«أم التعليم في أفغانستان».. جابهت طالبان ودرّست الملايين

سكينة يعقوبي لـ«الشرق الأوسط»: جائزة وايز اعتراف دولي بمجهوداتنا

سكينة يعقوبي مع إحدى طالبات المعهد الأفغاني للتعليم (ويليام فاسكيز)
سكينة يعقوبي مع إحدى طالبات المعهد الأفغاني للتعليم (ويليام فاسكيز)
TT

«أم التعليم في أفغانستان».. جابهت طالبان ودرّست الملايين

سكينة يعقوبي مع إحدى طالبات المعهد الأفغاني للتعليم (ويليام فاسكيز)
سكينة يعقوبي مع إحدى طالبات المعهد الأفغاني للتعليم (ويليام فاسكيز)

من طفلة عانت مرارة الحرب والتشرد ووجع الافتراق مع الأهل والوطن، أصبحت سكينة يعقوبي «أم التعليم في أفغانستان» وإحدى أكثر الشخصيات تأثيرا في مجال تمكين المرأة وحماية الطفولة. تحدّثت يعقوبي لـ«الشرق الأوسط» عن تجربتها بشغف وتواضع، وألهمت الكثيرين بمشروعها الريادي «المعهد الأفغاني للتعليم» الذي غيّرت من خلاله حياة أكثر من 12 مليون طفل وطفلة منذ عام 1996. كما تناولت تأثير عائلتها عليها، وخصوصا والدها، وفترتي الاجتياح السوفياتي لبلادها وحكم حركة طالبان. وأوضحت يعقوبي تفاصيل نشأة المعهد وتحديّات إطلاق مشروع تعليمي طويل الأمد وسط مخيمات لاجئين، هاجسهم الأول ضمان قوتهم اليومي. وفيما يلي نص الحوار.
* من أين جاءت فكرة إنشاء معهد لتعليم الفتيات، ماذا كان إلهامك؟
- لا أبالغ عندما أقول إنه كان لوالدي الدور الأكبر في تشجيعي على الدراسة والتفوق في مجتمع أفغاني ذكوري لا يهتم بتعليم الفتيات. كان والدي رجلا ذكيا، حيث علم منذ وقت مبكّر أن تعليمي سيتوقف لا محالة عند اجتيازي الصف الـ12 لأسباب مختلفة، منها سياسية وأخرى أمنية. لذا قرّر إرسالي إلى الولايات المتحدة لإنهاء تعليمي في أفضل الظروف الممكنة.
التحقت بكلية الطب في أميركا، وقررت آنذاك المساهمة في تحسين قطاعي الصحة والتعليم في أفغانستان. لماذا الصحة ستسألينني؟ سأجيبك بأن والدتي عانت من تردّي القطاع الصحي في البلد. فقد حملت 16 مرّة، ولم تنجب إلا 5 أطفال، توفّي منهم اثنان. كما ترعرعت على مشاهد جنازات نساء توفين خلال الإنجاب، ورضّع يوضعون في حفر من تراب فور خروجهم من أرحام أمهاتهم.
خلال فترة تعليمي الجامعي، اجتاح الاتحاد السوفياتي (السابق) أفغانستان، وشُرّدت عائلتي ولجأت إلى إيران، لكنني تمكّنت من لم شملنا في أميركا بعد تخرّجي، وأصبح هاجسي الأساسي هو مساعدة اللاجئين والنازحين الأفغان. زرت مخيمات اللاجئين في باكستان، وأدركت حجم معاناتهم وحاجتهم الماسة إلى الدعم الصحي والسيكولوجي. كما أدركت أنه يستحيل تغيير حياة هؤلاء الناس (كما غيرت حياتي) دون توفير فرص تعليم ملائمة.
* أنشأتي المعهد الأفغاني للتعليم في مخيمات اللاجئين بباكستان، كيف موّلتي المشروع، وكيف تطوّر؟
- أطلقت مشروع «المعهد الأفغاني للتعليم» عام 1995 بنحو 20 ألف دولار من مالي الخاص. أول مرحلة في المشروع كانت هي تدريب المعلّمين الجدد. وأعتقد أن السبب الرئيسي لاختياري البدء بالتدريب على التدريس هو أن الكتابة والقراءة لا يكفيان لتعليم الأطفال وتمكينهم من تحقيق الاكتفاء الذاتي في المستقبل. وخلال سنة واحدة من إطلاق البرنامج، ازداد عدد تلاميذنا من 300 في بداية السنة إلى 15 ألفا. فاجأنا تحمّس الأهالي لتسجيل أبنائهم في المعهد وأصبح المعهد معروفا عند الجميع، واكتسب سمعة جيدة لجودة التعليم وسرعته. وعند تخرّجهم بنجاح، عرضنا رواتب على بعض المتفوقين لضمان استمرار تدريس المناهج التعليمية لأفواج جديدة.
* بماذا تتميز برامج المعهد التعليمية عن غيرها؟ وكيف اخترت أول فوج من المدرّسين؟
- في البداية، قمت بتصميم المناهج التعليمية بنفسي، وشاركت في تدريس وتدريب أول فوج من المتعلمين. وعند انطلاقنا تميزت مناهجنا التعليمية عن غيرها بالتفكير النقدي. فمعظم المناهج التي درستها في طفولتي كانت تعتمد على التلقين والحفظ بشكل كبير، مما أردته لأجيال أفغانستان الجديدة كان مختلفا.
وبعد السنة الأولى، درّبنا مئات المعلّمين الجدد، ليفوق عددهم اليوم 22 ألفا. ولم يقتصر المعهد على تدريب المدرسين الجدد، بل وفّر التدريس المجاني لآلاف الأطفال الأفغان في مخيمات اللجوء وفي باقي أنحاء أفغانستان. كما أننا نوظف بشكل دائم اليوم 84 شخصا، معظمهم من النساء، يعملون في المعهد الأفغاني للتعليم الذي افتتح 340 مركزًا للتعليم، وأغلب المشاركين تقريبًا حصلوا على الاكتفاء الذاتي. وأرى شخصيا أنه على كل امرأة أن تكتفي ذاتيا، وأن تثق بنفسها. وحين تصبح مستقلة فإنها ستكرم منظمتها، وبذلك سنتمكن من الاستمرار بفتح المراكز الجديدة.
* حدّثينا عن مصادر التمويل بعد توسّع المعهد الأفغاني للتعليم.
- معظم التمويل الذي نحصل عليه يأتي من التبرعات الفردية، متبوعا بتبرعات المؤسسات العائلية والجوائز النقدية التي حصل عليها المعهد من طرف مختلف الجهات الدولية الناشطة في مجال التعليم. وأودّ الإشارة هنا إلى أنني، ومنذ بداية مشروع المعهد التعليمي، لم أحصل على أي تمويل حكومي، وأن الأموال التي نستثمرها في المشروع تأتي من جهات مستقلة وبدافع خيري بحت.
* قمتي بالتدريس سرا خلال نظام طالبان، وفتحتي مدارس خاصة ومستشفى. كيف تلقت الحركة نشاطك الخيري الهادف إلى تمكين المرأة؟
- بالفعل.. بعدما فرضت طالبان سلطتها في أفغانستان، اضطررنا إلى ممارسة مختلف أنشطة المعهد سرّا بسبب طبيعة نظام حكم الحركة ومبادئها. وبكثير من الحذر، واصلنا تعليم 3 آلاف طالبة وطالب في نحو 80 مدرسة في مختلف أنحاء البلد. والواقع هو أننا لم نواجه مضايقات كبيرة من طرف أفراد طالبان، إذ إنهم لم ينظروا إلينا كتهديد، كما أننا التزمنا بلبس الزي الإسلامي واعتمدنا على مناهج التدريس في أفغانستان، لكن بطريقة تلقين مختلفة ومتقدّمة تعتمد على التفكير النقدي. وبعد نظام طالبان، عدنا إلى التدريس علانية، كما أنشأنا معاهد لتعليم النساء في معظم المدارس بهدف تمكينهن من كسب قوتهن بكل استقلالية. وأقمنا مراكز رعاية صحية في الكثير من مراكز التدريس.
* فزتي بجائزة «وايز» للتعليم لعام 2015، حدثينا عن الجائزة وأهميتها.
- لا شك أن فوزي بجائزة «وايز» للتعليم تقدير لمجهوداتنا واعتراف دولي بأهمية تعليم المرأة في مجتمعاتنا. وتهدف جائزة «وايز» للتعليم إلى رفع مستوى الوعي العالمي بأهمية التعليم في المجتمعات كافة، وتشجيع الأفراد أو المجموعات الهادفة إلى تخفيف التحديات التي تواجه هذا المجال والرقي به إلى مستوى المجالات المحتفى بها عالميا، على غرار الاقتصاد والسلام. الجائزة التي توجت بها هذه السنة هي خامس جائزة من نوعها، وهي بمثابة اعتراف عالمي بمشاريع تمكنت من مضاعفة سبل الولوج إلى التعليم لفئات مهمشة في مختلف أرجاء العالم.
وأعتبر أن اختياري ضمن الكثير من المؤسسات التعليمية الرائعة شرف كبير، باعتباري امرأة مسلمة تقود إحدى أكبر المؤسسات التعليمية والداعمة لحقوق المرأة في أفغانستان. كما أعتقد أن هذه الجائزة تسهم في تشجيع بلدان أخرى، ولا سيما المسلمة، على تقدير التعليم ودوره في تنمية المجتمعات.
* ما النصيحة التي تقدمينها للمبادرين ورواد الأعمال المبتدئين في مجال التعليم؟
- نصيحتي الأولى والأساسية هي الاستمرار مهما كانت التحديات، وعدم الرضوخ لخيبة الأمل. ففي مجال التعليم، يصعب تحقيق نتائج على المدى القصير. أنا مثلا، لم أر النتائج التي طمحت إليها إلا بعد مرور سنوات من إطلاق مشروعي التعليمي. أما نصيحتي الثانية، فهي العمل بشكل متواصل، فالتعليم هو الحل لمعظم، إن لم يكن لجلّ، مشكلاتنا في المجتمع. فهو الحل لمكافحة الفقر، وتوفير الرعاية الصحية، والنمو الاقتصادي، والمساواة وغيرها.



جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة
TT

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

تم تصنيف جامعة ياغيلونيا في مدينة كراكوف البولندية كأفضل مؤسسة تعليمية جامعية في البلاد، إلى جانب كونها واحدة من أعرق الجامعات في العالم. بدأت قصتها عام 1364 عندما نجح الملك كازيمير الأعظم بعد سنوات طويلة في إقناع البابا أوربان الخامس بمنح تصريح لإنشاء مؤسسة للتعليم الجامعي في مدينة كراكوف، قام الملك بتمويلها بعائدات مناجم فياليتشكا الملحية القريبة.
بعد ثلاث سنوات كان الجرس يدق في أرجاء المؤسسة معلناً عن بدء الدروس والتي كانت في الفلسفة والقانون والطب. وبدأت الجامعة، التي كان أول اسم يطلق عليها هو أكاديمية كراكوف، في الازدهار والنجاح خلال القرن التالي عندما بدأت في تدريس الرياضيات واللاهوت والفلك، حيث جذبت تلك المواد الباحثين والدارسين البارزين من مختلف أنحاء أوروبا. وتطلب توسعها بخطى سريعة إنشاء حرم جامعي أكبر. وقد التحق نيكولاس كوبرنيكوس، الذي أحدث بعد ذلك ثورة في فهم الكون، بالجامعة منذ عام 1491 حتى 1495.
مع ذلك، لم يستمر ما حققته الجامعة من نجاح وازدهار لمدة طويلة كما يحدث طوال تاريخ بولندا؛ ففي عام 1939 احتل النازيون مدينة كراكوف وألقوا القبض على الأساتذة بالجامعة وقاموا بنقلهم إلى معسكري التعذيب زاكزينهاوسين، وداخاو؛ ولم يعد الكثيرون، لكن من فعلوا ساعدوا في تأسيس جامعة مناهضة سرية ظلت تعمل حتى نهاية الحرب. كذلك اضطلعت جامعة ياغيلونيا بدور في الاحتجاجات المناهضة للنظام الشمولي في الستينات والثمانينات، واستعادت حالياً مكانتها المرموقة كمؤسسة لتدريب وتعليم النخبة المتعلمة المثقفة في بولندا.
ساعد انضمام بولندا إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004 في زيادة موارد الجامعة، وفتح أقسام جديدة، وإنشاء مرافق أفضل منها ما يسمى بـ«الحرم الجامعي الثالث» أو «الحرم الجامعي للذكرى الـ600» في منطقة بيخوفيسه. وبلغ عدد الملتحقين بالجامعة في 87 برنامجا دراسيا خلال العام الدراسي 2015-2016 47.494 طالباً.
وطوال قرون التحق خلالها عدد كبير من الطلبة بالجامعة، كان التحاق أول طالبة بالجامعة يمثل حدثاً بارزاً، حيث قامت فتاة تدعى نوفويكا، بالتسجيل في الجامعة قبل السماح للفتيات بالالتحاق بالجامعة بنحو 500 عام، وكان ذلك عام 1897، وتمكنت من فعل ذلك بالتنكر في زي شاب، وكانت الفترة التي قضتها في الدراسة بالجامعة تسبق الفترة التي قضاها زميل آخر لحق بها بعد نحو قرن، وكان من أشهر خريجي الجامعة، وهو نيكولاس كوبرنيكوس، الذي انضم إلى مجموعة عام 1492، وربما يشتهر كوبرنيكوس، الذي يعد مؤسس علم الفلك الحديث، بكونه أول من يؤكد أن الأرض تدور حول الشمس، وهو استنتاج توصل إليه أثناء دراسته في الجامعة، ولم ينشره إلا قبل وفاته ببضعة أشهر خوفاً من الإعدام حرقاً على العمود. من الطلبة الآخرين المميزين كارول فويتيالا، والذي يعرف باسم البابا يوحنا بولس الثاني، الذي درس في قسم فقه اللغة التاريخي والمقارن بالجامعة.