بعد أن تجاوز متاعبه الصحية التي ألمت به أخيرا، وبعد انقطاع دام 15 عاما عن الساحة الفنية، قرر الفنان هاني شنودة العودة واستئناف نشاطه الفني كملحن وموزع موسيقي له بصمة خاصة في الأغنية المصرية. فهو صاحب أول فرقة موسيقية «المصريين»، وهو أيضا من اكتشف نجمي الغناء المصري محمد منير وعمرو دياب، وقام بتلحين آخر أغنيات النجمة المعتزلة نجاة الصغير.. في حوار معه كشف لـ«الشرق الأوسط» دوافع عودته إلى الساحة الغنائية وطموحاته المرتقبة، كما تحدث عن علاقته بالفنانة نجاة الصغيرة، وأبرز المحطات المؤثرة في حياته كفنان، ورأيه في الغناء الآن.. وهنا نص الحوار:
* لماذا قررت العودة بفرقة المصريين بعد انقطاع دام 15 عاما؟
- هذه الفرقة تمثل لي العائلة التي تحضني وتعطيني دائما الإحساس بالعمل الجماعي، وأعود إليها بدافع من الاشتياق والحنين، بعيدا عن الفردية والأنانية التي نعيشها الآن كمجتمع، فالعمل الجماعي مع أفراد يشكل كيانا تجد فيه تبادل الاحترام والمودة، وقد أقدمت على العودة بشكل جاد عندما أبلغتني إيمان يونس التي تعتبر من أوائل مؤسسي الفرقة بأنها تريد العودة إلى العمل، جعلتني أتحمس وقدمت الكثير من الحفلات بعد ثورة يناير في الأوبرا وساقية الصاوي، ولكني توقفت نظرا لم تمر به البلاد من أحداث سياسة وحظر تجوال.
* كيف كان استقبال الجمهور لعودتك؟
- أصعب شيء هو العودة، لكن عندي رصيد لدى الجمهور الذي كان يتابعني في الماضي وما زال يتذكرني ويردد ما قدمت من أغنيات، بل ينصح أبناءه بسماعي، ولم أغضب لأني لا أمثل أي رقم بين الفرق الموجودة الآن.
* هل تنوي تقديم ألبومات غنائية في الفترة المقبلة؟
- بالتأكيد، العودة ستكون شديدة، وأنوي تقديم ألبوم للأفراح وفيه أشكال ومشكلات اجتماعيه في شكل غنائي، مع إعادة توزيع أغنيات قديمة.
* هل ما زلت على علاقة مع النجمة نجاة الصغيرة؟
- تقابلت معها منذ أيام قليلة للحديث عن 6 أغنيات قمت بتلحينها لها ولم تظهر للنور. وقلت لها لا يمكن الاستفادة بها نظرا لتسجيلها على شرائط قديمة ولا توجد أجهزة، الآن يوجد الديجتال فقط، فهي أصبحت متفرغة للعبادة وارتدت الحجاب، وموت سعاد حسني أثر فيها بشكل كبير، وهي ناكرة للذات طوال الوقت لدرجة أنها تنكرت في عزاء سعاد لعدم لفت الأنظار إليها. نجاة هي ميزان الفن، قدمت معها أغنيتين ظلتا 6 سنوات لم تذاعا، ونجاة كانت قلقة وخائفة من رد الفعل على تغيير الشكل الذي اعتاده الجمهور منها، وقالت لي: «أنا مش هينفع انزلهم»، وفي ذات مرة حدثتني أن كمال الطويل قام بزيارتها في منزلها وسمع الأغنيتين ونصحها بسرعة تنزيلهما وقال لها: «دا هاني شنودة أعاد لك شبابك».
* هل فكرت نجاة في تقديم سيرتها الذاتية؟
- وافقت على تقديمها لإحدى القنوات الفضائية لكن بشروط أن تختار الأشخاص الذين سيتحدثون عن مشوارها، ولكنها اختلفت معهم نظرا للتكلفة الباهظة للبرنامج.
* لماذا تعاونت مع المطرب الشعبي أحمد عدوية وهو بعيد عما تقدمه؟
- عدوية قدم من قبل الكثير من الأغنيات الهابطة، ولكني أعرف جيدا أنه يمتلك صوتا قويا وجيدا ويستطيع تقديم أغانٍ ذات معانٍ مفيدة وفيها رسالة، وهذا ما حدث بالفعل عندما تعاونت معه في «زحمة يا دنيا زحمة»، وبعد نجاحها طلب التعاون في أغنيات أخرى، لكني رفضت لرداءة كلماتها.
* لماذا تم منع أغنية «زحمة يا دنيا زحمة» في عصر الرئيس الراحل أنور السادات؟
- الأغنية كسرت الدنيا في ذلك الوقت، بل تم اعتماد عدوية في الإذاعة بسببها، لكنها منعت بسبب أنه في إحدى المرات قامت الإذاعة المصرية بدعوة عدوية لإحياء فرح في «ميت أبو الكوم» بلد الرئيس الراحل أنور السادات، وكان حاضرا الفرح، ونصح عدوية أحد أفراد الفرقة بعدم غناء أغنية «زحمة يا دنيا زحمة» خوفا من جملة «مولد وصاحبه غايب»، لكن عند صعوده على المسرح طلب الجمهور منه غناء أغنية «زحمة»، فنظر عدوية تجاه السادات وقام بالغناء، وعندما وصل إلى الجملة المذكورة استبدل بها جملة أخرى، مما لفت الأنظار أن المقصود من الجملة هو السادات، وفورا تم تنزيل عدوية من فوق المسرح وتم التحقيق معه ومنعت من الإذاعة، بل توقف عدوية عن الغناء فترة زمنية.
* هل تقابلت مع السادات في تلك الفترة؟
- تقابلت معه في حفلة عيد العلم، وقال لي: «الطقاطيق اللي بتقدمها ياد يا شنودة حلوة واوعى تغيرها»، والذي لا يعرفه أحد أن السادات كان يرسل شخصا ليأخذ كل أغنية أنتهي منها مباشرة ليسمعها قبل طرحها في الأسواق، فهو كان رجلا عاشقا للفن من الدرجة الأولى.
* لماذا صرحت بأنه لو كان عبد الحليم حافظ حيا لتغيرت مسيرتك الفنية؟
- طلب مني تكوين فرقة موسيقية وبدأت بالفعل في تكوين أفرادها، على غرار فرقة المصريين، ومعرفتي به جاءت في أواخر أيامه. كنت أتمنى العمل معه، فهو فنان كان يحب عمله بشدة وكان يركز في كل التفاصيل ويتابعها مهما كانت صغيرة، حتى تذاكر الدخول كان يتابعها، وكان يجلس بنفسه ليكتب لمجموعة الصحافيين والنقاد لحضور الحفل وأصدقائه الفنانين.
* ألم تشعر بالظلم لأنك لم تحصل على المناصب التي تليق بتاريخك الطويل؟
- أنا ولدت في بلد اسمه مصر، فيها الأهرامات، وهي من أهم البلاد العربية بل في العالم ككل في حضارتها وثقافتها، وحتى الآن أنا لم أرد الجميل لهذا البلد ولم أوفِها حقها، ولا ينتابني أي إحساس بالظلم وعدم حصولي على أي جوائز، فأنا لا أنتظرها. لي الكثير من الإنجازات، وغيرت شكل الأغنية المصرية، وكانت البداية مع محمد منير الذي غير «ستايل» الأغنية ككل وفرقة المصريين التي كان يحضر حفلاتها ستة آلاف شخص، ولم يكن عبد الحليم وأم كلثوم يصلان بعدد الحضور إلى هذا العدد، وتوليفتي أجدها الآن في أغلب أغنيات الجيل الحالي، والتي قدمتها منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما، وأرفض أن يقال إني ظلمت بسبب كوني مسيحيا، فأنا لم أظلم من الأساس، قدمت رسالتي على أكمل وجه وأعتبر الفن رسالة هامة، بل «أعتبر الفنانين ورثة الأنبياء».
* لكن إنجازاتك لا تصل إلى الجميع ولا يعرفها سوى المتخصصين في الفن.
- الجهل هو السبب في عدم معرفة إنجازي في تغيير شكل الأغنية، ونسب إلى أشخاص آخرين بناء على محاولاتهم لنسب إنجازاتي لهم. وعلى سبيل المثال إن قيمة سيد درويش ليست في أغنياته فقط، ولكن هذا الرجل قام بنقلة فنية، نقل فيها الفن من التطريب إلى التعبير. ولولا سيد درويش لأخذنا خمسمائة عام لتحقيق هذه النقلة. وعدم معرفة تاريخي الفني يؤكد أنه لا يوجد لدينا ناقد فني غنائي، وهذا ما سبب لي الظلم الوحيد في حياتي.
* هل ما زلت على علاقة بمحمد منير حتى الآن؟
- أنا أب لمنير ولا يهمني أن ابني لا يسمع كلامي ويلغي وجودي. وأنا أب تمنيت أن يكون ابني أحسن مني، وهذه هي علاقة الأبوة، وقسوة الأبناء على الآباء شيء عادي، وكان نادر ودينا أبنائي يغاران من حبي لمنير. فالجميع يعلم أني مكتشف منير، وأنا من كلمت شركة الإنتاج التي أنتجت أول ألبوم له «الكون كله بيدور»، كما لحنت له أكثر من أغنية في هذا الألبوم، ولكن لا يصح لي أن أخرج لأقول إني مكتشفه، فهذا يقلل مني، ولكن عدم اعترافه شيء يرجع له، ويكفيني أن عمرو دياب عندما قدم برنامج الحلم قال إنه لولا هاني شنودة لما كان عمرو دياب، ويدل ذلك على أنه إنسان محترم وشديد الذكاء.
* ما رأيك في حال الأغنية المصرية الآن؟
- الغناء الآن أصبح مسخا ومشوها، فالأغنية تقدم بعصبية وتهور دون تكنيك، عكس ما كانت تقدمه فيروز من قوة في الغناء، ويوجد عوامل أخرى ساهمت في موت الأغنية كالقرصنة على الإنترنت، وأتوقع أن يتم انعدام إنتاج الأغاني، والحكومة لا تهتم بذلك، ولكن الواضح أن الحكومة لديها اهتمامات أهم من الحفاظ على الفن الذي يلقب بريادته في العالم العربي، فمثلا عندما ذهبت إلى أميركا وأردت أن أحمل أغنية من الإنترنت دفعت دولارا ونصف الدولار.
* ما رأيك في الفرق الموسيقية الموجودة الآن؟
- يوجد الكثير من الفرق، وكل فرقة لها مذاق خاص، وهم مجتهدون لكنهم يقدمون أغنيات متشابهة، لذلك لا يعلقون في أذهان الجمهور. وأنصحهم بالدراسة والتمرين كثيرا مع الاستعانة بشخص محترف وموهوب في الموسيقى، وهذا سر نجاح فرقة المصريين ودخولها وجدان المصريين طوال 36 عاما.








