الفيلم الوثائقي «كيف واجهت السعودية (القاعدة)».. انتصار على الإرهاب

كشف حقيقة التنظيم وأظهر شخصية رجل الأمن السعودي الشجاع

مشهدان من الفيلم الوثائقي
مشهدان من الفيلم الوثائقي
TT

الفيلم الوثائقي «كيف واجهت السعودية (القاعدة)».. انتصار على الإرهاب

مشهدان من الفيلم الوثائقي
مشهدان من الفيلم الوثائقي

أبرز الفيلم الوثائقي «كيف واجهت السعودية (القاعدة)» مكامن القوى والقدرة التي تمتلكها المؤسسة الأمنية السعودية، والإمكانيات التي استطاعت من خلالها الانتصار في حربها على تنظيم القاعدة وتفكيك خلاياه، وهزم أعضائه.
وكشف الفيلم الوثائقي الذي عرض على «قناة العربية» على ثلاثة أجزاء، عن كثير من الفيديوهات التي تعرض لأول مرة، كعمليات التجهيز للعلميات الإرهابية، ومن بعد ذلك تنفيذها، وكذلك رصد لأهم المطلوبين في السعودية والمنتمين لـ«القاعدة»، بالإضافة إلى تصوير المواجهات التي حدثت بين رجال الأمن وبينهم.
وأكد حمود الزيادي الخبير والباحث في شؤون الجماعات المتطرفة أن الفيلم الوثائقي «كيف واجهت السعودية (القاعدة)» عكس شخصية رجل الأمن السعودي الذي يتسم بالشجاعة والقوة والروح الإنسانية في الوقت ذاته، حيث ظهر ذلك عبر مشاهد كثيرة في إنقاذ الرهائن والمحاصرين، والمخاطرة بروحه في سبيل ذلك حتى في إطار محاولة الحفاظ على أرواح المطلوبين أمنيًا عبر إعطاء الوقت الكافي لفترة التفاوض، علهم يعدلون عن المواجهة المسلحة وتصان الدماء. وأشار إلى أن الفيلم أظهر جانبًا من كفاءة وقدرة واحترافية المؤسسة الأمنية السعودية التي انتصرت على تنظيم القاعدة وفككت خلاياه، رغم صعوبة المهمة، نظرًا لأن التنظيم كان يمتلك أسلحة ضخمة وأموالاً طائلة وعناصر لها تجارب كبيرة في مواطن القتال من قبل. وكشف الفيلم الوثائقي عن أول فيديو يظهر مقتل خالد الحاج قائد «القاعدة»، حيث أعدت قوات الأمن السعودية كمينًا للإيقاع به في تقاطع شارع عبد الرحمن بن عوف مع شارع الإمام أحمد بن حنبل، وبمجرد أن شاهد قوات الأمن، بادر بإطلاق النار عليهم، ثم تبع ذلك تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن. وأظهر مشاهد لعناصر من تنظيم القاعدة، وهم يلهون داخل أحد الأوكار، قبل أن ينفذ اثنان منهم عملية انتحارية في الرياض عام 2004، عرفت حينها باسم «هجوم الوشم»، وتفاصيل عن محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف ولي العهد، عندما كان مساعدًا لوزير الداخلية عام 2009.
وكشف تجنيد «القاعدة» للأطفال، عبر واقعة جرت في مكة، مبيّنًا وضع الأطفال داخل هذا التنظيم الإرهابي، وشمل الوثائق في حلقته الأولى تسجيلات خاصة للقائد المحرِّض في «القاعدة» عبد الله الرشود، ويعود هذا التسجيل لعام 2003، وتضمن لأول مرة بث فيديوهات تكشف اللحظات الأخيرة قبل تنفيذ الاعتداءات، وفيديوهات مؤلمة لشباب غرر بهم صوروها قبل تنفيذهم العمليات الإرهابية.
واستمرت الحرب على إرهاب «القاعدة»، عدة أعوام، أنهت الوجود التنظيمي لـ«القاعدة» في السعودية، وأنهت السعودية الوجود التنظيمي لـ«القاعدة» في السعودية بعد عامين من المطاردات الأمنية، ونجحت الأجهزة الأمنية في القضاء على هياكل التنظيم، وأسقطت المئات من أفراده، بين قتلى في المواجهات، ومقبوض عليهم، زجت بهم إلى السجون، لتبدأ معهم مرحلة جديدة من المحاكمة والمناصحة. وتحدث جيمس أوبريتر، السفير الأميركي لدى السعودية منذ 2003 - 2007 وقال: «كنت في مكتبي وبلغني أن القنصل العام في جدة يتصل لأمر طارئ»، وأضاف: «إن السعوديين كانوا منظمين ومستعدين للتصرف، وتحركوا بخفة وسرعة، وتمكنوا من الوصول إلى مبنى القنصلية بسرعة»، ونتج عن المواجهة بين المتطرفين ورجال الأمن مقتل 3 من الإرهابيين والقبض على اثنين، وإصابة عدد من رجال الأمن في المجمع.
الفيلم الوثائقي الذي عرض على قناة «العربية» تضمن واقعة حدثت عام 2004 في مدينة الرياض السعودية، حيث استجوب أعضاء «القاعدة» المدرب الأميركي بول جونسون باللغة الإنجليزية، لينتهي المشهد الدامي بإعدامه، كما ظهر فيديو نادر والذي يبث للمرة الأولى، الرهينة الأميركي معصوب العينين أثناء التحقيق معه عن طبيعة عمله من قبل أحد أعضاء «القاعدة» الذي سأله عن عدد المواطنين السعوديين الذي يقوم بتدريبهم، مرددًا أن لديه تقريرا خاصا عنه.
وأوضح كيف أن هناك حربًا أخرى غير الحرب الحقيقية مع التنظيم الإرهابي التكفيري، غير حرب المداهمات وإطلاق النار والترصد الأمني وجمع المعلومات، هذه الحرب هي حرب الصورة والرسالة الإعلامية.
وكانت تلك الفيديوهات، المشغولة بعناية، هي الصورة التي كان يريد إعلاميو «القاعدة» أن تصل للناس، بكل ما يعينه هذا من جاذبية تجنيد ودعاية، لكن الفيلم المعروض الآن كشف لنا ما قبل وما بعد بروفات تسجيل الوصية، حيث الركاكة في الكلام، والاستهتار في الإلقاء، والخطأ حتى في قراءة القرآن، والأهم من ذلك الافتعال في نغمة الصوت، والتلقين الذي كان حامل الكاميرا المجهول يلقيه على فم الانتحاري.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».