كوشهار أول طاه هندي حائز نجمة ميشلان لاعتماده على ثقافات مختلفة

قال لـ«الشرق الأوسط»: كنت أعمل في الصباح بالمطاعم وأتعلم الطهي في المساء

الشيف أتول كوشهار
الشيف أتول كوشهار
TT

كوشهار أول طاه هندي حائز نجمة ميشلان لاعتماده على ثقافات مختلفة

الشيف أتول كوشهار
الشيف أتول كوشهار

لأول مرة أقابل فيها طاهيا مشهورا وحامل نجمة ميشلان لا يستهل كلامه بالقول إنه تعلم الطهي من والدته، ولأول مرة لا أشعر فيها بأني أعرف تراتبية الأجوبة، بما فيها ذكر الحب في الطبخ والأطباق، ليس لأن الطاهي أتول كوشهار لا يطبخ بقلبه، بل لأنه يطبخ بعقله أيضا، لأنه ليس فقط طاهيا مرموقا، ويملك أول مطعم هندي حاصل على نجمة ميشلان «بيناريس» في لندن، ولا يزال يحافظ عليها منذ عشر سنوات، وإنما لأنه يفكر بعقلية رجل الأعمال الذي يسعى إلى التوسع عالميا من دون التخلي عن دوره الرئيسي الذي يلعبه في المطبخ.
الطاهي أتول كوشهار بريطاني هندي من أصول باكستانية، انتقل للعيش في الهند مع عائلته فترة الاستقلال، ولا يزال والداه يعيشان في منطقة البنجاب الهندية، انتقل للعيش في بريطانيا عام 1994 بعدما تأكد من أن تطور مسيرته في عالم الطهي لن يكتب لها النجاح إلا في لندن.
التقت «الشرق الأوسط» الطاهي كوشهار في مطعمه «بيناريس» في باركلي ستريت في لندن، وبابتسامة عريضة بدأ الحديث بتلقائية وعفوية، لدرجة أنني لم ألجأ إلى الأسئلة التي كنت قد حضرتها من قبل، لأنه منفتح ومتكلم جيد ويجيد الطهي والإدارة، ومتحدث لبق في الوقت نفسه.
في مستهل الحديث تكلمنا عن ما هو أهم وهو حصوله على نجمة ميشلان ليكون بذلك الطاهي الهندي الأول في العالم الحاصل على مثل هذا التقدير، وقال بعفوية واضحة: «تفاجأت مثلك تماما عندما علمت بحصولي على النجمة، فهذا إنجاز كبير يسعى إليه كل طاه محترف».
وعلل ذلك بسبب تطور فكرة دليل ميشلان وتوسعه، فبرأيه، الفرنسيون الذين أطلقوا الدليل وفكرة النجوم، يستعينون بمنتجات غير فرنسية، كما أن النجوم لم تعد حكرا على المطاعم والطهاة الفرنسيين؛ لأن طوكيو هي حاملة أكبر عدد من نجوم ميشلان في العالم متخطية بذلك فرنسا.
نشأة أتول كوشهار في الهند ساعدته على فهم المنتج أكثر، وهو بدوره استطاع أن يطور المطبخ الهندي من دون التخلي عن الأسس المهمة في تناول الطعام، فهو يقول بأن الطعام الهندي يؤكل باليد ومن دون شوكة أو سكين، والسبب هو أننا نأكل بكل حواسنا، وهذه المسألة مهة جدا، لأن اليد تساعدك على تحسس حرارة الطعام وخامته، وهذه الطريقة معتمدة أيضا في البلدان الشرق أوسطية.
وبالحديث عن الشخص المسؤول عن ترغيبه في احتراف مهنة الطهي، يقول أتول بضحكة عالية: «لن أكذب وأقول بأن أمي هي ملهمتي في المطبخ، ولو أنها ستنزعج من صراحتي، لأنه في الواقع هنا رجلان لهما الفضل في ذلك، وهما أبي وجدي الذي كان خبازا ماهرا، تعلمت منهما كثيرا، وكنت أنظر إلى مخبوزات جدي وأحلم بأن أكون مثله يوما ما».
في الهند يطمح الأهل لأن يكون أبناؤهم أطباء أو مهندسين أو محامين، ولكن عندما صارح أتول والديه برغبته في دراسة الطهي من خلال المدرسة الفندقية لاقى تشجيعا كبيرا منهما، وهكذا بدأت مسيرته من خلال العمل في فندق «أبروي» الذي يقبل ما بين 10 و12 تلميذا سنويا من بين ملايين الطلبات، ويعتبر نفسه محظوظا لأنه تعلم كثيرا وتدرب على يد أهم الطهاة.
وعما يميز الطاهي كوشهار عن غيره من الطهاة الهنود يقول: «قد تكون جرأتي هي ميزتي، فأنا أتفنن في المنتجات، وأستعمل أنواع لحوم ليست مألوفة في المطعم الهندي، مثل لحم الغزال على سبيل المثال، كما أستخدم الكمأة Truffle في أطباقي، وهذا منتج لا يبت بصلة إلى المطبخ الهندي، ولكن تزاوج النكهات رائع ولا مانع في خلط المذاق الشرقي بالغربي، إذا عرف الطاهي ذلك».
وبعد محطته في «أبروي» شعر أتول بأن لندن هي الوجهة التي ستفتح له أبواب الشهرة والتقدير، فقام بإرسال رسائل إلى عدد كبير من الطهاة المهمين في لندن، طالبا منهم فرصة للعمل بالمجان للتعلم وصقل موهبته، ولم يرد عليه إلا كل من الطاهي ميشال رو الكبير والصغير صاحب مطعم «لو غافروش» في لندن، شرط أن يتولى هو نفسه بمسألة الأوراق التي تخوله العمل بصفة قانونية في بريطانيا، وهكذا حدث، فكان يعمل في مطاعم مختلفة في النهار ويتعلم مع الطاهي رو ليلا، وانتقل بعدها إلى مطعم «ذا ووتر سايد إند» للطاهي ألبير رو، وتعلم كثيرا من هذه العائلة العملاقة في عالم الطهي.
وعن نمط طعامه، يقول أتول إن جميع أطباقه عصرية جدا، تأخذ من المطبخ الهندي اسمها، ويضاف إليها مكونات ونكهات جديدة قد لا تروق للجيل الهندي القديم، وإنما هناك إقبال هائل من قبل الجيل الهندي الشاب وهؤلاء الذين يبحثون عن الجديد، ويؤكد هذا الشيء وجود عدد كبير من الزبائن الهنود في مطعم «بيناريس»، ويضيف أتول: «لو جاء أبي إلى (بيناريس) فلن يعجبه الأكل وسيصرخ في وجهي ويعترض على الأطباق؛ لأنها لا تشبه تلك التي تقدم في الهند على الطريقة التقليدية».
وعن مشاريع أتول المستقبلية بعيدا عن التلفزيون الذي يأخذ حيزا كبيرا من حضوره، حيث يشارك في عدد من البرامج المخصصة للأكل إلى جانب أهم الطهاة، يقول: «افتتحنا فرعا جديدا لـ(بيناريس) في مدريد، وعلى وشك افتتاح مطعم في الهند (بومباي) تحت اسم NRI، في الهند التسمية تعني Non Residents Indian ولكن تسمية المطعم تعني Non Really Indian بالإشارة إلى أن الأطباق ليست هندية بحتة، حيث ستقدم على طريقة التاباس الإسبانية مع نكهة أميركا اللاتينية».
وعن مطبخ الفيوجن Fusion يقول أتول إن «كل طعامنا يعتمد على (الخلط) فالبرياني أصله من المنطقة العربية والشاي الإنجليزي من الهند..» ويتابع: «أنا مع الفكرة لأننا نعيشها، ولكن يجب أن يتحلى الطاهي بذوق رفيع عندما يأتي الأمر على الخلط بين المطابخ والمنتجات والبهارات».
المعروف عن الطاهي أتول أنه يتولى مهمة الطهي من وقت إلى آخر للأمير تشارلز وضيوفه في مقره الملكي، وعن هذه التجربة يقول أتول: «الأمير تشارلز غير متطلب، ويحب الأطباق البسيطة البعيدة عن التعقيدات، وهو منفتح على مختلف الثقافات، ولكن الطهي له لا يختلف عن الطهي لأي زبون آخر».
أين يأكل الطاهي أتول كوشهار في لندن؟ هذا السؤال يحيرنا في بعض الأحيان، أين يأكل الطهاة بعيدا عن مطاعمهم، فرد الطاهي أتول بأن مطبخه المفضل هو التايلاندي، ويحب أيضا المطبخ اللبناني، من مطاعمه المفضلة في لندن: بوسابا وباتارا في مادوكس ستريت، وودلاندز في شارع ماريلبون.
وعما إذا كان يتولى مهمة الطهي في المنزل؟ أجاب: نعم أنا أعشق أن أحضر الطعام لعائلتي في عطلة نهاية الأسبوع، لأن هذا الوقت مخصص لراحة زوجتي وأمي التي تعيش معنا، كما أن ابني وابنتي يحبان الطهي جدا، ويساعداني على تحضير الطعام الذي يختلف كل أسبوع.
وعن الفرق ما بين الطهي الخاص في منازل الزبائن والطهي في المطعم، يقول أتول إن الطهي في المطعم أسهل بسبب توفر جميع الأدوات اللازمة، وحرارة الفرن عالية جدا لا يمكن أن تكون متوفرة في فرن منزلي، ولكن تبقى التجربة جميلة بحيث يتمكن الطاهي من متابعة ما يجري بنفسه، ويرصد ردة فعل الذواقة الحاضرين.



ما قصة «الفوندو» وأين تأكله في جنيف؟

ديكورات جميلة وتقليدية (الشرق الاوسط)
ديكورات جميلة وتقليدية (الشرق الاوسط)
TT

ما قصة «الفوندو» وأين تأكله في جنيف؟

ديكورات جميلة وتقليدية (الشرق الاوسط)
ديكورات جميلة وتقليدية (الشرق الاوسط)

إذا كنت من محبي الأجبان فستكون سويسرا من عناوين الأكل المناسبة لك؛ لأنها تزخر بأنواع تُعد ولا تُحصى من الأجبان، بعضها يصلح للأكل بارداً ومباشرة، والأصناف الأخرى تُؤكل سائحة، ولذا يُطلق عليها اسم «فوندو» أو «ذائبة».

من أشهر الأجبان السويسرية: «الفاشرين» Vacherin، و«الغرويير»، و«الراكليت»، و«الإيمينتال»، ويبقى طبق «الفوندو» الأشهر على الإطلاق، لا سيما في فصل الشتاء؛ لأنه يلمّ شمل العائلة حوله، وترتكز فكرته على المشاركة، والنوع الأفضل منه يُطلق عليه اسم «مواتييه مواتييه»، ويعني «نصف - نصف»، وهذه التسمية جاءت من مزج نصف كمية من جبن «الفاشرين»، والنصف الآخر من جبن «الإيمينتال»، يُؤكل ذائباً بعد وضعه في إناء خاص على نار خافتة، يتناوله الذوّاقة عن طريق تغميس مكعبات لذيذة من الخبز الطازج وبطاطس مسلوقة صغيرة الحجم في الجبن إلى جانب البصل والخيار المخلل.

جلسة خارجية تناسب فصل الصيف (الشرق الاوسط)

عندما تزور مدينة جنيف لا بد أن تتوجه إلى القسم العتيق منها حيث تنتشر المقاهي والمطاعم المعروفة فيها، وبالقرب من الكاتدرائية لن يغفل عنك مطعم «ليه أرمور» Les Armures، المعروف كونه أقدم المطاعم السويسرية في جنيف، ويقدّم ألذ الأطباق التقليدية، على رأسها: «الراكليت»، و«الفوندو»، واللحم المجفف، و«الروستي» (عبارة عن شرائح بطاطس مع الجبن).

يستوقفك أولاً ديكور المطعم الذي يأخذك في رحلة تاريخية، بدءاً من الأثاث الخشبي الداكن، ومروراً بالجدران الحجرية النافرة، والأسقف المدعّمة بالخشب والمليئة بالرسومات، وانتهاء بصور الشخصيات الشهيرة التي زارت المطعم وأكلت فيه، مثل: الرئيس السابق بيل كلينتون، ويُقال إنه كان من بين المطاعم المفضلة لديه، وقام بتجربة الطعام فيه خلال إحدى زياراته لجنيف في التسعينات.

جانب من المطعم الاقدم في جنيف (الشرق الاوسط)

يعود تاريخ البناء إلى القرن السابع عشر، وفيه نوع خاص من الدفء؛ لأن أجواءه مريحة، ويقصده الذوّاقة من أهل المدينة، إلى جانب السياح والزوار من مدن سويسرية وفرنسية مجاورة وأرجاء المعمورة كافّة. يتبع المطعم فندقاً من فئة «بوتيك»، يحمل الاسم نفسه، ويحتل زاوية جميلة من القسم القديم من جنيف، تشاهد من شرفات الغرف ماضي المدينة وحاضرها في أجواء من الراحة. ويقدّم المطعم باحة خارجية لمحبي مراقبة حركة الناس من حولهم، وهذه الجلسة يزيد الطلب عليها في فصل الصيف، ولو أن الجلوس في الداخل قد يكون أجمل، نسبة لتاريخ المبنى وروعة الديكورات الموجودة وقطع الأثاث الأثرية. ويُعدّ المطعم أيضاً عنواناً للرومانسية ورجال الأعمال وجميع الباحثين عن الأجواء السويسرية التقليدية والهدوء.

ديكور تقليدي ومريح (الشرق الاوسط)

ميزة المطعم أنه يركّز على استخدام المواد محلية الصنع، لكي تكون طازجة ولذيذة، تساعد على جعل نكهة أي طبق، ومهما كان بسيطاً، مميزة وفريدة. الحجز في المطعم ضروري خصوصاً خلال عطلة نهاية الأسبوع. أسعاره ليست رخيصة، وقد تتناول «الفوندو» بسعر أقل في مطعم آخر في جنيف، ولكن يبقى لـ«Les Armures» سحره الخاص، كما أنه يتميّز بالخدمة السريعة والجيدة.

فوندو الجبن من أشهر الاطباق السويسرية (الشرق الاوسط)

ما قصة «الفوندو» السويسري؟

«الفوندو» السويسري هو طبق تقليدي من أطباق الجبن المميزة التي يعود أصلها إلى المناطق الجبلية والريفية في جبال الألب السويسرية، ويُعد اليوم رمزاً من رموز المطبخ السويسري. يعتمد هذا الطبق على فكرة بسيطة، ولكنها فريدة؛ إذ تتم إذابة الجبن (عادة مزيج من عدة أنواع مثل «غرويير» و«إيمينتال») في قدر خاص، يُدعى «كاكلون» Caquelon، ويُوضع فوق موقد صغير للحفاظ على حرارة الجبن. يُغمس الخبز في الجبن المذاب باستخدام شوكات طويلة، مما يمنح كل قطعة خبز طعماً دافئاً وغنياً.

مبنى "ليه أرمور" من الخارج (الشرق الاوسط)

كان «الفوندو» يُعد حلاً عملياً لمواجهة ظروف الشتاء القاسية، حيث كانت الأسر السويسرية تعتمد بشكل كبير على الأجبان والخبز غذاء أساساً، ومع قسوة الشتاء وندرة المؤن، كانت الأجبان القديمة التي أصبحت صلبة وإعادة استخدامها بتلك الطريقة تُذاب. وقد أضاف المزارعون لاحقاً قليلاً من النبيذ الأبيض وبعض التوابل لتحسين الطعم وتسهيل عملية إذابة الجبن.

مع مرور الوقت، ازداد انتشار «الفوندو» ليصبح طبقاً سويسرياً تقليدياً ورمزاً وطنياً، خصوصاً بعد أن روّج له الاتحاد السويسري لتجار الجبن في ثلاثينات القرن العشرين. جرى تقديم «الفوندو» في الفعاليات الدولية والمعارض الكبرى، مثل «المعرض الوطني السويسري» عام 1939؛ مما ساعد في التعريف به دولياً. أصبح «الفوندو» في منتصف القرن العشرين جزءاً من الثقافة السويسرية، وجذب اهتمام السياح الذين يبحثون عن تجربة الطهي السويسرية التقليدية.

من أقدم مطاعم جنيف (الشرق الاوسط)

هناك أنواع مختلفة من «الفوندو»، تعتمد على المكونات الأساسية:

• «فوندو الجبن»: الأكثر شيوعاً، ويُستخدم فيه عادة خليط من أنواع الجبن السويسري، مثل: «غرويير»، و«إيمينتال»، والقليل من جوزة الطيب.

• «فوندو الشوكولاته»: نوع حلو تتم فيه إذابة الشوكولاته مع الكريمة، ويُقدّم مع قطع من الفواكه أو قطع من البسكويت.

• «فوندو اللحم» (فوندو بورغينيون): يعتمد على غمر قطع اللحم في قدر من الزيت الساخن أو المرق، وتُغمس قطع اللحم بعد طهيها في صلصات متنوعة.

اليوم، يُعد «الفوندو» تجربة طعام اجتماعية مميزة؛ حيث يلتف الأصدقاء أو العائلة حول القدر الدافئ، ويتبادلون أطراف الحديث في أثناء غمس الخبز أو اللحم أو الفواكه؛ مما يعزّز من روح المشاركة والألفة.