعكة صحية كادت تودي بحياته. أربك ذلك الحسابات وأضاء إشارات القلق لا سيما لدى الجانب الإسرائيلي. كان السنوار اللاعب الأول فيها. تفاقم وضعه الصحي ما حدا برفاقه في زنازين العزل بسجن السبع جنوب إسرائيل لحثه على الذهاب لعيادة السجن. يقول دولة: «كان السنوار عنيداً، كان يرفض دائماً الاستعانة بإدارة السجون». ازداد وضعه سوءاً وخطورة وفقد وعيه، مما اضطر رفاقه في السجن إلى نقله إلى العيادة، «حين بات الوضع صعباً، أجبروه على الذهاب»، يقول دولة.

أحدث وصول السنوار إلى عيادة سجن بئر السبع ذاك النهار إرباكاً كبيراً لدى إدارة السجون التي أعلنت حالة الطوارئ في السجن على الفور وأغلقت القسم الذي يقيم فيه السنوار. يسرد دولة تفاصيل تلك اللحظات التي رافقت الانتكاسة الصحية: «جاء ممثل عن إدارة سجن السبع وأخبرنا بأن المؤشرات تشير إلى أن السنوار يعاني وضعاً صعباً».

في تلك الأثناء حطّت مروحية في مهبط السجن، حسب دولة، وأقلّت السنوار على وجه السرعة إلى مستشفى «سوروكا» ليدخل بشكل عاجل إلى غرفة العمليات. وجد الأطباء ورماً حميداً في الرأس سارعوا إلى استئصاله. خضع السنوار لعملية «معقدة جداً وخطيرة» كاد يفقد حياته خلالها.

مثّل دخول المروحية على خط عملية الإنقاذ حدثاً استثنائياً وخلّف روايات متضاربة لدى الأسرى الثلاثة. يقول دولة إن «حالة السنوار كانت الأولى حسب تجربتي» بينما أشار منصور إلى أنه لا يتذكرها جيداً، فيما نفى طالب ذلك، موضحاً أن كل الإجراءات التي اتخذتها سلطات السجون حينذاك «كانت في الإطار العادي جداً».

يقول منصور إن الإسرائيليين حتى اليوم «يعيّرون» السنوار بعلاجه، مضيفاً أن مديرة مصلحة السجون ومديرة استخبارات السجون في حينها عبّرت في أكثر من مناسبة مؤخراً عن «عمق ندمها على إنقاذ حياة السنوار».

وعكس التعاطي الإسرائيلي مع مرض السنوار حالة من الإرباك الكبير لديها خلّفتها الخشية العميقة من أن يُلقي وضع السنوار الصحي بظلال ثقيلة على مسار صفقة شاليط في مراحلها الأخيرة. يلفت منصور إلى أن «لا أحد كان سيصدق في العالم أنهم لم يغتالوا السنوار أو يصفّوه وهو ما كان سيُلقي بانعكاسات كبيرة على الصفقة».

السنوار والبرغوثي وسعدات تحت سقف واحد

جمع سجن «هداريم» المركزي شمال إسرائيل السنوار بقيادات فلسطينية بارزة على رأسهم مروان البرغوثي وأحمد سعادات. بدأت العلاقة بين الثلاثة الكبار تتشكل داخل قسم العزل الجماعي هناك. «كان بينهم احترام كبير واستطاعوا أن يجدوا لغة مشتركة». يستذكر منصور: «هذا لا يجعلهم متطابقين في وجهات النظر لكن أتصور أن بينهم حالة ثقة واحترام تُمكّنهم من العمل معاً وتعطي تصوراً للعلاقة مستقبلاً».

عمل الثلاثة معاً، فخاضوا إضرابات داخل السجون وصاغوا مبادرات ورسائل للخارج أبرزها «ميثاق الأسرى للوفاق الوطني» ربيع عام 2006 الذي مثّل محاولة لرأب الصدع الواسع بين نقيضي المشهد السياسي الفلسطيني، حركتي «فتح» و«حماس».

عقب التوقيع على «وثيقة الوفاق»، يسرد دولة أنه نقل رسالة من سجن «هداريم» على لسان توفيق أبو نعيم، المقرب من السنوار، إلى سجن «بئر السبع»: «قال لي بالحرف: أبلغ عباس السيد والإخوة الذين شاركوا في التوقيع على (وثيقة الوفاق) أنهم سيندمون على اليوم الذي وقّعوا فيه عليها»، يستذكر دولة. خلّف ذلك انطباعاً لديه أن السنوار كان معارضاً للوثيقة. بيد أن منصور يرى أن أي موافقة من «حماس» داخل السجون «ما كانت لتتم دون مصادقة (أبو إبراهيم)».

يضيف منصور في قراءة سيناريوهات ما بعد الحرب، أن «إطلاق سراح الأسرى وبينهم مروان البرغوثي يأتي في سياق البحث عن شريك في (فتح) والمنظمة يكون السنوار قادراً على العمل معه».

«القسام» بعد 2011

بعد إطلاق سراحه من السجون بموجب صفقة التبادل عام 2011، مضى السنوار إلى تعزيز حضوره داخل صفوف حركته وتدعيم دوره داخل جناحيها لا سيما العسكري. عام 2012 انتُخب عضواً في المكتب السياسي للحركة وعلى الفور تولّى ملف التواصل مع الجناح العسكري. شرع السنوار خلال هذه المرحلة بلعب أدوار أوسع متكئاً على علاقته المتينة بالعسكريين وصولاً إلى انتخابات عام 2017 التي خرج منها على رأس المكتب السياسي للحركة في غزة مطيحاً بأسماء وازنة أبرزهم إسماعيل هنية. كان توجه السنوار فور خروجه من السجون إلى «أن يسيطر ويحكم وأن يكون الرقم (1) في صياغة الأمور في غزة»، كما يرى منصور.

خليل الحية وإسماعيل هنية ويحيى السنوار من حركة «حماس» خلال زيارة لمعبر رفح في 19 سبتمبر 2017 (رويترز)

ظل السنوار على رأس الحركة في غزة، وصولاً إلى استحقاق انتخابي جديد سبق السابع من أكتوبر بعامين. خرج منه مرة أخرى زعيماً لـ«حماس» في غزة. بدت المنافسة هذه المرة شرسة للغاية بين السنوار وشخصيات وازنة في الحركة. أعاد مسؤولو الانتخابات الداخلية التصويت «ثلاث أو أربع مرات» لضمان فوز السنوار. يقول منصور إن ذلك جاء تحضيراً لـ«لحظة 7 أكتوبر»، مضيفاً: «كان واضحاً أن لدى السنوار و(القسام) مخططاتهم».

لعب زعيم «حماس» أدواراً بارزة خلال هذه الفترة واهتمّ «بوتيرة غير مسبوقة في تاريخ الحركة» بتطوير العمل العسكري. يقول طالب: «الصوت الأعلى هو للعمل العسكري ومن دونه لكان السنوار شخصاً رمادياً مثل الآخرين».

طموح الرقم (1)

كثيرة هي المحطات في حياة السنوار التي يظهر فيها الرجل الطموح لاعباً بارزاً أو منفرداً يدير مجرياتها وتفاصيلها ويجني ثمارها نفوذاً وسلطة. يرى دولة أن السنوار «لا يقبل بأن يكون مرؤوساً. هو لا يقبل إلا أن يكون الرجل رقم (1) في الحركة. هو مصاب بالطموح حتى لا نقول الغرور، الذي كان يدفعه وهو داخل السجن لأن يكون دائماً الرجل الأول في الحركة».

خلال العقدين الماضيين، كثفت إسرائيل من ملاحقاتها واغتيالاتها لقادة «حماس» فأخرجت من المشهد قادة الصف الأول مما دفع بشخصيات جديدة في الحركة إلى الواجهة. يقول دولة: «لا يشعر السنوار بأن من حق أيٍّ من القادة الحاليين أن يكون رئيساً عليه، ولا يقبل بذلك أبداً».

مؤشرات مبكرة على «الطوفان»

يشير دولة إلى أن انطباعاً لطالماً أحاط بالسنوار أنه «لفعلٍ كبير»، عززته خطاباته والرسائل التي أطلقها أكثر من مرة للأسرى في السجون، موضحاً أن «صفقة شاليط تركت العديد من عناصر حركة (حماس) وقيادات (القسام) الأوائل بالسجون، ولذلك شعرت الحركة بأنها قصّرت». يقول دولة إن حالة من الانزعاج طالت أسرى «حماس» بعد الصفقة، ووجَّهوا رسائل ناقدة وغاضبة إلى القيادة، مشيراً: «ربما شعر السنوار بأن عليه التزاماً أخلاقياً تجاه تصحيح ما لم تتمكن صفقة شاليط من تنفيذه».

لوحة إعلانية في أحد شوارع القدس تحمل صورة يحيى السنوار وحسن نصر الله وكُتب عليها بالعبرية «من يستفيد من فُرقتنا؟ الوحدة الآن» (أ.ف.ب)

يستذكر طالب خطاب السنوار الأول بعد الإفراج أمام الجماهير في ساحة الكتيبة وسط غزة: «كنت حاضراً على المنصة حين قال: (اليوم نغزوهم ولا يغزوننا). رأى أن صفقة التبادل كسرة لإسرائيل ويمكن أن يَبني عليها كسرات أخرى».

يرى منصور أن عوامل عدة التقت لدى السنوار قبل «7 أكتوبر» ورجحت كفّة «الجانب العقائدي» في قراءته الصراع، «جرًب السنوار مصالحة مع السلّطة وفشلت، جرّب التوصل إلى صفقة تبادل للجنود مع إسرائيل وفشلت. جرب رفع الحصار، جرب كل الطرق لإيجاد مخرج لوضع غزة ويحرر الأسرى وفشل، فلم يبقَ أمامه سوى هذا الخيار». يستدرك منصور: «لو كان هناك خيارات أخرى، «7 أكتوبر» ما كان ليحصل».

إسرائيل و«رمز الحرب»

منذ بداية الحرب على غزة، أضحى السنوار عنواناً رئيسياً للحملة العسكرية على القطاع وصورة لشكل الانتصار الذي تطارده المؤسستان العسكرية والسياسية في إسرائيل. يرى منصور أن إسرائيل حوّلته «رمزاً» لهذه المواجهة، وحمَّلته المسؤولية الكاملة عمّا جرى، «إسرائيل بدأت تبحث عن صورة واسم يلصق في ذهن العالم ويصبح مثل هتلر وصدام والقذافي وتشاوشيسكو والديكتاتوريين في العالم. جاء ذلك محاولة لاختزال كل (حماس) وكل الذي يحدث وكل القضية الفلسطينية في شخص وشيطنته».

يرى منصور أن شكل نهاية الحرب في ذهن الإسرائيليين مرتبط بمصير السنوار، «هذا إمَّا بإخراجه؛ فيصبح إخراج السنوار كفرد أو مجموعة أشخاص كأنه فعلاً إخراج لـ(حماس) من غزة، أو اعتقاله، أو تصفيته، أو بقائه مطلوباً ومطارداً، ليكون ذلك مسوغاً للاستمرار في عمليات الملاحقة ويتحول مثل الأشخاص الذين يديرون حركة من داخل نفق»، مضيفاً: «لكن كلما أصبحت سيطرة إسرائيل على الأرض أكبر، أصبحت مهمة السنوار أصعب، وصار الذهاب إلى الخيارات الأخرى أقرب».

قادة «حماس» الذين جرت تصفيتهم... يحيى السنوار في مرمى النيران (تصوير: الشبكات العربية)

السنوار «البراغماتي»؟

يرى من عرفوا السنوار أنه أدار في بعض مراحل الأَسْر سياسة «براغماتية». يقول منصور: «ربما يُفاجأ البعض أنه شخص يعقد صفقات. عقَد صفقات في مراحل سابقة مع الإسرائيليين، وهو قادر على التوصل لحلول وسط ومساومات في مراحل معينة لكن ضمن توجهاته».

لكن، اليوم وبينما باتت إسرائيل تصف السنوار بالرجل «الحي الميّت» وتكثّف من عمليات البحث عنه فوق الأرض وتحتها في أرجاء القطاع الممدد تحت النار والدمار، يرى منصور أن أي زعيم إسرائيلي الآن أو مستقبلاً لن يكون قادراً على التعايش مع بقاء السنوار في قطاع غزة، «حجم الحقد والتحريض والاتهامات والمسؤوليات التي أُلقيت عليه، والتعبئة التي قامت بها إسرائيل للشارع والإعلام وعلى مستوى العالم لا تُمكّن إسرائيل من الرجوع خطوة للوراء أو عقد صفقة معه تُبقيه في غزة في وضع طبيعي». مضيفاً: «لا يمكن لإسرائيل أن تسلّم ببقائه حياً».

إلا أنه وبعد نحو 10 أشهر من الحرب وما خلَّفته من خسائر ودمار، لا يرى طالب أي نافذة للمرونة لدى زعيم «حماس»، مشيراً: «لا أتوقع منه تقديم أي مرونة بعد هذا الثمن الكبير الذي دفعه. أعتقد أن خطته وتوقعاته للحرب أنها مستمرة إن لم يكن لأشهر مقبلة، فلسنوات».