أفلام كارتون للراشدين تتنافس للفوز بالأوسكار

«النبي» لجبران الفلسفي و«أنوماليزا» عن حياة رجل محبط

مشهد من فيلم «جبران»
مشهد من فيلم «جبران»
TT

أفلام كارتون للراشدين تتنافس للفوز بالأوسكار

مشهد من فيلم «جبران»
مشهد من فيلم «جبران»

حتى عام 2002، كانت هناك جائزة واحدة لأفلام الأنيميشن بين عداد جوائز الأوسكار، أو ما يعرف، بدقّة أقل، أفلام التحريك. هذه الجائزة كانت تمنح لأفضل فيلم «أنيميشن قصير». أما أفلام الرسوم المتحركة الطويلة التي كانت من الجودة بحيث تدخل الأوسكار، فإنها كانت تنضم إلى الأفلام الحيّة، أو المصوّرة بالفيلم (والآن بالفيلم والدجيتال) خصيصًا للسينما.
في عام 2002، تم تخصيص أوسكار خاص للفيلم الطويل من هذا النوع. والفائز الأول كان «Shrek» الذي صنعته وأنتجته شركة «دريمووركس» تأسست سنة 1994 باتحاد بين ثلاثة منتجين هم جفري كاتزبيرغ (ترك «ديزني» للغاية) وستيفن سبيلبرغ و(المنتج الموسيقي) ديفيد غَفن.
من يومها والجائزة المستحدثة تُمنح على هذا النحو. في العام الماضي نالها «مجمّد» (Frozen) لوولت ديزني وفي مطلع هذه السنة حصل عليها «البطل الكبير 6» الذي أنتجته «ديزني» أيضًا.
في الظاهر، وكما يعتقد البعض، فإن أفلام «أنيميشن» متشابهة في كل ملامحها وأساليبها، لكن حتى داخل شركة «ديزني» هناك اليوم مدارس واتجاهات. صحيح أن الغايات التجارية تقضم من الفن للفن ومن نوعية القصص وشخصياتها ونوعية الفانتازيا التي توفرها، إلا أن الاختلافات كبيرة ودالة خصوصًا بين الرسوم التي يتم انتخابها من قبل «أكاديمية العلوم والفنون السينمائية» لدخول المسابقة.
* مشكلة جبران
قدر كبير من الاختلاف يكمن في الأفكار والمناط بها كما في أساليب الرسم والحياكة الدجيتالية التي تنفّذها. وبعض الأفلام الأكثر اقترابًا من ترشيحات الأوسكار الرسمية هذا العام، تعكس هذا التعدد جيّدًا، وبعضها يختلف عن الآخر في فهمه للدور المناط. صحيح أن الغالب هو أفلام أنيميشن عائلية، بينما هناك أفلام أنيميشن للراشدين قلما تصل إلى خطوط النهاية، إلا أن هذه الأفلام العائلية تتعدد وتتنوّع بدورها وليس هناك، هذه السنة، أكثر دلالة على ذلك من فيلم «النبي» لخليل جبران، كما صاغته وأشرفت عليه الممثلة والمنتجة سلمى حايك.
المشروع لا يمكن له أن يلتقي تمامًا ومشاريع أفلام التحريك الأخرى التي في ساحة المنافسة هذا العام، مثل «Inside Out وThe Peanuts Movie» و«شون فيلم الخراف» (Shaun the Sheep Movie)، و«مينيونز» و«Anomalisa»، كبداية، هو فيلم مزدوج التوجه: فلسفي للراشدين وترفيهي للأولاد. في الصعيد الأول، لا يخفي رغبته في بلورة ما ورد في كتاب جبران خليل جبران المعروف من أفكار ومرامٍ وما سطره من أشعار ونثر فلسفي. لا يستطيع أن يفعل ذلك لأنه في النهاية منتج (بتمويل قطري وأميركي مشترك) لكي يعبّر عن عالم جبران ورؤيته. في الصعيد الثاني، هو فيلم يقصد أن يحمل للصغار، دون سن الشباب، مما يدفعهم عادة إلى مشاهدة أفلام التحريك عمومًا: الحكاية ذات الشخصيات الغريبة، المواقف المضحكة بالإضافة هنا (عنوة عن الكثير من الأفلام الأخرى) إلى المضامين الفلسفية عن الحياة.
مشكلة الفيلم هي أيضًا على مستويين: الأول أن التوجه الفلسفي ساد الفيلم والصغار واجهوا ما لا يدركونه من ملامح. هم في نشوة عندما يتابعون الفتاة الصغيرة التي تريد حماية مصطفى (صوت ليام نيسون)، وما يقع لهما عندما يساق بطل الفيلم من حبسه في القلعة البعيدة إلى الساحل حيث ستقله مركبة بعيدًا عن المكان. لكنهم في تساؤل حول تلك الأشعار المسموعة والكتابات الظاهرة والحكايات داخل الحكايات.
المستوى الثاني هو أن الفيلم لا ينتمي إلى شغل طاقم يساعد بعضه بعضًا كما الحال في الأفلام الأخرى، بل إلى طواقم. لقد تمّ الاستعانة بعشرة فناني رسوم (بينهم الإماراتي محمد سعيد حارب) لتنفيذ الفيلم. منحتهم المنتجة الحرية الكاملة ضمن إطار المطلوب بما في ذلك حرية استخدام الأسلوب الخاص بكل منهم. النتيجة هي في الوقت ذاته متعة للعين وتفاوت في الجودة بين فصل وآخر. هناك أرضية واحدة مشتركة للفيلم تروي القصّة الأساسية وتشكل عمود الفيلم الفقري، وفصول عشرة تتفرع مثل أغصن الشجرة، لكنها ليست بلون أو شكل تعبيري واحد.
* بطولة بشرية
الأفلام الأخرى الآيلة إلى التنافس رسميا لا تعمد إلى هذا المنوال قطعًا. لكن أحدها يحمل مضامين مشابهة في رقيها وهو «أنوماليزا» الذي تشارك في تحقيقه دوك جونسون، وهو مخرج أفلام قصيرة، وتشارلي كوفمن، الكاتب الذي نقلت السينما له «أن تكون جون مالكوفيتش» (1999) و«اعترافات عقل خطير» (2002) و«أشعة شمس داخلية على عقل بلا شوائب» (2004) من بين أخرى.
«أنوماليزا» حول البشر بقدر ما هو عن الكيفية التي يمكن فيها تقديم فيلم أنيميشن للراشدين من دون أسف أو اكتراث لما يعنيه ذلك من حجب العمل عن الجمهور الشاسع دون الخامسة عشرة من العمر. على عكس ما ذكره البعض في النقد الغربي، ليس هذا هو الفيلم الأول من هذا النوع في السينما الأميركية لا من حيث تداوله حكايات عن البشر (عوض الحيوانات والمخلوقات الغريبة) ولا من حيث جديّة ما يطرحه. فالمخرج رتشارد لينكلاتر قدّم فيلمين من هذا الطراز هما «حياة يقظة» سنة 2001 و«A Scanner Darkly» سنة 2006. لكن المختلف هو أسلوب العمل.
لينكلاتر قام بتصوير ممثليه لهذين الفيلمين، من بينهم ممثليه المفضلين إيثان هوك وجولي دلبي علاوة على روبرت داوني جونيور وكيانور ريفز ووينونا رايدر وودي هارلسون، عبر كاميرا دجيتال حيّة، ثم أدخلهم إلى الكومبيوتر وصمم أشكالاً متحركة بالدجيتال وشبيهة بهم.
طريقة «أنوماليزا» هي ما يعرف بـ«ستوب - موشن» نوع من تجميع وتركيب صور ملتقطة لدمية تتحرك بأصابع إنسانية وتصوّر حركتها بالتوالي لتدخل جميعها الكومبيوتر ليصار إلى صياغتها على النحو النهائي. يسرد الفيلم لحكاية رجل يعاني من الشعور بأن المجتمع لا يكن له التقدير الذي يستحقه، متبرّم من سلوكيات وثرثرة أي محيط يجد نفسه فيه، يقترب من حال شخص انطوائي لكن يمنحه الحق في انطوائيته هذه كون المجتمع السائد هو المسؤول عنها. المسألة، بالنسبة لهذا الفيلم، هي أن المجتمع هو المخفق وليس الرجل، لكن الأخير هو الضحية بالتأكيد.
باقي الأفلام الأميركية التي ستجد نفسها عرضة للترشيحات هي من النوع الذي لا يقترب «النبي» ولا «أنوماليزا» منه مطلقًا: «مينيون»، على سبيل المثال هو عن مخلوقات مشتقة من البصل، في حين أن «فيلم الفستق السوداني» (The Peanuts Movie)مأخوذ عن الرسوم الكرتونية الصحافية للشخصية الشهيرة. ومع أن «Inside Out» يقدم بشرًا، إلا أنهم ليسوا واقعيي المسلك والحضور، ولو أن هذا الفيلم، وهو من صنع شركة «بيكسار» الشهيرة بنوعية ما تقوم به، هو أفضل أفلام الأنيميشن الخفيفة المذكورة.
بالنتيجة فإن «إنسايد أوت» و«النبي» و«أنوماليزا» هي التي ستقفز فوق الحاجز السباق الأول وتتنافس على أوسكار هذا العام.



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز