التقى سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسية كلا من الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، ورئيس الحكومة مهدي جمعة، في أول يوم من زيارة تدوم يومين يؤديها إلى تونس. وعقب لقائه المرزوقي، أشاد بالتطورات الإيجابية الحاصلة في تونس وبنجاحها في إنجاز دستور توافقي، وعبر عن نية روسيا دعم التعاون في مجال تعليم اللغة الروسية في تونس عبر تقديم منح للطلبة التونسيين للدراسة في روسيا، كما عبر عن إعجابه باهتمام التونسيين بالثقافة الروسية.
ووفق بلاغ صادر عن رئاسة الحكومة التونسية، أبدى لافروف حرص بلاده على مساعدة تونس وتعزيز علاقات التعاون وتطويرها في مختلف المجالات الاقتصادية والأمنية. وأضاف نفس البلاغ أن الجانبين بصدد الإعداد لاجتماع اللجنة العليا المشتركة التونسية الروسية المزمع عقدها في شهر مايو (أيار) المقبل، ومن المنتظر أن تتمخض هذه الزيارة عن دعم الأنشطة السياحية بين البلدين ودعم الاستثمارات الروسية في تونس.
في غضون ذلك، استحوذ الجانب الاقتصادي على حيز هام من الحديث الذي أدلى به مهدي جمعة رئيس الحكومة التونسية لقناتين تلفزيونيتين محليتين وبث مساء أول من أمس الاثنين بمناسبة مرور شهر على تسلم حكومته مقاليد السلطة في تونس، وبدا جليا أن هذا الجانب الاقتصادي هو أكثر ما يؤرق رئيس الحكومة الجديد. وقال جمعة متحدثا عن الأوضاع الاقتصادية لتونس إنها «أصعب بكثير مما تصوره». وأكد أن هذه الوضعية «قد تصبح حرجة ما لم تقُم الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة»، موضحا أن «ميزانية البلاد لسنة 2014 ستشهد زيادة بـ10 في المائة وتوفير نحو 12.5 مليار دينار تونسي (7.5 مليار دولار أميركي)، منها 4.5 مليار دينار تونسي (2.7 مليار دولار أميركي)، لا يعرف إلى حد الآن كيف ستجري تعبئتها». وأكد جمعة أن إجمالي ما اقترضته تونس في السنوات الأربع الأخيرة بما فيها سنة 2014 يبلغ 25 مليار دينار تونسي (أكثر من 15 مليار دولار أميركي)، وأن نسبة المديونية ارتفعت في هذه الفترة بـ10 نقاط وتخطت 50 في المائة من الناتج الداخلي الخام.
وبيّن جمعة أن «الجزء الأكبر من هذه الأموال لم يذهب للاستثمار والمشاريع التنموية، بل إلى الاستهلاك سواء للدعم أو للرواتب»، وقال جمعة إنه «يجري التفكير في القيام باكتتاب وطني داخلي لتعبئة جزء من الأموال التي لا تزال تحتاج إليها تونس، على أن يجري اقتراض البقية من الخارج». وأعلن جمعة في هذا الصدد أنه سيقوم قريبا «بزيارة إلى دول الخليج العربي والولايات المتحدة وفرنسا».
من جهة أخرى أكد مهدي جمعة أن حكومته «ستتخذ إجراءات عاجلة سواء لتنشيط الاقتصاد والشروع في إعادة هيكلته» أو «تسريع نسق المشاريع المعطلة في الجهات التي بلغت 250 مشروعا»، مشيرا إلى أنه «ستوكل للولاة الجدد مهمّة تنموية بالأساس من خلال متابعة التنمية في الجهات»، مضيفا أنه يجري التفكير في تنظيم حوار وطني حول الاقتصاد».
وانتقد جمعة «الانتدابات في الوظيفة العمومية وفي مؤسسات القطاع العام» التي جرت إبان الثورة والتي لم تكن حسب قوله «ذات جدوى اقتصادية وزادت في المصاعب التي تعاني منها ميزانية الدولة وفي اختلال التوازنات المالية العامة للبلاد». وأكد أن حكومته «لن تقوم بانتدابات إضافية هذه السنة».
ورغم أن رئيس الحكومة لم يقدم الكثير من الأرقام والتفاصيل حول الوضع الاقتصادي لتونس، وهو ما رأى فيه بعض المراقبين حرصا من جانبه على «عدم تخويف التونسيين من هذه المصاعب والحط من معنوياتهم»، فقد شدد جمعة في نهاية هذا اللقاء على أن «تجاوز هذه المصاعب الاقتصادية يمر عبر عودة التونسيين إلى العمل وتقاسم التضحيات»، وقال بهذا الخصوص إن الحكومة «لن تلتجئ إلى التخفيض في الأجور»، ولكنها تفكر في «اتخاذ عدد من الإجراءات، وخصوصا تقليص الدعم لبعض المواد الاستهلاكية»، مؤكدا أن ذلك «لن يمس الفئات الهشة والضعيفة التي تبقى في حاجة إلى العناية أكثر».
وفي هذا الشأن، صرح المحلل السياسي المنذر ثابت لـ«الشرق الأوسط» بأن حل الاقتراض من الخارج لن يكون مجديا لأنه سيغرق البلاد في المزيد من الديون. واقترح في المقابل الاعتماد على الإمكانيات الذاتية عبر حل ملف رجال الأعمال التونسيين الممنوعين من السفر، وتشجيع الاستثمار الخارجي والداخلي وضمان المصالحة السياسية بعيدا عن منطق الإقصاء والحسابات السياسية الضيقة.
وتركت مكاشفة جمعة للتونسيين بخطورة الوضع الاقتصادي والمالي للبلاد تساؤلات حول مآل الوعود بتنمية المناطق الفقيرة وتشغيل مئات الآلاف من العاطلين، خصوصا بعد إعلان رئيس الحكومة عن غياب الانتدابات في مؤسسات القطاع العام خلال السنة الحالية.
وتعليقا على الوضع الاقتصادي الصعب الذي أعلن عنه جمعة، أكد الأزهر العكرمي القيادي في حركة نداء تونس هول الحقائق المروعة التي كشف عنها رئيس الحكومة وأخفت الحكومة السابقة عن التونسيين. وقال إن جمعة كشف عن حقيقة اقتصادية مروعة وعن ثقب مالي كبير سيهدد البلاد على قوله بالإفلاس في حال عدم عودة التونسيين إلى العمل والإنتاج.
وينتظر أن يلتقي يوم 14 مارس (آذار) الحالي أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل (كبرى المنظمات العمالية) برئيس الحكومة والوزراء المعنيين بالشأن الاقتصادي والاجتماعي لتدارس الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وعلى رأسها فتح مفاوضات للزيادة في الأجور بعد رفض المنظمة العمالية الموافقة على إقرار «هدنة اجتماعية».
من ناحية أخرى، أصدرت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس بطاقة إيداع بسجن المرناقية (الضاحية الغربية للعاصمة التونسية) ضد عماد دغيج رئيس رابطة حماية الثورة بالكرم (الضاحية الشمالية للعاصمة). وسيعرض من جديد على المحكمة يوم 13 مارس الحالي، كما أحالته السلطات القضائية بحالة سراح في ثلاث قضايا أخرى تتعلق بالحق العام.
وألقت وحدة أمنية القبض على عماد دغيج منذ سبعة أيام على خلفية تهديده وتهجمه على قوات الأمن التونسي. وكان الشريف الجبالي محامي المتهم أشار إلى أن منطقة الكرم والأحياء الشعبية المتاخمة لها قد تشهد «احتجاجات عارمة» في حال إصدار بطاقة إيداع بالسجن ضد دغيج الذي يحظى بشعبية، على حد قوله.
لافروف يلتقي المرزوقي وجمعة.. ويبدي حرص بلاده على مساعدة تونس
الأوضاع الاقتصادية التي صارح بها رئيس الحكومة شعبه في أول خطاب تصدم الشارع
لافروف يلتقي المرزوقي وجمعة.. ويبدي حرص بلاده على مساعدة تونس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة