المشهد: مهرجان ووفاة

المشهد: مهرجان ووفاة
TT

المشهد: مهرجان ووفاة

المشهد: مهرجان ووفاة

* لم يكن أمام مهرجان قرطاج السينمائي، المنعقد حاليًا، سوى القول إن العملية الإرهابية التي وقعت قبل أيام لن تثنيه عن الاستمرار في عروضه ونشاطاته كما هو مفاد الإعلان الذي صدر برضا ضيوفه العرب والأفريقيين الموجودين هناك.
* لم يكن هناك بد من هذا الموقف لولا أن العملية الإرهابية لم تكن موجهة إلى المهرجان مطلقًا بل فتكت بموكب رئيس البلاد وذهب ضحيتها من الأبرياء من ذهب. أما المنتمون إلى المهرجان فلم يتعرّض منهم أحد لخطر ما. ليس أن الإرهابيين يغضون النظر عن السينما وأهلها ومهرجاناتها، بل ومن الجائز أنهم تدارسوا هذا الخيار أيضًا، لكن خيار ضرب موكب الرئيس كان أكثر إغراءً ووقعًا فقاموا به.
* لكن المهرجان فضّل أن يكون له صوت ولو أدّى ذلك لوضعه في سياق خيار غير مطروح. وحسب أحد الزملاء، بدأ المهرجان بحماس فتر بعد أيام ثم ازداد فتورًا إثر الحادثة خصوصًا وأن قرار منع التجوّل عنى أن على الضيوف أن يبقوا في غرفهم وفي الصالة القريبة. وكان من الطبيعي أن يبادر الموجودون لإعلان تضامنهم مع المهرجان الذي آثر الاستمرار بدل التوقف، ولو أن الإعلان لم يكن بحاجة لهذا الإخراج المسرحي الذي تم تداوله على المواقع.
* المسألة بأسرها ليس فيها أي مدعى للسرور أو البهجة. هذا هو أعرق مهرجانات العالم العربي التي لا تزال مقامة واستمراريته واجبة بصرف النظر عن الوضع الأمني. فما البال لو حسبنا الوضع الأمني وتوابعه والأجواء العامّة التي فرضها الفعل الإرهابي الذي وقع؟
* لم ينتشر الخبر سريعًا ربما لأن الممثل المعني ليس نجمًا: الممثل الهندي سعيد جفري الذي عاش وعمل في لندن معظم سنوات حياته التي بلغت 86 سنة توفي في لندن في الرابع عشر من هذا الشهر ونعته زوجته وبعض أقرب الأصدقاء إليه.
* بدأ مشواره الفني في الهند في مطلع الستينات، ولا يوجد تحديد ثابت لعدد أفلامه هناك، لكن الرجل كان نشطًا في السينما والتلفزيون وفوق خشبة المسرح منذ ذلك الحين إلى أن اختاره المخرج الراحل جيمس أيفوري (وهو أميركي اختار العيش في نيودلهي) للاشتراك في تمثيل «ذا غورو» سنة 1969. ومن هناك فتحت السينما آفاقها العالمية له فظهر في إنتاجات أميركية وبريطانية عدّة من بينها «مؤامرة ويلبي» و«الرجل الذي قد يكون ملكًا» و«غاندي» و«ممر إلى الهند».
* لكن عمله في السينما الهندية لم يتوقف وسابقًا ما مثّل أحد أفضل أفلام المخرج ساتياجيت راي وهو «لاعب الشطرنج» كما ظهر في عدد كبير آخر من الأفلام الهندية طوال الثمانينات والتسعينات. في الواقع عدد الأفلام التي مثلها حسب أحد المواقع الهندية يزيد عن 150 فيلما وفي آخر يقترب من 180 فيلما.
* كان درس التمثيل (بعد أن بدأه أمام الكاميرا) في الجامعة الكاثوليكية في واشنطن وظهر على المسرح الأميركي في الستينات. قبل ذلك ألف فريقًا من الممثلين من جامعة مدينة الله آباد في الهند وأخذ يقدّم مسرحيات شكسبير وأوسكار وايلد. معظم أفلامه الهندية لم تُشاهد وكثير منها يجب أن لا يُشاهد، لكن تلك الغربية تبقى الدليل على شغف سعيد جفري بالتمثيل والشخصيات الصعبة، وعلى الكيفية المثيرة للاهتمام التي شق عبرها طريقه عبر ألغام المهنة.



«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).