كتب التلوين للكبار.. من الحدائق والغابات إلى الأزياء

بعض يرى فيها تحفيزًا للإبداع.. والمختصون يعتبرونها وسيلة للتخلص من الضغط النفسي

بداية صيحة كتب التلوين للبالغين كتاب «سيكريت غاردن»
بداية صيحة كتب التلوين للبالغين كتاب «سيكريت غاردن»
TT

كتب التلوين للكبار.. من الحدائق والغابات إلى الأزياء

بداية صيحة كتب التلوين للبالغين كتاب «سيكريت غاردن»
بداية صيحة كتب التلوين للبالغين كتاب «سيكريت غاردن»

من منا لا يحب استخدام أقلام الشمع الملونة أو مشاركة الأطفال في التلوين في دفاترهم؟ هناك كثيرون ممن يعشقون تلك الهواية، فهي مسلية ومحفزة للإبداع، وأيضا، وهي عامل مهم، تحمل حنينا واضحا لسنوات الطفولة. ولكن لا داعي لمنافسة الأطفال في كتبهم ومزاحمتهم، فقد بدأت كتب التلوين للكبار تغزو المكتبات وتحولت إلى صرعة جديدة أثبتت نجاحا ورواجا فاق كل التوقعات.
البداية كما يرى البعض كانت مع ظهور كتاب «سيكريت غاردن» (الحديقة الخفية) للفنانة جوانا باسفورد، الذي باع أكثر من 1.4 مليون نسخة وترجم إلى 22 لغة. وحسب ما تروي باسفورد دائما فقد عرض عليها الناشر أن تقدم كتب للتلوين للأطفال ولكنها اقترحت عليه أن تكون الكتب للبالغين، وهو ما رفضه الناشر في البداية ولكنها سرعان ما نجحت في إقناعه. ولكن تعترف باسفورد أن النجاح الضخم الذي صادفه الكتاب كان مفاجأة لها وللناشر أيضا.
الكتاب يتميز بأن كل رسوماته باليد، وحسب ما ذكرت باسفورد في إحدى مقابلاتها فهي لا تميل لاستخدام الكومبيوتر في التصميم أو الرسم لأن الناتج عادة يكون «فاقدا للحياة». الجميل في كتاب باسفورد هو أن رسوماتها بديعة التفاصيل، فالحديقة التي تعرض تفصيلاتها من زهور وأوراق شجر وطيور، هي حديقة ساحرة الجمال، كما أنها تقدم مفاجآت تظهر بعد التلوين على هيئة حيوانات تظهر فجأة من بين الأشجار أو زهرة غريبة. ولا شك أن النجاح الذي صادفه «سيكريت غاردن» أغرى الفنانة بإصدار كتابها الثاني للتلوين وهو حول غابة مسحورة «ذا إنشانتد فورست». وتحولت باسفورد إلى كاتبة ومصممة شهيرة، رغم اعترافها المدهش بأنها لا تجيد تلوين الرسومات، فمهارتها تكمن في الرسم بالأبيض والأسود.
النجاح الكبير والانتشار الذي صادفته باسفورد تسبب في ظهور «صرعة كتب التلوين للكبار»، فتسابقت دور النشر على إصدار مختلف التصاميم من تلك الكتب، وشهدت مبيعات الأقلام الملونة أيضا صحوة جديدة. وتحولت كتب التلوين للكبار إلى أكثر الكتب مبيعا على موقع أمازون، وأيضا كانت في أعلى قائمة الرغبات للموقع. ومع تعدد أشكالها وإصداراتها بدأت مطبوعات ناجحة في تبني كتب التلوين، فعلى سبيل المثال أصدرت مجلة «فوغ» للأزياء كتابا خاصا يحمل رسومات معتمدة على صور أزياء نشرتها المجلة عبر تاريخها تحت عنوان «كتاب فوغ للتلوين». والجمهور الذي يتوجه له الكتاب قد يكون من النساء والفتيات الشغوفات بالأزياء، فسيكون بإمكانهن تلوين طبقات القماش والتحكم في لون النقوش لزي أحد المصممين المشهورين، وفي نهاية الأمر سيكون الزي معبرا عن شخصية ماسك الأقلام الملونة. الكتاب يقدم 150 رسما بقلم خبير الموضة إيان آر ويب الذي اختار طلات مميزة وموديلات حفرت مكانها في حقبة الخمسينات في مجلة «فوغ» بطبعتها البريطانية.
ومن الأزياء للطهي، فقد صدرت طبعة من الرسومات الملونة المعتمدة على وصفات برنامج المسابقات لهواة الخبز «المخبوزات البريطانية» (ذا غريت بريتيش بيك أوف)، والتي تمنح القارئ الهاوي للمخبوزات والكيك أن يخلق الكعكة التي يحلم بأكلها، ولا شك أن يكون ذلك الكتاب من أكثر الكتب شعبية. ولم تتوقف كتب التلوين عند ذلك، فقد سارعت دور النشر في توفير كتاب للتلوين معتمدة على روايات «هاري بوتر» وعلى مغامرات «شيرلوك هولمز» وأيضا استوحت المسلسل التلفزيوني «ذا غيم أو ثرونز» (لعبة العروش) ومسلسل «دكتور هو» وأفلام رسوم متحركة مثل «فروزن» و«أليس في بلاد العجائب» و«ستار وارز». ولم تتوقف دور النشر عن إيجاد موضوعات جديدة ومساحات مختلفة للتلوين، فظهرت الكتب التي تصور الحياة في المدن الكبرى مثل لندن ونيويورك وباريس.
ويشير خبراء في العلاج النفسي أو السلوكي أن كتب التلوين هي جانب هام من طريقة العلاج التي يطلق عليه «مايندفولنس» أو «مهارات الحضور الذهني» والتي يصل لها الشخص عبر التركيز على اللحظة الحالية وتقبل المشاعر والأفكار الحاضرة. ولهذا أصدرت كتب تحمل ذلك التعبير تقدم رسومات بالأبيض والأسود جاهزة للتلوين، وقيل إن الفائدة التي يجنيها المستخدم هو حالة التركيز التي يشعر بها خاصة في التلوين داخل حدود شكل معين، وهو ما ينتج عنه حالة من الاسترخاء والهدوء. وحسب رأي آن لومور، الناشرة في دار «هاشيت براتيك» التي تنشر مجموعة كبيرة من كتب التلوين أن نجاح السلسلة في فرنسا وفي العالم بصفة عامة يرجع لحاجة الإنسان المعاصر لتخفيف الضغط النفسي الذي يعيش فيه، ويمثل فرصة للهروب من سيطرة أجهزة الهاتف النقال والكومبيوتر اللوحي ومواقع التواصل الاجتماعي على حياتنا، لننفرد بأنفسنا لدقائق أو ساعات نعبر فيها من خلال أقلام التلوين عن طاقات كامنة إبداعية أو حتى الرجوع للطفولة.
وللحاق بركب موجة ناجحة قامت عدد من الشركات بتطوير تطبيقات لأنظمة آي أو إس وآندرويد للتلوين، تمكن المستخدم من تلوين الأشكال الموجودة عبر لمس الشاشة والاختيار من بين مجموعة من الألوان الأساسية، وبالطبع لمن أراد استخدام ألوان مختلفة فسيتعين عليه دفع ثمنها. وتشير وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها حول انتشار كتب التلوين للبالغين إلى أن حجم المبيعات وصل في فرنسا إلى 300 ألف حتى الآن، وتفرعت موضوعاتها لترضي جميع الأذواق من الحدائق إلى فنون القرون الوسطى، مرورًا بمواقع شهيرة رائجة في العالم ولوحات شرقية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».