اللامساواة في «أوضاع العالم» و«معارضة الغريب»

غلاف «أوضاع العالم 2015» و غلاف «معارضة الغريب»
غلاف «أوضاع العالم 2015» و غلاف «معارضة الغريب»
TT

اللامساواة في «أوضاع العالم» و«معارضة الغريب»

غلاف «أوضاع العالم 2015» و غلاف «معارضة الغريب»
غلاف «أوضاع العالم 2015» و غلاف «معارضة الغريب»

من بين أكثر الأقوال المأثورة عن القراءة يعجبني وصف الفيلسوف الفرنسي مونتين بأنّها «الصديق الذي لا يخون طيلة الحياة»، ولا سيما إذا أضفنا أنّ عدم الخيانة مشروط بإخلاصنا للقراءة وبنوعيّة ما نقرأ. فالقراءةُ لا تجعل من الكتاب خير جليس يُثري حياتنا ويمتعنا فحسب، بل تجعل منه صديقًا يشارككَ همومك وشجونك، وينمّي قدراتك، ويضيء لك طريق الكتابة إذا كنتَ كاتبًا، لأن المرء لا يمكنه أن يكون كاتبًا إن لم يكن قارئًا.
تراودني هذه الأفكار كلّما قرأت كتابًا من الكتب التي تغني الفكر والروح وتمتعهما، وخصوصًا في زمن كثُرت فيه المصادر الثقافية ووسائطها، وما يرافقها من مضامين ثقافيّة يختلط معها الغث والسمين، سواء وصلتنا عبر الإنترنت أم عبر برنامج تلفزيوني أم مجلّة أم كتاب.. إلخ.
مؤخّرًا، قرأت كتابين مختلفين من حيث النوع ومن حيث الطبيعة: كتاب «أوضاع العالم 2015» الذي تقوم مؤسّسة «الفكر العربي» بترجمته إلى العربيّة، ورواية «معارضة الغريب» Meursault، contre - enquête لكمال داود الصادرة حديثًا عن دار «الجديد» بترجمتها العربيّة أيضًا. فكان أن اجتمع الكتابان، على الرغم من الاختلاف الجذري في طبيعتهما، على إشراكي في استعراضٍ لا ينتهي من اللّامساواة واللّاعدالة اللذين يسودان العالم.
تحت عنوان «عالم اللّامساواة» يطلعنا «أوضاع العالم 2015» كيف عمّقت العولمة، خلافًا للوعود التي قطعها أصحابها، التفاوتات سواء بين الشمال والجنوب أم بين بلدان كلٍّ من هاتين المنطقتَيْن، معتبرًا أن هذه «اللّامساواة»، فضلاً عن التفاوتات التي تصاحبها، تضرب بجذورها في تاريخ الرقّ والاستعمار، وأنّها وثيقة الارتباط في الزمن الراهن بالهرمية أو التراتبية التي يفرضها المجتمع الدولي، وأنّها تفسر في غالب الأحيان العنف السياسي. وفي جردته لمقاربة اللّامساواة في العالم، سواء على مستوى القارّات (من أميركا اللّاتينية إلى أوروبا مرورًا بالساحل الأفريقي) أم الأوطان (من المملكة المتّحدة ولوكسمبورغ - أو الجنّة الضريبيّة المهتزّة - إلى الصين مرورًا بالهند والعراق وإسرائيل وجمهورية الكونغو الديمقراطية)، يطلعنا الكتاب بالحجج والأرقام والبراهين والشواهد كيف أنّ اللّامساواة في المداخيل في غالبية البلدان الغنيّة، وبعد تراجعها في القرن العشرين، عادت لتتزايد مجدّدًا عند منعطف القرن الحادي والعشرين، كاشفةً عن أنّ فوارق الثروة داخل الدول النامية ليست سوى القسم الطافي من جليد اللّامساوة. وأنّ هذه التفاوتات العالمية لم تتوقّف عن الازدياد منذ قيام الثورة الصناعية. والأمر الأسوأ من ذلك هو أنّ الفروقات الاقتصادية في المداخيل والثروة غالبًا ما تواكب صورًا وأشكالاً أخرى من الظلم كحال اللّامساواة في ما عنى إمكانية الوصول إلى الخدمات والموجودات والأرزاق العامة، كالصحّة والمعارف، أو حتّى الموارد الطبيعية.
هذا من دون أن ننسى أنّ سُبع سكّان العالم (أي قرابة مليار شخص) كانوا ضحايا تمييز ثقافي، ويعيشون وضعهم كأقلّية على نحوٍ متفاوت. وكيف أنّ اللّامساواة بين هذه الأقلّيات والآخرين في ميدان الاستخدام والسكن والارتياد المدرسي، أو حتّى مجرّد الاعتبار الاجتماعي، راحت تتزايد بدلاً من أن تتناقص، محيلةً إلى التفاوت بين الثقافات التي راتَبتها الغلبة ووضعَتها ضمن هرمية من الرتب والمرتبات، حتّى داخل النظام الدولي.
أما رواية كمال داود «معارضة الغريب»، المبنيّة عبر التناصّ في موازاة رواية ألبير كامو «الغريب»، فبدت لي أنّها تشكّل مدماكًا يُضاف إلى البناء العام لكتاب «أوضاع العالم 2015». لماذا؟ لأن داود يعود ويسائل خطاب هذه الرواية العالميّة المكتوبة منذ أكثر من سبعين عامًا، تلك الرواية التي تروي جريمة قتل عربي على يد فرنسي يدعى «مورسو» من دون سبب محدّد، ومن دون أن يكون لهذا العربي لا اسم ولا شهرة ولا ملمح. مجرّد عربي وردت كنيته العربية في رواية كامو خمسًا وعشرين مرّة من دون ذكر أي شيء يشير إلى اسمه أو إلى أهله أو حياته؛ فكان أن بنى داود خطابًا موازيًا ضمن عملية تناصّ فنّية دفعت قدمًا بالسرد المخالف أو المعارض لسرد كامو.
يبدأ هذا التعارض منذ مطلع الرواية. فمقابل «ماتت أمّي اليوم. وربما أمس، لا أدري!» التي بدأ بها كامو روايته على لسان بطله «مورسو»، يبدأ داود على لسان بطله «هارون» من الجملة التالية: «أمّي اليوم ما زالت على قيد الحياة».
أساس الحكاية لدى كامو هي كالآتي: «فرنسي قتل عربيًا كان متمدّدًا على شاطئ مقفر. كانت الساعة الثانية بعد الظهر، في صيف عام 1942. خمس طلقات نارية أعقبتها محاكمة. حُكم على القاتل بالموت لأنه لم يُحسن دفن أمّه، ولأنّه تكلّم عنها بالكثير من اللّامبالاة. من الناحية التقنية عُزيت الجريمة إلى الشمس أو إلى التبطّل وحسب (..) فيما بعد لم يعبأ أحد بالعربي ولا بعائلته ولا بشعبه».
لذا أحيا داود شخصيّة القتيل المَنسي مانحاّ إياه اسم موسى، وجعل من شقيقه هارون (الرجل السبعيني) الشخصية الأساسية التي تعيد إحياء سيرة موسى وعائلته عبر إيلائه مهمّة سرد يستعيد الذاكرة. ما جعل من موسى (القتيل العربي المجهول) شخصية تعادي شخصيّة «مورسو»، (القاتل الفرنسي الذي ذاع صيته في العالم)، ومن خطاب داود خطابًا معارضًا لخطاب كامو أيضًا.
يروي هارون الحكاية لمستمِعه الفرنسي قائلاً: «أخي من جهته، لم يؤت على ذكره في الحكاية. وأنت هنا، كأسلافك، تضلّ الطريق. فالعبثيّة تنكّبناها أنا وأخي على ظهرينا أو في أحشاء أرضنا، لا الآخر (..) أعتقد أنّني أريد إحقاق العدالة. قد يبدو هذا سخيفًا منّي في عمري هذا..لكنّني أقسم لك إنّها الحقيقة. وما أعنيه بذلك عدالة التوازنات لا عدالة المحاكم».
عدالة التوازنات. هذا ما أراد كمال داود تحقيقه روائيًا، أو عبر التخييل. عدالة التوازنات في عالم اللّامساواة الذي رأى كتاب «أوضاع العالم 2015» أنّ استعراضه لا ينتهي. فجاءت الرواية مدماكًا يُضاف إلى البناء العام للكتاب الواقعي. فيما يمكن للكتاب بدوره أن يتعزّز من ضروب اللّامساواة التي تعبّر عنها رواية معارضة الغريب»، وأن يتدعّم بها.
وفي علاقةٍ مثلّثة الأطراف ربطت بيني وبين النصّين أيقنتُ مجدّدًا كمّ أن الحدود بين الحياة والأدب هي حدود واهية. فكان كلٌّ من الكتابَيْن في رحلة القراءة صديقًا لي. وكأنّنا أيقنّا نحن الثلاثة أنّ اللامساواة واللاعدالة ليستا قدرًا محتومًا ينبغي الخضوع له والرضا به.
* كاتبة لبنانية



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.