من طالبة بالصيدلة إلى إرهابية في كاليفورنيا.. رحلة محيرة لـ«تاشفين»

«إف بي آي» يبحث عن علاقات مباشرة بين منفذي المجزرة مع «داعش» أو الإرهابيين الدوليين الآخرين

تاشفين مالك وزوجها سيد رضوان فاروق المولود في مدينة شيكاغو الأميركية (واشنطن بوست)، بعض مقتنيات الزوجين من داخل منزلهما في مدينة سان برناردينو في كاليفورنيا (واشنطن بوست)
تاشفين مالك وزوجها سيد رضوان فاروق المولود في مدينة شيكاغو الأميركية (واشنطن بوست)، بعض مقتنيات الزوجين من داخل منزلهما في مدينة سان برناردينو في كاليفورنيا (واشنطن بوست)
TT

من طالبة بالصيدلة إلى إرهابية في كاليفورنيا.. رحلة محيرة لـ«تاشفين»

تاشفين مالك وزوجها سيد رضوان فاروق المولود في مدينة شيكاغو الأميركية (واشنطن بوست)، بعض مقتنيات الزوجين من داخل منزلهما في مدينة سان برناردينو في كاليفورنيا (واشنطن بوست)
تاشفين مالك وزوجها سيد رضوان فاروق المولود في مدينة شيكاغو الأميركية (واشنطن بوست)، بعض مقتنيات الزوجين من داخل منزلهما في مدينة سان برناردينو في كاليفورنيا (واشنطن بوست)

كان سيد رضوان فاروق المولود في مدينة شيكاغو الأميركية، وهو خريج جامعي، كان يعمل دائما في جنوب كاليفورنيا – رجلا هادئا وورعا، وكان يبحث عن زوجة. وفي نهاية المطاف عثر على واحدة – امرأة تدعى تاشفين مالك عاشت في أرض بعيدة، ولم تذهب أبدا إلى الولايات المتحدة.
ما حدث بعد ذلك ومسألة كيف ولماذا قرر زوجان يسكنان الضواحي ولديهما طفلة صغيرة تنفيذ حادثة قتل جماعي – هو موضع تحقيق، حيث يبحث مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) عن الديناميكية الموجودة بين فاروق ومالك، الزوجين اللذين لم يكونا حتى يعرفا بعضهما البعض قبل سنتين، لكن انتهى بهما الحال قتلى معا في أحد شوارع مدينة سان برناردينو في كاليفورنيا، حيث تخلل الرصاص جسديهما عقب قتلهما 14 شخصا وإصابة 21 آخرين إثر هجومهما على حفل أقامه مركز إنلاند للرعاية الاجتماعية.
هل قاد فاروق زوجته نحو التطرف؟ أم التي قادته؟ وهل كانا يمتلكان علاقات مباشرة مع تنظيم داعش أو الإرهابيين الدوليين الآخرين، بوصفهما جزءا من مؤامرة متقنة، أم نفذا العملية بأنفسهما مستلهمين الفكرة فقط من الخارج؟
وقال مسؤول أميركي كبير في إنفاذ القانون إن أحد الاحتمالات يتمثل في أن مالك كانت متطرفة بالفعل قبل مجيئها إلى الولايات المتحدة العام الماضي كعروس لفاروق.
وتابع المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة التحقيق الجاري: هل كانت هي السبب، أم هل هو الذي قادها لطريق التطرف؟.
تعتبر البيانات الشخصية لفاروق قوية نسبيا. فقد كان عمره 28 عاما، ومولود لأبوين هاجرا إلى الولايات المتحدة من باكستان. وحضر المدرسة الثانوية في سان برناردينو، وتخرج في جامعة الولاية هناك. وكان يحصل على وظيفة جيدة كمفتش صحة في المقاطعة، يتأكد من نظافة المطاعم، ومن غسل عمال الخدمات الغذائية أيديهم جيدا، ومن أمان الحمامات العامة للسباحة. وعلى الرغم من أنه كان وحيدا، فإن الكثير من الأشخاص كانوا يعرفونه في المكتب في المسجدين اللذين كانا يؤدي الصلاة فيهما.
ومع ذلك، لا يزال الكثير عن تاشفين مالك، البالغة من العمر 29 عاما، لغزا محيرا. وبعد أكثر من ثلاثة أيام على مجزرة يوم الأربعاء، لم يظهر أحد كصديق – أو حتى أحد المعارف – لها في سان برناردينو.
كانت ترتدي النقاب دائما. ولم تكن تقود السيارة. وكانت معروفة بانتظارها في السيارة حتى يؤدي زوجها الصلاة في المسجد.
لكن بعض التفاصيل الجديدة برزت يوم السبت خلال مقابلات أجريت في باكستان. جاءت تاشفين مالك من عائلة باكستانية مزدهرة، وترعرعت في مدينة ملتان الباكستانية - التي تبعد نحو 100 ميل من القرية التي ينتمي أجدادها إليها. وفي عام 2007، انخرطت للحصول على شهادة في الصيدلة من جامعة بهاء الدين زكريا.
وذكرت إحدى صديقاتها المقربات –عابدة راني – أن تاشفين مالك تغيرت في عام 2009 تقريبا، حيث أولت اهتماما فجأة إلى الدراسات الإسلامية أكثر من الصيدلة. وكانت مالك تسافر في جميع أنحاء المدينة، كل يوم تقريبا، للذهاب إلى مدرسة، تقضي فيها أمسياتها.
وتابعت راني، التي كانت زميلة دراسية لمالك لمدة ست سنوات: «كنا نتساءل: ما الذي حدث لمالك؟ فقد أصبحت متدينة للغاية وجادة جدا ومركزة تماما على تعاليم الدين الإسلامي، كما فقدت اهتمامها بدراستها».
وبينما كانت الطالبات في الجامعة منشغلات بتكوين علاقات اجتماعية، كانت تاشفين مالك تشاهد إحدى القنوات الإسلامية على التلفزيون الباكستاني على مدار 24 ساعة، على حد قول راني.
كانت دائما ترتدي البرقع. لم تجلس أبدا في الصف الأمامي في الفصل. ولم تكن تتفاعل مع الشباب.
وقال عاطف نيسار أحمد، أستاذ في المدرسة، عن تاشفين مالك: «كانت محافظة وهادئة».
وخلال سنتها الجامعية الأخيرة، أصبحت تاشفين مالك صارمة جدا في معتقداتها الإسلامية المحافظة لدرجة أنها رفضت أحد عناصر الحياة الجامعية: التصوير. وعندما تخرجت تاشفين مالك في كلية الصيدلة، حاولت إزالة كافة صورها من قواعد بيانات الجامعة. وجمعت كافة هوياتها الجامعية وبطاقات المكتبة وحطمتها.
وقالت تاشفين مالك، وفقا لراني: «لا أريد أي صور دون حجاب».
ورغم ذلك، لم تحتو المحافظة الدينية لمالك على أي تلميحات إلى التطرف، بحسب أشخاص كانوا يعرفونها. فلم تكن ملابسها المحافظة غير مألوفة، إذ إن نصف الطالبات في الكلية كنا محجبات تماما، وفقا لسكان محليين.
ولفت خالد جانباز، أحد أساتذة علم الصيدلة الذين درسوا لمالك، إلى أن مالك لم تناقش معتقداتها الشخصية أبدا، حتى رغم محاولة الأساتذة في كثير من الأحيان إشراك الطلاب في مناقشات حرة حول العلم والفلسفة والأخلاق الطبية.
وأضاف جانباز: «لم تقل أبدا للآخرين: ينبغي عليك فعل هذا أو ذاك. لا أرى أي دليل على كيفية تحولها إلى مطلقة نار».
وحسب أقربائها، انتقل والدا مالك من منطقة ليّه بإقليم البنجاب جنوب باكستان إلى المملكة العربية السعودية قبل 25 إلى 30 سنة مضت، وذلك بعد نزاع عائلي على الممتلكات. وقال عم تاشفين مالك – مالك أنور – إن جزءا من العائلة انفصل عن بقية العائلة التي لا تزال تعيش في منطقة ليّه.
ولم يسافر بعض أقرباء أنور إلى السعودية على مر السنين لزيارة والد تاشفين - «غولزار مالك»، وفقا لأنور. وقالوا إن غولزار أصبح متدينا على نحو متزايد على مدى السنوات التي قضاها في السعودية.
وبعد أن تخرجت تاشفين مالك في عام 2013 يبدو أنها تواصلت هناك مع سيد رضوان فاروق، الذي كان يبحث عن زوجة على مواقع الزواج على الإنترنت.
تزوجا قانونيا في الولايات المتحدة في أغسطس (آب) 2014 في مدينة ريفرسايد بولاية كاليفورنيا. وتوجد طفلتهما الآن في عهدة خدمة حماية الأطفال.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»



ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
TT

ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)

دفع تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً» إلى تساؤلات حول تأثير القرار على مستقبل التنظيم وعناصره. يأتي هذا في ظل تصاعد الصراع بين «قيادات (الإخوان) في الخارج» حول قيادة التنظيم. وقال باحثون في الحركات المتطرفة والإرهاب إن «قرار باراغواي أشار إلى ارتباط (الإخوان) بـ(تنظيمات الإرهاب)، وقد يدفع القرار دولاً أخرى إلى أن تتخذ قرارات مماثلة ضد التنظيم».
ووافقت اللجنة الدائمة بكونغرس باراغواي على «اعتبار (الإخوان) (تنظيماً إرهابياً) يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويشكل انتهاكاً خطيراً لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة». جاء ذلك في مشروع قرار تقدمت به ليليان سامانيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس المكوّن من 45 عضواً. وقال البرلمان في بيان نشره عبر موقعه الإلكتروني (مساء الخميس) إن «تنظيم (الإخوان) الذي تأسس في مصر عام 1928، يقدم المساعدة الآيديولوجية لمن يستخدم (العنف) ويهدد الاستقرار والأمن في كل من الشرق والغرب». وأضاف البيان أن «باراغواي ترفض رفضاً قاطعاً جميع الأعمال والأساليب والممارسات (الإرهابية)».
ووفق تقارير محلية في باراغواي، فإن باراغواي رأت في وقت سابق أن «(حزب الله)، و(القاعدة)، و(داعش) وغيرها، منظمات (إرهابية)، في إطار مشاركتها في الحرب على (الإرهاب)». وقالت التقارير إن «تصنيف (الإخوان) من شأنه أن يحدّ من قدرة هذه الجماعات على التخطيط لهجمات (إرهابية) وزعزعة استقرار الدول». كما تحدثت التقارير عن دول أخرى أقرت خطوات مماثلة ضد «الإخوان» من بينها، روسيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين.
وتصنف دول عربية عدة «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً». وعدّت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية التنظيم «جماعة إرهابية منحرفة» لا تمثل منهج الإسلام. وذكرت الهيئة في بيان لها، نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020، أن «(الإخوان) جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفُرقة، وإثارة الفتنة، والعنف، والإرهاب». وحذّرت حينها من «الانتماء إلى (الإخوان) أو التعاطف مع التنظيم».
كذلك أكد مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أن كل مجموعة أو تنظيم يسعى للفتنة أو يمارس العنف أو يحرّض عليه، هو تنظيم إرهابي مهما كان اسمه أو دعوته، معتبراً «(الإخوان) تنظيماً (إرهابياً)».
وتحظر الحكومة المصرية «الإخوان» منذ عام 2014، وقد عدّته «تنظيماً إرهابياً». ويخضع مئات من قادة وأنصار التنظيم حالياً، وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع، لمحاكمات في قضايا يتعلق معظمها بـ«التحريض على العنف»، صدرت في بعضها أحكام بالإعدام، والسجن «المشدد والمؤبد».
وحسب الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، فإن «تصنيف باراغواي (الإخوان) يؤكد الاتهامات التي توجَّه إلى التنظيم، بأن تنظيمات العنف خرجت من رحم (الإخوان)، أو أنها نهلت من أفكار التنظيم»، لافتاً إلى أن «قرار باراغواي أشار إلى أن (الإخوان) وفّر الحماية لتنظيمات التطرف التي نشأت في الشرق والغرب». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار بعض الدول العربية في وقت سابق حظر (الإخوان) يعود إلى أمرين؛ الأول أن التنظيم مارس العنف، والآخر أن التنظيم وفّر الحماية لجماعات الإرهاب».
وفي وقت سابق أكدت وزارة الأوقاف المصرية «حُرمة الانضمام لـ(الإخوان)»، مشيرةً إلى أن التنظيم يمثل «الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي». وفي فبراير (شباط) 2022 قالت دار الإفتاء المصرية إن «جميع الجماعات الإرهابية خرجت من عباءة (الإخوان)». وفي مايو (أيار) الماضي، قام مفتي مصر شوقي علام، بتوزيع تقرير «موثق» باللغة الإنجليزية على أعضاء البرلمان البريطاني يكشف منهج «الإخوان» منذ نشأة التنظيم وارتباطه بـ«التنظيمات الإرهابية». وقدم التقرير كثيراً من الأدلة على علاقة «الإخوان» بـ«داعش» و«القاعدة»، وانضمام عدد كبير من أعضاء «الإخوان» لصفوف «داعش» عقب عزل محمد مرسي عن السلطة في مصر عام 2013، كما لفت إلى أذرع «الإخوان» من الحركات المسلحة مثل «لواء الثورة» و«حسم».
وحول تأثير قرار تصنيف باراغواي «الإخوان» على «قيادات التنظيم في الخارج»، أكد الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن «قرار باراغواي سوف يؤثر بالقطع على عناصر التنظيم في الخارج، لأن التنظيم يزعم أنه ينتشر في دول كثيرة حول العالم، ومثل هذا القرار يؤثر على عناصر (الإخوان) الموجودة في باراغواي وفي الدول المجاورة لها، كما أن القرار قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ قرار مماثل ضد (الإخوان)».
يأتي قرار باراغواي في وقت يتواصل الصراع بين «قيادات الإخوان في الخارج» حول منصب القائم بأعمال مرشد التنظيم. ويرى مراقبون أن «محاولات الصلح بين جبهتي (لندن) و(إسطنبول) لحسم الخلافات لم تنجح لعدم وجود توافق حول ملامح مستقبل التنظيم». والصراع بين جبهتي «لندن» و«إسطنبول» على منصب القائم بأعمال المرشد، سبقته خلافات كثيرة خلال الأشهر الماضية، عقب قيام إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد «الإخوان» السابق، بحلّ المكتب الإداري لشؤون التنظيم في تركيا، وقيامه بتشكيل «هيئة عليا» بديلة عن «مكتب إرشاد الإخوان». وتبع ذلك تشكيل «جبهة لندن»، «مجلس شورى» جديداً، وإعفاء أعضاء «مجلس شورى إسطنبول» الستة، ومحمود حسين (الذي يقود «جبهة إسطنبول»)، من مناصبهم.


بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.


واشنطن: مادورو غير شرعي

نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
TT

واشنطن: مادورو غير شرعي

نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)
نيكولاس مادورو في 8 ديسمبر 2022 (رويترز)

قالت الولايات المتحدة اليوم (الثلاثاء)، إنها ما زالت ترفض اعتبار نيكولاس مادورو الرئيس الشرعي لفنزويلا، وتعترف بسلطة الجمعية الوطنية المُشَكَّلة عام 2015 بعد أن حلت المعارضة «حكومتها المؤقتة».
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس للصحافيين: «نهجنا تجاه نيكولاس مادورو لا يتغير. إنه ليس الرئيس الشرعي لفنزويلا. نعترف بالجمعية الوطنية المُشَكَّلة عام 2015»، وفق ما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية.
ولدى سؤاله عن الأصول الفنزويلية، ولا سيما شركة النفط الفنزويلية في الولايات المتحدة، قال برايس إن «عقوباتنا الشاملة المتعلقة بفنزويلا والقيود ذات الصلة تبقى سارية. أفهم أن أعضاء الجمعية الوطنية يناقشون كيف سيشرفون على هذه الأصول الخارجية».