مستثمر ليبي: الثروة العقارية الليبية تفوق احتياطيات عقود من النفط

حسني بي يطرح لـ «الشرق الأوسط» حلولاً للأزمة المالية

مظهر عام للعاصمة الليبية طرابلس (أ.ف.ب)
مظهر عام للعاصمة الليبية طرابلس (أ.ف.ب)
TT

مستثمر ليبي: الثروة العقارية الليبية تفوق احتياطيات عقود من النفط

مظهر عام للعاصمة الليبية طرابلس (أ.ف.ب)
مظهر عام للعاصمة الليبية طرابلس (أ.ف.ب)

وسط الأزمة المتصاعدة في ليبيا، التي أدت إلى تجاوز عجز الموازنة لنحو 9 مليارات دينار (أكثر من 4.5 مليار دولار) خلال الثلاثة أرباع الأولى للعام الحالي، أكد اقتصادي ليبي بارز أن هناك عددًا من الحلول الفورية التي يجب اتبعاها من أجل إنقاذ الاقتصاد الليبي، منها استبدال الدعم السلعي بالنقدي لضمان الوصول لمستحقيه، والقضاء على تهريب الوقود. مشددًا على أن الثروة العقارية الليبية المهملة وحدها تفوق احتياطيات النفط لمدة 55 عاما، حال تخطيطها والبدء في استثمارها.
وأوضح رجل الأعمال الليبي البارز حسني بي، لـ«الشرق الأوسط» أنه يمكن للدولة الليبية خلق 250 مليار دينار ثروة خاصة دون استثمارات مالية من خلال مخططات سكنية وتجارية وصناعية وسياحية في جميع المدن والقرى والواحات الليبية. مشيرًا إلى أن حجم الودائع بالمصارف الليبية التي تبلغ 70 مليار دينار و«مجمدة لأنها لم تُستغل، ولم يتم استثمارها لعدم وجود تخطيط بشكل عام، عمراني وخدمي وعقاري وصناعي».
وتواجه موازنة ليبيا أزمة في عدم تعادل الإيرادات النفطية مع مصروفات الدولة، وهو ما يؤدي إلى عجز في الموازنة بلغ نحو 9 مليارات دينار في التسعة أشهر الأولى من العام الحالي، وذلك نتيجة الاضطرابات السياسية والصراعات المسلحة. وتنتج ليبيا حاليًا أقل من 400 ألف برميل يوميًا من النفط الخام مقابل 1.6 مليون برميل يوميًا قبل الاضطرابات السياسية.
واقترح بي حلولاً فورية أهمها استبدال الدعم السلعي بالنقدي لضمان الوصول لمستحقيه، والقضاء على تهريب الوقود. كما يرى أن الثروة العقارية الليبية أحد الحلول الضرورية، مؤكدًا أنه «بمجرد أن يتم التخطيط، فستخلق ثروة أكثر من ثروة النفط خلال 55 سنة.. وستكون ضمانًا للاستثمار العقاري»، متوقعًا أن يوفر هذا فرص عمل كثيرة «على أن يكون أمام كل ليبي؛ فرصة عمل أيضًا لاثنين من الأجانب».
وأوضح رجل الأعمال الليبي أن «أي اقتصاد في دولة نامية أو في مرحلة نمو يعتمد على الأصول العقارية والتخطيط العمراني والسياحي ومناطق خدمية وسكنية، لأن التنمية العقارية تمثل 60 في المائة من الناتج العام غير النفطي».
وقال بي في اتصال هاتفي من باريس، إنه لا توجد حاليًا مخططات عمرانية نتيجة التخطيط العشوائي الذي استمر لمدة 42 عامًا طوال فترة الحقبة المنقضية، «إذ كان الموظف العام العامل بالدولة هو كل شيء. حيث تضع الدولة الخطة وتنفذها وتراقب عليها». مؤكدًا أن ما حدث في 17 فبراير (شباط) 2011، هو مجرد تغيير لرأس النظام، مع بقاء المنظومة كما هي دون تطوير الفكر أو الأسلوب.
وكشف رجل الأعمال عن أن «جميع المحلات التجارية في طرابلس وبنغازي وباقي المدن الليبية تعتبر غير قانونية بسبب عدم تصنيفها للأغراض التجارية، لأن النظام السابق كان يعتبر التجارة سرقة.. وللأسف اللوائح التنفيذية للقوانين تدعم هذا التوجه». موضحًا أن معظم المصانع يتم وضعها ضمن نطاق الإنشاءات المقامة على أراض زراعية، لمجرد «عدم وجود مخططات، رغم عدم وجود زراعة في ليبيا».
ويعتبر القانون الحالي جميع الأراضي غير المخططة سكنيًا، هي مناطق زراعية. وأشار رجل الأعمال الذي يمتلك سلسلة من المحلات التجارية الغذائية، إلى أهمية تغيير قانون «البيت لساكنه» الذي يعطي الحق للساكن بالإيجار أن يمتلك المنزل بمجرد السكن فيه دون دفع قيمته، وقانون «عدم تملك الأرض».
وعن عدم تغيير تلك القوانين لتتوافق مع المتطلبات الحالية، رأى بي أن «كثيرين من المسؤولين والمنتخبين في السلطات التشريعية والتنفيذية مستفيدين من هذه القوانين السيئة». وأضاف أن «الحلول موجودة وبسيطة إذا ما توافرت الإرادة، أهم شيء أن يقتصر مهام وعمل الدولة على التخطيط وبناء البنية التحتية؛ دون الخوض في بناء العقارات لتترك ذلك للقطاع الخاص، ولنا بالخليج ومصر وتونس والمغرب مثال.. ومن شأن ذلك خلق ثروة بالورقة والقلم».



جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
TT

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه

غالباً ما ينظر النشطاء في مجال الإسكان بالولايات المتحدة الأميركية إلى بناء المباني السكنية الجديدة على أنه هو المشكلة، حيث يتم السماح للمطورين العقاريين ببناء مزيد من المساكن، لا سيما في الأحياء الفقيرة، مما يجعل المستأجرين والجيران في هذه المناطق يخشون من ارتفاع أسعار السوق وزيادة تكلفة الإيجارات عليهم، في حين يميل الاقتصاديون، من ناحية أخرى، إلى رؤية المباني الجديدة بوصفها الحل وليست المشكلة، حيث يقولون إن الطريقة الوحيدة لتخفيف النقص في عدد الشقق، الذي بدوره يؤدي إلى رفع الإيجارات، هي بناء مزيد من المساكن، فهم يؤكدون أن بناء ما يكفي من المساكن سيؤدي لانخفاض الإيجارات بشكل عام.
وتعدّ الإشكالية بين هذين الرأيين أساس حالة الجدل المثارة حول البناء الفردي والمعارك الأوسع حول كيفية تخفيف أزمة الإسكان في الولايات المتحدة. وحتى وقت قريب، لم تكن هناك أي بيانات تقريباً على نطاق الأحياء لحل هذه الأزمة، ويبدو أن كلا الرأيين صحيح في الوقت نفسه، فالمساكن الجديدة قد تساعد في خفض الإيجارات في مناطق المترو على سبيل المثال وذلك حتى في الوقت الذي قد يعني فيه ذلك زيادة الطلب على هذه المناطق مما يزيد من قيمة الإيجارات فيها.
وتقدم دراسات جديدة عدة أخيراً بعض الأدلة المشجعة، إن لم تكن كاملة، حيث نظر الباحثون في جامعة نيويورك و«معهد آب جون»، وجامعة مينيسوتا، إلى ما يحدث بشكل مباشر مع بناء المساكن الجديدة، واسعة النطاق، والتي تُباع بسعر السوق (دون قيود على قيمة الإيجار)، حيث تشير دراسات عدة بالفعل إلى أن المناطق التي تبني مزيداً من المساكن تكون أسعارها معقولة، وتتساءل هذه الدراسات الحديثة عما إذا كان هذا النمط يظل ثابتاً عند النظر إلى بناء المساكن الفردية وليس المجمعات السكنية الكبيرة.
وتشير النتائج، مجتمعة، إلى أن المساكن الجديدة يمكن أن تخفف من حدة ارتفاع الإيجارات في المباني الأخرى القريبة، لكن جاء رأي هذه النتائج مختلطاً حول ما إذا كان المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض يستفيدون بشكل مباشر من المباني الجديدة أيضاً.
وتمثل أنواع المباني التي تصفها هذه الدراسات، والتي تخضع لسعر السوق وتتكون من 50 وحدة سكنية أو أكثر، غالبية المباني الجديدة الآن، كما تستهدف الغالبية العظمى من الشقق الجديدة اليوم المستأجرين من ذوي الدخل المرتفع، حيث يبلغ متوسط الإيجار لوحدة جديدة الآن 1620 دولاراً أميركياً في الشهر، أي أعلى بنسبة 78 في المائة من متوسط الإيجار على مستوى البلاد، وذلك وفقاً لـ«مركز هارفارد المشترك للدراسات الإسكانية»، (كما أن الهوة بين هذه الأرقام آخذة في الاتساع)، وتميل هذه المباني أيضاً إلى أن تكون الأكثر ظهوراً في المعارك المتعلقة بالإسكان في مختلف الأحياء الأميركية.
وتقول الزميلة في «مركز فورمان» بجامعة نيويورك، والتي درست تأثير المباني الجديدة في نيويورك، شياودي لي: «المستأجرون لا يحبون فكرة بناء المباني الشاهقة الجديدة، وذلك لأنهم يجدون هناك ارتفاعاً أيضاً في قيمة الإيجارات لديهم».
وقد يفترض الجيران أن المباني الجديدة تتسبب في ارتفاع الإيجارات، وهذا أمر مبرر إذا كانت المباني الجديدة تجذب كثيراً من السكان الأكثر ثراءً، والذين بدورهم يجذبون وسائل الراحة الراقية التي تجعل الحي مرغوباً فيه بشكل أكبر.
وتضيف لي: «السؤال الرئيسي هنا هو: ما التأثير الحقيقي لبناء هذه المباني؟». وقد وجدت لي أن المباني الجديدة في نيويورك تجذب مزيداً من المطاعم والمقاهي في المناطق المجاورة، لكنها خلصت إلى أن أي تأثير قد يؤدي لرفع الإيجارات في المناطق المجاورة لهذه المرافق، سيتم وقفه بسبب زيادة المعروض من المباني، وهو الأمر الذي يؤدي لخفض الإيجارات، كما وجدت أنه مقابل كل زيادة بنسبة 10 في المائة في المعروض من المساكن، فإن إيجارات العقارات التي تقع على مسافة 500 قدم تنخفض بنسبة واحد في المائة، وذلك مقارنة بالمناطق الأخرى التي يرتفع فيها الطلب.
ولكن يبدو أن هذه الفوائد ستذهب للمستأجرين في المباني الراقية والمتوسطة القريبة، حيث يفترض أن مالكي العقارات يرون منافسة جديدة في الجوار مما يدفعهم لتعديل قيمة إيجارات مساكنهم بما يتناسب مع هذه المنافسة، لكن «لي» وجدت أن المباني الجديدة ليس لها أي تأثير على إيجار العقارات التي تقع على بُعد أكثر من 500 قدم، وأنها لا تؤثر أيضاً على إيجارات الوحدات منخفضة التكلفة القريبة، وذلك لأنه ربما لا يرى ملاك هذه الوحدات الأبراج الفاخرة الجديدة على أنها منافسة لهم بشكل مباشر.
وفي دراسة منفصلة، وجد براين أسكويث وإيفان ماست من «معهد آب جون»، وديفين ريد في «بنك فيلادلفيا الفيدرالي»، مجموعة مماثلة من النتائج في 11 مدينة رئيسية، بما في ذلك أتلانتا وأوستن وشيكاغو ودنفر، وشملت الدراسة المباني الجديدة التي تضم 50 وحدة على الأقل والتي تم بناؤها في أحياء يقطنها ذوو الدخل المنخفض في وسط المدينة، ويقدر هؤلاء الباحثون أن هذه المباني الجديدة تؤدي لخفض الإيجارات بنسبة بين 5 و7 في المائة في المناطق المجاورة بشكل مباشر، وذلك مقارنة بقيمة الإيجارات المتوقعة في حال لم يكن قد تم بناء هذه المباني الجديدة.
ولكن لا تعني الدراسة أن الإيجارات تنخفض بالفعل، إلا إنها تشير، بدلاً من ذلك، إلى أن المباني الجديدة تبطئ وتيرة زيادة الإيجارات في أنواع الأحياء التي يصفها المطورون العقاريون بأنها مرتفعة بالفعل، حيث إنه بحلول الوقت الذي يصل فيه هؤلاء المطورون إلى حي ما، خصوصاً مع وجود خطط لمشاريع كبيرة الحجم، فإنه من المرجح أن ترتفع الإيجارات بشكل سريع.
وعن تفسيره النتائج التي توصل إليها في اجتماع عام بشأن الرؤية السابقة، يقول ماست: «الأثرياء يتطلعون بالفعل إلى الانتقال إلى حي ما، ولذلك فإنه يمكننا بناء ذلك المبنى الذي يمنحهم شكل الوحدة التي يريدون أن يعيشوا فيها، وفي حال لم نفعل ذلك، فإنهم سيقومون بشراء وحدة في مكان قريب ثم سيقومون بتجديدها».
وقد يكون هذا الرأي غير مريح بالنسبة للمقيمين في الأحياء منذ فترة طويلة، خصوصاً أولئك الذين يشعرون بالقلق من التغيرات التي تحدث في أحيائهم والتي تتجاوز فكرة قيمة الإيجارات فقط، لكنه يمثل رداً على نقطة واحدة على الأقل فيما يخص الجدل المثار حول بناء المباني السكنية الجديدة.
ويقول الأستاذ في جامعة نيويورك، إنغريد غولد إيلين: «هذه النتائج تشير ببساطة إلى أن بناء مزيد من المساكن في أحد الأحياء لن يؤدي إلى تفاقم أعباء الإيجار المرتفعة، ولكنه قد يساعد في التخفيف من حدتها».
ويأتي أحد التحذيرات في الأبحاث التي أجراها أنتوني داميانو وكريس فرينير، اللذان يدرسان للحصول على الدكتوراه في جامعة مينيسوتا، حيث قاما بدراسة المباني الجديدة واسعة النطاق التي بنيت في مينابولس، وقد وجدوا أن بناء المساكن الجديدة قد ساعد في تخفيف حدة ارتفاع قيمة الإيجارات للوحدات الراقية القريبة، لكنهم خلصوا إلى أنه في الثلث الأسفل من السوق يكون للمباني الجديدة تأثير معاكس، حيث ترتفع قيمة الإيجار بشكل سريع.
ومن الممكن في بعض السياقات أن يتسبب بناء الشقق الجديدة، التي تباع وفقاً لسعر السوق، في قيام ملاك العقارات في المناطق القريبة بكبح جماح قيمة إيجار شققهم، لكنه قد يتسبب أيضاً في رؤية مجموعة أخرى من الملاك أن قيمة إيجاراتهم تعد قليلة مقارنة بالأسعار الجديدة، ومن المحتمل أن يشعر المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض بالغضب من المساكن الجديدة في البداية، وذلك حتى لو كانوا سيستفيدون منها على المدى الطويل، وذلك لأنه مع تقدم عُمر هذه المباني الجديدة، فإن أسعارها تصبح في المتناول.
وبشكل عام، فإن هناك أدلة في هذه الدراسات كافة على أن العرض والطلب يعملان على النحو الذي يتوقعه الاقتصاديون، وذلك حتى على نطاق الحي الواحد، ولكن هناك أيضاً أدلة على تحقيق مخاوف المستأجرين الأكثر فقراً.
ويقول داميانو: «هؤلاء هم الأشخاص الذين مروا بعدد كبير من التجديدات الحضرية، وإنشاء الطرق السريعة، والاستثمار العام في الإسكان، وإخفاقات التخطيط الأوسع والمؤسسات الحكومية على مرّ الأجيال، وأعتقد أن الخوف من مجرد جملة (مبنى جديد) هو خوف حقيقي ومبرر، والأمر متروك للمخططين وصانعي السياسات للنظر إلى تلك المخاوف بشكل جيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»