معرض الكويت للكتاب.. الرقابة الصامتة

أسماء جاذبة للجمهور.. والندوات الخليجية تتصدر المشهد

جانب من المعرض
جانب من المعرض
TT

معرض الكويت للكتاب.. الرقابة الصامتة

جانب من المعرض
جانب من المعرض

أراح المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت هذا العام رأسه من النقاشات والضجة التي تسبق معرض الكتاب كل عام بشأن الرقابة التي يثيرها الصحافيون في أسئلتهم، فلم يعقد مؤتمرًا صحافيًا سابقًا كعادته، للمعرض المقام حاليًا في دورته الأربعين، بل اكتفى بإصدار بيان صحافي على لسان مدير إدارة المعرض عبد الله المطيري تحدث من خلاله عن أرقام وبيانات هذا المعرض: «يقام خلال الفترة من 18 – 28 نوفمبر (تشرين الثاني)، ويشارك فيه هذا العام 508 دور نشر من الكثير من الدول العربية والأجنبية، إضافة إلى مساهمات الهيئات الدبلوماسية والمؤسسات الثقافية ومراكز الأبحاث، ودور النشر الإلكتروني. وهناك أكثر من 10000 عنوان جديد في شتى مناحي الأدب والثقافة والفكر والشعر والتراث والكثير من كتب التراجم. وتشارك دور نشر لأول مرة من الجزائر والمغرب وليبيا ولبنان ومصر والأردن وبريطانيا، بالإضافة إلى عدد من دور النشر المحلية التي أنشئت أخيرًا إضافة إلى إتاحة الفرصة لأندية القراءة في الكويت لممارسة نشاطها والتعريف بها وخلق نوع من التفاعل البناء بينها وبين جمهور المعرض».
ومع ذلك أثار إعلاميون وأصحاب كتب، قضية الرقابة سواء عبر الصحف، أو مواقع التواصل الاجتماعي، فالإعلامي مدحت علام كتب: «كثرت الشكوى من دور النشر.. ليس من خلال التنظيم الذي نشهد بدقته، أو الخدمات المتميزة، فالشكوى من التعسف في منع الكتب، وعدم تفهم طبيعة الإبداع والفكر»، فهناك حسب إحصائية يقول عنها علام إنها رسمية: «هناك 220 عنوان كتاب تمت مصادرتها من أصل 10 آلاف عنوان»، بينما قالت الكاتبة ميس العثمان في اتصال هاتفي معها: «لقد تم منع روايتي الجديدة وهي بعنوان (ثؤلول)، وتم كذلك منع كتاب عقيل يوسف عيدان وهو بعنوان (عقلاني الكويت)، ويقصد به الراحل أحمد البغدادي». وتعتبر ميس العثمان أن روايتها لا شيء فيها يستوجب المنع، وتضيف: «ولكن هكذا ارتأى الرقيب».. ولا تعلق أكثر.
تسريب النسخ الممنوعة
وهناك متابعة لاحقة للرقابة، فاللجنة لا تكتفي بمنع العناوين فقط قبل المعرض، بل تقوم بعمل جولات على المعرض طوال أيام العرض وتتفقد محتويات دور العرض كي لا يسرب أحدهم هذه الكتب إلى الأجنحة وبيعها بالخفاء، وهو ما يحدث فعليًا أحيانًا، فبعض أصحاب هذه الدور يخبئ بضع نسخ من الكتب الممنوعة ويبيعها بالسر على طريقة «الممنوعات». كما أن للجنة الرقابة مهام أخرى، فهي تمنع إدخال الكميات الجديدة من الكتب التي نفدت نسخها من دار النشر في حال أراد صاحب الدار إدخال هذه النسخ الجديدة من دون اللجوء إلى الإجراءات الرسمية المتمثلة في مراجعة الجهات المتخصصة لإعلامها بهذه النسخ.
وربما أن عدم عقد مؤتمر صحافي للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أفاد في تخفيف الضجة على الرقابة قبل افتتاح المعرض فعلاً، ولكنه في الوقت ذاته أثر على حركة الجمهور في اليومين الأولين على الأقل، ولكنه في اليوم الثالث كان مكتظا، وهذا يعني أحد أمرين، إما أن الجمهور لم يسمع كما في العام السابق عن المعرض - بسبب الضجة التي حصلت آنذاك - إلى حين افتتاحه والنشر عنه بكثافة في وسائل الإعلام، وإما أن الجمهور - كما قال أحد أصحاب دور النشر - يفضل أيام العطل لزيارة المعرض، وبالتالي فكان يوم حضور يوم الجمعة أضعاف مَن حضر يوم الأربعاء والخميس أي أول وثاني أيام الافتتاح.
ولكن كما يبدو فإن أصحاب دور النشر يترقبون يومًا أهم من هذا بكثير، وهو ما صارحني به صاحب دار نشر حيث قال: «ننتظر يوم نزول رواتب الموظفين»!
أما الناشر والناقد فهد الهندال المشارك بجناح في المعرض فيقول: «يأتي معرض هذا العام مختلفا، حيث تصادف الذكرى الأربعون على تأسيسه، لنستذكر تلك الجهود المؤسسة لهدف معرض الكتاب والغاية التي تأسس عليها والقاعدة التي انطلق منها وهي دستور البلاد والمواد التي تضمن حقوق النشر والتعبير والرأي بما يفتح آفاقا جديدة للمناخ الإبداعي والثقافي، لهذا كانت الدورات الأولى تؤسس لفكر متطور يستوعب جميع مشارب الفكر، ويوحد الجهود نحو الارتقاء في بناء المجتمع المدني في الكويت».
ويضيف الهندال: «لهذا معرض هذا العام، ليس عاديا - يفترض ذلك - في أن تمر الذكرى الأربعون على تأسيسه لتكون حافزا لإعادة النظر بمسيرته وتصحيح المسار إن استلزم ذلك، وهنا يتحمل الجميع مسؤولياته في عملية تقييم المعرض بكل شفافية، بعيدا عن الحساسية في توجيه النقد الهادف لكوننا نهدف للشراكة المجتمعية».
ويرى الهندال أن «نجاح معارض الكتب لا يقاس أبدا في ارتفاع قيمتها الشرائية أو نسبة إقبال الجمهور، وإلا فإننا سنجعل من الكتاب سلعة استهلاكية لا منتجة. بل يكون النجاح في ارتفاع مستوى الوعي لدى المجتمع في تنمية مدارك المعرفة واتساع هامش الحرية في تبادل المعلومات بين أفراد المجتمع».
وبكل الأحوال فإن الأنشطة المصاحبة للمعرض تأتي على درجة من الأهمية حيث اختار المجلس شخصيات جاذبة للجمهور، مثل الروائي السوداني أمير تاج السر، والروائي المصري يوسف زيدان والروائي الليبي إبراهيم الكوني وأنشطة محلية تستدعي المتابعة مثل: الأدب الكويتي في رؤى النقاد المصريين، وحلقة نقاشية حول الدراما الخليجية ودورها في تغيير صورة المجتمع، وحركة الترجمة في العالم العربي. وأثر وسائل الإعلام على ظاهرة العنف لدى الشباب، وأمسية قصصية بمشاركة كتاب من قطر وعمان والبحرين، وندوة بعنوان «المختبرات السردية في دول الخليج». وأمسية شعرية للشاعر المصري حسن طالب.



«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية
TT

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ حول منظومتها، لتقوم بطرح أسئلة تُفند بها ذلك الخطاب بداية من سؤالها: «هل تحتاج الأمومة إلى كتاب؟»، الذي تُبادر به القارئ عبر مقدمة تسعى فيها لتجريد كلمة «أمومة» من حمولاتها «المِثالية» المرتبطة بالغريزة والدور الاجتماعي والثقافي المُلتصق بهذا المفهوم، ورصد تفاعل الأدبين العربي والعالمي بتجلياتهما الواسعة مع الأمومة كفِعل وممارسة، وسؤال قبل كل شيء.

صدر الكتاب أخيراً عن دار «تنمية» للنشر بالقاهرة، وفيه تُفرد أبو النجا أمام القارئ خريطة رحلتها البحثية لتحري مفهوم الأمومة العابرة للحدود، كما تشاركه اعترافها بأنها كانت في حاجة إلى «جرأة» لإخراج هذا الكتاب للنور، الذي قادها «لاقتحام جبل من المقدسات، وليس أقدس من الأمومة في مجتمعاتنا ولو شكلاً فقط»، كما تقول، وتستقر أبو النجا على منهجية قراءة نصوص «مُتجاورة» تتقاطع مع الأمومة، لكاتبات ينتمين إلى أزمنة وجغرافيات مُتراوحة، ومُتباعدة حتى في شكل الكتابة وسياقها الداخلي، لاستقراء مفهوم الأمومة وخطابها كممارسة عابرة للحدود، ومحاولة فهم تأثير حزمة السياسات باختلافها كالاستعمارية، والقبلية، والعولمة، والنيوليبرالية، وغيرها.

فِعل التئام

يفتح اختيار شيرين أبو النجا للنصوص الأدبية التي تستعين بها في كتابها، في سياق القراءة المُتجاورة، مسرحاً موازياً يتسع للتحاوُر بين شخصيات النصوص التي اختارتها وتنتمي لأرضيات تاريخية ونفسية مُتشعبة، كما ترصد ردود أفعال بطلاتها وكاتباتها حِيال خبرات الأمومة المُتشابهة رغم تباعد الحدود بينها، لتخرج في كتابها بنص بحثي إبداعي موازِ يُعمّق خبرة النصوص التي حاورت فيها سؤال الأمومة.

يضع الكتاب عبر 242 صفحة، النصوص المُختارة في مواجهة المتن الثقافي الراسخ والنمطي لمنظومة الأمومة، تقول الكاتبة: «الأمومة مُتعددة، لكنها أحادية كمؤسسة تفرضها السلطة بمساعدة خطاب مجتمعي»، وتتوقف أبو النجا عند كتاب «كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها»، صدر عام 2017 للشاعرة والكاتبة المصرية إيمان مرسال بوصفه «الحجر الذي حرّك الأفكار الساكنة المستكينة لفكرة ثابتة عن الأمومة»، على حد تعبير أبو النجا.

تتحاور الكاتبة مع منطق «الأشباح» وتتأمل كيف تتحوّل الأمومة إلى شبح يُهدد الذات سواء على المستوى النفسي أو مستوى الكتابة، تقول: «في حياة أي امرأة هناك كثير من الأشباح، قد لا تتعرف عليها، وقد تُقرر أن تتجاهلها، وقد تتعايش معها. لكن الكتابة لا تملك رفاهية غض الطرف عن هذه الأشباح»، ومن رحِم تلك الرؤية كانت الكتابة فعل مواجهة مع تلك «الشبحية»، ومحاولة تفسير الصراع الكامن بين الذات والآخر، باعتبار الكتابة فعلاً يحتاج إلى ذات حاضرة، فيما الأمومة تسلب تلك الذات فتصير أقرب لذات منشطرة تبحث عن «التئام» ما، ويُجاور الكتاب بين كتاب إيمان مرسال، وبين كتاب التركية إليف شافاق «حليب أسود: الكتابة والأمومة والحريم»، إذ ترصد أبو النجا كيف قامت الكاتبتان بتنحّية كل من الشِعر والسرد الروائي جانباً، في محاولة للتعبير عن ضغط سؤال الأمومة وفهم جوهرها بعيداً عن السياق الراسخ لها في المتن الثقافي العام كدور وغريزة.

تقاطعات الورطة

ترصد أبو النجا موقع النصوص التي اختارتها ثقافياً، بما يعكسه من خصائص تاريخية وسياسية ومُجتمعية، المؤثرة بالضرورة على وضع الأمومة في هذا الإطار، فطرحت مقاربةً بين نص المُستعمِر والمُستعمَر، مثلما طرحت بمجاورة نصين لسيمون دو بوفوار المنتمية لفرنسا الاستعمارية، وآخر لفاطمة الرنتيسي المنتمية للمغرب المُستعمرة، اللتين تشير الكاتبة إلى أن كلتيهما ما كان من الممكن أن تحتلا الموقع الذي نعرفه اليوم عنهما دون أن تعبرا الحدود المفروضة عليهما فكرياً ونفسياً ومجتمعياً.

كما تضع كتاب «عن المرأة المولودة» للأمريكية إدريان ريتش، صدر عام 1976، في إطار السياق الاجتماعي والقانوني والسياسي الذي حرّض آنذاك على انتقاد الرؤى الثابتة حول تقسيم الأدوار بين الجنسين وبين ما يجب أن تكون عليه الأم النموذجية، ما أنعش حركة تحرير النساء التي خرجت من عباءة الأحزاب اليسارية والحركات الطلابية آنذاك، وتشير إلى أن هذا الكتاب أطلق على الأمومة اسم «مؤسسة» بما يجابه أطراف المؤسسة الذكورية التي ترسم بدقة أدوار النساء في العائلة وصورهن، وصاغت ريتش هذا الكتاب بشكل جعله يصلح للقراءة والتأمل في بيئات مُغايرة زمنياً وجغرافياً، ويخلق الكتاب تقاطعات بين رؤية ريتش مع تجربة شعرية لافتة بعنوان «وبيننا حديقة» للشاعرتين المصريتين سارة عابدين ومروة أبو ضيف، الذي حسب تعبير شيرين أبو النجا، يمثل «حجراً ضخماً تم إلقاؤه في مياه راكدة تعمل على تعتيم أي مشاعر مختلفة عن السائد في بحر المُقدسات»، والذات التي تجد نفسها في ورطة الأمومة، والتضاؤل في مواجهة فعل الأمومة ودورها. تجمع شيرين أبو النجا بين النص الأميركي والديوان المصري اللذين يفصل بينهما نحو 40 عاماً، لتخرج بنص موازِ يُعادل مشاعر الأم (الكاتبة) وانسحاقها أمام صراع بين القدرة والعجز، والهوية وانسحاقها، لتقول إنه مهما تعددت الأسئلة واشتد الصراع واختلفت تجلياته الخطابية انسحبت الكاتبات الثلاث إلى حقيقة «تآكل الذات»، وابتلاع الأمومة للمساحة النفسية، أو بتعبير الشاعرة سارة عابدين في الديوان بقولها: «حروف اسمي تتساقط كل يوم/ لأزحف أنا إلى هامش يتضاءل/ جوار متن الأمومة الشرس».

في الكتاب تبرز نماذج «الأم» المُتعددة ضمن ثيمات متفرقة، فتضعنا الناقدة أمام نموذج «الأم الأبوية» التي تظهر في شكلها الصادم في أعمال المصرية نوال السعداوي والكاريبية جامايكا كينكد التي تطرح الكاتبة قراءة تجاورية لعمليهما، وتتوقف عند «الأم الهاربة» بقراءة تربط بين رواية «استغماية» للمصرية كاميليا حسين، وسيرة غيرية عن الناقدة الأمريكية سوزان سونتاغ، وهناك «الأم المُقاومة» في فصل كرسته لقراءة تفاعل النص الأدبي الفلسطيني مع صورة الأم، طارحة تساؤلات حول مدى التعامل معها كرمز للأرض والمقاومة، فيما تُشارك شيرين أبو النجا مع القارئ تزامن انتهائها من هذا الكتاب مع «طوفان الأقصى» وضرب إسرائيل لغزة، في لحظة مفصلية تفرض سؤالها التاريخي: ماذا عن الأم الفلسطينية؟ أمهات الحروب؟ الأمهات المنسيات؟