المنطقة الآمنة التركية في سوريا تحت الضغط الناري من روسيا والأكراد و«داعش»

مسؤول تركي لـ {الشرق الأوسط} : تفاهمنا مع الأميركيين على تدخل جوي في جرابلس.. والبري غير مطروح

المنطقة الآمنة التركية في سوريا تحت الضغط الناري من روسيا والأكراد و«داعش»
TT

المنطقة الآمنة التركية في سوريا تحت الضغط الناري من روسيا والأكراد و«داعش»

المنطقة الآمنة التركية في سوريا تحت الضغط الناري من روسيا والأكراد و«داعش»

كان القادة الأتراك متفائلين بقرب قيام المنطقة الآمنة عند الحدود السورية، حتى بعيد إسقاطهم طائرة روسية قالوا إنها اخترقت مجالهم الجوي أثناء قصفها مراكز للمعارضة السورية التي تدعمها أنقرة في منطقة جبل التركمان. لكن التطورات الميدانية التي جرت بعد ذلك، عقدت الأمور إلى حد بعيد باعتراف مصدر رسمي تحدث لـ«الشرق الأوسط» أمس.
فروسيا التي أنشأت منظومة دفاع جوي متطورة في المنطقة، ودفعت بمقاتلات حديثة إلى الميدان السوري ملوحة بإسقاط أي طائرة تركية تخترق المجال الجوي السوري، دفعت أيضا باتجاه إقامة ما يشبه «الجدار الناري» عند الحدود في رسالة واضحة لأنقرة بأنها لا تسمح بمثل هذه المنطقة، خصوصا أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان تحدث صراحة في أعقاب إسقاط الطائرة عن نيته مد المنطقة الآمنة إلى البحر.
فقبل سقوط الطائرة الروسية، كان الأميركيون يتحدثون عن قرابة مائة كيلومتر من الحدود التي يريدون من أنقرة إقفالها بشكل تام مع سوريا، من أصل نحو 900 كيلومتر هو مجمل المساحة التي يتشاركها البلدان. وهذه المساحة التي تحدث عنها الأميركيون، هي تلك التي يحتلها تنظيم داعش، التي تمتد من جرابلس إلى منطقة قريبة من أعزاز التي تسيطر عليها المعارضة السورية المدعومة من أنقرة.
لكن ما حصل هو أن «داعش» بدأ يطبق نحو أعزاز، بينما كانت قوات الحماية الكردية تتجه إلى المنطقة نفسها منطلقة من جيبها في عفرين، بما يتهدد هذا المعبر الحيوي للمعارضة باتجاه مدينة حلب وريفها، بينما كانت قوات النظام السوري المدعومة من الروس تقترب من الحدود من جهة جبل التركمان، ووصلت إلى مسافة 3 كيلومترات من الحدود التركية.
وأبلغ رئيس المكتب السياسي للجبهة الشامية عبد الله العثمان «الشرق الأوسط»، أن القوات الروسية قدمت الغطاء الجوي للمقاتلين الأكراد الذين كانوا يتقدمون في اتجاه أعزاز، مشيرا إلى أن الطائرات الروسية شاركت بقصف المنطقة التي كان يحاول الأكراد التقدم باتجاهها. وفي المقابل، كان «داعش» يحاول استغلال هذه الضربات التي نفذت على منطقة أعزاز محاولا التقدم من الجهة المقابلة.
وبينما قال مصدر في الجيش السوري الحر إن «إقامة المنطقة الآمنة في شمال سوريا لا تزال أولوية لدى الدولة التركية، كما أنها أولوية الأولويات بالنسبة للجيش الحر»، ولفت إلى أن «هناك بعض الإجراءات اللوجيستية قيد الإنجاز وتمهد للبدء بإعلان المنطقة الآمنة».
وكشف المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن «أهم أسباب تأخر إنشاء مثل هذه المنطقة هو التصعيد الكردي في منطقة أعزاز وفي ريف حلب الشمالي الذي يهدف إلى إعاقة إنشاء المنطقة الآمنة». وقال: «إن قوات الحماية الكردية تستفيد من الدعم الجوي الروسي لها، وقصف الطيران الروسي لمواقع الجيش الحر من أجل التقدم ميدانيًا وإرباكنا، لكن الدعم الجوي لم يحقق لهم أي مكاسب على الأرض، وكل هجماتهم تمنى بالفشل، لأننا نتصدى لهم بقوة»، موضحًا أن «هدف هذه العمليات هو التشويش على المنطقة الآمنة وعرقلتها».
ويعترف مصدر رسمي تركي بأن ما حصل بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية قد «عقد الأمور» فيما يختص بقيام المنطقة الآمنة، لكنه شدد على أن أنقرة لم تتراجع عن هذا الخيار، ووصفه بأنه «خيار جدي وممكن التحقيق». وأشار المصدر إلى أن مجريات العمليات العسكرية الحالية قرب الحدود التركية، يؤثر بشكل مباشر على هذه الخطط، لكنه لن يمنعها في نهاية المطاف.
وأكد المصدر وجود استعدادات جدية تقوم بها تركيا بالتعاون مع حلفائها الإقليميين والدوليين لتأمين وسائل إقامة هذه المنطقة، كاشفا عن وجود عمليات تدريب مكثفة تجري في الأراضي التركية لمقاتلين سوريين، يفترض أن يكون دورهم إقامة هذه المنطقة وحمايتها، مشددا على أن القوات التركية سوف تقوم بكل ما يلزم من أجل حماية هؤلاء ومد يد العون إليهم.
وأكد المصدر وجود تنسيق على مستوى عال، مع واشنطن فيما يخص هذا الموضوع، كاشفا أن الاستعدادات البرية هذه على وشك الانتهاء، لكنه أشار في المقابل إلى أن أي قرار لم يتخذ بعد بشأن مشاركة برية من قبل القوات التركية، أو دول أخرى لحماية هذه المنطقة. وأوضح أن سيناريو الغطاء الجوي للمعارضة المعتدلة من شأنه أن يوفر لها قدرة أكبر على تنفيذ المهمة، وهذا ما تتم مناقشته بشكل جدي ومستفيض مع الأميركيين. وكشف المصدر أن عملية جوية واسعة سوف تستهدف مناطق نفوذ تنظيم داعش من قبل التحالف الدولي الذي تشارك فيه تركيا، خلال أيام قليلة، بينما يبقى على المعارضة السورية المعتدلة إثبات وجودها على الأرض، مشددا على أن أنقرة لن تسمح لقوات «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي بالاستفادة من هذه الضربات لتوسيع نفوذه والتمدد أكثر.



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.