تونس: تداعيات العمليات الإرهابية تتجاوز السياحة إلى كامل مفاصل الاقتصاد

تحدث الحبيب الصيد رئيس الحكومة التونسية عن الصعوبات المتنوعة التي تعترض الاقتصاد التونسي بدءا من الهجمات الإرهابية وتدني الإنتاج والإنتاجية وصولا إلى تراجع قيمة الدينار التونسي وتفشي التهريب وكل أشكال التجارة الموازية وتقلص الموارد الذاتية للدولة وتدهور القدرة الشرائية، إضافة إلى معضلة تعطل مشاريع التنمية، إذ إن مبلغا لا يقل عن 10 آلاف مليون دينار تونسي (نحو خمسة آلاف مليون دولار أميركي) موجهة إلى مشاريع داخل تونس لم تجد طريقها إلى التنفيذ في بلد يعاني من نحو 700 ألف عاطل عن العمل.
وأشار الصيد في جلسة برلمانية إلى تقلص نسبة الاستثمار من الناتج المحلي الإجمالي من 24 في المائة سنة 2010 إلى 18 في المائة سنة 2014. وأدى ذلك التراجع إلى انخفاض نسبة النمو السنوي من 3.9 في المائة سنة 2012 إلى 2.3 في المائة سنة 2013، مع توقُّع ألا تزيد النسبة عن 0.5 في المائة خلال سنة 2015.
وتحدث خبراء تونسيون في الاقتصاد ومجال الأعمال عن دخول تونس مرحلة «الاقتصاد الحربي» بعد أن عرفت انكماشا اقتصاديا ملحوظا خلال السنة الحالية، وأشاروا إلى ضرورة توجيه كل الجهود نحو مقاومة الإرهاب وزيادة الانتدابات في صفوف الأمن والجيش التونسي، وتمكين هاتين المؤسستين من وسائل أفضل لمقاومة الإرهاب، واعتبروا نجاحهما في مقاومة الإرهاب البوابة الأساسية للنجاح الاقتصادي في المستقبل.
ومن المنتظر أن تتمتع المؤسسة الأمنية والعسكرية بنحو 17 ألف انتداب في القطاع العام خلال السنة المقبلة، وهو أرفع حجم للانتدابات بالمقارنة مع بقية الوزارات.
وألقى الهجوم الإرهابي الذي استهدف يوم الأربعاء الماضي حافلة الأمن الرئاسي وسط العاصمة التونسية بظلاله على المشهد الاقتصادي التونسي، وتوقع خبراء أن تكون نتائجه وخيمة على عدة مستويات اقتصادية واجتماعية وتتجاوز نتائج الهجمات الإرهابية السابقة.
وحصلت الهجوم الإرهابي هذه المرة في شارع محاذٍ لمقر البنك المركزي التونسي وقريبا من معظم البنوك العمومية والخاصة الكبرى وعلى مقربة من مقر وزارة السياحة التونسية ومكاتب الديوان التونسي للسياحة، وهو سيؤثر مباشرة على سوق المال والأعمال.
وفي هذا الشأن، أكد عز الدين سعيدان الخبير الاقتصادي التونسي لـ«الشرق الأوسط» أن التأثير سيكون مباشرا على مناخ الأعمال والاستثمار، وهو ما سيعطل نسق تمويل الاقتصاد التونسي سواء من الداخل أو الخارج، إضافة إلى ارتفاع مؤشر المخاطر قبل فترة قليلة من اعتزام تونس تنظيم ملتقى دولي للاستثمار بغاية جمع تمويلات لفائدة ميزانية الدولة.
وأشار إلى إمكانية التأثير على نسق الإصلاحات الاقتصادية المتفق بشأنها مع صندوق النقد الدولي، إذ إن إصلاحات الجهاز البنكي والرفع التدريجي لمنظومة الدعم ستتأثر بشكل مباشر، وهو ما قد يؤثر لاحقًا على حجم التمويلات الخارجية التي يمكن أن تحصل عليها تونس من هياكل التمويل الدولية.
واعتبر سعيدان أن قطاع السياحة المتضرر أصلا منذ بداية السنة الحالية، سيعرف تراجعا قياسيا خلال بقية السنة والسنة السياحية المقبلة، وأشار إلى ارتفاع مؤشر المخاطر في تونس وفق التصنيفات الدولية المتعارف عليها، وهو ما سيجعل نسق التدفق السياحي في أدنى درجاته خلال الفترة المقبلة.
وكانت وزارة السياحة التونسية قد قدرت خسائر القطاع السياحي غداة هجوم سوسة الإرهابي خلال الصائفة الماضية بنحو مليار دينار تونسي (قرابة 500 مليون دولار أميركي)، إلا أن الخسائر التي قد تنتج عن تتالي العمليات الإرهابية تتجاوز هذا الرقم بكثير وستطال تأثيراتها معظم مفاصل الاقتصاد التونسي.
وفي حين عبر رضوان بن صالح رئيس الجامعة التونسية للنزل عن تجاوز مشكل الإرهاب نطاق القطاع السياحي، فقد أشار إلى انتظار إلغاء حجوزات سياحية مع اقتراب احتفالات الأوروبيين برأس السنة الإدارية، وأضاف أن الأضرار الناجمة عن العملية الإرهابية الأخيرة وما قبلها تتجاوز القطاع السياحي إلى الاقتصاد ككل.
وأكد بن صالح أن الجامعة التونسية للنزل ألغت مجموعة من اللقاءات الدعائية التي كانت تنوي تنفيذها في بلجيكا للتعريف بالسياحة التونسية ومزاياها لدى وكالات أسفار أوروبية، فالظرف غير ملائم سواء بالنسبة لتونس أو بلجيكا التي تعيش بدورها فصولا من المواجهات مع التنظيمات الإرهابية. وخلال سنة واحدة عرفت تونس ثلاث عمليات إرهابية كبرى خلفت خسائر بشرية جسيمة وأضرت كثيرا بالاقتصاد التونسي إن لم نقل أنها أصابته في مقتل، ليتم القضاء على ما تبقى من آمال الانتعاشة الاقتصادية المنتظرة بعد سنوات من الإضرابات والاحتجاجات العمالية.