إندونيسيا.. «اقتصاد مضيء» وسط ظلام التباطؤ الآسيوي

تظل دائمًا وجهة جاذبة للمستثمرين في الأسواق الناشئة

إندونيسيا.. «اقتصاد مضيء» وسط ظلام التباطؤ الآسيوي
TT

إندونيسيا.. «اقتصاد مضيء» وسط ظلام التباطؤ الآسيوي

إندونيسيا.. «اقتصاد مضيء» وسط ظلام التباطؤ الآسيوي

تزامنا مع ضعف النمو الاقتصادي في الأسواق الناشئة الصاعدة، ومعدلات انتعاش فاترة في الاقتصادات المتقدمة، تطفو على السطح علامات بأن منطقة جنوب شرقي آسيا بدأت تعاني هي الأخرى من تراجعات في معدلات النمو، وسط تراجع الإنتاجية وعدم الاستقرار السياسي الذي يهز الثقة في حكومات البلاد.
وعلى الرغم من تباطؤ النمو الاقتصادي في معظم اقتصادات جنوب شرقي آسيا، بما فيها إندونيسيا.. فإنه على المديين المتوسط والطويل تظل إندونيسيا جاذبة للغاية للشركات العاملة في الأسواق الناشئة، لأسباب رئيسية، منها زيادة الثراء والتحضر وتنوع قاعدة المستهلكين.
ففي الأسبوع الماضي، أفادت بيانات اقتصادية بانكماش قطاع الصناعات التحويلية في سنغافورة للشهر الخامس على التوالي، وتباطأت معدلات الإنتاج في ماليزيا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بأكبر وتيرة منذ منتصف عام 2012. وفي الوقت نفسه، خفض بنك التنمية الآسيوي توقعات النمو لإندونيسيا والفلبين وسنغافورة.
وفي ماليزيا، هزت الأزمة السياسية المحيطة بصندوق الاستثمار الحكومي ثقة المستثمرين في البلاد، مما جعل عملة البلاد واحدة من أضعف العملات في آسيا هذا العام. فقد تراجعت العملة بأكثر من ربع قيمتها أمام الدولار منذ يناير (كانون الثاني) الماضي. وتسبب انخفاض أسعار النفط في انهيار إيرادات شركات الطاقة التي تديرها الحكومة في ماليزيا.
حتى الفلبين، وهي واحد من أسرع الاقتصادات نموا في آسيا، تواجه نوعا من عدم اليقين في العام المقبل مع حلول موعد الانتخابات الرئاسية. وقال بنك التنمية الآسيوي الأسبوع الماضي إن النمو الاقتصادي في الفلبين من المتوقع أن يتباطأ إلى 5.9 في المائة هذا العام، من 6.1 في المائة في العام السابق، و7.1 في المائة في عام 2013.
وفي المتوسط، من المتوقع أن ينمو اقتصاد منطقة جنوب شرقي آسيا بنسبة 4.1 في المائة خلال العام الحالي انخفاضا من 4.3 في المائة خلال العام الماضي، وفقا لتقديرات مجموعة «كريدي سويس»، وهذا هو أقل معدل سنوي منذ بداية الأزمة المالية العالمية منذ ست سنوات.
ويتزامن مع المشاكل الداخلية في منطقة جنوب شرقي آسيا الناشئة ضعف النمو في الصين، وهي مشترٍ رئيسي للبضائع من المنطقة وتشكل محركا مهما للنمو العالمي. وتشير البيانات الرسمية إلى تقلص الواردات الصينية منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2014. ولم يملأ الانتعاش الاقتصادي الفاتر في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، وهما أيضا من كبار المستهلكين من المواد الخام والسلع المصنعة من جنوب شرقي آسيا، الفراغ الناتج عن تراجع الطلب من الصين.
ويقول الاقتصاديون إنه «إذا كانت هناك نقطة مضيئة في العام المقبل، فستكون من إندونيسيا». وتمثل إندونيسيا 40 في المائة من عدد سكان مجموعة دول جنوب شرقي آسيا الناشئة و40 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، فيما تُمثل اندونيسيا الاقتصاد رقم 11 عالميا بناتج إجمالي يبلغ 25 تريليون دولار.
وكانت سلسلة من التقارير البحثية التي صدرت عن مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG) خلال الأسبوع الماضي أثبتت أن إندونيسيا تُعتبر وجهة جذابة للشركات العالمية في ثلاث صناعات: السلع الاستهلاكية المعمرة، السلع الاستهلاكية سريعة النقل والحركة (FMCGs)، والخدمات المالية.
وقال فايشالي راستوغي، وهو شريك بارز في «BCG» والمؤلف المشارك في التقارير: «على الرغم من المطبات التي تعرض لها الاقتصاد في الفترة الماضية، لا تزال لدى إندونيسيا فرص كبيرة للنمو، مع قاعدة مستهلكين تنمو بوتيرة كبيرة، وتمكين اقتصادي ينمو عاما بعد آخر». ومن علامات التحسن في إندونيسيا التوقعات بتراجع معدل التضخم من 8.3 في المائة في العامين الماضيين إلى أقل من 5 في المائة في العام الحالي. ففي بيانات التضخم الحقيقية التي نشرتها وكالة الإحصاء المركزية في إندونيسيا (BPS)، بلغ معدل التضخم في إندونيسيا في نوفمبر الماضي 4.89 في المائة، على أساس سنوي. وقال هادي ساسميتو، نائب رئيس إحصاءات التوزيع والخدمات، إن الضغوط التضخمية جاءت أساسا من ارتفاع أسعار الدجاج والأرز والسجائر.
واستعاد المستهلكون ثقتهم في اقتصاد البلاد في نوفمبر، وسط تحسن الظروف الاقتصادية في البلاد، وفقا لمسح من بنك إندونيسيا. وأظهر استطلاع شهري أجراه بنك إندونيسيا، تضمن 4600 أسرة في 18 مدينة، ارتفاع مؤشر ثقة المستهلك في البلاد بنسبة 4.4 نقطة ليصل إلى 103.7 نقطة في نوفمبر.
وقراءة المؤشر فوق 100 نقطة تشير إلى أن المستهلكين متفائلون عموما وأكثر ثقة في اقتصاد البلاد. وحسبما ذكر الاستطلاع، أبدى المستهلكون تشاؤمهم حول الزيادة المتوقعة في أسعار المواد الغذائية الأساسية في فبراير (شباط) ومايو (أيار) من العام المقبل الناجمة عن قرار الحكومة بخفض دعم الكهرباء.
ويتوقع أغوس مارتوتواردوغو، محافظ بنك إندونيسيا (BI)، تحسن الوضع الاقتصادي في إندونيسيا العام المقبل. وقال في مؤتمر صحافي الخميس الماضي: «نحن نعتقد أن النمو الاقتصادي سينمو في حدود 5.2 إلى 5.6 في المائة في عام 2016 ليدور حول 5.6 إلى 6 في المائة خلال الفترة من 2017 حتى 2020».
وكان عجز الميزانية في العام الماضي 4.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما في عام 2015 من المتوقع أن يستقر العجز عند أقل من 2.5 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي. فمع التباطؤ الاقتصاد العالمي، خاصة في الصين، مما أدى إلى الانخفاض المستمر في أسعار السلع الأساسية، عانت إندونيسيا من تراجع النمو الاقتصادي منذ عام 2014، حيث سجلت نموا بنحو 5 في المائة فقط، مقارنة مع 6 في المائة خلال الفترة 2011 - 2013.
وكان المصدر الرئيسي للتباطؤ هو تدني معدلات الاستهلاك والصادرات والواردات. ومع استمرار بطء الانتعاش الاقتصادي في الصين والاتحاد الأوروبي، من المتوقع أن تظل أسعار السلع منخفضة لعدة سنوات مقبلة. ومع هذه الظروف، كان على الحكومة الإندونيسية أن تختار بين سياسات تحويل النفقات وسياسات خفض النفقات. وسياسات تحويل النفقات تحدث عندما تقوم الحكومة بخفض سعر الصرف (انخفاض قيمة الروبية) لجعل البضائع المستوردة أغلى، ولحث المستهلكين على التحول من استيراد البضائع إلى السلع المحلية.
هذه السياسة يمكن أن تكون فعالة إذا كانت السلع الاستهلاكية المحلية متاحة. ولكن إذا لم تكن السلع المحلية متاحة، سوف ترتفع الأسعار المحلية، لأن الطلب سيكون أعلى من العرض.
وتجربة البلاد من عام 2013 تبين أن التمويل الإضافي في شكل تحويلات نقدية مباشرة يساعد ذوي الدخل المنخفض للتخفيف من الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية، ويمنعهم من الوقوع في براثن الفقر مرة أخرى.
ويتوقع كل من مركز الإصلاح الاقتصادي «كور» وشركة «أبردين» لإدارة الأصول المحدودة تسارع النمو الاقتصادي في إندونيسيا في 2016. وتعتقد كلتا المؤسستين أن الإنفاق الأسري والحكومي سيتسارعان في العام المقبل، في حين تم كشف النقاب مؤخرا عن خطط التحفيز الاقتصادية (التي تشمل إزالة القيود التنظيمية والحوافز الضريبية) وخلق مناخ استثماري أكثر جاذبية، وبالتالي من المتوقع أن ينمو كل من الاستثمار الأجنبي والمحلي. ويتوقع مركز «كور» الإندونيسي، في توقعاته الاقتصادية لعام 2016، نمو استهلاك الأسر في إندونيسيا بنسبة 5.3 في المائة، ارتفاعا مما يقدر بنحو 5 في المائة خلال العام الحالي. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن ينمو الإنفاق الحكومي في حدود 6 إلى 7 في المائة العام المقبل.
ويقول المركز إن الحكومة من المفترض أن تحقق سلسلة من سياسات التوسع في الإنفاق الحكومي، خاصة في ما يتعلق بمشاريع البنية التحتية، والتي تعتبر واحدا من المفاتيح الرئيسية لتعزيز النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية في إندونيسيا خلال العام المقبل.
وفي محاولة للحد من العجز التجاري، تمكنت الحكومة من تقليص الواردات من السلع مثل المواد الغذائية والأرز والذرة وفول الصويا والسلع الصناعية. وارتفع إجمالي الديون الخارجية المستحقة على إندونيسيا بوتيرة أبطأ خلال الربع الثالث من العام الحالي، وأظهر تقرير صادر عن بنك إندونيسيا أن كلا من الحكومة والقطاع الخاص راغب في تحمل المزيد من القروض الخارجية وسط ضعف الاقتصاد.
وبحلول سبتمبر (أيلول) الماضي، بلغ إجمالي الديون الخارجية المستحقة في إندونيسيا في 302.4 تريليون دولار بزيادة 2.7 في المائة عن الفترة نفسها من العام الماضي، مقارنةً بارتفاع بلغ 6.2 في المائة في نهاية يونيو (حزيران) على أساس سنوي، عندما بلغ الدين الخارجي في 304.5 تريليون دولار.
وقال بنك اندونيسيا، في بيان رسمي، إن تطورات الديون الخارجية في الربع الثالث من عام 2015 لا تزال سليمة إلى حد كبير، ولكن سوف تبقى حذرة للمخاطر التي يمكن أن تؤثر على الاقتصاد.
ومن المرجح أن يقوم البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة في العام المقبل، مما يجعل الاقتراض أرخص ويوفر دفعة جيدة لنمو الاقتصاد. فمنذ فبراير الماضي وبنك إندونيسيا صامد أمام التغيرات النقدية العالمية، خشية أن الارتفاع المتوقع في أسعار الفائدة في الولايات المتحدة من شأنه أن يؤدي إلى قيام المستثمرين ببيع الأصول المحلية للهروب إلى الأصول المقومة بالدولار الأميركي التي ستصبح أكثر جاذبية نسبيا.

* الوحدة الاقتصادية
بـ«الشرق الأوسط»



روسيا تعتزم تحسين تصنيفها العالمي في الذكاء الاصطناعي بحلول 2030

بوتين يزور معرضًا في «رحلة الذكاء الاصطناعي» بسابيربنك في موسكو 11 ديسمبر 2024 (رويترز)
بوتين يزور معرضًا في «رحلة الذكاء الاصطناعي» بسابيربنك في موسكو 11 ديسمبر 2024 (رويترز)
TT

روسيا تعتزم تحسين تصنيفها العالمي في الذكاء الاصطناعي بحلول 2030

بوتين يزور معرضًا في «رحلة الذكاء الاصطناعي» بسابيربنك في موسكو 11 ديسمبر 2024 (رويترز)
بوتين يزور معرضًا في «رحلة الذكاء الاصطناعي» بسابيربنك في موسكو 11 ديسمبر 2024 (رويترز)

قال ألكسندر فيدياخين، نائب الرئيس التنفيذي لأكبر بنك مقرض في روسيا: «سبيربنك»، إن البلاد قادرة على تحسين موقعها في تصنيفات الذكاء الاصطناعي العالمية بحلول عام 2030. على الرغم من العقوبات الغربية المفروضة عليها، بفضل المطورين الموهوبين ونماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية الخاصة بها.

ويُعدّ «سبيربنك» في طليعة جهود تطوير الذكاء الاصطناعي في روسيا، التي تحتل حالياً المرتبة 31 من بين 83 دولة على مؤشر الذكاء الاصطناعي العالمي لشركة «تورتويز ميديا» البريطانية، متأخرة بشكل ملحوظ عن الولايات المتحدة والصين، وكذلك عن بعض أعضاء مجموعة «البريكس»، مثل الهند والبرازيل.

وفي مقابلة مع «رويترز»، قال فيدياخين: «أنا واثق من أن روسيا قادرة على تحسين وضعها الحالي بشكل كبير في التصنيفات الدولية، بحلول عام 2030، من خلال تطوراتها الخاصة والتنظيمات الداعمة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي». وأضاف أن روسيا تتخلف عن الولايات المتحدة والصين بنحو 6 إلى 9 أشهر في هذا المجال، مشيراً إلى أن العقوبات الغربية قد أثَّرت على قدرة البلاد على تعزيز قوتها الحاسوبية.

وأوضح فيدياخين قائلاً: «كانت العقوبات تهدف إلى الحد من قوة الحوسبة في روسيا، لكننا نحاول تعويض هذا النقص بفضل علمائنا ومهندسينا الموهوبين».

وأكد أن روسيا لن تسعى لمنافسة الولايات المتحدة والصين في بناء مراكز بيانات عملاقة، بل ستتركز جهودها على تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي الذكية، مثل نموذج «ميتا لاما». واعتبر أن تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية باللغة الروسية يُعدّ أمراً حيوياً لضمان السيادة التكنولوجية.

وأضاف: «أعتقد أن أي دولة تطمح إلى الاستقلال على الساحة العالمية يجب أن تمتلك نموذجاً لغوياً كبيراً خاصاً بها». وتُعدّ روسيا من بين 10 دول تعمل على تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية الوطنية الخاصة بها.

وفي 11 ديسمبر (كانون الأول)، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا ستواصل تطوير الذكاء الاصطناعي بالتعاون مع شركائها في مجموعة «البريكس» ودول أخرى، في خطوة تهدف إلى تحدي الهيمنة الأميركية، في واحدة من أكثر التقنيات الواعدة في القرن الحادي والعشرين.

وقال فيدياخين إن الصين، خصوصاً أوروبا، تفقدان ميزتهما في مجال الذكاء الاصطناعي بسبب اللوائح المفرطة، معرباً عن أمله في أن تحافظ الحكومة على لوائح داعمة للذكاء الاصطناعي في المستقبل.

وقال في هذا السياق: «إذا حرمنا علماءنا والشركات الكبرى من الحق في التجربة الآن، فقد يؤدي ذلك إلى توقف تطور التكنولوجيا. وعند ظهور أي حظر، قد نبدأ في خسارة السباق في الذكاء الاصطناعي».

تجدر الإشارة إلى أن العديد من مطوري الذكاء الاصطناعي قد غادروا روسيا في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد حملة التعبئة في عام 2022 بسبب الصراع في أوكرانيا. لكن فيدياخين أشار إلى أن بعضهم بدأ يعود الآن إلى روسيا، مستفيدين من الفرص المتاحة في قطاع الذكاء الاصطناعي المحلي.