الاستثمار في التعليم المصري.. عوائق رغم الاحتياج وجاذبية السوق

خبراء: مصر تحتاج إلى بناء 3 مدارس يوميًا لمدة 5 سنوات

أطفال في إحدى مدارس محافظة الجيزة غرب العاصمة المصرية (رويترز)
أطفال في إحدى مدارس محافظة الجيزة غرب العاصمة المصرية (رويترز)
TT

الاستثمار في التعليم المصري.. عوائق رغم الاحتياج وجاذبية السوق

أطفال في إحدى مدارس محافظة الجيزة غرب العاصمة المصرية (رويترز)
أطفال في إحدى مدارس محافظة الجيزة غرب العاصمة المصرية (رويترز)

تتفق البيانات الحكومية الرسمية وخبراء التعليم على أن مصر في حاجة ماسة للاستثمار في مجال التعليم، خاصة مع الزيادة السكانية الكبيرة التي حدثت في السنوات القليلة الماضية.
«نحتاج لبناء 3 مدارس كل يوم»، هكذا صرح لـ«الشرق الأوسط» حسن القلا، رئيس مجلس إدارة شركة القاهرة للاستثمار والتنمية العقارية، أحد أهم المستثمرين في مجال التعليم في مصر.. الذي يرى أن السوق المصرية ما زالت تحتاج لاستثمارات كبيرة في مجال التعليم.
تصريح القلا لا يختلف عن الرؤية الرسمية للدولة، فالهلالي الشربيني، وزير التربية والتعليم المصري، قال إن «الوزارة تحتاج إلى بناء من 6 إلى 7 آلاف مدرسة جديدة على مستوى الجمهورية، لكي نصل بالكثافة إلى الحد المقبول، فضلا عن مواجهة الزيادة السكانية». ما يعني، في حال المواءمة بين التصريحين، أن الاحتياج إلى بناء 3 مدراس يوميا سيستمر لنحو 5 سنوات لاستيعاب الكثافة المطلوبة.
بينما يرى ماجد عثمان، أستاذ الإحصاء المسؤول عن إعداد تقرير التنمية البشرية في مصر، أن «الدولة تحتاج لـ91 ألف فصل جديد، بتكلفة 18 مليار جنيه (أكثر من ملياري دولار)، لمواجهة الزيادة السكانية، وهذا بالطبع دور لن تقوم به الحكومة حتى لو ساعدتها دول شقيقة».
هذه التصريحات المتخصصة لا تدع مجالا للشك في احتياج السوق المصرية لمزيد من الاستثمارات في مجال التعليم، وبينما يرى عثمان أن الدولة تحتاج إلى 18 مليار جنيه، لتجاوز تأثير الزيادة السكانية على كثافة الفصول، فإن هيئة الأبنية التعليمية، المسؤولة عن بناء المدارس الحكومية في مصر، طالبت وزارة التخطيط بتوفير 3.5 مليار جنيه فقط لبناء المدارس، وقامت وزارة التخطيط بدورها بتخفيض هذا المبلغ إلى 2.8 مليار جنيه فقط، كافية لإنشاء 12 ألف فصل خلال العام المالي الحالي، وكان تأثير هذا واضحا على كثافات الفصول، التي ارتفعت إلى 60 طفلا في الفصل لمرحلة رياض الأطفال بالمدارس التجريبية، وهي مدارس متميزة تديرها الحكومة بمصاريف أعلى من نظيرتها المجانية. بينما تتجاوز الكثافة 80 طالبا في فصول في مدارس أخرى.
ويبلغ عدد المدارس في مصر 48 ألف مدرسة، منها 6500 مدرسة خاصة فقط، تتركز معظمها في القاهرة الكبرى، بينما لا يوجد حصر حكومي لدور الحضانة.
وتفضل معظم الأسر متوسطة الحال في مصر، خاصة في العاصمة، إلحاق أبنائها بالمدارس الخاصة، نتيجة الكثافة المرتفعة للفصول، وتدهور التعليم الحكومي، حيث تنافس مصر على المركز الأخير في مؤشر جودة التعليم الخاص بتقرير التنافسية العالمي.
وهناك سبب آخر لتفضيل المدارس الخاصة في مصر، وهو تنوع أسعار تقديمها للخدمة، لتناسب فئات كثيرة من المجتمع، حيث توجد بعض المدارس الخاصة في مصر التي توفر خدمات التعليم مقابل أقل من 600 جنيه سنويا (أقل من 80 دولارا)، ويرتفع هذا المبلغ إلى عشرات الآلاف من الجنيهات في المدارس الدولية.
ولكن تساؤل يدور في الشارع المصري وبين المتخصصين، تقول فحواه «إذا كانت السوق المصرية متعطشة للاستثمارات الخاصة في مجال التعليم، فلماذا لا يتم تلبية هذا الطلب؟».
ويقول حسن القلا إن السوق المصرية جاذبة إذا كان ما يهمنا هو احتياجات السوق، فمصر تحتاج لأكثر من 100 مليار جنيه استثمارات في التعليم، لمواكبة الزيادة السكانية وتحسين كثافة الفصول الحالية، وتحسين جودة التعليم الأساسي والجامعي: «الدولة لن تستطيع بناء المدارس، ولكنها لا تساعدنا على سد هذه الفجوة».
يعدد القلا العراقيل التي يضعها الجهاز البيروقراطي أمام الاستثمار في التعليم، قائلا إن «أراضي المدارس تُطرح في مزادات كأنها أرض مخصصة لسوق تجاري، ويتم تصنيفنا ضمن أعلى الشرائح فيما يخص قيمة الترفيق (المرافق) وتوصيل الخدمات الحكومية، مثل الماء والكهرباء، بالإضافة إلى الضرائب.. ثم إن الدولة تضع قيودا على تسعير خدمات التعليم».
وكانت الوزارة قد حددت النسبة المقررة لزيادة المصروفات في يوليو (تموز) عام 2014، حيث يحق لمالك المدرسة رفع قيمة مصروفات الدراسة بما لا يزيد على 17 في المائة للمدارس التي تقل مصاريفها عن 600 جنيه، و13 في المائة للمدارس التي تتراوح مصروفاتها بين 600 و900 جنيه، و10 في المائة للمدارس التي تتراوح مصروفاتها بين 900 و2000 جنيه، و7 في المائة للمدارس التي تتراوح مصروفاتها بين 2000 وأقل من 3000 جنيه، و5 في المائة للمدارس التي تتراوح مصروفاتها بين 3000 و4000 جنيه، و3 في المائة للمدارس التي تزيد مصروفاتها عن 4000 جنيه.
ولكن عددا كبيرا من أولياء الأمور اشتكوا من تجاوز الكثير من المدارس نسب الزيادة المُقررة في ظل غياب الرقابة الحكومية، حتى إن بعضهم قام بالتظاهر أمام وزارة التربية والتعليم، بدلا من التضحية بنقل أبنائه لمدارس أقل كفاءة.
ويؤكد هذه الشكوى البيانات الرسمية، حيث يشير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر إلى ارتفاع مصروفات خدمات التعليم بأكثر من 20 في المائة في 2014، و11.5 في المائة في العام الحالي، ليشكل التعليم، للعام الثاني على التوالي، أكثر بنود موازنة الأسرة تضخما في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ولكن القلا يؤكد على انخفاض مصاريف التعليم الخاص في مصر، هذا بالإضافة إلى كفاءة إنفاقها. وتابع: «تكلفة تعليم الطالب الواحد في مدارس الحكومة تصل إلى 12 ألف جنيه في السنة، بينما 90 في المائة من المدارس الخاصة تتقاضى أقل من 8 آلاف جنيه، هذا بينما ندفع رواتب أعلى للمدرسين ونقدم خدمة أفضل في فصول أقل كثافة».
وتبلغ موازنة التعليم في مصر 118 مليار جنيه سنويا، يذهب معظمها لأجور المدرسين والجهات المعاونة والإداريين بالوزارة.
من ناحية أخرى، يتحمل التعليم قبل الأساسي ودور الحضانات تبعات الزيادة السكانية في مصر، حيث بدأ من ولدوا في عام 2012 في الالتحاق بهذه الدور الآن. ويقود التعليم «قبل الأساسي» الزيادة في مصروفات التعليم خلال آخر عامين، ما يعني أنه بالفعل المكون الذي يقود التضخم في سلة احتياجات الأسرة المصرية.
«الطلب زاد بشكل كبير، وأود أن أخبرك أن هناك زيادة كبيرة في الاستثمارات الموجهة لإنشاء حضانات في الفترة المقبلة»، وفقا لإحدى عضوات مجلس الإدارة في مدرسة دولية شهيرة في القاهرة الجديدة.
ويؤكد ماجد عثمان، وهو وزير مصري سابق، أنه «وفقا للقانون؛ الدولة ملزمة باستيعاب الزيادة السكانية في التعليم الأساسي، لكن مرحلة ما قبل التعليم يمكن أن يشارك فيها القطاع الخاص».
ووفقا لدراسة نشرها مجلس السكان الدولي، فإن كل جنيه يتم إنفاقه على دور الحضانة سيتوفر مقابله 1.7 جنيه: «لأن التعليم ما قبل الابتدائي يخفض من احتمالات التسرب والرسوب»، ما يعني أن المواطن العادي أيضا سيستفيد «بشكل مادي» من تدفق الاستثمارات في التعليم ما قبل الأساسي.
ولكن القلا يرى أن هناك فرصا للاستثمار في كافة مراحل التعليم، حتى الجامعي، «فالأعداد كبيرة في الجامعات الحكومية، ونحتاج لتفكيك كل جامعة حكومية بـ10 جامعات، فالدفعة الواحدة في كلية تجارة في جامعة القاهرة يبلغ عدد طلابها 7000 طالب».
ويكتسب مدرج «العيوطي» في كلية تجارة بجامعة القاهرة، شهرة واسعة على مستوى الجمهورية، حيث توجد بالمدرج ظاهرة تأجير الكراسي المحمولة، لأن عددا كبيرا من الطلبة لا يجد مكانا في المدرج الذي يصل ارتفاعه إلى 3 أدوار.



«شمعة»... قاعدة بيانات مجانية للبحوث التربوية في 17 دولة عربية

لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
TT

«شمعة»... قاعدة بيانات مجانية للبحوث التربوية في 17 دولة عربية

لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»

يقضي الباحثون في العالم العربي أوقاتاً من البحث المضني عن المراجع الإلكترونية التي تساعدهم في تحقيق أغراضهم البحثية. ويدرك هذه المشقة الباحثون الساعون للحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه، فإذا لم يكن لديه إمكانية الدخول إلى قواعد البيانات العلمية العالمية عبر إحدى المكتبات الكبرى، التي عادة لا تتاح كاملة أيضاً، فإن عملية البحث سوف تكلفه آلاف الدولارات لمتابعة والوصول لأحدث الأوراق العلمية المتصلة بمجال بحثه، أو أن مسح التراث العلمي سيتوقف لديه على المراجع الورقية.
بينما يحظى الباحثون في مجال البحوث التربوية بوجود «شمعة»، وهي شبكة المعلومات العربية التربوية (www.shamaa.org) التي توفر لهم أحدث البحوث والدوريات المحكمة من مختلف الجامعات العربية، وبثلاث لغات، هي: العربية، والفرنسية، والإنجليزية مجاناً.
تأسست «شمعة» عام 2007 في بيروت كقاعدة معلومات إلكترونية، لا تبغي الربح، توثق الدراسات التربوية الصادرة في البلدان العربية في مجمل ميادين التربية، من كتب ومقالات وتقارير ورسائل جامعية (الماجستير والدكتوراه) وتتيحها مجاناً للباحثين والمهتمين بالدراسات التربوية. تتميز «شمعة» بواجهة إلكترونية غاية في التنظيم والدقة، حيث يمكنك البحث عن مقال أو أطروحة أو كتاب أو فصل أو عدد أو تقرير. فضلاً عن تبويب وفهرسة رائعة، إذ تشتمل اليوم على أكثر من 36000 ألف دراسة، موزعة بنسبة 87 في المائة دراسات عربية، و11 في المائة دراسات بالإنجليزية و2 في المائة بالفرنسية، وهي دراسات عن العالم العربي من 135 جامعة حول العالم، فيما يخص الشأن التربوي والتعليم، إضافة لأقسام خاصة بتنفيذ مشاريع في التربية كورش تدريبية ومؤتمرات.
لا تتبع «شمعة» أي جهة حكومية، بل تخضع لإشراف مجلس أمناء عربي مؤلف من شخصيات عربية مرموقة من ميادين مختلفة، وبخاصة من الحقل التربوي. وهم: د. حسن علي الإبراهيم (رئيساً)، وسلوى السنيورة بعاصيري كرئيسة للجنة التنفيذية، وبسمة شباني (أمينة السر)، والدكتور عدنان الأمين (أمين الصندوق) مستشار التعليم العالي في مكتب اليونيسكو، وهو أول من أطلق فكرة إنشاء «شمعة» ورئيسها لمدة 9 سنوات.
تستمر «شمعة» بخدمة البحث التربوي بفضل كل من يدعمها من أفراد ومؤسّسات ومتطوعين، حيث تحتفل بالذكرى العاشرة لانطلاقتها (2007 - 2017)، وهي تعمل حاليا على إصدار كتيب يروي مسيرة العشر سنوات الأولى. وقد وصل عدد زائريها إلى نحو 35 ألف زائر شهرياً، بعد أن كانوا نحو ألفي زائر فقط في عام 2008.
تواصلت «الشرق الأوسط» مع المديرة التنفيذية لبوابة «شمعة» ببيروت د. ريتا معلوف، للوقوف على حجم مشاركات الباحثين العرب، وهل يقومون بمدّ البوابة بعدد جيّد من الأبحاث والدراسات، أم لا تزال المعدلات أقل من التوقعات؟ فأجابت: «تغطّي (شمعة) الدراسات التربوية الصّادرة في 17 دولة عربيّة بنسب متفاوتة. ولا شك أن حجم مشاركات الباحثين العرب بمد (شمعة) بالدراسات قد ارتفع مع الوقت، خصوصاً مع توّفر وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي سهّلت لهم عملية المشاركة».
وحول طرق تزويد «شمعة» بالأبحاث والدراسات، أوضحت معلوف أن ذلك يتم من خلال عدّة طرق، وهي: «توقيع اتفاقات شراكة مع كليات التربية في الجامعات العربية والمجلات التربوية المحكمة ومراكز الأبحاث التي تعنى بالتربية والتعليم، كما تتيح اتفاقية تعاون مع مركز المعلومات للموارد التربوية (إريك) (ERIC) تزويد (شمعة) بالدراسات الصادرة باللغة الإنجليزية من الدول العربية أو من باحثين عرب. ونعتبر أن الشراكة مع (إريك) هي خطوة كبيرة ومن أهم الإنجازات كمؤسسة عربية، وأيضاً من خلال اشتراكات بالمجلات الورقية التربوية المحكمة العربية، أو عبر الدراسات المتاحة إلكترونياً على شبكة الإنترنت بالمجان أي عبر مصادر الوصول الحر للمعلومات (Open Access)».
وتضيف: «الجدير بالذكر أيضاً أن (شمعة) وقعت اتفاقية من مستوى عالمي مع شركة (EBSCO Discovery Service EDS) التي تعتبر من أهم موزعي قواعد المعلومات في العالم العربي والغربي».
وتوضح معلوف أنه «يمكن تزويد (شمعة) بالدراسات مباشرة من الباحث عبر استمارة متوافرة على موقع (شمعة)، حيث يقوم الفريق التقني من التأكد من توافقها مع معايير القبول في (شمعة) قبل إدراجها في قاعدة المعلومات».
وحول ما إذا كان الباحثون العرب لديهم ثقافة التعاون الأكاديمي، أم أن الخوف من السرقات العلمية يشكل حاجزاً أمام نمو المجتمع البحثي العلمي العربي، قالت د. ريتا معلوف: «رغم أن مشاركة نتائج الأبحاث مع الآخرين ما زالت تخيف بعض الباحثين العرب، إلا أنه نلمس تقدماً ملحوظاً في هذا الموضوع، خصوصاً أن عدد الدراسات المتوافرة إلكترونياً على شبكة الإنترنت في السنين الأخيرة ارتفع كثيراً مقارنة مع بدايات (شمعة) في 2007، إذ تبلغ حالياً نسبة الدراسات المتوافرة مع نصوصها الكاملة 61 في المائة في (شمعة). فكلما تدنّى مستوى الخوف لدى الباحثين، كلما ارتفعت نسبة الدراسات والأبحاث الإلكترونيّة. وكلما ارتفعت نسبة الدراسات الإلكترونية على شبكة الإنترنت، كلما انخفضت نسبة السرقة الأدبية. تحرص (شمعة) على نشر هذا الوعي من خلال البرامج التدريبية التي تطورّها وورش العمل التي تنظمها لطلاب الماستر والدكتوراه في كليات التربية، والتي تبيّن فيها أهمية مشاركة الأبحاث والدراسات العلمية مع الآخرين».
وحول أهداف «شمعة» في العشر سنوات المقبلة، تؤكد د. ريتا معلوف: «(شمعة) هي القاعدة المعلومات العربية التربوية الأولى المجانية التي توّثق الإنتاج الفكري التربوي في أو عن البلدان العربية. ومؤخراً بدأت (شمعة) تلعب دوراً مهماً في تحسين نوعية الأبحاث التربوية في العالم العربي من خلال النشاطات والمشاريع البحثية التي تنفذها. وبالتالي، لم تعدّ تكتفي بأن تكون فقط مرجعيّة يعتمدها الباحثون التربويون وكلّ من يهتمّ في المجال التربوي عبر تجميع الدراسات وإتاحتها لهم إلكترونيّاً؛ بل تتطلّع لتطوير الأبحاث التربوية العلمية، وذلك لبناء مجتمع تربوي عربي لا يقلّ أهمية عن المجتمعات الأجنبية».