محاولات تعديل الخريطة العقارية في نيويورك تواجه باحتجاجات صاخبة

مخاوف من طرد مستأجرين فقراء بعد سنوات من تحولات اقتصادية مذهلة

مساكن فولتون في ضواحي نيويورك كمثال لمشاريع الإسكان العامة التي يواجه سكانها المخاوف (نيويورك تايمز)
مساكن فولتون في ضواحي نيويورك كمثال لمشاريع الإسكان العامة التي يواجه سكانها المخاوف (نيويورك تايمز)
TT

محاولات تعديل الخريطة العقارية في نيويورك تواجه باحتجاجات صاخبة

مساكن فولتون في ضواحي نيويورك كمثال لمشاريع الإسكان العامة التي يواجه سكانها المخاوف (نيويورك تايمز)
مساكن فولتون في ضواحي نيويورك كمثال لمشاريع الإسكان العامة التي يواجه سكانها المخاوف (نيويورك تايمز)

تسحب دارلين ووترز كل شهر عربة التسوق خاصتها وتتوجه من حي تشيلسي في مدينة نيويورك الأميركية إلى محطة الحافلات قاصدة وول مارت وسامز كلوب في سيكوكوس بولاية نيوجيرسي التي تقول: «إنهما الآن المتجران المفضلان لدي».
السيدة ووترز لا تنقصها المتاجر في الحي الذي تسكنه، لكن صلصة المارينارا التي يحبها حفيدها تباع في تشيلسي بـ«4 دولارات وبعض الفكة»، حسبما تقول، أي ضعف ثمنها في المناطق الواقعة على الضفة الأخرى من النهر. وينطبق الحال على معجون الأسنان، ودجاج الشواء، والموتزريلا لباستا الزيتي المخبوزة. ناهيك عن الكعك. ويبيع مخبز في هاربز فتح أبوابه العام الماضي في الجادة 9 شرائح من كعكة الفراولة مقابل 10 دولارات.
وتعيش السيدة ووترز، 70 عامًا، وهي مساعدة معلم متقاعدة، في المساكن العامة، لذا فهي على الأقل قادرة على تحمل إيجار منزلها. لكن الظروف المحيطة بها تعرضت لتحولات اقتصادية مذهلة في العقدين أو العقود الثلاثة الماضية، حيث ترك تدفق للثروة آثارًا جلية وخفية على رقيقي الحال من السكان المحليين. كما لا تظهر على هذا التغيير أي علامات تنبئ بتباطئه.
وتقول السيدة ووترز التي تعيش في تشيلسي منذ كانت في سن الـ11 إن «المنطقة أكثر جمالاً الآن مقارنة بالزمن الذي انتقلت فيه إليها.. لدينا سكان من كافة الأطياف الذين يمكننا أن نتعلم منهم».
وحي تشيلسي، الذي يشمل القطاع الواقع غرب جادة الأميركتين بين شارعي 13 و34، يمكن أن يكون الآن الحي المعبر عما يطلق عليه عمدة نيويورك بيل دي بلاسيو قصة مدينتين. وبينما سجل متوسط دخل الأسرة في تشيلسي قفزة هائلة، ظل الدخل في مساكن إليوت، المشروع الإسكاني الذي تقطنه السيدة ووترز، ثابتًا تقريبًا.
وتشير بيانات الإحصاء وسلطات المدينة إلى أن متوسط دخل الأسرة في تشيلسي، يبلغ نحو 140 ألف دولار، أي قرابة 5 أضعاف متوسط دخول الأسر في المساكن العامة بالمنطقة. ويصنف الحي الآن بين الأكثر تفاوتًا في متوسط دخول سكانه بالمدينة، بحسب مركز فيرمان للعقارات والسياسة الحضرية في جامعة نيويورك، حيث زاد نصيب الأسر في شرائح الدخل الأعلى - ما يفوق 250 ألف دولار.
ومع فرط التحديث يأتي فرط القلق، وذلك ليس في حي تشيلسي وحده. وتعتزم إدارة العمدة دي بلاسيو، وهو من الحزب الديمقراطي، إعادة تقسيم أجزاء من المدينة من أجل بناء مساكن بأسعار معقولة بحسب معدلات السوق، مما أثار احتجاجات صاخبة في شرق نيويورك ومناطق أخرى من المدينة حيث يخشى السكان من أن يؤدي التطوير المتصور إلى طرد مستأجرين فقراء من منازلهم التي عاشوا فيها فترات طويلة.
كما أن خطة العمدة لزيادة إيرادات هيئة الإسكان في مدينة نيويورك عبر تأجير الأراضي داخل مشاريع الإسكان لصالح مساكن مختلطي الدخول أحيت مخاوف قديمة بأن مباني المساكن العامة ربما تتهاوى أمام سوق العقارات المتصاعدة - سواء عبر خصخصتها أو إزالتها لتوفير أماكن للطبقات الأغنى من سكان نيويورك.
«هل ستتخلى هيئة الإسكان في نيويورك عن المساكن العامة؟»، هكذا تساءل أحد سكان وايكوف غاردنز في بوريم هيل ببروكلين، وهو أحد مشاريع الإسكان التي سيشيد بها بعض المباني الجديدة. وتساءل آخر خلال الاجتماع الذي عقد مؤخرًا وجمع بين السكان والمسؤولين في الهيئة: «هل يمكن أن يضمن لنا أحد أن الناس هنا سيحتفظون بشققهم؟».
وفي حي تشيلسي المحدث، لم تتحول بعد أسوأ المخاوف لدى السكان إلى أمر واقع. مشاريع الإسكان العامة - مساكن فولتون (بين شارعي 16 و19 والجادتين 9 و10) وحي إليوت ومساكن تشيلسي - التي تضم مجتمعة نحو 2000 شقة - لا تزال قائمة، كما كانت منذ أربعينات القرن الماضي في إليوت، وستينياته في فولتون وتشيلسي. بيد أن حال المباني المشيدة بالطوب قد تدهور بفعل الزمن ونقص ميزانية الصيانة في هيئة الإسكان، على الرغم من أن مسؤولي المدينة يقولون: إنهم ما زالوا ملتزمين بالحفاظ على المساكن العامة. لكن الحي من حولهم تحول إلى منطقة من الأبراج السكنية الفاخرة، ووجهات المتاجر والمباني الإدارية المحدثة، علاوة على المساحات المفتوحة الرائعة مثل متنزه هاي لاين، مما ترك بعض قاطني المساكن العامة في مشاعر مختلطة بين الاستمتاع والخوف من المستقبل.
وما زالت برباره سانشيز، 42 عامًا، التي ترعرعت في مساكن فولتون إبان الحقبة التعيسة من تاريخ تشيلسي، والتي شهدت تفشي تجارة المخدرات في بعض الشوارع، تشعر بالدهشة والتعجب لأنها تستطيع الآن السماح لابنتها ذات الـ11 عامًا بالسير بمفردها مسافة عدة بنايات في طريق العودة من المدرسة إلى المنزل، أو أنهما يستطيعان التردد على المتنزهات التي كانت تتجنبها في الماضي.
وتحكي عن متنزه صغير في الشارع 17 قائلة: «لم تكن لتستطيع السير في المتنزه بسبب المخدرات... الآن، يتناول الناس الغداء فيه ويمارسون رياضة الهرولة ويجلسون بين جنباته يطالعون حواسبهم الشخصية».
ودرس تقرير أمرت المدينة بإعداده ونشر في شهر مايو (أيار) الماضي، آثار تحديث الحي على قاطني المساكن العامة واكتشف مزايا عدة تمتعوا بها بفضل التواجد في المناطق الأكثر ثراء من قبيل زيادة الشعور بالأمان في الشوارع وارتفاع مستوى الطلبة والخدمة التعليمية في المدارس. وخلص الباحثون إلى أن التعايش بين أبناء الطبقات المختلفة أدى إلى زيادة العائد السنوي للأسر القاطنة في المساكن العامة بالمناطق ذات الدخول المرتفعة مقارنة بأقرانهم في الأحياء الفقيرة.
لكن هناك أيضًا جوانب سلبية للأمر. تقول إنغريد غولد إيلين، مديرة مركز فورمان الباحثة الرئيسية في الدراسة، إن «السكان شعروا بقلق عميق.. لقد ثمنوا الأمان لكنهم شعروا بالارتباك، كما تعاظمت نفقاتهم اليومية وأحسوا بالاغتراب».
وأشار السكان في المقابلات التي جرت معهم إلى افتقادهم المتاجر والبقالات البسيطة والمباني المنخفضة وأماكن التجمع، التي حلت مكانها بدائل على أحدث طراز. وتراجعت أعداد المقاصد القديمة مثل محلات الوجبات الجاهزة وبائعي الأسماك والجزارين ببضائعهم الرخيصة والمغاسل ومحال الخردوات، أو اختفت تمامًا، في ظل انتشار الشقق الفاخرة التي تصل أثمانها إلى ملايين الدولارات، وشركات التكنولوجيا مثل غوغل، والمطاعم الأنيقة التي صبغت المنطقة بأجواء حي تعليب اللحوم في الجنوب.
وتتعدد التناقضات في الحي. وفي إحدى المناطق، تصطف حافلات المدارس بلونها الأصفر في الجادة 9 لتقل الطلبة من أمام المدرسة العامة رقم 33. في غضون ذلك وليس بعيدا عن هذا المكان في الجادة 10، يفعل موكب من سيارات الكاديلاك الرياضية متعددة الأغراض من طراز إسكاليد نفس الشيء أمام ذا وورلد سكول، وهي مدرسة خاصة فتحت أبوابها في 2012 لتستقبل الطلاب من مرحلة ما قبل الحضانة وحتى الصف الـ12 مقابل مصاريف سنوية تبلغ 44 ألف دولار.
وتحول محل ويسترن بيف القديم إلى متجر يتبع شركة أبل بدرجه الزجاجي، بينما تبدل حال مطعم البيتزا إلى صالون تجميل يخطف الأبصار ويدفع الكثير من السكان إلى أن يعترفوا بأنهم فقدوا شعورهم بالانتماء إلى الحي.
وتحدثت السيدة سانشيز عن خسارة تجمع عرقي معظم سكانه كانوا من بورتوريكو، التي قدم منها والداها أيضًا. وتقول إنها تذهب الآن إلى شارع ديلانسي في حي لور إيست سايد لتبتاع مكونات أطباقها البورتوريكية التقليدية فيما تحاول أن تنقل ثقافتها إلى ابنتها وابنها الذي يبلغ 13 عامًا.
جوان ستون، أحد قاطني مساكن إليوت وطامح في احتراف التمثيل، تحدث عن التغير الذي يأتي أحيانًا غامرًا. ويقول: «كل التركيز منصب على الشركات.. تسير بجانب سقالة وتتساءل، ما الذي سوف يبنونه الآن؟».
ويقول السيد ستون إن الحي يشعره بدرجات متفاوتة من الترحاب. لقد عمل السيد ستون في وظائف صيفية في متنزه هاي لاين، ويقول إنه وأصدقاءه استمتعوا بالحفلات الموسيقية المجانية والأحداث الترفيهية الأخرى التي وفرها لهم المتنزه. لكنه قال عن بعض متاجر التجزئة الراقية المنتشرة من حوله: «أشعر بعدم ارتياح في الذهاب إليها».
وفي ظل معاناتهم لكي يوفروا متطلبات العيش هناك، يشعر الكثير من الشبان في المساكن العامة بأن الحي لن يظل طويلاً مكانهم الذي ينتمون إليه. يقول جاستن ووترز، حفيد السيدة ووترز، 27 عامًا، الذي يعمل محلل أنظمة كومبيوتر في وكالة هادسون غيلد الأهلية، إنه لا يتوقع البقاء في تشيلسي على الرغم من المزايا التي يوفرها الموقع. وقال: «تزيد الأسعار كل عام.. لا يفترض أن تعاني باستمرار لكي تعيش في مكان ما. حينئذ تفقد متعة الإقامة فيه». إن الفارق بين أسعار الإيجارات في السوق وما يستطيع أن يتحمل كلفته معظم قاطني المساكن العامة سيمنع حتى الفئات الصاعدة منهم من البقاء في الحي عندما يبدأون في السعي للانتقال إلى مساكن خاصة. بل إن القادمين الجدد السابقين الذين كان ينظر إليهم بوصفهم من المحدثين في الحي ستقصيهم هذه الفجوة السعرية.
يقول عضو مجلس بلدية نيويورك كوري جونسون، وهو ديمقراطي يمثل تشيلي وهيلز كيتشن وويست فيلدج، إن المعارض الفنية التي توافدت على المكان منذ تسعينات القرن الماضي، تغلق أبوابها الآن أو تغادر بحثا عن إيجارات أرخص. ويضيف: هناك «عدد هائل من المعارض الفنية المستقلة تفر إلى لور إيست سايد وبروكلين، لأن ملاك المباني يطلبون زيادات باهظة في غرب تشيلسي».
وعلى الرغم من الطفرة في أعمال التشييد والبناء، حيث كان تشيلسي يمتلك أكبر عدد من الوحدات السكانية الحاصلة على تصاريح بناء جديدة عام 2014، بحسب مركز فورمان، فإن المعروض من الوحدات الإيجارية لا يتماشى مع حجم الطلب القائم. وفي عام 2014، بلغ متوسط الإيجار المطلوب في تشيلسي 3490 دولارًا، فيما تعد رابع أعلى قيمة إيجارية بمدينة نيويورك، حسبما أفاد المسؤولون في المركز.
لكن المساكن العامة ليست المعقل الوحيد لأصحاب الدخول المنخفضة والمتوسطة في تشيلسي. وتساعد بن ساوث، وهي منطقة للإسكان التعاوني لأصحاب الدخول المتوسطة وتضم أكثر من 2800 شقة، علاوة على الشقق الخاضعة لتنظيم الإيجارات، في الحفاظ على التنوع الاقتصادي في تشيلسي.
لكن المدينة فقدت الكثير من شققها الخاضعة لتنظيم الإيجارات التي شيدت على مدار العقدين الماضيين، لا سيما في مناطق مثل تشيلسي، حيث ارتفعت الإيجارات في السوق بما يكفي لتمكين أصحاب العقارات بموجب قانون الإيجارات في الولاية من إخراج شققهم من التنظيم عندما تصبح شاغرة.
وتقول باريكا ويليامز، نائبة مدير رابطة الحي وتطوير الإسكان، إن «الخسارة الهائلة في الوحدات الخاضعة لتنظيم الإيجارات، إلى جانب الطفرة في الإيجارات الفاخرة، لا تترك للأسر خيارات كثيرة للبقاء في مجتمعهم».
ويقول السيد جونسون، الذي عاش أيضًا في مساكن ماساتشوستس العامة خلال طفولته، إنه تأثر بدوره بارتفاع تكاليف الإسكان. وفي عام 2003، كان يعيش في شقة صغيرة مقابل 900 دولار شهريًا. وبعد 5 سنوات انتقل إلى شقة صغيرة أخرى عبر الشارع حيث بلغ الإيجار الشهري 1750 دولارًا. والآن يدفع 2700 دولار، بزيادة تبلغ نحو 1000، مقابل نفس الوحدة التي تبلغ مساحتها 319 قدما مربعا. وبوصفهم مؤجرين مدعومين من الدولة، يحظى قاطنو المساكن العامة بالحماية بموجب سياسة فيدرالية تقضي بألا يدفعوا أكثر من 30 في المائة من دخلهم في الإيجار. لكن الخشية من الإخلاء تظل قائمة رغم ذلك. وقبل 3 أعوام، أخذت المدينة ساحة انتظار من مساكن إليوت وتشيلسي لبناء 168 شقة للأسر منخفضة ومتوسطة الدخل، وتخطط الآن لمشروع بناء اقتصادي آخر، في ساحة انتظار في مساكن فولتون، حسبما يقول مسؤولو هيئة الإسكان.
وتقول السيدة سانشيز من مساكن فولتون إنه «سيكون من قبيل الغباء ألا نفكر في ذلك، لأنه سيحدث في نهاية المطاف.. ربما تقول شركة ما إن لدينا ما يكفي من المال لشراء هيئة الإسكان في نيويورك برمتها. هناك شخص ما بالخارج ربما يقول الآن (كيف بنا السبيل إلى ذلك)، لأنه صفقة عقارية من الفئة الممتازة».

* خدمة «نيويورك تايمز»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة

الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة
TT

الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة

الأحياء المصرية العريقة تربح سوق الوحدات الفارهة

يَعدّ المصريون الاستثمار العقاري من بين أكثر أنواع الاستثمار أمناً وعائداً، مع الأسعار المتزايدة يوماً بعد يوم للوحدات السكنية والتجارية في مختلف الأحياء المصرية، بناءً على تغيّرات السوق، وارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء، ورغم أن هذه المتغيرات تحدد سعر المتر السكني والتجاري، فإن بعض الوحدات السكنية قد تشذّ عن القاعدة، ويخرج سعرها عن المألوف لوقوعها في حي راقٍ شهير وسط القاهرة وتطل على النيل، أو حتى في عمارة سكنية شهيرة.
وبتصفح إعلانات بيع الوحدات السكنية على المواقع الإلكترونية والتطبيقات المخصصة لذلك قد يصطدم المشاهد برقم غريب يتجاوز الأسعار المتعارف عليها في الحي بشكلٍ كبير جداً، لتقفز من وحدات سكنية سعرها 3 ملايين جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 15.6 جنيه مصري)، إلى أخرى مجاورة لها بأربعين مليوناً، هذه الإعلانات التي يصفها متابعون بأنها «غريبة جداً» على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط أسئلة منطقية عن السبب الرئيسي وراء هذه الأسعار، التي تؤكد تفوق أسعار بيع بعض الشقق السكنية على أسعار فيلات بالمدن الجديدة.
على كورنيش النيل، تطل واحدة من أشهر العمارات السكنية بحي الزمالك وسط القاهرة، تحديداً في عمارة «ليبون» التي سكنها عدد من فناني مصر المشهورين في الماضي، تُعرض شقة مساحتها 300 متر للبيع بمبلغ 40 مليون جنيه، أي نحو 2.5 مليون دولار، رغم أن متوسط سعر المتر السكني في الحي يبلغ 23 ألف جنيه، وفقاً لموقع «عقار ماب» المتخصص في بيع وشراء الوحدات السكنية في مصر.
ولا يشتري الناس بهذه الأسعار مجرد شقة، بل يشترون ثقافة حي وجيراناً وتأميناً وخدمات، حسب حسين شعبان، مدير إحدى شركات التسويق العقاري بحي الزمالك، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «عمارة ليبون واحدة من أعرق العمارات في مصر، وأعلاها سعراً، والشقة المعروضة للبيع كانت تسكنها الفنانة الراحلة سامية جمال»، مؤكداً أن «هذه الإعلانات تستهدف المشتري العربي أو الأجنبي الذي يبحث عن عقار مؤمّن، وجيراناً متميزين، وثقافة حي تسمح له بالحياة كأنه في أوروبا، فسعر الشقة ربما يكون مماثلاً لسعر فيلا في أفضل التجمعات السكنية وأرقاها في مصر، لكنه يبحث عن شقة بمواصفات خاصة».
وفي عام 2017 أثار إعلان عن شقة بجوار فندق «أم كلثوم» بالزمالك، الجدل، بعد عرضها للبيع بمبلغ 3 ملايين دولار، وتبين فيما بعد أن الشقة ملك للسياسي المصري أيمن نور، لكن شعبان بدوره يؤكد أن «الناس لا تهتم بمن هو مالك الشقة في السابق، بل تهتم بالخدمات والجيران، وهذا هو ما يحدد سعر الشقة».
ويعد حي الزمالك بوسط القاهرة واحداً من أشهر الأحياء السكنية وأعلاها سعرها، حيث توجد به مقرات لعدد كبير من السفارات، مما يجعله مكاناً لسكن الأجانب، وينقسم الحي إلى قسمين (بحري وقبلي) يفصلهما محور (26 يوليو)، ويعد الجانب القلبي هو «الأكثر تميزاً والأعلى سعراً، لأنه مقر معظم السفارات»، وفقاً لإيهاب المصري، مدير مبيعات عقارية، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «ارتفاع الأسعار في الزمالك مرتبط بنقص المعروض في ظل ازدياد الطلب، مع وجود أجانب يدفعون بالعملات الأجنبية، وهم هنا لا يشترون مجرد إطلالة على النيل، بل يشترون خدمات وتأميناً عالي المستوى».
وعلى موقع «أوليكس» المخصص لبيع وتأجير العقارات والأدوات المنزلية، تجد شقة دوبليكس بمساحة 240 متراً في الزمالك مكونة من 4 غرف، معروضة للبيع بمبلغ 42 مليون جنيه، وشقة أخرى للبيع أمام نادي الجزيرة مساحة 400 متر بمبلغ 40 مليون جنيه.
ورغم ذلك فإن أسعار بعض الوحدات المعروضة للبيع قد تبدو مبالغاً فيها، حسب المصري، الذي يقول إن «السعر المعلن عنه غير حقيقي، فلا توجد شقة تباع في عمارة (ليبون) بمبلغ 40 مليون جنيه، وعند تنفيذ البيع قد لا يتجاوز السعر الثلاثين مليوناً، وهو سعر الوحدة السكنية في عمارة (العبد) المطلة على نادي الجزيرة والتي تعد أغلى عقارات الزمالك».
والشريحة المستهدفة بهذه الأسعار هي شريحة مختلفة تماماً عن الشريحة التي يستهدفها الإسكان الاجتماعي، فهي شريحة تبحث عن أسلوب حياة وإمكانيات معينة، كما يقول الخبير العقاري تامر ممتاز، لـ«الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن «التعامل مع مثل هذه الوحدات لا بد أن يكون كالتعامل مع السلع الخاصة، التي تقدم ميزات قد لا تكون موجودة في سلع أخرى، من بينها الخدمات والتأمين».
وتتفاوت أسعار الوحدات السكنية في حي الزمالك بشكل كبير، ويقدر موقع «بروبرتي فايندر»، المتخصص في بيع وتأجير العقارات، متوسط سعر الشقة في منطقة أبو الفدا المطلة على نيل الزمالك بمبلغ 7 ملايين جنيه مصري، بينما يبلغ متوسط سعر الشقة في شارع «حسن صبري» نحو 10 ملايين جنيه، ويتباين السعر في شارع الجبلاية بالجانب القبلي من الحي، ليبدأ من 4.5 مليون جنيه ويصل إلى 36 مليون جنيه.
منطقة جاردن سيتي تتمتع أيضاً بارتفاع أسعار وحداتها، وإن لم يصل السعر إلى مثيله في الزمالك، حيث توجد شقق مساحتها لا تتجاوز 135 متراً معروضة للبيع بمبلغ 23 مليون جنيه، ويبلغ متوسط سعر المتر في جاردن سيتي نحو 15 ألف جنيه، وفقاً لـ«عقار ماب».
وتحتل الشقق السكنية الفندقية بـ«فورسيزونز» على كورنيش النيل بالجيزة، المرتبة الأولى في الأسعار، حيث يبلغ سعر الشقة نحو 4.5 مليون دولار، حسب تأكيدات شعبان والمصري، وكانت إحدى شقق «فورسيزونز» قد أثارت الجدل عندما عُرضت للبيع عام 2018 بمبلغ 40 مليون دولار، وبُرر ارتفاع السعر وقتها بأن مساحتها 1600 متر، وتطل على النيل وعلى حديقة الحيوانات، وبها حمام سباحة خاص، إضافة إلى الشخصيات العربية المرموقة التي تسكن «فورسيزونز».
وتحدد أسعار هذا النوع من العقارات بمقدار الخدمات والخصوصية التي يوفّرها، وفقاً لممتاز، الذي يؤكد أن «العقار في مصر يعد مخزناً للقيمة، ولذلك تكون مجالاً للاستثمار، فالمشتري يبحث عن عقار سيرتفع سعره أو يتضاعف في المستقبل، ومن المؤكد أنه كلما زادت الخدمات، فإن احتمالات زيادة الأسعار ستكون أكبر، خصوصاً في ظل وجود نوع من المستهلكين يبحثون عن مميزات خاصة، لا تتوافر إلا في عدد محدود من الوحدات السكنية».