المطبخ اللبناني يحلق مرة أخرى في سماء العالمية مع الطاهي برزا

جيرالد باسيدا يختاره ليشاركه في «ملتقى الذواقة الشرق أوسطي» في مرسيليا

الطاهي جو برزا  -  تونا مع قطع شاورما  -  ورق عنب مع السمك
الطاهي جو برزا - تونا مع قطع شاورما - ورق عنب مع السمك
TT

المطبخ اللبناني يحلق مرة أخرى في سماء العالمية مع الطاهي برزا

الطاهي جو برزا  -  تونا مع قطع شاورما  -  ورق عنب مع السمك
الطاهي جو برزا - تونا مع قطع شاورما - ورق عنب مع السمك

«في هذه المناسبة سنستقبل لبنان ممثلا بأحد رموزه المعروفة الشيف جو برزا». بهذه الكلمات المعبرة، كتب الشيف الفرنسي العالمي جيرالد باسيدا على صفحته الخاصة على موقع «فيسبوك»، داعيا إلى حضور النسخة الثانية من مهرجان «ملتقى الذواقة الشرق أوسطي»، الذي ينظمه للسنة الثانية على التوالي في المطعم الذي يملكه (Le Mole Passedat) في مدينة مرسيليا الفرنسية.
فهذا الحدث الذي يقام ابتداء من 25 الحالي حتى 21 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، والذي سيكرم لبنان على طريقته، صار منتظرا من مختلف بقاع العالم، كونه يشكل نافذة تطل على المطبخ الشرق أوسطي بأسلوب عالمي. ويقف وراء هذا الحدث الشيف الفرنسي المذكور صاحب مطعم «لي بيتي نيس» المكلل بثلاث نجوم من دليل ميشلان العالمي. وكان العام الماضي قد أقام النسخة الأولى منه تحت عنوان المطبخ الإيطالي الذي يندرج أيضا في حوض المتوسط، وذلك من خلال استضافته للشيف الإيطالي يومها أنطوني جينوفيزي، المسؤول عن مطبخ «Pagliaccilo» المكلل بنجمتين من ميشلان والواقع في مدينة روما.
وبذلك سيكون الشيف جو برزا ضيف الشرف لهذا المهرجان، وقد خصص منظموه 4 ليال متتالية للمطبخ اللبناني من 25 حتى 29 نوفمبر (تشرين الثاني)، سيضيئها الشيف اللبناني بأطباقه المستوحاة من صلب مطبخنا العريق. تجري أحداث المهرجان في متحف «le Mole Passedat» الذي يضم أيضا مطعم «لي بيتي نيس»، بحيث سيشرع الشيف الفرنسي أبواب مطبخه أمام زميله اللبناني. وسيقوم هذا الأخير بتعريف المدعوين على الأكلات اللبنانية في برنامج غني، يشمل لائحة الطعام والطبق الخاص في مقهى المطعم وساندويتش الـ«كيوسك»، وحصة دراسية تعليمية في مدرسة المطعم «le Mole».
ويقول الشيف جو برزا في هذا الصدد: «ما أقوم به لا يندرج فقط تحت عنوان (الإنجاز الشخصي)، بل هو تحقيق هدف آخر في مرمى المطبخ العالمي، بحيث يكون لبنان ممثلا على أكمل وجه من خلال أطباقه المميزة التي تشكل لغة ساحرة تضفي الفرح على من يتذوقها».
وما يقوله الشيف برزا هو حقيقة ملموسة في الواقع، فالمطبخ اللبناني يحقق حاليا شهرة واسعة تطال دولا كثيرة. فلقد صار يشكل واحدا من الخيارات الأولى لهواة متذوقي الطعام لمطبخ يختلف عن مطبخهم الأم. فكما في أميركا وفرنسا وإنجلترا، كذلك الأمر في اليابان والصين وأستراليا ودون أن ننسى دول الخليج العربي، تلاقي أطباقه طلبا كبيرا عليها».
يضيف برزا: «إن مطبخنا العربي رائد في وصفات أطباقه المستوحاة من تراثه، وما يميزه عن غيره هو هذا التنويع الذي يتمتع به دون تقيده بأوزان أو لنقل حسابات رسمية. ومن واجبنا تطويره مع الحفاظ على تركيبته الأساسية مع إظهار قيمته الثقافية». يقول الشيف جو برزا الذي عندما سألته ماذا ينتظره هناك أجاب: «لا أتوقع الأمور بل أعيشها كما هي، فالمطبخ شغفي ولبنان هو أفقي، وفي المقابل أتكيف بسرعة في المجتمع الذي أدخله من خلال تقبلي لشرائحه دون أي أحكام مسبقة».
أما لائحة الأطباق التي ينوي تقديمها الشيف جو برزا، هو الذي كان أول من حدث الأطباق اللبنانية وقدمها للعالم بأسلوبه الخارج عن المألوف، فابتكر بذلك نهجا صار يدرس في لبنان والعالم، فتتضمن: ساندويتش الفلافل مع الباذنجان والسمسم، وكبة سمك نيئة، ومحشي سلق على طريقة الـ«ميل فوي» مع سمك التونا المنقوع ببهارات الشاورما. كما سيكون الطبق الرئيسي مؤلفا من فخذ الغنم (Gigot) المشوي مع الفريكة والفواكه المجففة المنكهة بحبة المسكة، ويرافقه هريس الخرشوف بالطحينة. أما طبق الحلوى فسيكون كناية عن الكنافة بالأرز بالحليب مع بوظة السحلب العربية».
وستنجز هذه الأطباق على طريقة الـ«الأيدي الأربع» (A quatre mains)، بحيث سيعمل الزميلان معا في المطبخ، إلا أن القرار الأول والأخير سيكون للشيف جو برزا صاحب ابتكار هذه الأطباق.
ولكن ماذا عن روح المنافسة فهل ستكون موجودة بينهما؟ يرد الشيف اللبناني العالمي: «لا وجود للمنافسة في عمل يتطلب المشاركة بامتياز، وأنا بطبيعتي لا أفكر بهذه الطريقة، المطلوب في عملنا كمية كبيرة من الحب وباقة من الشغف ورشة فرح تغلفه قلبا وقالبا».
أما الحضور الذي سيرتاد هذا المهرجان فسيتألف من اللبنانيين في عالم الانتشار وغيرهم من أهل المدينة والسياح الأجانب، ويتوقع أن يفوق المئات، وغالبيته ستكون من زبائن مطعم «لي بيتي نيس»، الذي يملكه جيرالد باسيدا في مدينة مرسيليا الذي ورث هوايته هذه عن والده من قبله.
ووصف جو برزا أي مطبخ يدخله بمملكته الخاصة فقال: «هناك شعور كالمغناطيس يجذبني إلى المطبخ، فانسجم بسرعة فيه، وأستطيع أن أتلمس أماكن أدواته وأغراضه بصورة تلقائية دون طرح أي سؤال لإيجادها، صحيح أن التوتر والقلق يرافقاني حتى النهاية وكأني أقوم بعملي لأول مرة، إلا أن الشعور الأهم الذي ينتابني هو ما بعد الإنجاز الذي أحققه، عندها أشعر وكأنني أحلق على غيمة بيضاء، خصوصا إذا ما أقوم به يجري على منصة عالمية كـ(Le Mole)».
ولكن شيف كيف يتم اختيارك للأطباق التي تشارك فيها في مناسبات عالمية كهذه؟ فأجاب على ذلك، «هناك خلطة تحرك أفكاري تتألف من مكونات لا تشبه إلا لبنان، كالشغف ومطبخ والدتي وسعادة أولادي».
وعن النصيحة التي يقدمها لطهاة المستقبل ولا سيما طلاب مدرسة «Le Mole» الذين سيلتقيهم في هذه المناسبة حسب البرنامج المعد له فيقول: «أهم ما في الموضوع هو التحلي بالتواضع وبالطاقة الإيجابية، ومهما كانت جنسية هذا الطاهي، فإن هذه الخطوط العريضة يجب أن ترافقه في مشواره هذا، مكللة دائما بحبه وشغفه لمهنته، وإلا ما استطاع إنجاز مهامه على أكمل وجه. وهنا أريد القول إن الطاقة الإيجابية تلعب دورا أساسيا في روح العمل، والمطلوب أن نتدرب عليها، فهي ليست مجرد كبسة زر نضغط عليها فنبتسم ونرى الأشياء جميلة، بل جهد نبذله فنكتسبه ونعتاد عليه مع الوقت».
إذن لبنان ممثلا بالشيف جو برزا سيكون له محطة سياحية عالمية من نوع آخر تتعلق بمطبخه المرموق. ويبدو أن أطباقه التي تجوب مختلف بقاع العالم اليوم، وبهمة أشهر الطهاة فيه، ستشكل اللغة الأم التي في إمكاننا التحدث بها حتى مع سكان المقلب الآخر من الكرة الأرضية بعيدا عن السياسة ورموزها، فتكون بمثابة سفيرة فخرية تبرز الوجهين الحضاري والثقافي لبلاد الأرز.



ما قصة «الفوندو» وأين تأكله في جنيف؟

ديكورات جميلة وتقليدية (الشرق الاوسط)
ديكورات جميلة وتقليدية (الشرق الاوسط)
TT

ما قصة «الفوندو» وأين تأكله في جنيف؟

ديكورات جميلة وتقليدية (الشرق الاوسط)
ديكورات جميلة وتقليدية (الشرق الاوسط)

إذا كنت من محبي الأجبان فستكون سويسرا من عناوين الأكل المناسبة لك؛ لأنها تزخر بأنواع تُعد ولا تُحصى من الأجبان، بعضها يصلح للأكل بارداً ومباشرة، والأصناف الأخرى تُؤكل سائحة، ولذا يُطلق عليها اسم «فوندو» أو «ذائبة».

من أشهر الأجبان السويسرية: «الفاشرين» Vacherin، و«الغرويير»، و«الراكليت»، و«الإيمينتال»، ويبقى طبق «الفوندو» الأشهر على الإطلاق، لا سيما في فصل الشتاء؛ لأنه يلمّ شمل العائلة حوله، وترتكز فكرته على المشاركة، والنوع الأفضل منه يُطلق عليه اسم «مواتييه مواتييه»، ويعني «نصف - نصف»، وهذه التسمية جاءت من مزج نصف كمية من جبن «الفاشرين»، والنصف الآخر من جبن «الإيمينتال»، يُؤكل ذائباً بعد وضعه في إناء خاص على نار خافتة، يتناوله الذوّاقة عن طريق تغميس مكعبات لذيذة من الخبز الطازج وبطاطس مسلوقة صغيرة الحجم في الجبن إلى جانب البصل والخيار المخلل.

جلسة خارجية تناسب فصل الصيف (الشرق الاوسط)

عندما تزور مدينة جنيف لا بد أن تتوجه إلى القسم العتيق منها حيث تنتشر المقاهي والمطاعم المعروفة فيها، وبالقرب من الكاتدرائية لن يغفل عنك مطعم «ليه أرمور» Les Armures، المعروف كونه أقدم المطاعم السويسرية في جنيف، ويقدّم ألذ الأطباق التقليدية، على رأسها: «الراكليت»، و«الفوندو»، واللحم المجفف، و«الروستي» (عبارة عن شرائح بطاطس مع الجبن).

يستوقفك أولاً ديكور المطعم الذي يأخذك في رحلة تاريخية، بدءاً من الأثاث الخشبي الداكن، ومروراً بالجدران الحجرية النافرة، والأسقف المدعّمة بالخشب والمليئة بالرسومات، وانتهاء بصور الشخصيات الشهيرة التي زارت المطعم وأكلت فيه، مثل: الرئيس السابق بيل كلينتون، ويُقال إنه كان من بين المطاعم المفضلة لديه، وقام بتجربة الطعام فيه خلال إحدى زياراته لجنيف في التسعينات.

جانب من المطعم الاقدم في جنيف (الشرق الاوسط)

يعود تاريخ البناء إلى القرن السابع عشر، وفيه نوع خاص من الدفء؛ لأن أجواءه مريحة، ويقصده الذوّاقة من أهل المدينة، إلى جانب السياح والزوار من مدن سويسرية وفرنسية مجاورة وأرجاء المعمورة كافّة. يتبع المطعم فندقاً من فئة «بوتيك»، يحمل الاسم نفسه، ويحتل زاوية جميلة من القسم القديم من جنيف، تشاهد من شرفات الغرف ماضي المدينة وحاضرها في أجواء من الراحة. ويقدّم المطعم باحة خارجية لمحبي مراقبة حركة الناس من حولهم، وهذه الجلسة يزيد الطلب عليها في فصل الصيف، ولو أن الجلوس في الداخل قد يكون أجمل، نسبة لتاريخ المبنى وروعة الديكورات الموجودة وقطع الأثاث الأثرية. ويُعدّ المطعم أيضاً عنواناً للرومانسية ورجال الأعمال وجميع الباحثين عن الأجواء السويسرية التقليدية والهدوء.

ديكور تقليدي ومريح (الشرق الاوسط)

ميزة المطعم أنه يركّز على استخدام المواد محلية الصنع، لكي تكون طازجة ولذيذة، تساعد على جعل نكهة أي طبق، ومهما كان بسيطاً، مميزة وفريدة. الحجز في المطعم ضروري خصوصاً خلال عطلة نهاية الأسبوع. أسعاره ليست رخيصة، وقد تتناول «الفوندو» بسعر أقل في مطعم آخر في جنيف، ولكن يبقى لـ«Les Armures» سحره الخاص، كما أنه يتميّز بالخدمة السريعة والجيدة.

فوندو الجبن من أشهر الاطباق السويسرية (الشرق الاوسط)

ما قصة «الفوندو» السويسري؟

«الفوندو» السويسري هو طبق تقليدي من أطباق الجبن المميزة التي يعود أصلها إلى المناطق الجبلية والريفية في جبال الألب السويسرية، ويُعد اليوم رمزاً من رموز المطبخ السويسري. يعتمد هذا الطبق على فكرة بسيطة، ولكنها فريدة؛ إذ تتم إذابة الجبن (عادة مزيج من عدة أنواع مثل «غرويير» و«إيمينتال») في قدر خاص، يُدعى «كاكلون» Caquelon، ويُوضع فوق موقد صغير للحفاظ على حرارة الجبن. يُغمس الخبز في الجبن المذاب باستخدام شوكات طويلة، مما يمنح كل قطعة خبز طعماً دافئاً وغنياً.

مبنى "ليه أرمور" من الخارج (الشرق الاوسط)

كان «الفوندو» يُعد حلاً عملياً لمواجهة ظروف الشتاء القاسية، حيث كانت الأسر السويسرية تعتمد بشكل كبير على الأجبان والخبز غذاء أساساً، ومع قسوة الشتاء وندرة المؤن، كانت الأجبان القديمة التي أصبحت صلبة وإعادة استخدامها بتلك الطريقة تُذاب. وقد أضاف المزارعون لاحقاً قليلاً من النبيذ الأبيض وبعض التوابل لتحسين الطعم وتسهيل عملية إذابة الجبن.

مع مرور الوقت، ازداد انتشار «الفوندو» ليصبح طبقاً سويسرياً تقليدياً ورمزاً وطنياً، خصوصاً بعد أن روّج له الاتحاد السويسري لتجار الجبن في ثلاثينات القرن العشرين. جرى تقديم «الفوندو» في الفعاليات الدولية والمعارض الكبرى، مثل «المعرض الوطني السويسري» عام 1939؛ مما ساعد في التعريف به دولياً. أصبح «الفوندو» في منتصف القرن العشرين جزءاً من الثقافة السويسرية، وجذب اهتمام السياح الذين يبحثون عن تجربة الطهي السويسرية التقليدية.

من أقدم مطاعم جنيف (الشرق الاوسط)

هناك أنواع مختلفة من «الفوندو»، تعتمد على المكونات الأساسية:

• «فوندو الجبن»: الأكثر شيوعاً، ويُستخدم فيه عادة خليط من أنواع الجبن السويسري، مثل: «غرويير»، و«إيمينتال»، والقليل من جوزة الطيب.

• «فوندو الشوكولاته»: نوع حلو تتم فيه إذابة الشوكولاته مع الكريمة، ويُقدّم مع قطع من الفواكه أو قطع من البسكويت.

• «فوندو اللحم» (فوندو بورغينيون): يعتمد على غمر قطع اللحم في قدر من الزيت الساخن أو المرق، وتُغمس قطع اللحم بعد طهيها في صلصات متنوعة.

اليوم، يُعد «الفوندو» تجربة طعام اجتماعية مميزة؛ حيث يلتف الأصدقاء أو العائلة حول القدر الدافئ، ويتبادلون أطراف الحديث في أثناء غمس الخبز أو اللحم أو الفواكه؛ مما يعزّز من روح المشاركة والألفة.