محاولات تعديل الخريطة العقارية في نيويورك تواجه باحتجاجات صاخبة

مخاوف من طرد مستأجرين فقراء بعد سنوات من تحولات اقتصادية مذهلة

مساكن فولتون في ضواحي نيويورك كمثال لمشاريع الإسكان العامة التي يواجه سكانها المخاوف (نيويورك تايمز)
مساكن فولتون في ضواحي نيويورك كمثال لمشاريع الإسكان العامة التي يواجه سكانها المخاوف (نيويورك تايمز)
TT

محاولات تعديل الخريطة العقارية في نيويورك تواجه باحتجاجات صاخبة

مساكن فولتون في ضواحي نيويورك كمثال لمشاريع الإسكان العامة التي يواجه سكانها المخاوف (نيويورك تايمز)
مساكن فولتون في ضواحي نيويورك كمثال لمشاريع الإسكان العامة التي يواجه سكانها المخاوف (نيويورك تايمز)

تسحب دارلين ووترز كل شهر عربة التسوق خاصتها وتتوجه من حي تشيلسي في مدينة نيويورك الأميركية إلى محطة الحافلات قاصدة وول مارت وسامز كلوب في سيكوكوس بولاية نيوجيرسي التي تقول: «إنهما الآن المتجران المفضلان لدي».
السيدة ووترز لا تنقصها المتاجر في الحي الذي تسكنه، لكن صلصة المارينارا التي يحبها حفيدها تباع في تشيلسي بـ«4 دولارات وبعض الفكة»، حسبما تقول، أي ضعف ثمنها في المناطق الواقعة على الضفة الأخرى من النهر. وينطبق الحال على معجون الأسنان، ودجاج الشواء، والموتزريلا لباستا الزيتي المخبوزة. ناهيك عن الكعك. ويبيع مخبز في هاربز فتح أبوابه العام الماضي في الجادة 9 شرائح من كعكة الفراولة مقابل 10 دولارات.
وتعيش السيدة ووترز، 70 عامًا، وهي مساعدة معلم متقاعدة، في المساكن العامة، لذا فهي على الأقل قادرة على تحمل إيجار منزلها. لكن الظروف المحيطة بها تعرضت لتحولات اقتصادية مذهلة في العقدين أو العقود الثلاثة الماضية، حيث ترك تدفق للثروة آثارًا جلية وخفية على رقيقي الحال من السكان المحليين. كما لا تظهر على هذا التغيير أي علامات تنبئ بتباطئه.
وتقول السيدة ووترز التي تعيش في تشيلسي منذ كانت في سن الـ11 إن «المنطقة أكثر جمالاً الآن مقارنة بالزمن الذي انتقلت فيه إليها.. لدينا سكان من كافة الأطياف الذين يمكننا أن نتعلم منهم».
وحي تشيلسي، الذي يشمل القطاع الواقع غرب جادة الأميركتين بين شارعي 13 و34، يمكن أن يكون الآن الحي المعبر عما يطلق عليه عمدة نيويورك بيل دي بلاسيو قصة مدينتين. وبينما سجل متوسط دخل الأسرة في تشيلسي قفزة هائلة، ظل الدخل في مساكن إليوت، المشروع الإسكاني الذي تقطنه السيدة ووترز، ثابتًا تقريبًا.
وتشير بيانات الإحصاء وسلطات المدينة إلى أن متوسط دخل الأسرة في تشيلسي، يبلغ نحو 140 ألف دولار، أي قرابة 5 أضعاف متوسط دخول الأسر في المساكن العامة بالمنطقة. ويصنف الحي الآن بين الأكثر تفاوتًا في متوسط دخول سكانه بالمدينة، بحسب مركز فيرمان للعقارات والسياسة الحضرية في جامعة نيويورك، حيث زاد نصيب الأسر في شرائح الدخل الأعلى - ما يفوق 250 ألف دولار.
ومع فرط التحديث يأتي فرط القلق، وذلك ليس في حي تشيلسي وحده. وتعتزم إدارة العمدة دي بلاسيو، وهو من الحزب الديمقراطي، إعادة تقسيم أجزاء من المدينة من أجل بناء مساكن بأسعار معقولة بحسب معدلات السوق، مما أثار احتجاجات صاخبة في شرق نيويورك ومناطق أخرى من المدينة حيث يخشى السكان من أن يؤدي التطوير المتصور إلى طرد مستأجرين فقراء من منازلهم التي عاشوا فيها فترات طويلة.
كما أن خطة العمدة لزيادة إيرادات هيئة الإسكان في مدينة نيويورك عبر تأجير الأراضي داخل مشاريع الإسكان لصالح مساكن مختلطي الدخول أحيت مخاوف قديمة بأن مباني المساكن العامة ربما تتهاوى أمام سوق العقارات المتصاعدة - سواء عبر خصخصتها أو إزالتها لتوفير أماكن للطبقات الأغنى من سكان نيويورك.
«هل ستتخلى هيئة الإسكان في نيويورك عن المساكن العامة؟»، هكذا تساءل أحد سكان وايكوف غاردنز في بوريم هيل ببروكلين، وهو أحد مشاريع الإسكان التي سيشيد بها بعض المباني الجديدة. وتساءل آخر خلال الاجتماع الذي عقد مؤخرًا وجمع بين السكان والمسؤولين في الهيئة: «هل يمكن أن يضمن لنا أحد أن الناس هنا سيحتفظون بشققهم؟».
وفي حي تشيلسي المحدث، لم تتحول بعد أسوأ المخاوف لدى السكان إلى أمر واقع. مشاريع الإسكان العامة - مساكن فولتون (بين شارعي 16 و19 والجادتين 9 و10) وحي إليوت ومساكن تشيلسي - التي تضم مجتمعة نحو 2000 شقة - لا تزال قائمة، كما كانت منذ أربعينات القرن الماضي في إليوت، وستينياته في فولتون وتشيلسي. بيد أن حال المباني المشيدة بالطوب قد تدهور بفعل الزمن ونقص ميزانية الصيانة في هيئة الإسكان، على الرغم من أن مسؤولي المدينة يقولون: إنهم ما زالوا ملتزمين بالحفاظ على المساكن العامة. لكن الحي من حولهم تحول إلى منطقة من الأبراج السكنية الفاخرة، ووجهات المتاجر والمباني الإدارية المحدثة، علاوة على المساحات المفتوحة الرائعة مثل متنزه هاي لاين، مما ترك بعض قاطني المساكن العامة في مشاعر مختلطة بين الاستمتاع والخوف من المستقبل.
وما زالت برباره سانشيز، 42 عامًا، التي ترعرعت في مساكن فولتون إبان الحقبة التعيسة من تاريخ تشيلسي، والتي شهدت تفشي تجارة المخدرات في بعض الشوارع، تشعر بالدهشة والتعجب لأنها تستطيع الآن السماح لابنتها ذات الـ11 عامًا بالسير بمفردها مسافة عدة بنايات في طريق العودة من المدرسة إلى المنزل، أو أنهما يستطيعان التردد على المتنزهات التي كانت تتجنبها في الماضي.
وتحكي عن متنزه صغير في الشارع 17 قائلة: «لم تكن لتستطيع السير في المتنزه بسبب المخدرات... الآن، يتناول الناس الغداء فيه ويمارسون رياضة الهرولة ويجلسون بين جنباته يطالعون حواسبهم الشخصية».
ودرس تقرير أمرت المدينة بإعداده ونشر في شهر مايو (أيار) الماضي، آثار تحديث الحي على قاطني المساكن العامة واكتشف مزايا عدة تمتعوا بها بفضل التواجد في المناطق الأكثر ثراء من قبيل زيادة الشعور بالأمان في الشوارع وارتفاع مستوى الطلبة والخدمة التعليمية في المدارس. وخلص الباحثون إلى أن التعايش بين أبناء الطبقات المختلفة أدى إلى زيادة العائد السنوي للأسر القاطنة في المساكن العامة بالمناطق ذات الدخول المرتفعة مقارنة بأقرانهم في الأحياء الفقيرة.
لكن هناك أيضًا جوانب سلبية للأمر. تقول إنغريد غولد إيلين، مديرة مركز فورمان الباحثة الرئيسية في الدراسة، إن «السكان شعروا بقلق عميق.. لقد ثمنوا الأمان لكنهم شعروا بالارتباك، كما تعاظمت نفقاتهم اليومية وأحسوا بالاغتراب».
وأشار السكان في المقابلات التي جرت معهم إلى افتقادهم المتاجر والبقالات البسيطة والمباني المنخفضة وأماكن التجمع، التي حلت مكانها بدائل على أحدث طراز. وتراجعت أعداد المقاصد القديمة مثل محلات الوجبات الجاهزة وبائعي الأسماك والجزارين ببضائعهم الرخيصة والمغاسل ومحال الخردوات، أو اختفت تمامًا، في ظل انتشار الشقق الفاخرة التي تصل أثمانها إلى ملايين الدولارات، وشركات التكنولوجيا مثل غوغل، والمطاعم الأنيقة التي صبغت المنطقة بأجواء حي تعليب اللحوم في الجنوب.
وتتعدد التناقضات في الحي. وفي إحدى المناطق، تصطف حافلات المدارس بلونها الأصفر في الجادة 9 لتقل الطلبة من أمام المدرسة العامة رقم 33. في غضون ذلك وليس بعيدا عن هذا المكان في الجادة 10، يفعل موكب من سيارات الكاديلاك الرياضية متعددة الأغراض من طراز إسكاليد نفس الشيء أمام ذا وورلد سكول، وهي مدرسة خاصة فتحت أبوابها في 2012 لتستقبل الطلاب من مرحلة ما قبل الحضانة وحتى الصف الـ12 مقابل مصاريف سنوية تبلغ 44 ألف دولار.
وتحول محل ويسترن بيف القديم إلى متجر يتبع شركة أبل بدرجه الزجاجي، بينما تبدل حال مطعم البيتزا إلى صالون تجميل يخطف الأبصار ويدفع الكثير من السكان إلى أن يعترفوا بأنهم فقدوا شعورهم بالانتماء إلى الحي.
وتحدثت السيدة سانشيز عن خسارة تجمع عرقي معظم سكانه كانوا من بورتوريكو، التي قدم منها والداها أيضًا. وتقول إنها تذهب الآن إلى شارع ديلانسي في حي لور إيست سايد لتبتاع مكونات أطباقها البورتوريكية التقليدية فيما تحاول أن تنقل ثقافتها إلى ابنتها وابنها الذي يبلغ 13 عامًا.
جوان ستون، أحد قاطني مساكن إليوت وطامح في احتراف التمثيل، تحدث عن التغير الذي يأتي أحيانًا غامرًا. ويقول: «كل التركيز منصب على الشركات.. تسير بجانب سقالة وتتساءل، ما الذي سوف يبنونه الآن؟».
ويقول السيد ستون إن الحي يشعره بدرجات متفاوتة من الترحاب. لقد عمل السيد ستون في وظائف صيفية في متنزه هاي لاين، ويقول إنه وأصدقاءه استمتعوا بالحفلات الموسيقية المجانية والأحداث الترفيهية الأخرى التي وفرها لهم المتنزه. لكنه قال عن بعض متاجر التجزئة الراقية المنتشرة من حوله: «أشعر بعدم ارتياح في الذهاب إليها».
وفي ظل معاناتهم لكي يوفروا متطلبات العيش هناك، يشعر الكثير من الشبان في المساكن العامة بأن الحي لن يظل طويلاً مكانهم الذي ينتمون إليه. يقول جاستن ووترز، حفيد السيدة ووترز، 27 عامًا، الذي يعمل محلل أنظمة كومبيوتر في وكالة هادسون غيلد الأهلية، إنه لا يتوقع البقاء في تشيلسي على الرغم من المزايا التي يوفرها الموقع. وقال: «تزيد الأسعار كل عام.. لا يفترض أن تعاني باستمرار لكي تعيش في مكان ما. حينئذ تفقد متعة الإقامة فيه». إن الفارق بين أسعار الإيجارات في السوق وما يستطيع أن يتحمل كلفته معظم قاطني المساكن العامة سيمنع حتى الفئات الصاعدة منهم من البقاء في الحي عندما يبدأون في السعي للانتقال إلى مساكن خاصة. بل إن القادمين الجدد السابقين الذين كان ينظر إليهم بوصفهم من المحدثين في الحي ستقصيهم هذه الفجوة السعرية.
يقول عضو مجلس بلدية نيويورك كوري جونسون، وهو ديمقراطي يمثل تشيلي وهيلز كيتشن وويست فيلدج، إن المعارض الفنية التي توافدت على المكان منذ تسعينات القرن الماضي، تغلق أبوابها الآن أو تغادر بحثا عن إيجارات أرخص. ويضيف: هناك «عدد هائل من المعارض الفنية المستقلة تفر إلى لور إيست سايد وبروكلين، لأن ملاك المباني يطلبون زيادات باهظة في غرب تشيلسي».
وعلى الرغم من الطفرة في أعمال التشييد والبناء، حيث كان تشيلسي يمتلك أكبر عدد من الوحدات السكانية الحاصلة على تصاريح بناء جديدة عام 2014، بحسب مركز فورمان، فإن المعروض من الوحدات الإيجارية لا يتماشى مع حجم الطلب القائم. وفي عام 2014، بلغ متوسط الإيجار المطلوب في تشيلسي 3490 دولارًا، فيما تعد رابع أعلى قيمة إيجارية بمدينة نيويورك، حسبما أفاد المسؤولون في المركز.
لكن المساكن العامة ليست المعقل الوحيد لأصحاب الدخول المنخفضة والمتوسطة في تشيلسي. وتساعد بن ساوث، وهي منطقة للإسكان التعاوني لأصحاب الدخول المتوسطة وتضم أكثر من 2800 شقة، علاوة على الشقق الخاضعة لتنظيم الإيجارات، في الحفاظ على التنوع الاقتصادي في تشيلسي.
لكن المدينة فقدت الكثير من شققها الخاضعة لتنظيم الإيجارات التي شيدت على مدار العقدين الماضيين، لا سيما في مناطق مثل تشيلسي، حيث ارتفعت الإيجارات في السوق بما يكفي لتمكين أصحاب العقارات بموجب قانون الإيجارات في الولاية من إخراج شققهم من التنظيم عندما تصبح شاغرة.
وتقول باريكا ويليامز، نائبة مدير رابطة الحي وتطوير الإسكان، إن «الخسارة الهائلة في الوحدات الخاضعة لتنظيم الإيجارات، إلى جانب الطفرة في الإيجارات الفاخرة، لا تترك للأسر خيارات كثيرة للبقاء في مجتمعهم».
ويقول السيد جونسون، الذي عاش أيضًا في مساكن ماساتشوستس العامة خلال طفولته، إنه تأثر بدوره بارتفاع تكاليف الإسكان. وفي عام 2003، كان يعيش في شقة صغيرة مقابل 900 دولار شهريًا. وبعد 5 سنوات انتقل إلى شقة صغيرة أخرى عبر الشارع حيث بلغ الإيجار الشهري 1750 دولارًا. والآن يدفع 2700 دولار، بزيادة تبلغ نحو 1000، مقابل نفس الوحدة التي تبلغ مساحتها 319 قدما مربعا. وبوصفهم مؤجرين مدعومين من الدولة، يحظى قاطنو المساكن العامة بالحماية بموجب سياسة فيدرالية تقضي بألا يدفعوا أكثر من 30 في المائة من دخلهم في الإيجار. لكن الخشية من الإخلاء تظل قائمة رغم ذلك. وقبل 3 أعوام، أخذت المدينة ساحة انتظار من مساكن إليوت وتشيلسي لبناء 168 شقة للأسر منخفضة ومتوسطة الدخل، وتخطط الآن لمشروع بناء اقتصادي آخر، في ساحة انتظار في مساكن فولتون، حسبما يقول مسؤولو هيئة الإسكان.
وتقول السيدة سانشيز من مساكن فولتون إنه «سيكون من قبيل الغباء ألا نفكر في ذلك، لأنه سيحدث في نهاية المطاف.. ربما تقول شركة ما إن لدينا ما يكفي من المال لشراء هيئة الإسكان في نيويورك برمتها. هناك شخص ما بالخارج ربما يقول الآن (كيف بنا السبيل إلى ذلك)، لأنه صفقة عقارية من الفئة الممتازة».

* خدمة «نيويورك تايمز»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



«كوفيد ـ 19» يوقف إجراءات تسليم المساكن في السودان

ينتظر أن ينطلق برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي لرفع الوعي بهذا النوع من البناء
ينتظر أن ينطلق برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي لرفع الوعي بهذا النوع من البناء
TT

«كوفيد ـ 19» يوقف إجراءات تسليم المساكن في السودان

ينتظر أن ينطلق برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي لرفع الوعي بهذا النوع من البناء
ينتظر أن ينطلق برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي لرفع الوعي بهذا النوع من البناء

في وقت تجري فيه الاستعدادات لعقد اجتماع بين الصندوق القومي للإسكان ووزارة المالية والتخطيط الاقتصادي وبنك السودان، لبحث سبل توفير تمويل لمشروعات الإسكان للمواطنين عبر قروض طويلة الأجل، ألغت الحكومة أول من أمس، وأوقفت، إجراءات تسليم المساكن للموطنين والتقديم لها، خوفاً من حدوث إصابات بـ«كورونا»، أثناء الاصطفاف للتقديم والتسلم.
وكان الصندوق القومي للإسكان قد طرح مباني سكنية جاهزة للمواطنين في معظم المناطق الطرفية بالعاصمة الخرطوم، وبقية الولايات، وذلك ضمن مشروع السودان لتوفير المأوى للمواطنين، الذي سيبدأ بـ100 ألف وحدة سكنية لذوي الدخل المحدود. وقد بدأ المشروع بفئة العمال في القطاعات الحكومية في جميع ولايات السودان العام الماضي، بواقع 5 آلاف منزل للمرحلة الأولى، تسدد بالتقسيط على مدى 7 سنوات. ويتضمن مشروع إسكان عمال السودان 40 مدينة سكنية في جميع مدن البلاد، لصالح محدودي الدخل، ويستفيد من المشروع في عامه الأول أكثر من مليونين.
وقد أقام المواطنون مواقع أمام مقر الصندوق القومي للإسكان، وباتوا يتجمعون يومياً بأعداد كبيرة، ما سبب إزعاجاً لدى إدارة الصندوق والشارع العام، وذلك بعد قرار سياسي من والي ولاية الخرطوم، لدعوة المواطنين للتقديم للحصول على سكن شعبي.
ووفقاً للدكتور عبد الرحمن الطيب أيوبيه الأمين العام المكلف للصندوق القومي للإسكان والتعمير في السودان لـ«الشرق الأوسط» حول دواعي إصدار قرار بوقف إجراءات التسليم والتقديم للإسكان الشعبي، وعما إذا كان «كورونا» هو السبب، أوضح أن تلك التجمعات تسببت في زحام شديد، حيث نصب المتقدمون للوحدات السكنية خياماً أمام مقر الصندوق في شارع الجمهورية، بعد قرار الوالي في وقت سابق من العام الماضي بدعوة المواطنين للتقديم. وظلت تلك التجمعات مصدر إزعاج وإرباك للسلطات، ولم تتعامل معهم إدارة الصندوق، إلى أن جاء قرار الوالي الأخير بمنع هذه التجمعات خوفاً من عدوى «كورونا» الذي ينشط في الزحام.
وبين أيوبيه أن الخطة الإسكانية لا تحتاج لتجمعات أمام مباني الجهات المختصة، حيث هناك ترتيبات وإجراءات للتقديم والتسلم تتم عبر منافذ صناديق الإسكان في البلاد، وعندما تكون هناك وحدات جاهزة للتسليم يتم الإعلان عنها عبر الصحف اليومية، موضحاً أن كل ولاية لديها مكاتب إدارية في كل ولايات السودان، وتتبع الإجراءات نفسها المعمول بها في العاصمة.
ولم يخفِ أيوبيه أزمة السكن في البلاد، والفجوة في المساكن والوحدات السكنية، والمقدرة بنحو مليوني وحدة سكنية في ولاية الخرطوم فقط، لكنه أشار إلى أن لديهم خطة مدروسة لإنشاء 40 ألف مدينة سكنية، تم الفراغ من نسبة عالية في العاصمة الخرطوم، بجانب 10 آلاف وحدة سكنية.
وقال إن هذه المشاريع الإسكانية ستغطي فجوة كبيرة في السكن الشعبي والاقتصادي في البلاد، موضحاً أن العقبة أمام تنفيذها هو التمويل، لكنها كمشاريع جاهزة للتنفيذ والتطبيق، مشيراً إلى أن لديهم جهوداً محلية ودولية لتوفير التمويل لهذه المشاريع.
وقال إن اجتماعاً سيتم بين الصندوق القومي للإسكان وبنك السودان المركزي ووزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، لتوفير الضمانات بالنسبة للتمويل الخارجي واعتماد مبالغ للإسكان من الاحتياطي القانوني للمصارف المحلية.
وأكد الدكتور عبد الرحمن على أهمية التنسيق والتعاون المشترك بين الجهات المعنية لإنفاذ المشروع القومي للمأوى، وتوفير السكن للشرائح المستهدفة، مجدداً أن أبواب السودان مشرعة للاستثمار في مجال الإسكان. وأشار إلى أن الصندوق القومي للإسكان سيشارك في معرض أكسبو في دبي في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وذلك بجناح يعرض فيه الفرص الاستثمارية في السكن والوحدات السكنية في السودان، وسيتم عرض كل الفرص الجاهزة والمتاحة في العاصمة والولايات.
وقال إن هناك آثاراً متوقعة من قرار رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية على البلاد، ومن المتوقع أن يسهم كثيرا في إنعاش سوق العقارات واستقطاب رؤوس أموال لصالح التوسع في مشروعات الإسكان. وأبان أن الصندوق استطاع خلال السنوات الماضية إحداث جسور للتعاون مع دول ومنظمات واتحادات ومؤسسات مختلفة، وحالت العقوبات دون استثمارها بالشكل المطلوب، مشيرا إلى أن جهودهم ستتواصل للاستفادة من الخبرات والموارد المالية المتاحة عبر القروض والمنح والاستثمارات.
وأكمل الصندوق القومي للإسكان في السودان تحديد المواقع والدراسات لمشروع المأوى القومي ومنازل العمال، حيث ستشيد المنازل بأنماط مختلفة من السكن الاقتصادي، الشعبي، الاستثماري، الريفي، والمنتج، بتمويل من البنوك العاملة في البلاد، وفق خطة الصندوق.
وقد طرحت إدارة الصندوق عطاءات منذ بداية العام الجاري لتنفيذ مدن سكنية، كما دعت المستثمرين إلى الدخول في شراكات للاستثمار العقاري بالولايات لتوفير المأوى للشرائح المستهدفة، إلا أن التمويل وقف عثرة أمام تلك المشاريع.
وطرح الصندوق القومي للإسكان في ولاية الخرطوم أن يطرح حالياً نحو 10 آلاف وحدة سكنية لمحدودي الدخل والفئويين والمهنيين في مدن العاصمة الثلاث، كما يطرح العديد من الفرص المتاحة في مجال الإسكان والتطوير العقاري، حيث تم الانتهاء من تجهيز 5 آلاف شقة و15 ألفا للسكن الاقتصادي في مدن الخرطوم الثلاث.
وتم تزويد تلك المساكن بخدمات الكهرباء والطرق والمدارس وبعض المرافق الأخرى، بهدف تسهيل وتوفير تكلفة البناء للأسرة، حيث تتصاعد أسعار مواد البناء في البلاد بشكل جنوني تماشياً مع الارتفاع الذي يشهده الدولار مقابل الجنيه السوداني والأوضاع الاقتصادية المتردية التي تمر بها البلاد حالياً.
يذكر أن الصندوق القومي للإسكان لديه خطة لتوسيع قاعدة السكن لمحدودي الدخل، عبر الإسكان الرأسي، الذي يتكون من مجمعات سكنية، كل مجمع يضم بناية من 7 أدوار، ويتكون الطابق من 10 شقق سكنية، بمساحات من 180 إلى 300 متر مربع.
ويتوقع الصندوق أن يجد مشروع الإسكان الرأسي والشقق، رواجاً وإقبالاً في أوساط السودانيين محدودي الدخل، خاصة أنه أقل تكلفة وأصبح كثير من السودانيين يفضلونه على السكن الأفقي، الأمر الذي دفع الصندوق لتنفيذ برامج إعلامية لرفع مستوى وعي وثقافة المواطنين للتعامل مع السكن الجماعي والتعاون فيما بينهم.
ووفقاً لمسؤول في الصندوق القومي للإسكان فإن برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي، يتضمن كيفية المحافظة على خدمات البناية، ورفع وعيهم بهذا النوع من البناء، حتى تتحول الخرطوم إلى عاصمة حضارية وجاذبة. وأضاف المصدر أن برنامج التوعية بالسكن في الشقق ودوره في تقليل تكلفة السكن، سيتولاه فريق من اتحاد مراكز الخدمات الصحافية، الذي يضم جميع وسائل الإعلام المحلية، مما سيوسع قاعدة انتشار الحملات الإعلامية للسكن الرأسي.
تغير ثقافة المواطن السوداني من السكن التقليدي (الحوش) إلى مساحات صغيرة مغلقة لا تطل على الشارع أو الجيران، ليس أمرا هينا. وبين أن خطوة الصندوق الحالية للاعتماد على السكن الرأسي مهمة لأنها تزيل كثيرا من المفاهيم المغلوطة عن السكن في الشقق السكنية.
يذكر أن الصندوق القومي للإسكان عام 2018 بدأ بالتعاون مع شركة هيتكو البريطانية للاستثمار، لتنفيذ مشروع الإسكان الفئوي الرأسي، الذي يستهدف بناء 50 ألف وحدة سكنية بالعاصمة الخرطوم، وكذلك مشروع لبناء أكبر مسجد في السودان، بمساحة 5 كيلومترات، وبناء 3 آلاف شقة ومحلات تجارية.