انتعاش عقاري في برلين على وقع السياسة والاقتصاد.. ومخاوف من «نقطة الإذعان»

الشركات تهرول للحصول على مقرات.. وتدفق اللاجئين يرفع سعر الإيجارات

منظر عام للعاصمة الألمانية برلين
منظر عام للعاصمة الألمانية برلين
TT

انتعاش عقاري في برلين على وقع السياسة والاقتصاد.. ومخاوف من «نقطة الإذعان»

منظر عام للعاصمة الألمانية برلين
منظر عام للعاصمة الألمانية برلين

تمتاز العاصمة الألمانية برلين بكونها من المدن القليلة حول العالم التي لا تعرف إلى حد كبير مظاهر الطبقية في العقارات، ورغم وجود كم جيد من العقارات الفاخرة، فإن السائد منذ توحيد شطري ألمانيا أن أغلب الألمان استقروا على مبدأ مفاده «توفير السكن الجيد والإيجار المعقول للجميع من دون تفرقة».. ومنذ سنوات انتعشت السوق العقارية الألمانية على وجه العموم، لكن برلين احتلت الصدارة بشكل كبير، ليشهد العام الماضي وحده ارتفاعا في أسعار إيجارات المنازل يفوق نحو 10 في المائة مقارنة بعام 2013.
وخلال السنوات الأخيرة، تحتل برلين دائما مركزا متقدما في استطلاعات آراء الخبراء حول أبرز المدن الأوروبية من حيث الاستثمار العقاري بكافة درجاته. وبينما يمثل المستأجرون نحو 80 في المائة من السكان، يزداد التدفق على العاصمة الألمانية سنويا بشكل كبير قدره بعض الخبراء بنحو 40 ألف ساكن جديد سنويا، لدرجة أن البعض يرى أن المشروعات السكنية والإدارية المستقبلية ستكون أقل كثيرا من الطلب على المساكن في غضون عشر سنوات فقط.
وارتفع الطلب التجاري على العقارات من أجل تحويلها إلى مكاتب إدارية لعدد كبير من الشركات خلال الأعوام الخمسة الماضية، وذلك نظرا للرؤية المستقبلية التي تحظى بها المدينة في كونها ستصبح أحد أهم المراكز التجارية في العالم بعد وقت قصير. وتشير تقارير متخصصة إلى أن أغلب الطلبات في هذا الصدد كانت من شركات تعمل في مجالات التقنية والإلكترونيات.
وإضافة إلى خروج ألمانيا من دائرة الأزمة المالية العالمية بسلام، وتأكيد ذلك لكونها أحد عمالقة الاقتصاد أوروبيا وعالميا، فإن تدفق اللاجئين على أوروبا ونظرتهم إلى برلين على أنها «الوجهة الأكثر أمنا» لإنهاء أزمتهم، خلقت حالة من الحراك الإيجابي في سوق العقارات.. حيث سعت الحكومة الألمانية إلى توفير مأوى للاجئين، مما رفع أسعار الإيجارات بدوره نظرا لمحدودية المعروض من العقارات.
وفي نظرة إلى الخلف نحو تاريخ السوق العقارية في ألمانيا، نجد أن هذا القطاع شهد كبوة كبرى عقب سقوط «جدار برلين» عام 1989 وتوحيد شطري ألمانيا في العام التالي. حيث تدافع المستثمرون العقاريون في حماس كبير لتنفيذ الكثير من المشروعات على أمل أن السوق ستشهد «طفرة كبرى» بعد التوحيد.. لكن العرض فاق الطلب كثيرا نظرا لمحدودية الثقة في استقرار الأوضاع السياسية، مما أدى إلى حالة ركود كبرى في القطاع العقاري، وانخفاض رهيب في الأسعار مصاحب بـ«خيبة أمل» كبرى للعاملين في هذا القطاع.
لكن الأزمة الاقتصادية العالمية صاحبها تغير مشرق في الأوضاع بالنسبة لبرلين، حيث أدت الأزمة الدولية الخانقة إلى انتقال الكثير من الشركات إلى العاصمة الألمانية، التي كانت أسعارها أقل كثيرا من نظيرتها في دول أوروبا الغربية الغنية منذ عام 2009، مما أدى إلى رواج متدرج وصل إلى حد غير مسبوق، لتتحول برلين إلى منافس عقاري قوي لعواصم ومدن على غرار لندن وباريس وبرشلونة.
وارتفعت معدلات الإيجار في برلين خلال الأعوام الخمسة الماضية بشكل كبير. وبينما ارتفعت أسعار الشقق السكنية بنسبة نحو 75 في المائة مقارنة بعام 2009، زادت أسعار الإيجارات للأغراض التجارية بنحو 150 في المائة عن ذات الفترة، لتصل بحسب شركات عقارية متخصصة إلى ما يوازي 15 دولارا للمتر المربع الواحد، ويتوقع زيادة تلك المعدلات بنحو كبير خلال العام المقبل نظرا لزيادة الطلب عن العرض بشكل لافت.
وبحسب تقارير أوروبية، فإن المشروعات العقارية التي يتوقع أن يتم الانتهاء منها خلال العام المقبل تصل إلى نحو 200 ألف متر مربع من المساحات القابلة للإشغال، وهي نسبة تفوق متوسط البناء خلال الأعوام السابقة بنحو 25 ألف متر مربع كاملة.. لكن رغم ذلك، تظل طلبات الشركات العالمية الكبرى، وحتى شركات قطاع التقنية المتوسطة، سواء من حيث تأسيس مقرات في برلين أو توسيع مقراتها القائمة حاليا، أعلى من المتاح أو المتوقع، مما سيسفر حتميا عن ارتفاع في الأسعار.
لكن خبراء في الاقتصاد استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم أبدوا مخاوف من أن ذلك الارتفاع في الأسعار في العاصمة الألمانية قد يصل إلى «منطقة الإذعان»، وهي النقطة التي يصبح عندها العائد الاستثماري أقل من المرجو من جهة المستثمر نتيجة زيادة المصروفات، ومن بينها بطبيعة الحال الإيجارات، أو حتى الأجور التي سيطالب الموظفون برفعها بدورها تبعا لزيادة الإيجارات السكنية.. ويرى الخبراء أن الحل يكمن في زيادة المشروعات السكنية والإدارية والتوسع في الإنشاءات، وهي الخطط التي قد يواجهها عقبات تتمثل في عدم وجود أراض جديدة بصورة كبيرة بداخل الحزام العمراني لبرلين، ومعارضة الكثير من الألمان للتعدي على النطاقات الخضراء خارج المدينة أو داخلها.
وإلى جانب مساكن الطبقة المتوسطة، والتي تمثل مقصد نحو 80 في المائة من قاطني العاصمة، وأغلبها يخضع لنظام الإيجار.. تحتوي برلين على الكثير من المشروعات السكنية الفاخرة التي تصل أسعار المتر المربع في بعضها إلى ما يفوق 25 ألف دولار.
لكن الأوضاع في برلين لم تعد تقتصر على البحث أو الحفاظ على المسكن، وبخاصة بعد تدفق اللاجئين. ورغم إبداء عدد كبير من الألمان ترحيبهم بإيواء اللاجئين في بداية الأمر، مقارنة بدول أوروبية أخرى ترفض ذلك الاتجاه، إلا أن استطلاعا أخيرا للرأي نشرته شبكة «إي آر ديه» الإعلامية الحكومية أظهر أن هناك تخوفات لدى غالبية الألمان من تبعات ذلك الأمر، سواء على المستوى الاقتصادي، أو الأمني.
ويرى عدد من الألمان، وخصوصا من سكان العاصمة برلين أن شكل المدينة اختلف كثيرا خلال الأعوام القليلة الماضية.. وبعد أن كانت برلين مدينة تعتز كثيرا بشخصيتها وخصوصيتها، ويظهر فيها على سبيل المثال وبشكل كبير النزعة في إعلاء شأن اللغة الألمانية دون غيرها في التعامل اليومي في الشوارع والمصالح العامة، صار التعامل بلغات مثل الإنجليزية أو التركية دارجا في كثير من المحال والشوارع والمتاجر نتيجة ما تشهده المدينة من «غزو» خارجي من آلاف المهاجرين المنتقلين إليها سنويا من شتى بقاع الأرض.
ويقول هانز شميدت، وهو مهندس في قطاع البترول يعمل بين القاهرة وبرلين، لـ«الشرق الأوسط» ضاحكا: «برلين أصبحت مدينة كوزموبوليتانية (عالمية الطباع) بعد طول مقاومة، وهذا الأمر لم يعد يزعجنا كثيرا كألمان. ولماذا لا يتغير حال العاصمة وكل شيء في ألمانيا يتغير؟ انظر إلى فريق منتخب ألمانيا في كرة القدم، لن تجد إلا ربما لاعبًا أو اثنين فقط من أجداد ألمان الأصل! وهو أمر كان من المحال تخيل مجرد حدوثه قبل عشرين عاما».



السعودية: توقع «طفرة سكنية» يصحبها تراجع جديد في أسعار العقارات

تمكنت وزارة الإسكان من تلبية مطالب مختلف الفئات بإنتاج وحدات سكنية جاهزة
تمكنت وزارة الإسكان من تلبية مطالب مختلف الفئات بإنتاج وحدات سكنية جاهزة
TT

السعودية: توقع «طفرة سكنية» يصحبها تراجع جديد في أسعار العقارات

تمكنت وزارة الإسكان من تلبية مطالب مختلف الفئات بإنتاج وحدات سكنية جاهزة
تمكنت وزارة الإسكان من تلبية مطالب مختلف الفئات بإنتاج وحدات سكنية جاهزة

بعد سلسلة من المتغيرات التي شهدها قطاع الإسكان السعودي، يتجه القطاع إلى التوازن مع انخفاض التضخم الحاصل في الأسعار بمختلف فروع القطاع العقاري، وسط مبادرات سعت إليها وزارة الإسكان السعودية؛ الأمر الذي قلص الفجوة بين العرض والطلب خلال السنوات الماضية، حيث حققت الوزارة القيمة المضافة من خلال تلك المبادرات في رفع نسب التملك بالبلاد.
وتوقع مختصان أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من النجاح الحكومي في مجال الإسكان، مشيرين إلى أن المواطن سيجني ثمار ذلك على مستوى الأسعار وتوافر المنتجات، التي تلبي مطالب جميع الفئات. ويمثل هذا النجاح امتداداً لإنجازات الحكومة، في طريق حل مشكلة الإسكان، عبر تنويع المنتجات العقارية وإتاحتها في جميع المناطق، مع توفير الحلول التمويلية الميسرة، والاستفادة بالشراكة مع القطاع الخاص.
وأشار المختصان إلى أن أداء الحكومة، ممثلة في وزارة الإسكان، كان وراء خفض أسعار المساكن بشكل كبير، وذلك بعد أن وفرت للمواطنين منتجات عقارية متنوعة تلبي أذواق جميع المستفيدين من برامج الدعم السكني. وقال الخبير العقاري خالد المبيض إن «وزارة الإسكان تمكنت من إيجاد حلول عقارية ناجعة ومتنوعة، أدت إلى تراجع الأسعار بنسب تشجع جميع المواطنين بمختلف مستوياتهم المادية، على تملك العقارات»، مضيفاً أن «الفترة المقبلة ستشهد مزيداً من النجاح في هذا الجانب».
وتابع: «أتذكر أن أول مشروع تسلمته وزارة الإسكان، كان يتعلق ببناء 500 ألف وحدة سكنية، بقيمة 250 مليار ريال (133.3 مليار دولار)، ما يعني أن قيمة الوحدة السكنية 500 ألف ريال (133.3 ألف دولار). أما اليوم، فقد تمكنت الوزارة من إيجاد وحدات جاهزة بقيمة تصل إلى نصف هذا المبلغ وهو 250 ألف ريال (66.6 ألف دولار)»، لافتاً إلى أن «الفرد يستطيع الحصول على هذه الوحدات بالتقسيط، مما يؤكد حرص البلاد على إيجاد مساكن لجميع فئات المجتمع السعودي».
وأضاف المبيض: «تفاوت أسعار المنتجات العقارية يمثل استراتيجية اتبعتها الوزارة في السنوات الأخيرة، ونجحت فيها بشكل كبير جداً». وقال: «أثمرت هذه السياسة زيادة إقبال محدودي الدخل على تملك المساكن، بجانب متوسطي وميسوري الدخل الذين يقبلون على تملك مساكن ومنازل وفيلات تناسب قدراتهم المادية، وهذا يُحسب لوزارة الإسكان ويمهد لإنهاء مشكلة السكن التي لطالما أرقت المجتمع في سنوات ماضية».
وتوقع الخبير العقاري أن تشهد المرحلة المقبلة طفرة في قطاع الإسكان. وقال: «يجب أن نضع في الاعتبار أن منتجات الوزارة التي تعلن عنها تباعاً، تحظى بإقبال الأفراد كافة، لا سيما أنها تراعي خصوصية الأسرة السعودية، كما أنها تلبي احتياجاتها في الشكل والمساحات».
وأضاف: «تمكنت الوزارة من تلبية مطالب مختلف الفئات بإنتاج وحدات سكنية جاهزة، ومنازل مستقلة، وفيلات، ومنح أراضٍ وقروض لمن يرغبون في البناء بأنفسهم». وتابع «كل هذه الخيارات وفرتها الوزارة في صورة مبادرات متعددة، موجودة في برنامج (سكني)، وروجت لها بشكل جيد، ووصلت بها إلى المواطنين».
من جانبه، رأى المحلل الاقتصادي علي الجعفري أن شراكة الوزارة مع شركات العقار السعودية تمثل خطوة استراتيجية تُحسب للحكومة في السنوات الأخيرة. وقال: «إحقاقاً للحق؛ أضاعت الوزارة عقب تأسيسها، بعض الوقت والجهد للبحث عن آليات تمكنها من بناء 500 ألف وحدة سكنية، لكنها عوضت ذلك بالشراكة مع القطاع الخاص».
وأضاف الجعفري: «الوزارة في بداية عهدها لم تتعاون مع شركات التطوير العقاري السعودية لتنفيذ مشاريع السكن، ولو أنها سارعت بهذا التعاون، لكان لدينا اليوم عدد كبير من المنتجات العقارية التي تساهم في حل مشكلة السكن».
واستطرد: «الوزارة تداركت في السنوات الأخيرة هذا الأمر، واعتمدت على شركات التطوير السعودية، التي أصبحت بمثابة الذراع التنفيذية لتصورات الحكومة وتوجهاتها لحل مشكلة السكن»، مضيفاً: «اليوم الوزارة ترتكن إلى حزمة من المبادرات النوعية، التي وفرت كثيراً من التنوع في المنتجات العقارية، وهو ما أشاع جواً من التفاؤل بإمكانية حل مشكلة السكن في المملكة في وقت وجيز».
وأكد الجعفري ثقته باستمرار نجاح البلاد في إدارة ملف الإسكان. وقال: «أنا واثق بأن مؤشرات السكن اليوم أفضل بكثير منها قبل 8 سنوات مضت، بعد طرح الوزارة آلاف المنتجات العقارية وتسليمها إلى مستحقيها، بل ودخول عدد كبير منها إلى حيز الاستخدام».
وختم الجعفري: «نجاحات وزارة الإسكان تحقق مستهدفات (رؤية المملكة 2030)، خصوصاً فيما يتعلق بالوصول إلى نسبة تمليك بين المواطنين تصل إلى 70 في المائة» على حد وصفه.
وكانت «مؤسسة النقد السعودي (ساما)» أشارت إلى أن عقود التمويل العقاري السكني الجديدة للأفراد واصلت صعودها لشهر يناير (كانون الثاني) الماضي، مسجلة أعلى معدلات إقراض في تاريخ البنوك السعودية من حيث عدد العقود ومبالغ التمويل بنحو 23 ألفاً و668 عقداً مقارنة بنحو 9 آلاف و578 عقداً في يناير 2019، من إجمالي القروض العقارية السكنية المُقدمة من جميع الممولين العقاريين من بنوك وشركات التمويل.
وأوضح التقرير الخاص بـ«ساما» أن النمو في عدد عقود التمويل العقاري السكني وصل لنحو 147 في المائة مقارنة مع يناير 2019، فيما سجل حجم التمويل العقاري السكني الجديد في يناير 2020، نمواً بمقدار 112 في المائة مقارنة بالشهر نفسه من عام 2019، والذي سجل نحو 4.766 مليار ريال (1.270 مليار دولار)، كما سجلت قروض يناير السكنية ارتفاعاً بنسبة اثنين في المائة عن الشهر السابق ديسمبر (كانون الأول) 2019، والذي وصل حجم التمويل خلاله إلى نحو 9.86 مليار ريال (2.6 مليار دولار)، فيما ارتفع عدد العقود بنسبة 1.5 في المائة عن شهر ديسمبر 2019، والذي شهد توقيع نحو 23 ألفاً و324 عقداً.
وأشار التقرير إلى أنه تم إبرام 94 في المائة من قيمة هذه العقود عن طريق البنوك التجارية، بينما أبرمت 6 في المائة منها عن طريق شركات التمويل العقاري، فيما بلغ عدد عقود المنتجات المدعومة من خلال برامج الإسكان في شهر يناير 2020 عن طريق الممولين العقاريين 22 ألفاً و432 عقداً وبقيمة إجمالية بلغت 9.4 مليار ريال (2.5 مليار دولار).