عبد الله فؤاد.. الرجل العصامي

عبد الله فؤاد
عبد الله فؤاد
TT

عبد الله فؤاد.. الرجل العصامي

عبد الله فؤاد
عبد الله فؤاد

خسر القطاع الاقتصادي السعودي، رجل الأعمال البارز، عبد الله فؤاد، الذي رحل فجر أمس عن 90 عامًا، مثّلت نموذجًا للجهد والمثابرة، وقصة ملهمة للنجاح. فعبد الله فؤاد لم يبخل على الشباب في قطاع الأعمال وفي الجامعات بسرد تجربته مرارًا وتكرارًا، وهو يتوقف أمام أشد المحطات صعوبة، وأكثرها قسوة في حياته، جاعلاً من نضاله وسيرته الشخصية والعملية كتابًا مفتوحًا يمكنه أن يلهم الشباب سبيل الوصول إلى تحقيق أهدافهم. وكانت الأيقونة الأبرز في سيرة عبد الله فؤاد هي «عصاميته»، واعتماده الشديد على نفسه وعلى صبره وكفاحه لتحقيق النجاح.
وُلد عبد الله فؤاد، واسمه عبد الله بن عبد العزيز بوبشيت في العام 22 يوليو (تموز) 1925، في بيت جده بالدمام (شرق السعودية)، وهي في ذلك الوقت مجرد تجمع سكاني لا يزيد عن 200 بيت، وصادف مولده حادثة «الطبعة»، حيث ضربت البحارة الخليجيين عواصف أدت إلى غرق مراكبهم فـ«فطبع» أكثر من ثلثي سفن الصيد والغوص وتقطعت السبل بمن نجا، وجرفت الأمواج بعض الناجين، وكما نشرت الكارثة الحزن في طول ساحل الخليج، أدت كذلك إلى كساد اقتصادي، ظلّ جاثمًا لفترة طويلة.
وخلال ندوة كان يحكي خلالها تجربته، ظلّت الحادثة راسخة في ذاكرة عبد الله فؤاد، فقد قال: «لا أعرف هل كان ذلك من حسن الحظ أم من سوئه، فقد ينظر إليه البعض أنه من سوء الطالع، لأنه جاء في ظروف صعبة، يقاسي فيها الناس العذاب والشتات، ولا يستطيع الأهل أن يوفروا لي الراحة والأمان، ولكنها نظرة متفائلة، كأن القدر أراد أن يعودني على الأهوال منذ مولدي».
شهد طلاق والديه قبل أن يكمل ثلاث سنوات من عمره، وانتقل للعيش في بيت جده لأمه يوسف بن خالد أبو بشيت في قرية الجسرة القريبة من البديع في البحرين، وفي سن السادسة من العمر تلقى تعليمه الأول على يد «مطوع» حيث تعلم القرآن الكريم، وفي أوائل العام 1943، وكان عمره وقتها تسع سنوات، تزوجت والدته من عبد الله بن جاسم أبو بشيت الملقب بعبد الله فؤاد، فانتقل للسكن معهما، وكان زوج والدته أكثر الشخصيات تأثيرًا في حياته، وظلّ يحمل اسمه (عبد الله فؤاد) حتى وفاته. وفي مقتبل عمره عمل لأربعة أشهر خادمًا لدى عائلة أميركية مكونة من زوج وزوجة، وكان ذلك نظير تعليمهما إياه اللغة الإنجليزية.
أما بدايته العملية، فكانت أكثر بساطة، حيث عمل في شركة أرامكو التي كانت للتو قد انطلقت في شرق السعودية، في وظيفة «مراسل»، لكنه تعرض للفصل بعد وقت قليل من عمله في الشركة لخطأ فني يتسم بالظرافة ارتكبه وقتها. وكان ذلك في سبتمبر (أيلول) 1939 في ظل أجواء الحرب العالمية الأولى، وقد كانت الشركة قد وزعت منشورات لموظفيها للتحذير عند سماع صوت صافرات الإنذار، وتحدد لهم أماكن الاختباء، حين سماع صوت الصافرة، لكن عبد الله فؤاد الذي كان وقتها يعمل في وظيفة مأمور هاتف، غلبه التعب فنام تاركًا ذراعه تستند على صافرة الإنذار، حتى انطلق دويها في كل أرجاء المكان، مما أحدث ذعرًا في المكان، أدى لفصله من الشركة، وبسبب فصله عاد إلى البحرين، حيث التحق بوالده هناك وعمل لبعض الوقت.
وفي العام 1944 توفي عمه عبد الله فؤاد، فعاد إلى الخبر للبقاء مع والدته، وبعد وفاة عمه، سمته والدته عبد الله فؤاد وفاء منها لزوجها الراحل.
المشروع الأول، في حياة عبد الله فؤاد، الذي يعتبره مشوار الألف ميل، فقد انطلق في منتصف عام 1947. وكان عبارة عن مقاولة غسيل سيارات تابعة لشركة أرامكو في منطقة رحيمة. وفي العام نفسه ومن أرباح المقاولة اقتنى أول سيارة جديدة (فورد). وتوالت من بعدها المشاريع مع أرامكو حتى حصل على عقود أعمال التابلاين. وفي منتصف عام 1948 استقال من أرامكو.
وفي أواخر عام 1950 افتتح مكتبا للترجمة في الدمام، وكانت بواكير عمله القيام بترجمة مقتطفات من بعض الصحف والمراسلات والعقود لصالح شركة أرامكو. وفي العام 1954 حصل على مقاولة صغيرة من شركة أميركية تنفذ أعمالاً في مطار الظهران، ونفذ هذا المشروع بشراكة مع الأخوين عبد العزيز وسعد المعجل. وفي عام 1955 فاز بمقاولة للمؤسسة العامة للخطوط الحديدية بمساعدة شركة إيطالية بقيمة تبلغ 35 ألف ريال للبرج الواحد، وحقق من المشروع وملحقاته ربحًا بلغ 50 ألفا. وفي عام 1960 حصل على مقاولة لبناء ثلاث مدارس في الخبر، الدمام، ورحيمة لصالح أرامكو.
المشروع الأبرز كان تأسيسه بالشراكة مع الراحل علي التميمي مشروعا مشتركا عرف باسم (تميمي وفؤاد)، وهي شراكة امتدت ما يزيد على 24 عامًا. وتنوعت استثمارات هذه الشركة بين شراء العقارات والدخول في مجالات جديدة مثل الاستثمار في أسهم البنوك، كما أسسا شركات ومصانع وفنادق وحصلا على وكالات عالمية كبرى، وكان متوسط العمال لديها يفوق السبعة آلاف فرد ينتمون إلى 22 بلدًا من مختلف أنحاء العالم.
وبعد فترة قصيرة من تأسيس شركة التميمي وفؤاد للأطعمة «قلوبال»، في عام 1979 افتتحا أول سوبر ماركت في الخبر، وهي فكرة جديدة في إنشاء الأسواق المركزية الحديثة، ثم افتتحا سوبر ماركت آخر في الدمام إضافة إلى ثلاثة أخرى في الرياض واثنين في جدة. وساهم التميمي وفؤاد في تأسيس بنك إنفستكورب.
في 28-8-1971 قام منفردًا بتأسيس مؤسسة فؤاد عبد الله فؤاد (فافكو)، وعملت هذه الشركة في بدايتها في مجال المقاولات، حيث نفذت مشروعات ضخمة لصالح أرامكو وعددًا من الشركات السعودية الكبرى، كما نفذت لاحقًا مبنى مستشفى عبد الله فؤاد والمقر الرئيسي للمجموعة وعددًا من المصانع والمجمعات السكنية، إضافة إلى المؤسسة الأم «عبد الله فؤاد»، وفي المقابل توسعت ونمت أنشطتها التي تحولت إلى مجموعة شركات تحت اسم «مجموعة شركات عبد الله فؤاد».
وفي مجال الاستثمارات المشتركة، أسست مع عبد الله محمد النعيمي شركة الصناعات الوطنية، التي قامت بإمداد شركات متعددة كأرامكو السعودية، بترومين، والإسمنت السعودي البحريني. كما أسس كذلك مع عبد الله بوسبيت شركة «فابكو» التي تصنع الورق وأنابيب البلاستيك.
وفي عام 1980 افتتح مستشفى عبد الله فؤاد في الدمام الذي ضم 310 أسرة، وتم إطلاق اسم عبد الله فؤاد على الحي الذي يقع فيه المستشفى وهو أحد أكبر الأحياء في الدمام.
ولم تكن مسيرة عبد الله فؤاد معبدة بالنجاح دائمًا، فقد تعرض أواخر عام 1981 لخسارة قدرت بنحو 800 مليون ريال، حيث أدى الكساد الذي تعرضت الأسواق العالمية لركود اقتصادي دفع البنوك الأجنبية في البحرين إلى مطالبة رجال الأعمال بتسديد ما عليهم من قروض، وشمل ذلك الإجراء رجال الأعمال في السعودية ودول الخليج العربية حينها، كان حجم المبالغ والتسهيلات التي نالها عبد الله فؤاد تفوق 800 مليون ريال.



 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
TT

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)

رفعت وكالة التصنيفات الائتمانية «موديز» تصنيفها للسعودية بالعملتين المحلية والأجنبية عند «إيه إيه 3» (Aa3) من «إيه 1» مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، وذلك نظراً لتقدم المملكة المستمر في التنويع الاقتصادي والنمو المتصاعد لقطاعها غير النفطي.

هذا التصنيف الذي يعني أن الدولة ذات جودة عالية ومخاطر ائتمانية منخفضة للغاية، هو رابع أعلى تصنيف لـ«موديز»، ويتجاوز تصنيفات وكالتي «فيتش» و«ستاندرد آند بورز».

وقالت «موديز» في تقريرها إن رفعها لتصنيف المملكة الائتماني، مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، يأتي نتيجة لتقدمها المستمر في التنوع الاقتصادي، والنمو المتصاعد للقطاع غير النفطي في المملكة، والذي، مع مرور الوقت، سيقلل ارتباط تطورات سوق النفط باقتصادها وماليتها العامة.

ترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته

وأشادت «موديز» بالتخطيط المالي الذي اتخذته الحكومة السعودية في إطار الحيّز المالي، والتزامها بترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته، بالإضافة إلى الجهود المستمرة التي تبذلها ومواصلتها استثمار المـوارد الماليـة المتاحـة لتنويـع القاعـدة الاقتصاديـة عـن طريـق الإنفـاق التحولي؛ مما يدعم التنمية المستدامة للاقتصاد غير النفطي في المملكة، والحفاظ على مركز مالي قوي.

وقالت «موديز» إن عملية «إعادة معايرة وإعادة ترتيب أولويات مشاريع التنويع -التي ستتم مراجعتها بشكل دوري- ستوفر بيئة أكثر ملاءمة للتنمية المستدامة للاقتصاد غير الهيدروكربوني في المملكة، وتساعد في الحفاظ على القوة النسبية لموازنة الدولة»، مشيرة إلى أن الاستثمارات والاستهلاك الخاص يدعمان النمو في القطاع الخاص غير النفطي، ومتوقعةً أن تبقى النفقات الاستثمارية والاستثمارات المحلية لـ«صندوق الاستثمارات العامة» مرتفعة نسبياً خلال السنوات المقبلة.

شعار «موديز» خارج المقر الرئيسي للشركة في مانهاتن الولايات المتحدة (رويترز)

وقد وضّحت الوكالة في تقريرها استنادها على هذا التخطيط والالتزام في توقعها لعجز مالي مستقر نسبياً والذي من الممكن أن يصل إلى ما يقرب من 2 - 3 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي.

وسجل الناتج المحلي الإجمالي للمملكة نمواً بمعدل 2.8 في المائة على أساس سنوي في الربع الثالث من العام الحالي، مدعوماً بنمو القطاع غير النفطي الذي نما بواقع 4.2 في المائة، وفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية الصادرة الشهر الماضي.

زخم نمو الاقتصاد غير النفطي

وتوقعت «موديز» أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للقطاع الخاص بالسعودية بنسبة تتراوح بين 4 - 5 في المائة في السنوات المقبلة، والتي تعتبر من بين أعلى المعدلات في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، معتبرةً أنه دلالة على استمرار التقدم في التنوع الاقتصادي الذي سيقلل ارتباط اقتصاد المملكة بتطورات أسواق النفط.

وكان وزير المالية، محمد الجدعان، قال في منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» الشهر الماضي إن القطاع غير النفطي بات يشكل 52 في المائة من الاقتصاد بفضل «رؤية 2030».

وقال وزير الاقتصاد فيصل الإبراهيم إنه «منذ إطلاق رؤية المملكة 2030 نما اقتصادنا غير النفطي بنسبة 20 في المائة، وشهدنا زيادة بنسبة 70 في المائة في الاستثمار الخاص في القطاعات غير النفطية، ومهد ذلك للانفتاح والمشاركات الكثيرة مع الأعمال والشركات والمستثمرين».

وأشارت «موديز» إلى أن التقدم في التنويع الاقتصادي إلى جانب الإصلاحات المالية السابقة كل ذلك أدى إلى وصول «الاقتصاد والمالية الحكومية في السعودية إلى وضع أقوى يسمح لهما بتحمل صدمة كبيرة في أسعار النفط مقارنة بعام 2015».

وتوقعت «موديز» أن يكون نمو الاستهلاك الخاص «قوياً»، حيث يتضمن تصميم العديد من المشاريع الجارية، بما في ذلك تلك الضخمة «مراحل تسويق من شأنها تعزيز القدرة على جانب العرض في قطاع الخدمات، وخاصة في مجالات الضيافة والترفيه والتسلية وتجارة التجزئة والمطاعم».

وبحسب تقرير «موديز»، تشير النظرة المستقبلية «المستقرة» إلى توازن المخاطر المتعلقة بالتصنيف على المستوى العالي، مشيرة إلى أن «المزيد من التقدم في مشاريع التنويع الكبيرة قد يستقطب القطاع الخاص ويُحفّز تطوير القطاعات غير الهيدروكربونية بوتيرة أسرع مما نفترضه حالياً».

النفط

تفترض «موديز» بلوغ متوسط ​​سعر النفط 75 دولاراً للبرميل في 2025، و70 دولاراً في الفترة 2026 - 2027، بانخفاض عن متوسط ​​يبلغ نحو 82 - 83 دولاراً للبرميل في 2023 - 2024.

وترجح وكالة التصنيف تمكّن السعودية من العودة لزيادة إنتاج النفط تدريجياً بدءاً من 2025، بما يتماشى مع الإعلان الأخير لمنظمة البلدان المصدرة للنفط وحلفائها «أوبك بلس».

وترى «موديز» أن «التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في المنطقة، والتي لها تأثير محدود على السعودية حتى الآن، لن تتصاعد إلى صراع عسكري واسع النطاق بين إسرائيل وإيران مع آثار جانبية قد تؤثر على قدرة المملكة على تصدير النفط أو إعاقة استثمارات القطاع الخاص التي تدعم زخم التنويع». وأشارت في الوقت نفسه إلى أن الصراع الجيوسياسي المستمر في المنطقة يمثل «خطراً على التطورات الاقتصادية على المدى القريب».

تصنيفات سابقة

تجدر الإشارة إلى أن المملكة حصلت خلال العامين الحالي والماضي على عدد من الترقيات في تصنيفها الائتماني من الوكالات العالمية، والتي تأتي انعكاساً لاستمرار جهـود المملكـة نحـو التحـول الاقتصـادي فـي ظـل الإصلاحـات الهيكليـة المتبعـة، وتبنـّي سياسـات ماليـة تسـاهم فـي المحافظـة علـى الاستدامة الماليـة وتعزز كفـاءة التخطيـط المالي وقوة ومتانة المركز المالي للمملكة. ​

ففي سبتمبر (أيلول)، عدلت «ستاندرد آند بورز» توقعاتها للمملكة العربية السعودية من «مستقرة» إلى «إيجابية» على خلفية توقعات النمو القوي غير النفطي والمرونة الاقتصادية. وقالت إن هذه الخطوة تعكس التوقعات بأن تؤدي الإصلاحات والاستثمارات واسعة النطاق التي تنفذها الحكومة السعودية إلى تعزيز تنمية الاقتصاد غير النفطي مع الحفاظ على استدامة المالية العامة.

وفي فبراير (شباط) الماضي، أكدت وكالة «فيتش» تصنيفها الائتماني للمملكة عند «إيه +» مع نظرة مستقبلية «مستقرة».