الإعلام الأميركي: بداية أميركية ونهاية فرنسية

الصحافة الفرنسية: الجمهورية في مواجهة الهمجية.. والبريطانية تحذر من تحميل المسلمين مسؤولية ما حدث

الإعلام الأميركي: بداية أميركية ونهاية فرنسية
TT

الإعلام الأميركي: بداية أميركية ونهاية فرنسية

الإعلام الأميركي: بداية أميركية ونهاية فرنسية

بدأ الأسبوع الماضي في اهتمامات الإعلام الأميركي بالتركيز على أخبار محلية أميركية. ثم، فجأة، تحول، مع نهاية الأسبوع، إلى تفجيرات باريس، ونتائجها، وأبعادها، بما في ذلك الصورة الكبيرة للعلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي.
بدأ الأسبوع شبه هادئ، وركز على أخبار محلية:
نشرت صحيفة «واشنطن بوست» خبر أن سكوت يوهانسن، قاضي محكمة الأحداث في سولت ليك سيتي (ولاية يوتا)، عكس أمره الأصلي، في الأسبوع الماضي، بمعارضة تبني زوجين مثليين جنسيا أي طفل. وكان قسم خدمات الطفل والأسرة في الولاية قدم التماسا لإعادة النظر في الأمر الأصلي. وأيضا، ألغى القاضي هذه العبارة التي وردت في أمره الأصلي: «ليس من مصلحة الأطفال أن يتبنوا من قبل أزواج من الجنس نفسه».
ونقل مركز «بلومبيرغ» للأخبار الاقتصادية خبر أن شركة «ديل» للكمبيوترات قدمت عرضا لشراء شركة «إي إم سي» لخزن المعلومات، وذلك بمبلغ 67 مليار دولار. لكن، بسبب توقع دفع ضرائب قد تصل إلى 9 مليارات دولار، ربما تتم عرقلة العرض. وذلك لأنه من الجوانب الرئيسية لأي اتفاق من هذا النوع أن النتائج الضرائبية للشركات تعتبر أساسية في الاتفاق.
ونشرت صحيفة «ريتشموند دسباتش» (ولاية فرجينيا) خبر إحباط مؤامرة لعنصريين بيض في ولاية فرجينيا خططوا لـ«حكم الإرهاب»، أي إطلاق النار على أشخاص سود، وتفجير مؤسسات دينية وعنصرية، وسرقة مجوهرات، واستعمال سيارات مصفحة، وشراء أسلحة، وتخزين مؤن لما سموها «الحرب العنصرية القادمة».
ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» خبرا من واشنطن، بأن قاضي المحكمة الفيدرالية، ريتشارد ليون، أعلن أن جمع معلومات من هواتف المواطنين الذي كانت تفعله وكالة الأمن الوطني (إن إس إيه) غير دستوري. ونشرت صحيفة «ريتشموند دسباتش»، أيضا، خبرا آخر من ولاية فرجينيا، وهو أن داخلية خاصة رفعت قضية ضد مجلة «رولينغ ستون» بسبب تقريرها عن اغتصاب وحشي في الداخلية. ورغم أن المجلة اعتذرت، فقد طلبت الداخلية تعويضا قيمته 25 مليون دولار.
ونقل تلفزيون «سي إن إن» من نيو أورليانز (ولاية لويزيانا) خبر أن محكمة الاستئناف الفيدرالية هناك أعلنت عدم دستورية أمر تنفيذي أصدره، العام الماضي، الرئيس باراك أوباما بعدم إبعاد قرابة خمسة ملايين أجنبي دخلوا الولايات المتحدة وهم صغار في السن.
بعد أيام هادئة نسبيا، ومساء الجمعة، كانت تلفزيونات رئيسية تقدم أخبار المساء المحلية والعالمية عندما قطعتها لتنتقل إلى باريس لنقل تفجيرات ليلة الجمعة هناك. وبالنسبة للذين كانوا بعيدين عن التلفزيونات، سارعت مواقع الاتصالات الاجتماعية ونقلت الخبر.
وبدت الصحف الفرنسية في موقف موحد، من الدعوة لرد حازم على الهجمات، التي استهدفت باريس يوم الجمعة الماضي، وبرزت بين الافتتاحيات دعوات لتوخي الحذر من ربط الهجمات بقضية اللاجئين أو التأثير على الوحدة الفرنسية بداعي محاربة «الإرهاب».. وكان القاسم المشترك بين كل الصحف الدعوة إلى الوحدة الوطنية، وهو ما لخصته «لوجورنال دو ديمانش» على صدر صفحتها الأولى بعنوان «الجمهورية في مواجهة الهمجية».
أما صحيفة «لوموند» فقالت إن «فرنسا في حرب ضد إرهاب شمولي، أعمى، قاتل على نحو رهيب». وتساءلت في الافتتاحية التي كتبها مديرها جيروم فينوغليو عن قدرة ضبط الوضع الأمني في البلاد، وفاعلية خطط مواجهة «الإرهاب» المتبعة حتى الآن. وطرحت في موضع آخر تساؤلا عن سر استهداف من يطلق عليهم «الجهاديون» لفرنسا تحديدا، وقدمت عددا من العوامل لتفسير هذا الانجذاب، ومن بينها مشاركة فرنسا في الحرب على تنظيم داعش، واستغلال المسلحين لسياسة فرنسا العلمانية والوضع الاجتماعي للمهمشين بالضواحي لخلق مبررات انتقامية وشن الهجمات.
من جانبها، تساءلت صحيفة «ليبراسيون» عن فشل أجهزة الأمن في رصد تحركات بعض من يطلق عليهم «الجهاديون» الذين ثبت تورطهم في هجمات سابقة، ودورهم في هجمات باريس الأخيرة. وقالت إن هجمات باريس تفضي إلى «خلاصة تفرض نفسها بواقعيتها المريرة: على الفرنسيين من الآن فصاعدا العيش مع الإرهاب»..
ورصدت الصحيفة اليسارية ما وصفته بأنه استثمار من اليمين واليمين المتطرف للأحداث الحالية، ونقلت تصريحات لسياسيين متطرفين، بينها تصريح لنادين مورانو، من حزب الجمهوريين، والتي اختارت الخلط بين المهاجرين المسلمين و«الإرهابيين»، ودعت لوقف تدفق المهاجرين الذين اعتبرتهم «جيشا من الشباب». بينما دعا أمين عام حزب الجمهوريين لوران واكيز إلى حشد أربعة آلاف شخص مشتبه فيهم بـ«الإرهاب» في مراكز خاصة.
وفي افتتاحية «لوفيغارو»، أكد مدير التحرير أليكسيس بريزي أن حرب فرنسا على «الإرهاب» بدأت لتوها. وتناولت الصحف البريطانية الصادرة أمس الأحد بإسهاب الهجمات الدامية التي ضربت العاصمة الفرنسية باريس.
ونشرت صحيفة «الأوبزرفر» مقالا افتتاحيا تقول فيه إن العالم مطالب، بعد هجمات باريس، بمعالجة أساس الإرهاب في سوريا.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.