أصدارات

أصدارات
TT

أصدارات

أصدارات

«المرجع الحديث في الهندسة الإدارية»

جدة ـ «الشرق الأوسط»: صدر أخيرًا كتاب «المرجع الحديث في الهندسة الإدارية»، من تأليف الأكاديمي السعودي الدكتور محمد أحمد بصنوي، بالاشتراك مع الدكتور هشام عبد الحفيظ الغريب الأكاديمي المصري.
ويعالج الكتاب أحد العلوم الحديثة عمل القطاعات العلمية أو الصناعية أو الأجهزة التابعة للدولة بل حتى المؤسسات الصغيرة، وكذلك كيفية دمج علم الإدارة مع علم الهندسة لذلك سمي بعلم «الهندرة»، وهو العلم الذي استمدت منه الإدارات الحكومية مسمى «الحكومة الإلكترونية».
ويتكون الإصدار من 17 فصلاً، ويحتوي جملة من الموضوعات والعناصر المبنية على أسس علمية متسلسلة تعمل على إيضاح الموضوع للقارئ وبيان أهميته العلمية، كما أنه اعتمد على 27 مرجعا عربيا، وثماني ندوات ومؤتمرات، و59 مرجعا أجنبيا قمنا بترجمتها لتسهيل العمل على القارئ العربي.
ويستفيد من الكتاب طلاب العلم في مجال الإدارة، وإدارة الموارد البشرية، بالإضافة إلى طلاب الهندسة الإدارية، والجامعات والمعاهد المتخصصة، كما أنه موجه، إلى الشركات والمؤسسات التي تسعى إلى إعادة هندسة منشآتها لتعمل على رفع كفاءتها وأن تكون في مصاف المنشآت العملاقة، ويستفاد من مديري القطاعات المختلفة، الذين يقدم لهم الكتاب نماذج المختلفة في الهندسة الإدارية، ما يمكنهم من الاسترشاد بها لتكون المعين لهم في تطوير إداراتهم.
ويعتبر البحث الذي صدر في أكثر من 400 صفحة، إحدى اللبنات والمكاسب الجديدة في المكتبة العربية لإثرائها في مجال الهندسة الإدارية بما هو حديث وجديد، كما يعد الإصدار الثاني للمؤلف الدكتور محمد بصنوي، نسبة لكتابه الأول «هندسة الموارد البشرية وعلاقتها بالحكومة الإلكترونية»، وهو بحث اعتمد فيه المؤلف على آخر الأبحاث والدراسات العلمية التي تناولت الربط بين العلوم الحديثة للهندسة الإدارية، والموارد البشرية، والإدارة الإلكترونية.

* «لا تسأل أحدًا» لعدنان فرزات

الكويت ـ «الشرق الأوسط»: صدر للكاتب السوري عدنان فرزات كتاب جديد بعنوان «لا تسأل أحدًا: كتابة القصة على طريقة أحسن القصص»، ويتضمن الكتاب تحليلاً أدبيًا لقصة يوسف عليه السلام في القرآن الكريم، حيث يستخرج منها قواعد علمية للقصة مثل الحدث وتصاعديته، والحبكة وعنصر التشويق واللغة والتكثيف المكاني والزماني، وغيرها من العناصر التي وجد فرزات فيها عناصر وافية للقصة يمكن الكتابة وفق معطياتها.
ويعرف فرزات في مقدمة كتابه الصادر عن مشروع كتاب «مكتبتكم» في الكويت بقوله: كثير من الدارسين تعاملوا مع قصة يوسف عليه السلام في القرآن الكريم من الناحية الشرعية، ولا شك أن هناك من درسها نحويًا ولغويًا، ولكنهم أغفلوا الجانب الأدبي في القصة، ولم يتطرقوا - كما يجب - إلى عناصرها الأدبية والفنية، ونأوا بدراساتهم عن استكشاف القواعد التي تتضمنها هذه القصة من حيث الحدث والحبكة والتشويق واللغة والوصف، وغير ذلك من عناصر تشكل أساسيات بناء القصة.
وهذا الكتاب موجه إلى أصحاب الخطوة الأولى في عالم القصة لأن هذه الخطوة هي الأصعب، ليس لأن أقدامنا لا تزال ندية السير. وفي السطور المقبلة، أحاول أن أضع الإشارات التي تميز بين القصة والخاطرة، من خلال عناصر القصة الأدبية والفنية التي وردت في قصة يوسف، حيث فقدت القصة في السنوات الأخيرة أساسياتها وتحول معظمها إلى خاطرة.

* «مسكون بفقدها»

دمشق ـ هشام عدرة: صدرت أخيرًا عن دار بعل للطباعة والنشر والتوزيع بدمشق المجموعة الشعرية الجديدة للشاعر السوري أحمد الخليل تحت عنوان: (مسكون بفقدها) جاءت بـ140 صفحة من القطع الوسط، وضمت 62 قصيدة نثر.
وكأقرانه من شعراء قصيدة النثر من جيل الثمانينات والتسعينات، يحاول الشاعر الخليل أن يوصل مقولته الشعرية بمدلولاتها وعنفوانها ومفرداتها بكثير من الغموض وقليل من المباشرة. وعلى المتلقي أن يغوص في عمق الكلمات لتصل إليه كحال لوحة فنية سوريالية، وهذا واضح في عدد من قصائد المجموعة ومنها «فواصل»، و«دروب ضيّقة» و«خيبة» وغيرها.
ثمّة تفصيل أراده الشاعر أن يكون حاضرًا في قصائد مجموعته وهي ذكر المكان الذي كتب كل واحدة فيها، فنجده كتب بعضها وهو في منطقة عدرا قرب دمشق أو في حي الدويلعة الشعبي بدمشق أو في ضاحية عرطوز جنوبي دمشق أو في مدينة طرطوس الساحلية السورية، وهذا التفصيل ليس له أي مدلول، حيث جميع القصائد كتبها في سوريا إلا إذا كان يرمز لشيء معين في ذكر المكان يريده أن يصل لأحدهم.
وحسب تواريخ قصائده التي وضعها بجانب مكان كتابتها نلاحظ أنها تعود لحقبة التسعينات، ويبرر تأخره في نشرها في كلمة (شكر) بمقدّمة الكتاب وجهها لصديقه الشاعر (أكرم قطريب) المقيم حاليًا في أميركا قائلا: «الصديق الشاعر أكرم قطريب مرات ومرات راجعنا القصائد ووعدتك بنشرها، وها أنا بعد عشرين عامًا من تلك المراجعات أنشرها».
من قصيدة «هل تأتين»:
لا بد وتأتين
الحافلات تمرّ متباطئة
يترجلّ النعاسُ على إسفلت الشارع
فتسارع ابتسامة انتظار
وتبعد ترهل العيون
أغبط تلويحة يد بجانبي
وقبلة خاطئة من بعيد
الثالثة...ولا بد تأتين

* «جنون من الطراز الرفيع» لناصر قائمي

الدمام ـ «الشرق الأوسط»: عن دار جداول للنشر والترجمة في بيروت، صدر أخيرًا كتاب بعنوان «جنون من الطراز الرفيع»، لمؤلفه ناصر قائمي، وترجمة يوسف الصمعان.
ويساعد هذا الكتاب، غير المتخصص على فهم مرض «الاكتئاب»، وهو مرض نفسي شاع بطريقة لافتة للنظر في عموم العالم العربي والإسلامي، ويعد المرض الشعبي الأكثر انتشارًا في الدول الصناعية، وما يصاحبه من مشكلات سلوكية واجتماعية وتشنج مع الذات ومع الآخرين. ويميز المؤلف بدقة بين الاكتئاب والهوس، الملازم لما نسميه عادة «المجانين»، وهو تمييز ضروري، لأنهما ينتميان لطبيعتين نفسيتين مختلفتين.
والكتاب موجه أيضًا لكل من له علاقة بعالم السياسية والقيادة في أوسع معانيها، أتعلق الأمر بإدارة وقيادة مؤسسة سياسية أو تعليمية أو تجارية أو صناعية إلخ. فهو يركز على فهم الميكانيزمات النفسية والعقلية لمنطق التسيير والتدبير بصفة عامة، في مقابل كل التقنيات الإيحائية التي انتشرت في بلدان عربية كثيرة. كما يساهم في فهم جوهر الشخصية القيادية «المجنونة» والتفطن إلى الجانب الإيجابي للاكتئاب والهوس، عوض اعتبارهما على الدوام مرضين نفسيين وعقليين «خبيثين» وسلبيين.
ولا يعني هذا بتاتًا التقليل من خطورتهما، بل فقط وعي الجانب الجيد فيهما، بوضع الجانب السلبي بين قوسين، لفهم الكيفية التي يشتغلان بها والنتائج التي يؤديان لها.



بودلير وهيغو... لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم بعضاً؟

 فيكتور هيغو
فيكتور هيغو
TT

بودلير وهيغو... لماذا لا يطيق الشعراء الكبار بعضهم بعضاً؟

 فيكتور هيغو
فيكتور هيغو

لم يكن بودلير متصالحاً مع المجتمع، ولا مع العالم، ولا مع نفسه، وبالأخص مع نفسه. كان منشقاً على ذاته، ومنخرطاً في حرب ضارية جوانية لا تبقي ولا تذر. كان يجلد نفسه بنفسه باستمرار، وذلك بنوع من التلذذ الأقصى والمازوشية. ولكنه في بعض الأحيان كان يصبح سادياً. كان سادياً ومازوشياً في الوقت ذاته. كل علل الأرض كانت فيه. وعن ذلك أنتج الشعر بأعظم ما يكون. وعلى الرغم من بؤسه وعذابه فقد كان أستاذاً في فن التهكم والسخرية وازدراء الأشياء. هل تريدون مثالاً على ذلك؟ إليكم هذه الرسالة التي كتبها إلى أشهر ناقد فرنسي في القرن التاسع عشر المدعو: سانت بيف. وهو الذي ذكره طه حسين مرات كثيرة، بل واستوحى عنوان كتابه «حديث الأربعاء» من عنوان كتاب الناقد الفرنسي: «حديث الاثنين». كان سانت بيف الأكبر سناً من بودلير يعد بمثابة أستاذ الجيل. كان ناقداً أدبياً فذاً يرعب معظم الكتّاب، بمن فيهم فيكتور هيغو ذاته. يكفي أن يكتب مقالة ضدهم لكي يصابوا بالهلع والذعر. ولكنه لم يكن يرعب بودلير على الإطلاق.

بودلير

والدليل على ذلك هذه الرسالة التي وجهها إليه، والتي يرد فيها على الرسالة التي كان الناقد الشهير قد وجهها له سابقاً:

أستاذنا العزيز: أشكرك كل الشكر على رسالتك الممتازة التي أبهجتني. ولكن هل يمكن أن تكتب إلا رسائل ممتازة؟ عندما تقول لي فيها: «يا ابني العزيز»، فإنك تشعرني بالحنان والعطف، وتجعلني أنفجر بالضحك أيضاً. فعلى الرغم من أني كبرت في السن وشاب رأسي، وأصبحت أشبه أعضاء الأكاديمية الفرنسية (من حيث الشكل الخارجي على الأقل)، فإنني بحاجة إلى من يحبني ويشفق علي ويدعوني بابنه. وأنت تذكرني بذلك الشخص الذي كان عمره 120 سنة، والذي التقى فجأة بشخص آخر عمره 90 سنة فقط فقال له: يا ولد الزم حدك!

ما قرأت هذه القصة مرة إلا وكدت أموت من الضحك.

هل تريدون مثالاً آخر؟ في رسالته إلى فيكتور هيغو راح بودلير يمجده أولاً ثم يتهكم عليه لاحقاً. يقول مثلاً: كم أنت سعيد يا أستاذ! الصحة مع العبقرية في معيتك. لقد جمعت المجد من طرفيه أو من كل أطرافه. حقاً إنك شخص سعيد.

ولكن بودلير راح فيما بعد وفي إحدى رسائله إلى أمه يقول هذا الكلام مستهزئاً بفيكتور هيغو:

لقد أجبرت قبل فترة على قبول دعوة للعشاء عند مدام فيكتور هيغو في دارتها ببروكسل. كم وبخني ولداها فرنسوا وشارل لأني لست جمهورياً ثورياً مثل والدهما المبجل. ثم أعطتني مدام فيكتور هيغو درساً بليغاً في التربية السياسية التقدمية الهادفة إلى إسعاد الجنس البشري. ولكن بما أني لا أحب التحدث كثيراً بعد العشاء، وإنما أحب الغرق في الأحلام وهضم الطعام، فإني بذلت جهداً كبيراً لإقناعها بأنه ربما كان قد وُجد رجال عظام في التاريخ قبل زوجها المحترم: السيد فيكتور هيغو. ولكن لحُسن الحظ فإن الناس يعتبرونني مجنوناً، وبالتالي فلا أحد يعتب علي مهما قلت وثرثرت.

عندما كتب بودلير هذا الكلام كان شخصاً مجهولاً تقريباً من قبل معاصريه. لم يكن أحد يعرف من هو بالضبط، ولا قيمته الشعرية. لم تنفجر أسطورته إلا بعد موته. وأما فيكتور هيغو فكان في أوج شهرته ومجده. كان ظله يخيم على فرنسا الأدبية كلها. ومعلوم أن فيكتور هيغو أكبر منه بعشرين سنة. وبالتالي فينبغي أن نأخذ كل هذه المعطيات بعين الاعتبار؛ لكي نفهم كلام بودلير، ونموضعه ضمن سياقه التاريخي.

وفي مكان آخر يقول لأمه أيضاً:

فيكتور هيغو الذي قطن في بروكسل لبعض الوقت يريدني أن التحق به في المنفى هناك في تلك الجزيرة الإنجليزية التي اختارها. وذلك لكي أسامره وأسليه بعض الوقت لأنه يشعر بالوحدة والوحشة في جزيرة صغيرة معزولة. أعترف بأنه أصبح يضجرني ويتعبني. فأنا لا أحسده على كل مجده وشهرته وثروته، حيث كان ينبغي علي في الوقت ذاته أن أمتلك كل سخافاته وغلاظاته. اعلمي أن مدام فيكتور هيغو نصف بلهاء. وأما ولداه شارل وفرنسوا فهما من أغبى الأغبياء. إذا كنت تريدين قراءة ديوانه الأخير(أغاني الشوارع والغابات) فسوف أرسله لك فوراً. كما هي العادة نجاح ضخم في المكتبات ولكن خيبة أمل كبيرة لدى كل أولئك الذين قرأوه. يا إلهي كم هو غليظ فيكتور هيغو. كم هو مزعج وثقيل الدم. أوف! أوف! أوف! لقد أراد أن يكون مرحاً هذه المرة وخفيف الظل، بل وأراد العودة إلى زمن الشباب والتصابي فكانت النتيجة معكوسة. كم أحمد الله على أنه لم يتحفني بكل صفات فيكتور هيغو وغلاظاته وسخافاته.

التوقيع: شارل بودلير.

هكذا نجد أن الحسد والغيرة والمنافسات ليست موجودة فقط عند الشعراء العرب، وإنما نجد مثلها أو أكثر منها لدى الشعراء الفرنسيين. إنهم لا يطيقون بعضهم بعضاً. ولكن موقف بودلير هنا صادق ويتجاوز الحسد، حيث يعبر عن رؤيا أخرى للشعر والوجود. ولكن الشيء العجيب والغريب هو أنه يمدحه أحياناً، بل وأهداه عدة قصائد في ديوانه الشهير «أزهار الشر». وبالتالي فموقفه منه كان غامضاً وازدواجياً ملتبساً. كان يجمع بين الإعجاب الشديد والاحتقار الأشد.

غني عن القول أنه في عصر بودلير لم يكن يوجد جوال ولا إنترنت ولا إيميل، ولا أي نوع من أنواع الاتصالات الحديثة الرائجة هذه الأيام. وبالتالي فكانت الرسالة المكتوبة هي وسيلة التواصل الوحيدة بين الكتّاب والأدباء أو حتى الناس العاديين. ورسائل بودلير ذات أهمية كبرى لأنها تنضح بشخصيته، وانفعالاته، وهمومه، وجنونه. بودلير موجود في رسائله كما هو موجود في ديوانه «أزهار الشر»، أو مجموعته النثرية «سأم باريس: قصائد نثر صغيرة». وكما هو موجود في كتابه «قلبي العاري» الذي يتخذ طابع السيرة الذاتية، حيث يعري شخصيته وأعماقه الدفينة. بعد قراءة رسائله نكتشف أن بودلير كان إنساناً محكوماً عليه بالفشل الذريع في الحياة. ولذلك اضطر إلى أن يعيش حياة البطالة والعطالة والتسكع في شوارع باريس. والواقع أن هذه هي الحياة الوحيدة التي كانت تناسبه: التسكع إلى ما لا نهاية ومن دون أي هدف. من أين جاء الشعر العظيم؟ من أين جاءت القصائد العبقرية؟ ولكنه كان يتمنى لو أنه نجح في الحياة لكي يبرر نفسه أمام المجتمع وأمام أمه بشكل خاص. ومعلوم أنها كانت تؤنبه وتلاحقه وتقرعه باستمرار؛ لأنه لم يصبح موظفاً كبيراً أو سفيراً أو دبلوماسياً يُشار إليه بالبنان، ويحظى براتب محترم كل آخر شهر مثل بقية أبناء العائلات البورجوازية الفرنسية. كل هذا فشل في تحقيقه. ولهذا السبب كان الإحساس بالذنب والتقصير يلاحقه باستمرار فينوء تحت وطأته، وتحت وطأة الحاجة المادية والفقر المدقع (بين قوسين وعلى سبيل المقارنة عندما مات فيكتور هيغو اكتشفوا أنه خلف وراءه ثروة طائلة أذهلت معاصريه. هذا في حين أن بودلير مات وليس في جيبه قرش واحد. ولكن من الذي انتصر شعرياً في نهاية المطاف؟ من الذي أسّس الحداثة الشعرية الفرنسية والعالمية حتى قبل رامبو ذلك المجنون الآخر؟). كان الحظ العاثر يلاحق بودلير باستمرار إلى درجة أنه عد النحس شيئاً مكتوباً على جبين كل كاتب حقيقي. وكان يجد له شبيهاً معزياً في شخص الكاتب الأميركي الشهير إدغار آلان بو. ومعلوم أنه كان يعده مثله الأعلى وقدوته العظمى. ولم يكن يحلف إلا باسمه. وقد أمضى قسماً كبيراً من حياته في ترجمته إلى اللغة الفرنسية، وتقديم أعماله والتعليق عليها. بودلير اشتهر بوصفه مترجماً أولاً قبل أن يشتهر بوصفه شاعراً لاحقاً.

في بعض رسائله كان بودلير يقول هذه العبارة: أعتقد بأنه من الأفضل أن يعاني الناس الطيبون، الناس الأبرياء. ينبغي أن يتعذبوا ويشبعوا عذاباً. ينبغي أن يذوقوا كأس الألم والمهانة حتى الثمالة. ينبغي أن ينزلوا إلى الطبقات السفلى للجحيم قبل أن يكتبوا حرفاً واحداً. ويبدو أن تجربته في الحياة أثبتت له أن الإنسان الطيب تدوسه الناس في الغالب أو تتألب عليه. وبالتالي فينبغي أن يتحمل قدره ومصيره كونه إنساناً مسحوقاً ومقهوراً ومنحوساً. لا يوجد حل آخر. وككل مبدع حقيقي فإن الشعور بالخواء العبثي أو العدمي كان يكتسحه من الداخل اكتساحاً. ولذا فكان يتحول أحياناً إلى شخص ساخر أو متهكم من الطراز الأول: أي إلى شخص يستسخف كل شيء تقريباً، ويزهد في كل شيء. وإلا فكيف يمكن أن نفهم سر ترشحه للأكاديمية الفرنسية؟ لقد رشح نفسه وهو لا يزال كاتباً مغموراً غير معترف به من قِبل الأوساط الأدبية. هذا أقل ما يمكن أن يُقال. إضافة إلى ذلك فقد كانت سمعته «حامضة» جداً إذا جاز التعبير. فهو مؤلف ديوان شعر مُدان من قبل المحاكم الفرنسية بتهمة الإساءة إلى الدين والأخلاق والقيم الفاضلة. وهو مترجم لشاعر أميركي مجرد ذكر اسمه يثير القرف والرعب في كل مكان. وهو مؤلف فاشل لا يجد ناشراً.

ومع ذلك فتصل به الجرأة والوقاحة إلى حد ترشيح نفسه للأكاديمية الفرنسية: قدس الأقداس! فعلاً الذين استحوا ماتوا. في الواقع إنه فعل ذلك على سبيل السخرية والاستهزاء ليس إلا. وقد كتب رسالة إلى فلوبير يعلمه فيها بهذا الترشيح، وأنه ارتكب حماقة جنونية فعلاً، ولكنه لا يستطيع التراجع عنها. لقد أراد إثارة الفضيحة في الأوساط الأدبية الباريسية، وقد نجح في ذلك أيما نجاح. ولكن النتيجة كانت معروفة سلفاً: الرفض القاطع لشخص من أمثاله، شخص يقف خارج كل الأعراف والتقاليد، شخص هامشي منبوذ لا شغل له إلا التسكع في شوارع باريس والتردد على حاناتها ومواخيرها. ولكن الشيء العجيب والغريب، هو أن معظم أعضاء الأكاديمية الفرنسية آنذاك نُسيت أسماؤهم الآن، ولم يبق إلا اسمه يلمع على صفحة التاريخ!