عبد الصمد يشق طريقه المستحيل من أرض الصومال إلى هارفارد

ذكاؤه والحظ والعمل الدؤوب جنبه مصير زملائه في رحلات المهاجرين بحرًا

عبد الصمد عدن طالب من أرض الصومال تمكن من دخول هارفارد (نيويورك تايمز)
عبد الصمد عدن طالب من أرض الصومال تمكن من دخول هارفارد (نيويورك تايمز)
TT

عبد الصمد يشق طريقه المستحيل من أرض الصومال إلى هارفارد

عبد الصمد عدن طالب من أرض الصومال تمكن من دخول هارفارد (نيويورك تايمز)
عبد الصمد عدن طالب من أرض الصومال تمكن من دخول هارفارد (نيويورك تايمز)

من بين ملايين الشبان والشابات الذين سيستقر بهم المقام في مساكن الطلبة هذا الشهر، كانت تبدو حظوظ عبد الصمد عدن، 21 عامًا، والذي يبدأ سنته التمهيدية في هارفارد الأميركية، ضئيلة للغاية في الالتحاق بالدراسة الجامعية. ويجهل بعض إخوة عبد الصمد الـ18 القراءة والكتابة، ولم يلتحقوا حتى بالصف الأول الدراسي، كما أنه تربى في منزل يفتقر للكهرباء والصرف الصحي على يد جدة أمية في بلد ربما يفتقر إلى اعتراف رسمي في كثير من الدوائر الدولية.
إلا أن عبد الصمد تفوق فيما كان يدرس على ضوء الشموع، وربما يكون الشخص الوحيد في حرم هارفارد الجامعي الذي يعرف كيف يحلب ناقة.
ويعتبر عبد الصمد أول طالب من الصومال يلتحق بجامعة هارفارد في الأعوام الثلاثين الماضية على الأقل. إلا أنه يأتي من منطقة تدعى «أرض الصومال»، وهي جمهورية انفصالية لا تعترف بها أي دولة أخرى، ولذا لا توجد بها سفارة للولايات المتحدة كي تمنحه تأشيرة الدخول، لكن لذلك قصة أخرى.
لكن عبد الصمد ينضح بالموهبة والذكاء، ليذكرنا بالقول المأثور: «الموهبة عالمية، لكن الفرصة ليست كذلك».
ويعترف عبد الصمد أنه لولا الحظ، لكان سيلحق بأصدقائه ليصبح جزءًا من تيار المهاجرين الذين يخوضون رحلة محفوفة بالمخاطر عبر البحر للوصول إلى أوروبا. ويعود الفضل في مجيئه إلى هارفارد إلى عمله الدؤوب وذكائه، وللحظ أيضًا، ولثري أميركي انتقل إلى أرض الصومال، وأنشأ مدرسة للأطفال النابهين، الذين لم تكن لتسنح لهم فرصة النجاح لولاها.
وكان لدى الممول، ويدعى جوناثان ستار، عمة تزوجت برجل من أرض الصومال، وقد فتنته رواياته عن صحاريها وأهاليها من البدو. وهكذا سافر ستار الذي كان يدير صندوقه الخاص للتحوط إلى أرض الصومال عام 2008.
أصدقاء ستار ظنوه مجنونًا عندما أسس مدرسة داخلية تلقن علومها باللغة الإنجليزية للفتية والفتيات الأذكياء من مختلف أنحاء أرض الصومال. واستعانت مدرسة أبارسو للعلوم والتكنولوجيا بمدرسين أميركيين من الراغبين في العمل في بلد توصي الخارجية الأميركية بتجنبه لأسباب أمنية، ومقابل أجر زهيد أيضًا. المدرسة محاطة بسور عال ويحرسها مسلحون مهمتهم إحباط هجمات «تنظيم الشباب»، كما أن بها فريقًا لكرة السلة من الآنسات لا يوجد من يلعب ضده في أرض الصومال كلها.. وهناك ازدهرت موهبة عبد الصمد. ويقول عبد الصمد إن والده طلق والدته قبل مولده، لذلك تربى في كنف جدته. وكان يقضي في المتوسط ساعتين كل يوم في جلب المياه لأسرته، ولم يكن هناك من يشجعه في المنزل، لكنه أبلى بلاء حسنًا في مدرسة ابتدائية محلية، حتى حل في المرتبة الثانية على مستوى البلاد في امتحانات الصف الثامن.
المشكلة كانت تكمن في أن مصاريف أي مدرسة ثانوية محترمة تبلغ على الأقل 40 دولارًا في الشهر. ولم تكن جدته تستطيع تدبير هذا المبلغ، كما أنها لا ترى جدوى في التحاقه بالتعليم الثانوي، إذ لم يتخرج أي فرد من عائلته من مدرسة ثانوية قط.
لكن مدرسة أبارسو، التي تتمتع بالمرونة فيما يتعلق بمصاريف الدراسة، قبلت الفتى عبد الصمد، حيث يغض ستار الطرف عندما يجد أن طالبًا واعدا لا يستطيع دفعها. وهكذا التحق عبد الصمد بالصف التاسع في أبارسو، لكنه عانى بشدة في البداية لأن التدريس كان باللغة الإنجليزية التي لا يجيد التحدث بها. كما أن جدته لم تكن راضية عن صرفه كل وقته في الدراسة بدلاً من مساعدة الأسرة.
ويتذكر عبد الصمد جدته قائلاً: «لم تكن سعيدة في البداية قطعًا»، ويضيف «سألتني ذات مرة: هل بدأت تكرهنا؟ هل وقعت في غرام الأميركيين الآن؟».
وسرعان ما تعلم عبد الصمد اللغة الإنجليزية، وبعد 3 سنوات حصل على منحة دراسية في مدرسة «ماسترز» في دوبس فيري بولاية نيويورك الأميركية. وكان العام الذي قضاه هناك بمثابة مغامرة، حيث استغرق منه إتقان التعامل مع ماكينات البيع بعض الوقت، لكنه واصل النجاح وقرر أن يتقدم لجامعة هارفارد. وكان التحاق عبد الصمد بالجامعة المرموقة سببا لإقامة احتفالات وطنية في بلاده، ودعاه الرئيس إلى لقاء، بل وأصبح بطلاً محليًا. جدته التي لم تسمع عن هارفارد من قبل أصبحت فخورة بحفيدها وأدركت أن للتعليم فوائده.
وبعد وصوله إلى هارفارد، وجد عبد الصمد نفسه في غرفة فسيحة لا تقل مساحتها عن الغرفة التي تقاسمها في السابق مع خمسة طلبة آخرين. لم تكن لديه أغطية، لكن طالبًا آخر أقرضه بعضها. لكن مشكلته الرئيسية كانت في كيفية تفعيل بطاقة الخصم الجديدة. ويقول عبد الصمد «أحتاج إلى هاتف لكي أقوم بتفعيلها.. لكنني لا أمتلك هاتفا».
ثم جاء دور التوجيه في هارفارد. ويتذكر عبد الصمد قائلاً: «كانوا يعلموننا أمورًا لا يتحدث عنها الناس في موطني.. وكان الأمر برمته مثيرًا للاهتمام».
ويعتزم عبد الصمد العودة إلى أرض الصومال والعمل مع الشباب، ثم ربما ينخرط في السياسة، ويلمح إلى أنه يود أن يكون ذات يوم رئيسًا للبلاد.
مما لا شك فيه أن فرصة التعليم الجيد حولت حياة عبد الصمد. ولا يحصل ستة من إخوة وأخوات عبد الصمد على أي نوع من التعليم، كما أن بعض هؤلاء المهاجرين الذين تروهم على شاشة التلفاز يغرقون أثناء رحلتهم اليائسة للوصول إلى أوروبا جاءوا من أرض الصومال.
ويعد غياب التعليم، لا سيما بالنسبة للفتيات، أحد الأسباب التي تكمن وراء معاناة الصومال وأجزائها السابقة على مدار عقود من الزمان؛ وتتلازم الأمية مع زيادة عدد أفراد الأسرة، والتطرف، والعنف والحرب الأهلية. قادة العالم سوف يجتمعون هذا الشهر في الأمم المتحدة لمراجعة موقف أهداف التنمية الحالية، والتي كان يقضي إحداها بأن يتمكن جميع الأطفال الآن من إتمام التعليم الابتدائي، علاوة على الموافقة على أهداف جديدة. ورغم التقدم الهائل الذي أُحرز في مجال التعليم على مستوى العالم، فإن 59 مليون طفل على كوكب الأرض ما زالوا حتى الآن لم يلتحقوا بالتعليم الأساسي.. وعشرات الملايين الآخرين التحقوا به بالفعل لكنهم لا يتعلمون شيئا.
هذا هو السياق الذي ينبغي أن تتحول فيه مدرسة ستار - ونجاح عبد الصمد - إلى مصدر للإلهام. وليس عبد الصمد فقط، إذ تمتلك مدرسة أبارسو 26 طالبًا آخر في جامعات أميركية مرموقة، من بينها معهد ماساتشوستس للتقنية (إم آي تي) وجامعة جورج واشنطن وغرينيل.
ولا توجد مدارس ثانوية كثيرة في العالم استطاعت أن تصل بهذا العدد من طلبتها إلى كبرى الجامعات، لا سيما إذا كانوا يتحدثون الإنجليزية كلغة ثانية ويعيشون عادة في فقر مدقع. طالب أبارسو الذي التحق بمعهد ماساتشوستس، ويدعى مبارك محمود، يدرس الآن الهندسة الكهربائية، بعدما نشأ كراعٍ بدوي للجمال والماعز والخراف في منطقة تخلو من المدارس.
ويقول مبارك إن «الذكاء عالمي.. لكن الموارد غير موزعة فحسب».

* خدمة «نيويورك تايمز»



جامعة آخن الألمانية مركز لـ«وادي سيليكون» أوروبي

جامعة آخن الألمانية  مركز لـ«وادي سيليكون» أوروبي
TT

جامعة آخن الألمانية مركز لـ«وادي سيليكون» أوروبي

جامعة آخن الألمانية  مركز لـ«وادي سيليكون» أوروبي

تعد الجامعة الراينية الفستفالية العليا بآخن هي أكبر جامعة للتكنولوجيا في ألمانيا وإحدى أكثر الجامعات شهرة في أوروبا. وفي كل عام، يأتيها الكثير من العلماء والطلاب الدوليين للاستفادة من المناهج ذات الجودة الفائقة والمرافق الممتازة، والمعترف بها على المستوى الأكاديمي الدولي.
تأسست الجامعة في عام 1870 بعد قرار الأمير ويليام أمير بروسيا استغلال التبرعات في إقامة معهد للتكنولوجيا في موضع من المواضع بإقليم الرين. وكان التمويل من المصارف المحلية وإحدى شركات التأمين يعني أن يكون موقع الجامعة في مدينة آخن، ومن ثم بدأت أعمال البناء في عام 1865 افتتحت الجامعة أبوابها لاستقبال 223 طالبا خلال الحرب الفرنسية البروسية. وكان هناك تركيز كبير على مجالات الهندسة ولا سيما صناعة التعدين المحلية.
على الرغم من استحداث كليات الفلسفة والطب ضمن برامج الجامعة في ستينات القرن الماضي، فإن الجامعة لا تزال محافظة على شهرتها الدولية كأفضل أكاديمية للعلوم الطبيعية والهندسة - ومنذ عام 2014، تعاونت الجامعة مع المدينة لمنح جائزة سنوية مرموقة في علوم الهندسة إلى الشخصيات البارزة في هذه المجالات.
يرتبط التركيز الهندسي لدى الجامعة بالعلوم الطبيعية والطب. وترتبط الآداب، والعلوم الاجتماعية، وعلوم الاقتصاد هيكليا بالتخصصات الأساسية، الأمر الذي يعتبر من المساهمات المهمة لبرامج التعليم الجامعي والبحث العلمي في الجامعة. ومن خلال 260 معهدا تابعا وتسع كليات، فإن الجامعة الراينية الفستفالية العليا بآخن تعد من بين المؤسسات العلمية والبحثية الكبيرة في أوروبا.
حظيت الجامعة على الدوام بروابط قوية مع الصناعة، مما أوجد نسخة مماثلة لوادي السليكون الأميركي حولها، وجذب مستويات غير مسبوقة من التمويل الأجنبي لجهود البحث العلمي فيها. ومن واقع حجمها ومساحتها، تعتبر مدينة آخن المدينة الألمانية المهيمنة على الشركات والمكاتب الهندسية المتفرعة عن الجامعة.
ولقد تم تطوير أول نفق للرياح، وأول مسرع للجسيمات في العالم في الجامعة الراينية الفستفالية العليا بآخن. ومن بين الابتكارات الكبيرة التي تم تطويرها داخل حرم الجامعة هناك طائرة رائدة مصنوعة بالكامل من المعدن، إلى جانب جهاز لترشيح سخام الديزل.
وبالنسبة لاستراتيجيتها لعام 2020 تعرب جامعة آخن عن التزامها بالأبحاث العلمية متعددة التخصصات، والتي، إلى جانب تنوعها، ودوليتها، والعلوم الطبيعية لديها، تشكل واحدة من التيمات الأربع الرئيسية للأعمال التي يجري تنفيذها في حديقة الأبحاث العلمية بالجامعة. كما تهدف الجامعة أيضا إلى أن تحتل المرتبة الأولى كأفضل جامعة تكنولوجية ألمانية وواحدة من أفضل خمس جامعات أوروبية في هذا المجال.
ومن بين أبرز خريجي الجامعة نجد: بيتر جوزيف ويليام ديبي، الزميل البارز بالجمعية الملكية، وهو عالم الفيزياء والكيمياء الأميركي من أصول هولندية. والمهندس الألماني والتر هوهمان الحائز على جائزة نوبل والذي قدم إسهامات مهمة في إدراك الديناميات المدارية. بالإضافة إلى فخر الدين يوسف حبيبي، زميل الجمعية الملكية للمهندسين، ورئيس إندونيسيا في الفترة بين عامي 1998 و1999.