الفيلم الإيطالي «أمي» يفتتح بانوراما الفيلم الأوروبي بالقاهرة

نسخة هذا العام تكرم المخرج البرتغالي الراحل مانويل دي أوليفيرا

الفيلم الإيطالي «أمي» يفتتح بانوراما الفيلم الأوروبي بالقاهرة
TT

الفيلم الإيطالي «أمي» يفتتح بانوراما الفيلم الأوروبي بالقاهرة

الفيلم الإيطالي «أمي» يفتتح بانوراما الفيلم الأوروبي بالقاهرة

عُرض الفيلم الإيطالي «أمي» لناني موريتي مساء أمس الأربعاء في سينما «كريم» بالقاهرة في الافتتاح الرسمي للدورة الثامنة لبانوراما الفيلم الأوروبي التي بدأت عروضها منذ الصباح في بضع مدن مصرية.
وتقام عروض الدورة الجديدة في تسع دور للعرض بمدن السادس من أكتوبر والإسكندرية وطنطا بوسط الدلتا والمنيا في الصعيد. أما القاهرة فتعرض فيها الأفلام بمعهد جوته والمركز الثقافي الإيطالي والمركز الثقافي الفرنسي وسينما «زاوية» المتخصصة في عرض الأفلام المستقلة منذ 11 عامًا.
وعرض فيلم الافتتاح بحضور جمهور من مختلف الأعمار وفنانين ومثقفين منهم وزير الثقافة المصري الأسبق عماد أبو غازي والمخرج السينمائي المصري أحمد ماهر.
كما حضر الافتتاح أيضا شركاء البانوراما من المراكز الثقافية الأوروبية بالقاهرة ورئيس القسم السياسي ببعثة الاتحاد الأوروبي في القاهرة سيباستيان ترينر الذي قال قبل عرض الفيلم بأن تنظيم البانوراما فرصة «للترويج للسينما الأوروبية بمصر... كان صعبا عرض هذه الأفلام في مدن بعيدة مثل المنيا وطنطا لكن البانوراما سهلت وصول الأفلام إلى المشاهدين».
وأضاف أن السينما «وسيط قوي ومفيد في الحوار الحضاري».
ووصف ساندرو كابيللي الملحق الثقافي بسفارة إيطاليا في القاهرة فيلم «أمي» بأنه ينتمي إلى سينما المؤلف حيث يمزج مخرجه موريتي ما هو شخصي بالمجال العام في «فيلم إنساني يمكن أن يشاهده أي شخص في العالم ويتفاعل معه».
وفيلم «أمي» الذي شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان «كان» 2015 يقوم ببطولته كل من مارجريتا بوي وجون تورتورو إضافة إلى موريتي الذي شارك أيضا في كتابة السيناريو.
ويتناول الفيلم الأيام الأخيرة لأم البطل على خلفية تقلبات سياسية وضغوط اقتصادية في إيطاليا حيث يتم الشروع في بيع أحد المصانع ولا يملك العمال إلا الاحتجاج على تسريحهم منه.
وقالت المخرجة والمنتجة ماريان خوري منظمة البانوراما «في هذه الظروف المضطربة ليس أفضل من السينما للحوار بين الشعوب». وأضافت أن البانوراما تعرض 39 فيلما روائيا من 26 بلدا أوروبيا وست دول عربية.
وتقدم البانوراما إضاءة على سينما البلقان في ذكرى مرور 20 عاما على حرب البوسنة والهرسك حيث تعرض ستة أفلام هي «الرجل الذي دافع عن جافريلو برانسيب» و«ثلاثة نوافذ ومشنقة» و«رحلة خلال اليونان أثناء فترة الأزمة» و«المخيم» لجوران رادو فانوفيتش الذي رشحته صربيا لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي لعام 2016 و«تصبحين على خير يا سراييفو».
أما الفيلم السادس فهو «الشمس الساطعة» للكرواتي داليبور ماتانيتش المرشح لأوسكار أفضل فيلم أجنبي 2016 وفاز الفيلم بجائزة أفضل إسهام فني في ختام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي السابع والثلاثين يوم الجمعة الماضي.
وتضم البانورما برنامج «كلاسيكيات» الذي يعرض أول فيلم فرنسي ناطق بعنوان «ماء النيل» و«تيس» الذي أخرجه عام 1981 البولندي رومان بولانسكي ونال عنه جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي.
أما قسم العمل الأول فيضم سبعة أفلام هي «تصبحين على خير يا ماما» و«في مهب الريح» و«الدرس» و«ماستانج» و«المشعاع» و«أغنية أمي» و«المستضعفة».
وتكرم البانوراما اسم المخرج البرتغالي مانويل دي أوليفيرا الذي توفي في أبريل (نيسان) 2015 بعد أن تجاوز المائة عام. وتعرض لأوليفيرا (1908 - 2015) أربعة أفلام هي «العمالة على ضفاف نهر دورو» 1931 و«عصابة صغيرة» 1942 و«فالي أبراهام» 1993 و«رحلة إلى بداية العالم» 1997.
والبانورما التي تستمر 11 يوما تنظم بدعم مشترك من الاتحاد الأوروبي ومراكز ثقافية أوروبية بالقاهرة تحت رعاية وزارتي السياحة والثقافة والمركز القومي للسينما في مصر.



الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك
TT

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

قليلاً ما يتحول حفل تكريم مبدع كبير إلى احتفاءٍ بكل الحلقة الخلاّقة التي تحيط به. هذا يتطلب رقياً من المكرّم والمنظمين، يعكس حالةً من التسامي باتت نادرة، إن لم تكن مفقودة.

فمن جماليات حفل تكريم الشاعر الفذّ طلال حيدر على «مسرح كركلا»، برعاية وزير الإعلام اللبناني زياد المكاري وحضوره، الأحد الماضي، هذا التحلق اللافت لجمع من الشعراء وأهل الفكر والثقافة والفنانين والإعلاميين، حول شاعرهم الذي رفد الأغنية اللبنانية بأجمل القصائد، وأغنى الشعر بصوره المدهشة وتعابيره المتفجرة.

طلال حيدر قبل التكريم مع الفنان عبد الحليم كركلا ووزير الإعلام زياد المكاري

طربيه ودور البطل

قدم الحفل الممثل القدير رفعت طربيه الذي هو نفسه قيمة فنية، معتبراً أن حيدر «كان دائماً البطل الأول على (مسرح كركلا). فهو ابن الأرض، وابن بعلبك، لكنه في الوقت عينه واكب الشعر العالمي ودخل الحداثة فكراً وصورةً وإيقاعاً، راكباً صهيل الخيل». فليس شائعاً أن يترجم شاعر بالعامية إلى لغات أجنبية كما هي دواوين المكرّم وقصائده.

عبد الحليم كركلا مع الشاعر نزار فرنسيس (خاص - الشرق الأوسط)

ومن أرشيف المايسترو عبد الحليم كركلا، شاهد الحضور فيلماً قصيراً بديعاً، عن طلال حيدر، رفيق طفولته ودربه طوال 75 عاماً. قال كركلا: «لقاؤنا في طفولتنا كان خُرافياً كَأَسَاطِيرِ الزَمَان، غامضاً ساحراً خارجاً عن المألوف، حَصَدنَا مَواسم التراث معاً، لنَتَكَامل مع بعضنا البعض في كل عمل نبدعه».

فيلم للتاريخ

«طلال حيدر عطية من عطايا الله» عنوان موفق لشريط، يظهر كم أن جيل الستينات الذي صنع زهو لبنان ومجده، كان متآلفاً متعاوناً.

نرى طلال حيدر إلى جانبه كركلا، يقرآن قصيدة للأول، ويرسمان ترجمتها حركةً على المسرح. مارسيل خليفة يدندن نغمة لقصيدة كتبها طلال وهو إلى جانبه، وهما يحضّران لإحدى المسرحيات.

لقطات أثيرة لهذه الورشات الإبداعية، التي تسبق مسرحيات كركلا. نمرّ على مجموعة العمل وقد انضم إليها سعيد عقل، ينشد إحدى قصائده التي ستتحول إلى أغنية، والعبقري زكي ناصيف يجلس معه أيضاً.

عن سعيد عقل يقول حيدر: «كنا في أول الطريق، إن كان كركلا أو أنا، وكان سعيد عقل يرينا القوى الكامنة فينا... كان يحلم ويوسّع حلمه، وهو علّمنا كيف نوسّع الحلم».

في أحد المشاهد طلال حيدر وصباح في قلعة بعلبك، يخبرها بظروف كتابته لأغنيتها الشهيرة «روحي يا صيفية»، بعد أن دندن فيلمون وهبي لحناً أمامه، ودعاه لأن يضع له كلمات، فكانت «روحي يا صيفية، وتعي يا صيفية، يا حبيبي خدني مشوار بشي سفرة بحرية. أنا بعرف مش رح بتروح بس ضحاك عليي».

في نهاية الحوار تقول له صباح: «الله ما هذه الكلمات العظيمة!»، فيجيبها بكل حب: «الله، ما هذا الصوت!» حقاً ما هذا اللطف والتشجيع المتبادل، بين المبدعين!

كبار يساندون بعضهم

في لقطة أخرى، وديع الصافي يغني قصيدة حيدر التي سمعناها من مارسيل خليفة: «لبسوا الكفافي ومشوا ما عرفت مينن هن»، ويصرخ طرباً: «آه يا طلال!» وجوه صنعت واجهة الثقافة اللبنانية في النصف الثاني من القرن العشرين، تتآلف وتتعاضد، تشتغل وتنحت، الكلمة بالموسيقى مع الرقصة والصورة. شريط للتاريخ، صيغ من كنوز أرشيف عبد الحليم كركلا.

المقطع الأخير جوهرة الفيلم، طلال حيدر يرتجل رقصة، ويترجم بجسده، ما كتبه في قصيدته ومعه راقصو فرقة كركلا، ونرى عبد الحليم كركلا، أشهر مصمم رقص عربي، يرقص أمامنا، هذه المرة، وهو ما لم نره من قبل.

عبد الحليم كركلا يلقي كلمته (خاص - الشرق الأوسط)

روح الألفة الفنية هي التي تصنع الإبداع. يقول حيدر عن تعاونه مع كركلا: «أقرأه جيداً، قرأنا معاً أول ضوء نحن وصغار. قبل أن أصل إلى الهدف، يعرف إلى أين سأصل، فيسبقني. هو يرسم الحركة التصويرية للغة الأجساد وأكون أنا أنسج اللغة التي ترسم طريق هذه الأجساد وما ستذهب إليه. كأن واحدنا يشتغل مع حاله».

طلال حيدر نجم التكريم، هو بالفعل بطل على مسرح كركلا، سواء في صوغ الأغنيات أو بعض الحوارات، تنشد قصائده هدى حداد، وجوزف عازار، وليس أشهر من قصيدته «وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان» التي غنتها فيروز بصوتها الملائكي.

أعلن رئيساً لجمهورية الخيال

طالب الشاعر شوقي بزيع، في كلمته، بأن ينصّب حيدر «رئيساً لجمهورية الخيال الشعري في دولة لبنان الكبير» بصرف النظر عمن سيتربع على عرش السياسة. ورغم أن لبنان كبير في «الإبداعوغرافيا»، كما قال الشاعر هنري زغيب، فإن طلال حيدر «يبقى الكلام عنه ضئيلاً أمام شعره. فهو لم يكن يقول الشعر لأنه هو الشعر».

وقال عنه كركلا: «إنه عمر الخيام في زمانه»، و«أسطورة بعلبك التي سكبت في عينيه نوراً منها، وجعلت من هيبة معابدها حصناً دفيناً لشعره». وعدَّه بطلاً من أبطال الحضارة الناطقين بالجمال والإبداع. سيعيش دوماً في ذاكرة الأجيال، شعلةً مُضيئةً في تاريخ لبنان.

الفنان مارسيل خليفة الذي تلا كلمته رفعت طربيه لتعذّر حضوره بداعي السفر، قال إن «شعره مأخوذ من المتسكعين والباعة المتجولين والعاملين في الحقول الغامرة بالخير والبركة». ووصفه بأنه «بطل وصعلوك في آن، حرّ حتى الانتحار والجنون، جاهليّ بدويّ فولكلوريّ خرافيّ، هجّاء، مدّاح، جاء إلى الحياة فتدبّر أمره».

وزير الإعلام المكاري في كلمته توجه إلى الشاعر: «أقول: طلال حيدر (بيكفّي). اسمُك أهمّ من كلّ لقب وتسمية ونعت. اسمُك هو اللقب والتسمية والنعت. تقول: كبروا اللي بدهن يكبروا، ما عندي وقت إكبر. وأنا أقول أنتَ وُلِدْتَ كبيراً»، وقال عنه إنه أحد أعمدة قلعة بعلبك.

أما المحامي محمد مطر، فركزّ على أن «طلال حيدر اختار الحرية دوماً، وحقق في حياته وشعره هذه الحرية حتى ضاقت به، لذا أراه كشاعر فيلسوف ناشداً للحرية وللتحرر في اشتباكه الدائم مع تجليات الزمان والمكان».

الحضور في أثناء التكريم (خاص - الشرق الأوسط)

وفي الختام كانت كلمة للمحتفى به ألقاها نجله علي حيدر، جاءت تكريماً لمكرميه واحداً واحداً، ثم خاطب الحضور: «من يظن أن الشعر ترف فكري أو مساحة جمالية عابرة، إنما لا يدرك إلا القشور... الشعر شريك في تغيير العالم وإعادة تكوين المستقبل».