لبى آلاف الباريسيين دعوة أهل الثقافة والفنون وتجمعوا، ليلة أول من أمس، أمام مسرح «الباتاكلان» في الدائرة الحادية عشرة من العاصمة. ووسط تلال من باقات الزهور ومئات الشموع المتلألئة، تعاقب عدد من الموسيقيين على آلة بيانو موجودة وسط الشارع، ولم يتوقفوا عن عزف الألحان الحزينة والمرحة عليها. الأمر نفسه لوحظ على المتظاهرين، فكان بينهم من يغني ويصفق ويعكس علامات الابتهاج، وبينهم من فضل الصمت وحمل الشموع والالتزام بإعلان الحزن والتأمل. وفي تمام الساعة التاسعة وعشرين دقيقة اتحدت أصوات الفريقين ليرددوا النشيد الوطني «المارسييز»، في الموعد نفسه الذي كان الإرهابيون قد اقتحموا فيه المكان، الأسبوع الماضي، وفتحوا نيران رشاشاتهم على أكثر من ألف متفرج كانوا في المسرح.
وجرت تجمعات مماثلة في الأماكن الأخرى التي مرت فيها نيران المهاجمين، وخلفت ما مجموعه 130 ضحية حتى الآن. وتماسك المئات من الشبان والشابات بالأيدي أمام مقاهي ومطاعم «بون بيير» و«لا بيل إيكيب» و«كازانوسترا» و«لوكاريون»، مشكلين حلقات ترمز للتضامن وتحدي الموت الأعمى.
واحتلت الزهور وصور الضحايا وآنية الشموع الأرصفة التي كانت تصطف فيها مناضد وكراسي الزبائن، في حين حافظت مقاه مجاورة على شرفاتها التي ازدحمت بالناس رغم الطقس الممطر والبارد.
كما شهدت مدن فرنسية أخرى مسيرات التعبير عن التمسك بالحياة، أكبرها المظاهرة التي جمعت الآلاف في مدينة تولوز، جنوب البلاد، بعد ظهر أمس. وحمل المشاركون صور ضحايا مجزرة الجمعة الماضي، ولافتات تعبر عن حب الحياة ورفض الإرهاب.
كما شوهدت لافتات تدعو إلى عدم الخلط بين المجرمين وعموم المسلمين في فرنسا. وكانت دعوات قد ظهرت تطالب بإغلاق المساجد، لكنها قوبلت برفض واسع من أوساط إسلامية وغيرها. ولوحظت إجراءات أمنية استثنائية لتأمين صلاة الجمعة الماضية في المساجد الكبرى في باريس ومرسيليا وليون وليل.
وعلى مسافة شهر من احتفال الفرنسيين بمولد السيد المسيح تراوحت ردات الفعل في مواجهة الحدث الصاعق الذي كانت له أصداء عالمية واسعة، ففي حين عادت الحياة إلى سيرها الطبيعي في الأحياء السكنية والضواحي البعيدة عن مركز العاصمة، فإن المتاجر الكبرى ودكاكين الموضة في الأحياء التجارية مثل الأوبرا ومونبارناس وسان جيرمان خلت من ثلثي الزبائن الذين اعتادت استقبالهم في مثل هذا الموسم من السنة. وبينما دارت العشرات من كاميرات التلفزيون والقنوات الأجنبية لتصوير «الشجعان» الذين جلسوا في الشرفات الخارجية للمقاهي واستطلاع آرائهم فإن كثيرا من صغار التجار وأصحاب المكتبات ودكاكين بيع التذكارات السياحية عبروا عن قلقهم من ضياع الموسم الأكثر عائدات خلال السنة، وتقلص المبيعات إلى ما دون النصف، وبالمقابل تضاعفت طلبات شراء البضائع والهدايا عبر الشبكة الإلكترونية.
أما المسارح ودور السينما فقد عاودت استقبال الجمهور، لكن الإقبال عليها لا يزال ضعيفا. وكان المخرج الأميركي، ستيفن سبيلبرغ، قد حضر إلى باريس قبل الأحداث، للترويج لفيلمه الجديد «جسر الجواسيس» الذي يبدأ عرضه في الصالات الفرنسية الأسبوع المقبل، لكنه قطع رحلته وعاد إلى الولايات المتحدة.
وعادت الروح إلى الملاعب الرياضية، واستأنفت مباريات الدوري الفرنسي لكرة القدم برنامجها المعتاد، مع تفتيش شديد عند بوابات الدخول وإجراءات مكثفة لحماية اللاعبين. ووقفت جماهير الكرة دقيقة صمت حدادا على الضحايا، كما رددت الحناجر النشيد الوطني الذي استعاد تألقه بشكل غير مسبوق بعد أن دعت أصوات كثيرة إلى تغيير بعض كلماته المحرضة على العنف.
باريس تتحدى الخوف وأهلها يعلنون تمسكهم بالفرح
موسيقيون يتعاقبون منذ أسبوع للعزف على البيانو أمام مسرح «باتاكلان»
باريس تتحدى الخوف وأهلها يعلنون تمسكهم بالفرح
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة