هنا كان يأكل شكسبير.. تعرف على مأكله ومشربه

اكتشاف مطبخ الكاتب وأدواته في منزله في ستراتفورد أبون آفون

رسم تخيلي لشكل «نيو بليس» أثناء حياة شكسبير
رسم تخيلي لشكل «نيو بليس» أثناء حياة شكسبير
TT

هنا كان يأكل شكسبير.. تعرف على مأكله ومشربه

رسم تخيلي لشكل «نيو بليس» أثناء حياة شكسبير
رسم تخيلي لشكل «نيو بليس» أثناء حياة شكسبير

ربما لم ينل أديب عالمي ذات الصيت الذي حظي به ويليام شكسبير ولم تفخر دولة بأديبها مثلما تفخر بريطانيا بشاعرها الأشهر. وهذا العام تستعد البلاد للاحتفال بالذكرى الـ400 لوفاته، وتنوعت طرق الاستعداد ما بين خطط يتبناها مسرح «ذا غلوب» لعرض مجموعة من مسرحياته وما بين خطط واستعدادات تقوم على قدم وساق في موطن شكسبير بمدينة ستراتفورد أبون آفون. المدينة التي ولد وعاش فيها الشاعر الشهير سنواته الأخيرة تحمل في كل ركن فيها لمحة من حياة الشاعر، في المدرسة التي درس بها وفي البيت الذي ولد فيه وفي الشارع الذي ضم آخر منزل سكن فيه.
وفي هذا البيت تحديدا، الذي للأسف تم هدمه في عام 1759 بعد أن ضج مالكه وقتذاك من تدفق الزوار عليه، تستعد «شكسبير بيرث بليس ترست» (صندوق مسقط رأس شكسبير) وهي مؤسسة غير ربحية تعنى بالحفاظ وأرشفة كل ما يتعلق بالشاعر، لإقامة مبنى خاص في المكان الذي وقف فيه البيت الذي عاش فيه شكسبير 19 عاما وكتب فيه 26 مسرحية. وعلى أرض البيت تجري حاليا عملية تنقيب أركيولوجية للوصول إلى أكبر قدر من المعلومات حول تفصيلات الحياة اليومية للشاعر، وبالأمس أعلنت المؤسسة عن كشف هام يطرح الضوء على الحياة المنزلية للشاعر. وتمثل الاكتشاف في العثور على مكان «المطبخ» في بيت شكسبير، وتم تحديد وحفر المكان الذي ضم الموقد وأيضا المكان الذي تبرد فيه الأغذية أو ما يوازي «الثلاجة» بلغة عصرنا هذا. من بين المكتشفات أيضا المكان الذي كانت تحفظ وتخلل فيه الأغذية. وأعلن أيضا عن اكتشاف المكان الذي كانت تخمر فيه الجعة والتي كانت تستهلك بسبب عدم نقاء الماء، وإلى جانب ذلك تم العثور على بئر قديم.
ويقوم فريق من الأثريين من مركز الآثار في جامعة ستافوردشير بعمليات التنقيب، وتعد المكتشفات الأخيرة بمثابة إحدى القطع الناقصة في حياة الشاعر الذي اشتهرت أعماله ولكن تفاصيل حياته ما زالت غامضة. وإلى جانب اكتشاف المطبخ توصلت عمليات التنقيب إلى تصور لأبعاد ومقاس المنزل، وقام «صندوق مسقط رأس شكسبير» بوضع رسومات جديدة للبيت، توضح افتراضيا شكله وتصميمه خلال حياة شكسبير.
المنزل الذي يقع في أهم شوارع ستراتفورد أبون آفون، اعتبر أكبر منزل منفصل في المدينة، ونعرف من السجلات التاريخية أن شكسبير ابتاعه بمبلغ 120 جنيها إسترلينيا في عام 1597، وهو مبلغ يعد ضخما إذا عرفنا أن المعلم في مدرسة المدينة كان يحصل على 20 جنيها إسترلينيا في العام. من التفاصيل المحفوظة عن المنزل نعرف أنه ضم أكثر من 20 غرفة وعشر مدافئ (وهو أمر يشير للثراء في ذلك العصر)، كما تعتبر البئر التي كانت داخل المنزل من علامات الثراء والوجاهة.
ونعود لمطبخ شكسبير الذي اكتشف حديثا، فنعرف أن الأثريين قد وجدوا أيضا بعض الأواني وأدوات تناول الطعام مثل الأطباق والأكواب وسيتاح لزوار البيت في العام المقبل رؤية بعض الصور لها في معرض سيقام في بيت زوج حفيدة شكسبير، ناش هاوس، وهو المنزل الملاصق لـ«نيو بليس»، والذي تقام عملية ترميم شامله له حاليا.
عمليات التنقيب الأركيولوجية أطلقت في بداية العام وتكلفت أكثر من خمسة ملايين جنيه إسترليني بدعم من اليانصيب الوطني، ويعقبها بناء مبنى جديد يحل مكان البيت القديم، ولكن المشروع يهدف لإعادة تقديم «نيو بليس» للزائر كمكان يروي له قصة حياة الشاعر ويقدم لمحات من حياته العائلية ويرسم صورة له كزوج وأب وابن لمدينة ستراتفورد. وفي عام 2016 ستنتهي أعمال البناء في نيو بليس الكائن بشارع تشابل ستريت وسط المدينة. وفي زيارة سابقة لمكان المنزل، سمح لي برؤية أعمال التنقيب الحالية من نافذة المنزل المجاور الذي كان ملكا لتوماس ناش زوج حفيدته، وقد قام «صندوق مسقط رأس شكسبير» بشراء البيت في عام 1876 وحوله إلى متحف.
ويستوحي البيت الجديد ملامحه من الاسكتش الوحيد المتبقي للبيت الأصلي، وعبر دراسات مستفيضة توصل فريق الباحثين لمعرفة شكل البيت القديم الذي صمم ليكون على شكل «حدوة الحصان»، وأيضا أن البيت كان له بوابة أمامية ضخمة يؤدي إلى مبنى منفصل للحفلات والضيافة. وقد أشرف على تصميم المبنى الجديد عدد من المهندسين الذين حرصوا على أن تضم أرض المبنى الجديد علامات برونزية تشير إلى تقسيم البيت القديم.
وعلق دكتور بول إدموندسون رئيس قسم الأبحاث بمؤسسة «شكسبير بيرث بليس ترست» (صندوق مسقط رأس شكسبير): «العثور على مطبخ شكسبير هو عنصر هام جدا يدعم تصورنا لبيته المعروف باسم (نيو بليس). بمجرد أن اكتشفنا (الموقد) تمكنا من وضع تصور لكيفية بناء باقي المنزل حوله. كما أن اكتشاف الأماكن التي كانت عملية الطهي تتم فيها إلى جانب مستودع الأطعمة وأماكن تبريد وتمليح الأطعمة التي يحتفظ بها لأشهر الشتاء. كل تلك الاكتشافات تدل على أن البيت كان مستخدما بالفعل يوميا وأنه أيضا كان لشخص من علية القوم». وأضاف دكتور إدموندسون: «من خلال الاكتشافات تظهر لنا صورة ثرية لشكسبير، فهو الكاتب المسرحي وهو السيد الريفي، كان اهتمامه منصبا على الكتابة، وبلا شك أن امتلاكه منزلا مثل (نيو بليس) لعب دورا هاما في حياته الأدبية».
وحسب ما تذكر جولي كروشو، مديرة مشروع «شكسبيرز نيو بليس» «الصندوق يعرف أهمية الموقع، ليس فقط لما يمكن رؤيته فوق الأرض ولكن أيضا لأهمية التاريخ القابع تحتها، في طبقات من التراب والأساسات لم تلمس منذ مئات السنين. وقد قمنا نحن بكشف بعض الآثار الهامة، وهي كلها تتكامل لتصنع جانبا من تاريخ منزل شكسبير. وستكون أيضا جانبا من القصة التي ننوي روايتها من خلال البناء الجديد على نفس الأرض التي حملت بيت عائلته».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».