مساعٍ أردنية لإحياء «البحر الميت» باستثمارات عقارية جديدة

الحالية تتجاوز 1.5 مليار دولار.. ومفاوضات لمشروعات كبرى

فندق ومنتجع كراون بلازا البحر الميت في الأردن
فندق ومنتجع كراون بلازا البحر الميت في الأردن
TT

مساعٍ أردنية لإحياء «البحر الميت» باستثمارات عقارية جديدة

فندق ومنتجع كراون بلازا البحر الميت في الأردن
فندق ومنتجع كراون بلازا البحر الميت في الأردن

تسعى الحكومة الأردنية إلى جذب استثمارات لمنطقة البحر الميت المميزة في خصائصها الجغرافية، كأكثر بقعة في العالم انخفاضا، إلى جانب قربها من العاصمة عمان وسهولة الوصول إليها.
وعلى الرغم من الاستثمارات الموجودة حاليا من خلال وجود نحو عشرة فنادق، فإن الإقبال على المنطقة سياحيا شجع الحكومة لتسويق المنطقة استثماريا، حيث نجحت الحكومة في جذب استثمارات جديدة بنحو أكثر من ملياري دولار لإقامة مجمعات سياحية وفنادق من كل الفئات.
واستقبل رئيس الحكومة الأردنية عبد الله النسور أخيرا في مكتبه المستثمر القطري محمد سلطان الجابر، حيث استمع إلى إيجاز حول الاستثمار الذي يعتزم الجابر إقامته في منطقة البحر الميت لإقامة مركز علاجي وإعادة التأهيل وفندق من فئة خمس نجوم، وآخر من فئة أربع نجوم، وشقق فندقية، وذلك بحجم استثمار يتراوح ما بين 120 إلى 150 مليون دولار.
وأكد الجابر أن اختياره لمنطقة البحر الميت لإقامة هذا المشروع الاستثماري جاء نتيجة لما تتمتع به المنطقة من عناصر جمال جاذبة للسياحة واحتوائها على ميزات كبيرة في مجال الاستشفاء تعززها عوامل الأمن والاستقرار الذي تنعم به الأردن.
من جانبه، وصف رئيس هيئة الاستثمار في الأردن منتصر العقلة، الاستثمار القطري بـ«الفريد والمميز من نوعه»، حيث «يعتمد فكرة جديدة في الفندقة، وهي العلاج الفيزيائي، مضافًا إليه الأملاح المتوافرة في منطقة البحر الميت».
وقال العقلة إن الاستثمار القطري سيوفر نحو مائتي فرصة عمل للأردنيين، وإن هذا الاستثمار سيكون بداية لاستثمارات مجموعة الجابر في الأردن. كما أوضح أن حكومة بلاده «تنظر إلى الاستثمارات القادمة من دول مجلس التعاون الخليجي كأولوية وخيار استراتيجي للاقتصاد الأردني، ولهذا السبب استطاع الأردن استقطاب كثير من المشاريع الاستثمارية الخليجية إلى الأردن، وبخاصة من السعودية وقطر والكويت والإمارات»، مشيرًا إلى أن هيئة الاستثمار تضع باستمرار الاستثمارات الخليجية ضمن خططها للترويج للاستثمار في المملكة الأردنية كمكان آمن وجاذب للاستثمارات.
وشدد العقلة على أن جودة المناخ الاستثماري والبيئة الاستثمارية في الأردن تعتبران من أهم عوامل جذب الاستثمار، الأمر الذي جعل من الأردن بيئة حاضنة وجاذبة ومحفزة للاستثمار.
وكشف العقلة أن حجم الاستثمارات المقامة حاليا في منطقة البحر الميت تتجاوز 1.5 مليار دولار، مشيرا إلى أنه يتم التفاوض مع مستثمرين لإقامة عدة مشاريع، أحدها بحجم استثمار تصل قيمتها 5 مليارات دولار. وقال: «نعول كثيرا على هذه المنطقة لما تتميز به من خصائص فريدة، ونحن متفائلون جدا بمستقبلها ونتوقع مزيدا من الاستثمارات لإحداث تكامل اقتصادي حقيقي بما يسهم في إطالة إقامة السياح فيها».
ولفت إلى أن الصعوبات التي يواجهها قطاع السياحة نتيجة الأحداث الحالية في المنطقة هي حالة مؤقتة وليست دائمة، مبينا أن استقرار وأمن الأردن خلال الفترات العصيبة التي يمر بها الإقليم واتخاذ الحكومة قرارات جريئة لدعم القطاع السياحي جعل الأردن نقطة جذب للسياحة والاستثمار في آن واحد.
من جانبه، أشار رئيس مجلس إدارة شركة تطوير المناطق التنموية حمد الكساسبة إلى أن ما تتمتع به منطقة البحر الميت من مقومات سياحية واستثمارية مكنته من الوصول إلى مرتبة متقدمة على مستوى العالم، مضيفا أن تكريم البحر الميت كوجهة عالمية للأعمال يعتبر إضافة عالمية لأهمية المنطقة ومكانتها، ونجاح نموذج المناطق التنموية في إحداث نقلة نوعية في مسيرة التنمية المستدامة.
ولفت الكساسبة إلى أن شركة تطوير المناطق التنموية تسعى جاهدة إلى تحويل التحديات التي تواجهها منطقة البحر الميت إلى فرص تنموية واعدة من خلال استقطاب السياحة النوعية. وأوضح أن حجم الاستثمارات الإجمالية في منطقة البحر الميت سيصل إلى 1.5 مليار دولار، مقارنة مع 700 مليون دولار قبل ذلك، إذ سيتم توفير 7600 غرفة فندقية في العام 2020 مقابل 2296 حاليا، مبينا أن هذه الاستثمارات ستوفر قرابة 10 آلاف فرصة عمل مقارنة مع 3320 فرصة عمل حاليا.
من جانبه، قال رئيس جمعية المستشفيات الخاصة في الأردن فوزي الحموري إن «الاستثمار في مجال المنتجعات الصحية والمستشفيات في منطقة البحر الميت يتمتع بمزايا كثيرة من خلال الدمج بين جودة الخدمات الطبية المقدمة في الأردن والاستفادة من طبيعة البحر الميت الاستشفائية، خاصة وأن المنطقة تتمتع بمزايا كثيرة تفيد المرضى كمرضى الجهاز التنفسي والأمراض الجلدية».
وأوضح أن الأردن يعتبر الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كمقصد للسياحة العلاجية، مبينا «إننا ندرس حاليا إنشاء مستشفى ومنتجع صحي، وهو أول مشروع من هذا النوع في المنطقة بكلفة تصل إلى 570 مليون دولار، إضافة لفتح أسواق جديدة وجذب مستثمرين لإقامة منتجعات صحية في المنطقة».
على الصعيد ذاته، قال تقرير مجموعة «تنميات الاستثمارية» إن الأردن شهد في السنوات القليلة الماضية نهضة في قطاعي العقار والسياحة، حيث تم إطلاق كثير من المشاريع السياحية والعقارية باستثمارات أردنية وخليجية وعربية وغيرها تركزت في العاصمة عمان ومدينة العقبة ومنطقة البحر الميت بشكل عام، وتنوعت تلك الاستثمارات ما بين مشاريع سكنية متنوعة تستهدف شرائح مختلفة ومنشآت سياحية وفندقية.
واستعرض التقرير أهمية منطقة البحر الميت، والتي باتت مقصدًا لكثير من المشاريع العقارية والاستثمارية والسياحية مؤخرًا، لما يتمتع به البحر الميت من عوامل جغرافية وطبيعية وعلاجية متميزة. حيث يتميز البحر الميت بكونه أكثر بقعة جغرافية انخفاضًا على مستوى العالم ويصل إلى أكثر من 410 أمتار دون مستوى سطح البحر.
وبين التقرير أن عناصر الجذب الرئيسية للبحر الميت تكمن في مياه البحر نفسه والتي تعتبر أكثر ملوحة من مياه البحر العادية بأربع مرات، وهي غنية بأملاح كلوريد المغنيسيوم والصوديوم والبوتاسيوم والبرومين وكثير غيرها. وتعزى كثير من الاستثمارات لإنشاء مرافق ومنتجعات علاجية إلى التركيب الكيميائي لمياهه، وأشعة الشمس المصفاة والهواء المشبع بالأكسجين، علاوة على الطين الأسود المشبع بالمعادن على ضفاف البحر وينابيع الماء العذبة والمياه الحارة المعدنية المتدفقة من مناطق قريبة.
وأوضح التقرير أن الأردن يعول على الاستثمارات السياحية والفندقية التي تدفقت على شواطئ البحر في دفعها لجهود الأردن في تنشيط السياحة، وخصوصًا سياحة الاستجمام والسياحة العلاجية. وبين أن اكتمال المشاريع قيد الإنشاء والتطوير التي ستخلق بيئة سياحية متكاملة، سيعزز من الدخل السياحي للأردن، وستصبح مساهمة السياحة من أهم المكونات للناتج المحلي الإجمالي في الأردن، مما يعوض عن شح الموارد الطبيعية كالنفط وغيره، حيث يتوقع التقرير أن يتضاعف الدخل السياحي مقارنة بمستواه الحالي والذي يبلغ أكثر من ملياري دولار.
واستعرض التقرير بعضًا من المشاريع السياحية والفندقية والسكنية قيد الإنشاء والتطوير، حيث أعلنت شركة «سما الأردن» أخيرا إطلاقها مشروع منتجع واحات النخيل في البحر الميت بتكلفة تتجاوز 70 مليون دولار على مساحة نصف مليون متر مربع.
ويضم المنتجع نحو 95 فيلا سكنية بنماذج ومساحات متنوعة، ومن المتوقع أن يكتمل تنفيذ المشروع في النصف الثاني من العام المقبل. إضافة إلى مشاريع فندقية تعود للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي ووزارة المياه والري الأردنية ضمن توجه حكومي لتعزيز مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي وتنويع الخيارات المتاحة أمام السياح والزوار.
وأعلن بيت التمويل الخليجي إطلاق مشروع المنتجع الملكي الصحي الجديد على ساحل البحر الميت بكلفة تبلغ مائتي مليون دولار. وسيقام هذا المنتجع على شواطئ البحر الميت ويمتد على مساحة 125 ألف متر مربع.
وسيضم المشروع، الذي يستغرق تنفيذه سنتين، كثيرا من المرافق، منها فندق يضم 300 غرفة. كما سيحتوي المنتجع الملكي الصحي مركزًا متخصصًا للعلاج الطبيعي مزودا بأحدث التجهيزات والمعدات، إضافة إلى مرافق سكنية تتكون من مائة فيلا.
كما كشفت شركة «سرايا القابضة» عن أنها ستطلق مشروع سرايا البحر الميت بتكلفة 500 مليون دولار، ويتكون المشروع من فنادق ووحدات سكنية ومحلات تجارية، بالإضافة إلى ملعب للغولف ونادٍ لسباق الخيل.
وفي السياق ذاته، كشفت شركة «الاتحاد لتطوير الأراضي» عن مشروع في منطقة زارة في البحر الميت لإقامة 41 شاليهًا بمساحة 130 دونمًا، بتكلفة إجمالية للمشروع تصل إلى 11.2 مليون دولار.
كما أن البحر الميت قد يكون موقع مشروع شركة الأرض الدولية للاستثمار والتطوير العقاري الأردنية السعودية، والتي أعلنت عن مشروع سياحي على طراز مدينة ديزني الترفيهية بتكلفة تصل إلى 600 مليون دولار. وسيشمل المشروع فنادق ومدينة مائية، إضافة إلى مرافق أخرى.
كما تنفذ شركة أجيال الأردن للاستثمارات العقارية والسياحية مشروعًا في البحر الميت يتضمن إقامة فندق وشاليهات ومنتجع صحي بتكلفة استثمارية تقدر بنحو مائة مليون دولار. وكذلك تقوم مجموعة «عامر غروب» المصرية بتنفيذ مشروع «بورتو البحر الميت» وهو من المشاريع الاستثمارية الكبرى في البحر الميت، ويصل حجم استثماراته إلى 250 مليون دولار.
ويقام المشروع على قطعة أرض مساحتها ألف دونم، ويتكون من 250 ألف متر من المباني تشمل فندقا يحتوي على 150 غرفة فندقية، ومركزا تجاريا بمساحة 18 ألف متر مربع ومركز مؤتمرات، بالإضافة إلى 3 دور سينما، ومصحة عالمية، وحمامات سباحة، وملاعب رياضية مختلفة، و1500 شقة وفيلا فندقية تضم 3000 غرفة فندقية إضافية، و10 مطاعم وكافيهات، إضافة إلى ناد بحري على الشاطئ.
ويشار إلى أن المخطط الشمولي لمنطقة البحر الميت التنموية النهائي أخذ بعين الاعتبار جميع المخططات التي تم وضعها لمنطقة البحر الميت في السابق وقام بالبناء عليها، حيث سيعمل على تغيير الواقع الحالي للمنطقة ويعالج جميع احتياجاتها بشكل كامل، سواء الاستثمارية منها أو ببناء البنية التحتية.
والمخطط الشمولي لمنطقة البحر الميت، والواقعة على أرض مساحتها 40 كيلومترا مربعا قسمت المنطقة إلى 12 نطاقا، سيتم التركيز في أولوية الأعمال على منطقتين هما المؤتمرات التي تضم قصر المؤتمرات والفنادق الحالية، ومنطقة الكورنيش.



جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
TT

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه

غالباً ما ينظر النشطاء في مجال الإسكان بالولايات المتحدة الأميركية إلى بناء المباني السكنية الجديدة على أنه هو المشكلة، حيث يتم السماح للمطورين العقاريين ببناء مزيد من المساكن، لا سيما في الأحياء الفقيرة، مما يجعل المستأجرين والجيران في هذه المناطق يخشون من ارتفاع أسعار السوق وزيادة تكلفة الإيجارات عليهم، في حين يميل الاقتصاديون، من ناحية أخرى، إلى رؤية المباني الجديدة بوصفها الحل وليست المشكلة، حيث يقولون إن الطريقة الوحيدة لتخفيف النقص في عدد الشقق، الذي بدوره يؤدي إلى رفع الإيجارات، هي بناء مزيد من المساكن، فهم يؤكدون أن بناء ما يكفي من المساكن سيؤدي لانخفاض الإيجارات بشكل عام.
وتعدّ الإشكالية بين هذين الرأيين أساس حالة الجدل المثارة حول البناء الفردي والمعارك الأوسع حول كيفية تخفيف أزمة الإسكان في الولايات المتحدة. وحتى وقت قريب، لم تكن هناك أي بيانات تقريباً على نطاق الأحياء لحل هذه الأزمة، ويبدو أن كلا الرأيين صحيح في الوقت نفسه، فالمساكن الجديدة قد تساعد في خفض الإيجارات في مناطق المترو على سبيل المثال وذلك حتى في الوقت الذي قد يعني فيه ذلك زيادة الطلب على هذه المناطق مما يزيد من قيمة الإيجارات فيها.
وتقدم دراسات جديدة عدة أخيراً بعض الأدلة المشجعة، إن لم تكن كاملة، حيث نظر الباحثون في جامعة نيويورك و«معهد آب جون»، وجامعة مينيسوتا، إلى ما يحدث بشكل مباشر مع بناء المساكن الجديدة، واسعة النطاق، والتي تُباع بسعر السوق (دون قيود على قيمة الإيجار)، حيث تشير دراسات عدة بالفعل إلى أن المناطق التي تبني مزيداً من المساكن تكون أسعارها معقولة، وتتساءل هذه الدراسات الحديثة عما إذا كان هذا النمط يظل ثابتاً عند النظر إلى بناء المساكن الفردية وليس المجمعات السكنية الكبيرة.
وتشير النتائج، مجتمعة، إلى أن المساكن الجديدة يمكن أن تخفف من حدة ارتفاع الإيجارات في المباني الأخرى القريبة، لكن جاء رأي هذه النتائج مختلطاً حول ما إذا كان المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض يستفيدون بشكل مباشر من المباني الجديدة أيضاً.
وتمثل أنواع المباني التي تصفها هذه الدراسات، والتي تخضع لسعر السوق وتتكون من 50 وحدة سكنية أو أكثر، غالبية المباني الجديدة الآن، كما تستهدف الغالبية العظمى من الشقق الجديدة اليوم المستأجرين من ذوي الدخل المرتفع، حيث يبلغ متوسط الإيجار لوحدة جديدة الآن 1620 دولاراً أميركياً في الشهر، أي أعلى بنسبة 78 في المائة من متوسط الإيجار على مستوى البلاد، وذلك وفقاً لـ«مركز هارفارد المشترك للدراسات الإسكانية»، (كما أن الهوة بين هذه الأرقام آخذة في الاتساع)، وتميل هذه المباني أيضاً إلى أن تكون الأكثر ظهوراً في المعارك المتعلقة بالإسكان في مختلف الأحياء الأميركية.
وتقول الزميلة في «مركز فورمان» بجامعة نيويورك، والتي درست تأثير المباني الجديدة في نيويورك، شياودي لي: «المستأجرون لا يحبون فكرة بناء المباني الشاهقة الجديدة، وذلك لأنهم يجدون هناك ارتفاعاً أيضاً في قيمة الإيجارات لديهم».
وقد يفترض الجيران أن المباني الجديدة تتسبب في ارتفاع الإيجارات، وهذا أمر مبرر إذا كانت المباني الجديدة تجذب كثيراً من السكان الأكثر ثراءً، والذين بدورهم يجذبون وسائل الراحة الراقية التي تجعل الحي مرغوباً فيه بشكل أكبر.
وتضيف لي: «السؤال الرئيسي هنا هو: ما التأثير الحقيقي لبناء هذه المباني؟». وقد وجدت لي أن المباني الجديدة في نيويورك تجذب مزيداً من المطاعم والمقاهي في المناطق المجاورة، لكنها خلصت إلى أن أي تأثير قد يؤدي لرفع الإيجارات في المناطق المجاورة لهذه المرافق، سيتم وقفه بسبب زيادة المعروض من المباني، وهو الأمر الذي يؤدي لخفض الإيجارات، كما وجدت أنه مقابل كل زيادة بنسبة 10 في المائة في المعروض من المساكن، فإن إيجارات العقارات التي تقع على مسافة 500 قدم تنخفض بنسبة واحد في المائة، وذلك مقارنة بالمناطق الأخرى التي يرتفع فيها الطلب.
ولكن يبدو أن هذه الفوائد ستذهب للمستأجرين في المباني الراقية والمتوسطة القريبة، حيث يفترض أن مالكي العقارات يرون منافسة جديدة في الجوار مما يدفعهم لتعديل قيمة إيجارات مساكنهم بما يتناسب مع هذه المنافسة، لكن «لي» وجدت أن المباني الجديدة ليس لها أي تأثير على إيجار العقارات التي تقع على بُعد أكثر من 500 قدم، وأنها لا تؤثر أيضاً على إيجارات الوحدات منخفضة التكلفة القريبة، وذلك لأنه ربما لا يرى ملاك هذه الوحدات الأبراج الفاخرة الجديدة على أنها منافسة لهم بشكل مباشر.
وفي دراسة منفصلة، وجد براين أسكويث وإيفان ماست من «معهد آب جون»، وديفين ريد في «بنك فيلادلفيا الفيدرالي»، مجموعة مماثلة من النتائج في 11 مدينة رئيسية، بما في ذلك أتلانتا وأوستن وشيكاغو ودنفر، وشملت الدراسة المباني الجديدة التي تضم 50 وحدة على الأقل والتي تم بناؤها في أحياء يقطنها ذوو الدخل المنخفض في وسط المدينة، ويقدر هؤلاء الباحثون أن هذه المباني الجديدة تؤدي لخفض الإيجارات بنسبة بين 5 و7 في المائة في المناطق المجاورة بشكل مباشر، وذلك مقارنة بقيمة الإيجارات المتوقعة في حال لم يكن قد تم بناء هذه المباني الجديدة.
ولكن لا تعني الدراسة أن الإيجارات تنخفض بالفعل، إلا إنها تشير، بدلاً من ذلك، إلى أن المباني الجديدة تبطئ وتيرة زيادة الإيجارات في أنواع الأحياء التي يصفها المطورون العقاريون بأنها مرتفعة بالفعل، حيث إنه بحلول الوقت الذي يصل فيه هؤلاء المطورون إلى حي ما، خصوصاً مع وجود خطط لمشاريع كبيرة الحجم، فإنه من المرجح أن ترتفع الإيجارات بشكل سريع.
وعن تفسيره النتائج التي توصل إليها في اجتماع عام بشأن الرؤية السابقة، يقول ماست: «الأثرياء يتطلعون بالفعل إلى الانتقال إلى حي ما، ولذلك فإنه يمكننا بناء ذلك المبنى الذي يمنحهم شكل الوحدة التي يريدون أن يعيشوا فيها، وفي حال لم نفعل ذلك، فإنهم سيقومون بشراء وحدة في مكان قريب ثم سيقومون بتجديدها».
وقد يكون هذا الرأي غير مريح بالنسبة للمقيمين في الأحياء منذ فترة طويلة، خصوصاً أولئك الذين يشعرون بالقلق من التغيرات التي تحدث في أحيائهم والتي تتجاوز فكرة قيمة الإيجارات فقط، لكنه يمثل رداً على نقطة واحدة على الأقل فيما يخص الجدل المثار حول بناء المباني السكنية الجديدة.
ويقول الأستاذ في جامعة نيويورك، إنغريد غولد إيلين: «هذه النتائج تشير ببساطة إلى أن بناء مزيد من المساكن في أحد الأحياء لن يؤدي إلى تفاقم أعباء الإيجار المرتفعة، ولكنه قد يساعد في التخفيف من حدتها».
ويأتي أحد التحذيرات في الأبحاث التي أجراها أنتوني داميانو وكريس فرينير، اللذان يدرسان للحصول على الدكتوراه في جامعة مينيسوتا، حيث قاما بدراسة المباني الجديدة واسعة النطاق التي بنيت في مينابولس، وقد وجدوا أن بناء المساكن الجديدة قد ساعد في تخفيف حدة ارتفاع قيمة الإيجارات للوحدات الراقية القريبة، لكنهم خلصوا إلى أنه في الثلث الأسفل من السوق يكون للمباني الجديدة تأثير معاكس، حيث ترتفع قيمة الإيجار بشكل سريع.
ومن الممكن في بعض السياقات أن يتسبب بناء الشقق الجديدة، التي تباع وفقاً لسعر السوق، في قيام ملاك العقارات في المناطق القريبة بكبح جماح قيمة إيجار شققهم، لكنه قد يتسبب أيضاً في رؤية مجموعة أخرى من الملاك أن قيمة إيجاراتهم تعد قليلة مقارنة بالأسعار الجديدة، ومن المحتمل أن يشعر المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض بالغضب من المساكن الجديدة في البداية، وذلك حتى لو كانوا سيستفيدون منها على المدى الطويل، وذلك لأنه مع تقدم عُمر هذه المباني الجديدة، فإن أسعارها تصبح في المتناول.
وبشكل عام، فإن هناك أدلة في هذه الدراسات كافة على أن العرض والطلب يعملان على النحو الذي يتوقعه الاقتصاديون، وذلك حتى على نطاق الحي الواحد، ولكن هناك أيضاً أدلة على تحقيق مخاوف المستأجرين الأكثر فقراً.
ويقول داميانو: «هؤلاء هم الأشخاص الذين مروا بعدد كبير من التجديدات الحضرية، وإنشاء الطرق السريعة، والاستثمار العام في الإسكان، وإخفاقات التخطيط الأوسع والمؤسسات الحكومية على مرّ الأجيال، وأعتقد أن الخوف من مجرد جملة (مبنى جديد) هو خوف حقيقي ومبرر، والأمر متروك للمخططين وصانعي السياسات للنظر إلى تلك المخاوف بشكل جيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»