ما هي انعكاسات «المناخ المستبد» في المدارس على الأطفال؟

مدربة تعليمية تتساءل: منذ متى بدأنا ندير المدارس الابتدائية مثلما تدار السجون؟

أطفال في أحد فصول الحضانات الأميركية (واشنطن بوست)
أطفال في أحد فصول الحضانات الأميركية (واشنطن بوست)
TT

ما هي انعكاسات «المناخ المستبد» في المدارس على الأطفال؟

أطفال في أحد فصول الحضانات الأميركية (واشنطن بوست)
أطفال في أحد فصول الحضانات الأميركية (واشنطن بوست)

عملت ليسلي جار في السابق مدرسة، وتعمل حاليا مدربة للمدرسين في المدارس الحكومية الأميركية. وهي أيضا أم لثلاثة أبناء، إضافة إلى كونها مدوِنة ولها أعمال منشورة في مواقع مثل «سكاري مومي» و«توداي بيرنتس» و«ماملودا»، وستجد مدوناتها أيضا في «فيسبوك» و«تويتر». وكتبت في هذه المدونة عن شيء طالما ضايقها كلما دلفت إلى مدرسة ابتدائية هذه الأيام، شيء وصفته بـ«البيئة المستبدة الخشنة» التي يتلقى فيها الكثير من التلاميذ تعليمهم.
وتقول جار:
«استخدمت المتحدثة لهجة حاسمة ولم تترك سوى مساحة بسيطة للحوار، قائلة:
في غضون 30 ثانية يقف الجميع في الصف.
عشرة.. خمسة.. انتهى الوقت.
وقوف. أياديكم خلف ظهوركم، استديروا، عودوا لحجرة الدرس.
لا كلام»
سمعت هذا الحوار مؤخرا، ليس داخل أسوار السجن أو في معسكر اعتقال، ولا في ساحة المحكمة أو قسم شرطة، لكن في مدرسة ابتدائية من ذلك النوع النمطي من المدارس الابتدائية الواقع في الضواحي، وكان الحوار بين إحدى المدرسات وطلابها. لم تكن هناك مشكلة في الأمر تستدعي هذا الحوار، بل مجرد فترة راحة روتينية بين الحصص، كتلك التي يحصل عليها الطلاب أكثر من مرة في اليوم.
أعمل في المدارس الحكومية، ومن الممكن أن تشاهدوني أتجول في صالاتها بانتظام، وأتمنى لو أن باستطاعتي القول إن الحوار السابق كان حادثا فرديا ولا يمثل باقي المدارس التي زرتها، لكن ليس هذا ما أرمي إليه، فقد رأيت مثل هذا الحوار مئات، وربما آلاف المرات، في الكثير من المدارس على اختلاف أنواعها، حتى المدارس الراقية. وكمدرسة، شاركت بنفسي في هذا النوع من الحوارات اليومية، إلا أنني لم أر ذلك بشكل مختلف إلا مؤخرا.
ولنعد إلى الوراء قليلا، عملت مدرسة بفصل دراسي لثماني سنوات قبل حصولي على إجازة للبقاء بالمنزل مع أطفالي. وعند عودتي لمجال التربية بعد ذلك بعامين، اختلفت طبيعة عملي عن ذي قبل، حيث بدأت في تدريب وتوجيه المدرسين، بالإضافة إلى العمل مع الإداريين لتطوير أفضل الأساليب في مبانيهم الجامعية.
وأعطاني هذا التغير الذي طرأ على دوري منظورا مختلفا في بيئة تعودت عليها كما لو كانت جزءا مني، وساعدتني أن أستمر في العمل بعيون مفتوحة بعدة أشكال.
من خلال هذه التجربة، بدأ سؤال يثار داخلي، واستمر هذا السؤال في الإلحاح للدرجة التي بات من الصعب تجاهله. وكان هذا السؤال هو: منذ متى بدأنا ندير المدارس الابتدائية مثلما تدار السجون؟
منذ متى أصبح من المقبول والمعتاد مخاطبة التلاميذ في سن الخامسة والسادسة والسابعة بأوامر صارمة بدلا من استخدام لغة العطف والتشجيع؟ هل فعلا ولى ذلك الزمان الذي كنا نسمع فيه أغاني الأطفال، وضحكهم، ونشاهدهم يلعبون؟ هل اختلف العالم اليوم بهذه الدرجة عما كان عليه قبل 15 أو 20 عاما بحيث أصبح التعليم على هذه الدرجة من الحدة والخشونة؟
لا أعرف الإجابة تحديدا، لكنني أشك في أن أحد الأسباب هو الأهمية المتزايدة للامتحانات الموحدة في السنوات الأخيرة. فلا يمكن لأحد أن ينكر أن المعلمين في كل الفصول الدراسية باتوا يشعرون بضغوط متزايدة نتيجة لنمط الاختبارات عالية المخاطر، حتى ولو لم يكونوا يدرسون في صفوف دراسية تنتهي باختبارات. فالوقت الذي ضاع في الذهاب من وإلى مقصف المدرسة، أو في الذهاب إلى الحمام، أو في فترة الراحة، ينظر له كوقت ثمين وضائع كان من الأجدى استهلاكه في الفصل الدراسي. ليس هناك وقت للأمور الصغيرة، وحتى للمجاملات، فالساعة تمر، والضغوط تتواصل.
الحقيقة هي أن علمية تدريس الأطفال الصغار «مهارات بسيطة» كالتعاون، والتعاطف، وإدارة الوقت، كلها أمور بطيئة في اكتسابها، إذ إنها ليست من ذلك النوع الذي ينمو حسب الطلب، ولا يمكن تحديد كميتها ولا حسابها بلوحة عدادات.
ولذلك، إذا كانت هذه البيئة المتسارعة، وغالبا الخشنة، ناتجة عن الضغوط المتزايدة، فالسبب هنا مفهوم إلى حد كبير.
لكن سؤالا آخر يجب أن يطرح هنا: ماذا يفعل هذا المناخ المستبد المتزايد في أبنائنا؟
وما هو التأثير الدائم على التلاميذ المطالبين بالسير في الممرات وأيديهم متشابكة خلف ظهورهم، وأفواههم مليئة بالهواء كي لا يصدر عنهم أي صوت؟ لماذا يجبر الطفل دون سن الرابعة على الجلوس ومرفق ساعديه مثبت على ركبتيه وعيناه على الأرض بينما ينتظر زملاءه حتى يخرجوا من الحمام؟ ماذا نعلم تلاميذنا في الحقيقة عندما نعاقبهم عند التحدث للرد علينا، أو عند الحديث بصفة عامة؟ ماذا نعلمهم عندما نتسبب في شعورهم بالخجل أمام زملائهم في الفصل بسبب عدم قدرتهم على تنفيذ التعليمات التي لا تتناسب مع أعمارهم؟ ماذا نعلمهم عندما نلومهم على عدم قدرتهم على التفكير بشكل نقدي، وفى نفس الوقت نعجز باستمرار عن منحهم الفرصة كي يفعلوا ذلك؟
أنا لست أخصائية نفسية أو اجتماعية، ولذلك لا أستطيع أن أجزم بأنني متيقنة من الإجابة. فأنا لم أجر دراسة طويلة، لكنني أستطيع أن أخبرك بالإجابة كما أراها أنا كمدرسة، وكناصحة مخلصة، وكإدارية وكأم. الإجابة ببساطة هي أن عزيمتهم قد أثبطت، وحبهم الفطري للتعلم قد سحق مع أول مرة تعثروا فيها في السير حسب ما صدر لهم من تعليمات، أو وضعوا اللون خارج السطر، أو رفعوا صوتهم.
ولذا، فهم يتعلمون كيف لا يتعثرون في السير حتى لو كان هناك اكتشاف سحري في ركن الغرفة.
ولا يضعون اللون خارج السطور، حتى ولو يعني ذلك أنهم فشلوا في استكشاف عالم يوجد خلف تلك الخطوط الرفيعة السوداء.
هم لا يستطيعون رفع أصواتهم، حتى وإن رأوا ظلما يقع أمام عيونهم، وليس فقط يقع عليهم.
لماذا؟ لأن الكلفة مرتفعة، والحاجة لموافقة معلميهم ونظرائهم قوية جدا، والعقوبة لأقل مخالفة ستكون قاسية جدا لدرجة أنهم سيفعلون أي شيء كي يتحاشوها، حتى ولو كان الثمن هو قتل فضلوهم وإبداعهم وإحساسهم بالعدل.
وبهذه الطريقة نفقد في الجيل القادم نماذج تحاكي مارغوت فونتين، أو جاكسون بولاك، أو مارتن لوثر كينغ. نحن توقفنا عن استخدام طرق جديدة للتعبير والفنون والآداب والاحتجاج المهذب، لأنها كلها أمور تتطلب وقتا كبيرا حتى تُصقل، ولأنها جعلتنا نسأل أنفسها عن ممارساتنا العتيقة التي اعتدنا عليها، ولأننا فقدنا «التعليم الحقيقي» الذي فشلنا في تحقيقه، ولأنها لم تكن أمورا من المفترض أن نجتاز اختبارات فيها.
نحن نستسلم لحقيقة أن التلاميذ الذين لا يستطيعون الجلوس وقت سرد القصة سوف نصفهم بـ«السيئين»، حتى قبل أن يفهموا معنى كلمة «سيئ». سوف ينجح بعضهم رغم كل هذا، في حين أن آخرين سوف يصدقونها كحقيقة وسوف يعيشونها كنتيجة لذلك، وسيدفع مجتمعنا في النهاية ثمن النظام والتطابق أيا كان هذا الثمن.. لكن في النهاية، سوف يكون أبناؤنا قد تعلموا كيف يسيرون في الممرات بهدوء.
*خدمة «واشنطن بوست»
*خاص بـ«الشرق الأوسط»



تحقيق يكشف تردي أوضاع 1500 مدرسة غير مرخصة في لندن

تحقيق يكشف تردي أوضاع 1500 مدرسة غير مرخصة في لندن
TT

تحقيق يكشف تردي أوضاع 1500 مدرسة غير مرخصة في لندن

تحقيق يكشف تردي أوضاع 1500 مدرسة غير مرخصة في لندن

أثار تحقيق تربوي مستقل، صدر منذ أيام، موجة جدل في بريطانيا بعد كشفه عن تردّي أوضاع أكثر من 1500 مدرسة غير مرخصة في مقاطعة هاكني اللندنية.
هذا التحقيق الذي استغرق عاماً من العمل، انتقد سلامة الطلاب والمناهج التعليمية في تلك المدارس اليهودية «المتشددة دينياً»، وأسند معلوماته إلى إثباتات وبيانات من وزارة التعليم، وهيئة تقييم المدارس البريطانية (أوفستيد) إلى جانب شهادات من بلدية هاكني ورابطة المدارس العبرية، ودعا بإلحاح إلى تحرك حكومي.
وقال التقرير إن القوانين البريطانية لا تتعامل بحزم مع المدارس غير المرخصة، معبراً عن استيائه من رد الفعل اللامبالي من الحكومة.
ووفقاً لما نقلته «بي بي سي» على موقعها الجمعة الماضي، فإن القائمين على التحقيق أجروا استفتاءً بين أهالي الجالية اليهودية «المتشددة» لمشاركة تجاربهم، من دون الكشف عن هوياتهم. ووجدوا أنّ التعليم الذي يتلقاه طلاب أبناء الجالية لا يتماشى مع معايير التدريس في البلاد.
وكشفت هيئة «أوفستيد» أنّ نحو 6 آلاف طالب في إنجلترا يدرسون في مؤسسات تعليمية غير مرخصة معظمها مدارس دينية، يهودية ومسيحية وإسلامية.
من جانبها، طالبت بلدية هاكني في العاصمة البريطانية، بتشديد القوانين على تلك المدارس، لكنّ وزارة التعليم في البلاد لم تبد نيّة لإجراء أي تعديلات. ودعا التقرير المستقل بتشديد القوانين على التدريس المنزلي، ومنح البلديات الصلاحية لضمان تعليم ذات جودة تتماشى مع الأسس البريطانية لمرتادي هذه المدارس، ولمن اختار أهلهم تدريسهم في المنزل. كما حثّ البلدية أن تطوّر آلية موحدة للتعامل مع الكم الهائل من مدارسها غير المرخصة التي تزيد من التفرقة الاجتماعية في البلاد، وتؤدي بالتالي إلى إنتاج فكر متشدد.
وهذه ليست المرة الأولى التي تُوضع فيها المدارس الدينية في بريطانيا تحت المجهر، حيث أفاد تقرير لأوفستيد في فبراير (شباط) 2016، بأنّ أداء تلاميذ مدرسة «بيس أهارون» الابتدائية، يُجمعون على فكرة أنّ دور المرأة يقتصر على «الاهتمام بالأطفال وتنظيف المنزل وتحضير الطعام»، منتقداً مستوى التعليم في المدرسة الذي «لا يرقى إلى المستوى المنتظر من مدرسة مستقلة»، ويقدّم «الشعائر الدينية على المعايير التعليمية» المتعارف عليها. واعتبرت الهيئة الحكومية أنّ هذه المدرسة الابتدائية الخاصة التي تكلّف ما يقارب الـ3000 جنيه إسترليني في السنة (أي نحو 4300 دولار أميركي)، لا تحضّر تلاميذها بشكل مناسب للانخراط في «الحياة البريطانية الحديثة».
وفي السياق ذاته، قال مفتشو هيئة «أوفستيد» إن نقاشاتهم مع التلاميذ كشفت أن «معظمهم عبّروا عن آراء في الأدوار التي يلعبها كل من المرأة والرجل في المجتمع، لا تتوافق ومبادئ المجتمع البريطاني الحديث»، كما «فشلوا في إظهار الاحترام والتسامح تجاه أشخاص من ديانات مختلفة»، فضلاً عن أنّ معرفتهم بديانات أخرى وثقافات مغايرة «محدودة للغاية».
يذكر أن الهيئة نفسها كانت قد انتقدت 7 مدارس إسلامية مستقلة في منطقة «تاور هاملتس»، شرق لندن، لفشلها في أداء واجبها لحماية الأطفال من التطرف. وأشارت «أوفستيد» في تقريرها الذي نشر بتاريخ 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، إلى تساهل بعض هذه المدارس مع ممارسات قد تعتبر مشجعة للتطرف، وعبرت عن مخاوف جدية تجاه تدابير حماية التلاميذ ورعايتهم من خطر الانجرار وراء الفكر التطرفي، حسبما أفادت «الشرق الأوسط» سابقاً.