المواجهة العملية مع تركيا قد تصطدم بمصالح موسكو الاقتصادية والسياسية

الكرملين يعلن عن إرسال تعزيزات لقاعدة حميميم الجوية... وبوتين يتوعّد بالانتقام من «الديكتاتور»

محتجون غاضبون يرمون واجهة مبنى السفارة التركية في موسكو أمس (أ.ف.ب)
محتجون غاضبون يرمون واجهة مبنى السفارة التركية في موسكو أمس (أ.ف.ب)
TT

المواجهة العملية مع تركيا قد تصطدم بمصالح موسكو الاقتصادية والسياسية

محتجون غاضبون يرمون واجهة مبنى السفارة التركية في موسكو أمس (أ.ف.ب)
محتجون غاضبون يرمون واجهة مبنى السفارة التركية في موسكو أمس (أ.ف.ب)

يعكس وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بـ«الديكتاتور التركي» متوعدا بـ«الانتقام من الأتراك الذي أعلنوا الحرب علينا عبر إسقاطهم طائرتنا الحربية»، مدى استياء موسكو من حادثة إسقاط طائرتها على الأرض السورية، لكن «الوقائع السياسية والاقتصادية» بين البلدين تثبت وفق مراقبين أنّ ردّ فعل موسكو كان طبيعيا لاستيعاب الأمور على مستوى الرأي العام، وهو لن يتعداه إلى خطوات عملية على الأرض.
ويأتي تهديد روسيا في وقت تحاول تركيا تهدئة التوتر الحاد بعد هذا الحادث الذي لا يزال يثير المخاوف من تصعيد عسكري خطير في المنطقة، وهو ما لفت إليه إردوغان أول من أمس، قائلا: «ليس لدينا على الإطلاق أي نية في التسبب بتصعيد بعد هذه القضية»، في وقت قال كبار المسؤولين إن روسيا سترسل نظام دفاع جوي متطورا لتعزيز قاعدتها الجوية في سوريا، وإنها تفكر في إلغاء عدد من المشروعات المشتركة مع أنقرة بعد أن أسقطت تركيا الطائرة الروسية. وأعلن الكرملين أمس، أنه سيرسل نظام «إس - 400» للدفاع الجوي إلى قاعدة حميميم الجوية الروسية في محافظة اللاذقية السورية وهو نظام متطور يمكنه إسقاط الطائرات من مسافة بعيدة، بينما أمل الرئيس الروسي أن «يكون هذا الأمر إلى جانب إجراءات أخرى سنتخذها كافيا لضمان سلامة طلعاتنا».
وأكد ديمتري بيسكوف الناطق الصحافي باسم الرئيس الروسي أن بوتين وافق على اقتراح وزارة الدفاع لنشر منظومة «إس - 400» كاشفا أن بوتين لم يبحث موضوع نشر «إس - 400» في سوريا مع زعماء دول حلف الناتو. وشدد على أن العملية الروسية لمكافحة الإرهاب في سوريا مستمرة. وأضاف «الطائرات الحربية الروسية تواصل عملها في سوريا وتدمر البنية التحتية للإرهابيين، وتقطع تدفقات توريدات النفط والمشتقات النفطية غير الشرعية والتي تشكل تغذية مالية للإرهاب.. وفي هذا الحال تتعلق الأولوية بضمان أمن طيارينا والطائرات التي تشارك بالعملية».
مع العلم أن تسليح الجيش الروسي بمنظومة «إس - 400» وهي منظومات مضادة للجو بعيدة ومتوسطة المدى، بدأ في عام 2007. إلا أن الحكومة الروسية لم تسمح إلا أخيرا بتصدير هذه المنظومات التي يقال إنها قادرة على صد جميع وسائل الهجوم الجوي، إلى الخارج. وهذه المنظومة قادرة على الكشف عن أهداف جوية على مسافة تصل 400 كيلومتر، كما بإمكانها إسقاط صواريخ باليستية تكتيكية وصواريخ مجنحة وطائرات تكتيكية واستراتيجية على بعد 60 كيلومترا.
وإضافة إلى التهديد العسكري كان لافتا «التهديد الروسي الاقتصادي»، وهو ما أشار إليه رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف لافتا إلى أن أنقرة عليها أن تتوقع أن تطالها عقوبات اقتصادية وفي قطاع الأعمال، وقال إن إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية قد يؤدي إلى إلغاء بعض المشروعات المشتركة المهمة بين البلدين. وأضاف في بيان على الموقع الإلكتروني للحكومة إن الشركات التركية قد تخسر حصتها في السوق الروسية. وأشار إلى أن الشركات التركية التي تنشط في كل شيء من مشاريع البناء إلى البيع بالتجزئة قد ترى نصيبها في السوق الروسية يتقلص. وشكا ميدفيديف من أن تصرفات أنقرة زادت التوتر بين روسيا وحلف شمال الأطلسي الذي تنتمي إليه تركيا وكرر ما ردده بوتين من اتهامات إلى بعض المسؤولين الأتراك وتربحهم من صفقات نفط مع تنظيم داعش. وأضاف النتيجة هي أن علاقات الجوار الطويلة بين روسيا وتركيا تصدعت. «العواقب المباشرة قد تؤدي إلى رفضنا المشاركة في مجموعة كاملة من المشروعات المشتركة المهمة، وأن تخسر الشركات التركية وضعها في السوق الروسية».
في المقابل وأمام التصعيد الاقتصادي والعسكري الروسي، يرى سامي نادر، مدير مركز الشرق للدراسات الاستراتيجية، أنّ ردّة فعل موسكو على حادثة إسقاط الطائرة، أمر طبيعي، لكنه ليس سوى خطوات رمزية وكلام سياسي لن يجد طريقه إلى التنفيذ، لأسباب عدّة، منها طبيعة العلاقة الاقتصادية التي تربط الطرفين، والتي تستفيد منها موسكو بالدرجة الأولى. وقال في حديثه لـ«الشرق الأوسط» «هذه الحادثة التي كرّست قواعد الاشتباك الجديدة ووضعت حدودا لـ(سوخوي»، كانت رسالة تركية أدخلت عمليا المنطقة الآمنة التي تعمل عليها أنقرة حيّز التنفيذ». وأضاف لكن أي تصعيد سيدفع تركيا أكثر إلى حضن الحلف الأطلسي وبالتالي أي مواجهة معها ستكون مواجهة مع هذا الحلف، كما أن قطع العلاقات الاقتصادية بين البلدين سيعود بالضرر على روسيا وليس على تركيا التي تملك البدائل بينما تعاني روسيا من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها، بعدما كانت أنقرة قد امتنعت في الدخول بنظام العقوبات ضدها.
وتعد تركيا أكبر خامس شريك تجاري لروسيا بحصة تبلغ 4.6 في المائة من إجمالي التجارة الخارجية الروسية، وذلك بحسب بيانات إدارة الجمارك الروسية للفترة ما بين يناير (كانون الثاني) وسبتمبر (أيلول) من العام الحالي. وبلغ التبادل التجاري بين موسكو وأنقرة في العام الماضي 31 مليار دولار، ووصل إلى 18.1 مليار دولار للأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، منها 15 مليار دولار هي صادرات روسيا إلى تركيا التي تشكل واردات الطاقة الجزء الأكبر منها، حيث تقوم روسيا بتلبية أكثر من نصف احتياجات الغاز في تركيا. ومع إضافة تجارة الخدمات فإن مؤشر التبادل التجاري الكلي بلغ في عام 2014 ما يقارب 44 مليار دولار.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».