افتتاح «ديور» ثاني محل لها في الرياض يؤكد أن التسوق الفعلي لا يزال الأقوى

بيوت الأزياء تتصدى لزحف الإنترنت بتصميم محلات ضخمة بتسهيلات تكنولوجية عالية

جانب من محل «ديور» الجديد في سنتريا مول بالرياض
جانب من محل «ديور» الجديد في سنتريا مول بالرياض
TT

افتتاح «ديور» ثاني محل لها في الرياض يؤكد أن التسوق الفعلي لا يزال الأقوى

جانب من محل «ديور» الجديد في سنتريا مول بالرياض
جانب من محل «ديور» الجديد في سنتريا مول بالرياض

نسمع كثيرا هذه الأيام عن غزو الإنترنت، أو بالأحرى التسوق الإلكتروني وكيف اقتحم حياتنا ليسهلها. نسمع أيضا بعض المتشائمين ينعون التسوق الفعلي الذي كان يجري عادة في المجمعات والمحلات الكبيرة، بعد أن تناهت بعض الأخبار في فترة من الفترات تفيد بأن بعض المساحات في هذه المجمعات شاغرة بنسبة 15 في المائة في الولايات المتحدة تحديدا. لكن رغم هذه الأرقام والتشاؤم، لا تتوقف عملية افتتاح محلات جديدة، آخرها كان محل «ديور» Dior الثاني في الرياض، الذي افتتح في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ليس هذا فحسب، بل إن هذه المحلات الجديدة تبدو أضخم وأكبر ولا تبخل على ديكوراتها بأي شيء يمكن أن يضفي عليها المزيد من الفخامة والرفاهية.
مؤخرا شهدنا عدة افتتاحات رئيسية بلندن، مثل «جيمي شو»، «إيسي مياكي» و«فيكتوريا بيكام» بينما افتتح رالف لوران محلا جديدا في باريس، كذلك «تيفاني» وغيرهم، في إشارة واضحة إلى أن الناس لا تزال تقبل على التسوق الفعلي، وتريد أن تلمس المنتج وتعيش التجربة بكل تفاصيلها عوض أن تجربها وراء شاشة كومبيوتر جامدة.
افتتاح «ديور» ثاني محل لها في سنتريا مول بالرياض، دليل آخر على أن هذه الظاهرة مهمة وستبقى معنا رغم أنف التسوق الإلكتروني. من خلال الديكور وتوزيع المساحات والمنتجات، تريد الدار أن يدخل الزبون السعودي عالمها الفسيح والعريق، من دون حاجة إلى أن يشد الرحال إلى باريس. فهو نسخة مستوحاة من محلها الواقع في 30 جادة «مونتان» Montaigne، الذي يتميز بعناصر مثيرة تستحضر القرن الثامن عشر، الحقبة التي تعود لها الدار كثيرا في تصاميمها. وتظهر ملامح هذه الحقبة في الديكورات من خلال الحجر الجيري الكلاسيكي والسجاد الحريري الرمادي والكراسي البيضاويّة الشكل وأرائك بأسلوب لويس السادس عشر. كل هذه العناصر تم مزجها مع عناصر أخرى أكثر حداثة لخلق تناغم يعكس إرثها من جهة، وقدرتها على مواكبة تطورات العصر، من جهة ثانية. يجسد هذا، مثلا، طاولة معدنيّة من تصميم «كريستوف ديلكور»، ومصباح من تصميم «ألكساندر لامونت»، ومقعد فضّي من تصميم «هايمان» وغيرها من التفاصيل الدقيقة.
بالنسبة لواجهة المحل الخارجيّة، فتتزين بأعمال فنّية لـ«ماتس غوستافسون»، بينما تضم المساحة الداخلية أحدث تشكيلة نسائية من تصميم «راف سيمونز». وبما أن هذا الأخير استقال مؤخرا ليتفرغ لخطه الخاص، فإن هذه التشكيلة تعتبر في غاية الأهمية بالنسبة لأي أنيقة، كونها تسجل لفصل مهم كتبه المصمم البلجيكي للدار الفرنسية على مدى ثلاث سنوات ونصف. وحتى إذا لم تسمح لها الإمكانيات بذلك، فإنها يمكن أن تحصل على حقائب يد أو أحذية في الطابق الأرضي.
هذه الفخامة في الديكورات، والأناقة التي تتجسد في الأزياء والإكسسوارات، بما فيها الساعات الفاخرة، تؤكد أن الدار، مثل غيرها من الكثير من بيوت الأزياء التي توجهت مؤخرا لافتتاح محلات ضخمة في عواصم عالمية وخليجية، باتت تعرف أن العلاقة بينها وبين زبونها تقوم أساسا على التفاعل الإنساني، وبيع الحلم من خلال تجربة متكاملة يخرج منها هذا الزبون متشبعا، ليس بألوانها فحسب، بل أيضا بمبادئها وإرثها. فهذه المحلات، تُصمم غالبا بطريقة خاصة تأخذ بعين الاعتبار تاريخها وأيضا زبونها وبيئته وميوله، بدليل أنها تختار مساحاتها في مواقع استراتيجية. بعبارة أخرى، فإن محلا رئيسيا في سنتريا مول بالرياض، مثلا لن يكون بنفس فكرة محل في المطار خاص بالمسافرين والسياح فقط. فهو مخصص لزبائن دائمين وعارفين تربطهم بالدار علاقة حميمة مبنية على الثقة والحلم في الوقت ذاته. فقد يكون الدافع لها في البداية هو الاستكشاف أو البحث عن حلم لينتهي بتحقيقه، ولو من خلال إكسسوار بسيط.
فعلى الرغم من انتعاش التسوق على الإنترنت، وتنامي الإقبال عليه في السنوات الأخيرة، فإن الأرقام تؤكد أن 80 في المائة من مبيعات المنتجات المترفة تتم بداخل المحلات، وأن التكنولوجيا لم تستطع لحد الآن أن تُعوض التجربة التي يشعر بها المتسوق وهو داخل محل لا يغذي كل حواسه فحسب، بل يغذي أيضا شعوره بالأهمية. فالكثير من هذه المحلات تخصص له ركنا يحمل عنوان «للشخصيات المهمة» يجرب فيه ما يروق له من أزياء، ويحصل فيه على خدمة مميزة، تجعله يخرج وهو منتش. وهذا ما انتبه له حتى المصممون الصغار، الذين بدأوا يفتتحون محلات خاصة بهم في مناطق استراتيجية، وحسب إمكانيات كل واحد منهم، بعد أن كانت الإنترنت هي الحل الوحيد بالنسبة لهم من قبل. هذا لا يعني أنهم سيتخلون تماما عن مواقعهم، بل العكس، فهي لا تزال وسيلة ضرورية لتسويق منتجاتهم لشريحة معينة من الزبائن عدا أنها لا تكلفهم الكثير. غير أنهم يعرفون أن النسبة الأكبر من المبيعات لا تزال تتم بين جدران محل تُعرض فيه منتجاتهم بشكل مبتكر وفي محيط مريح يشجع على دخوله، والبقاء فيه لساعات، وربما هذا ما يفسر أن بعض المحلات أصبحت حاليا تضم مكتبات ومقاهي وأركانا خاصة بالراحة، وكل ما يطمح إليه الزائر من تسهيلات تكنولوجية، إيذانا بدخولنا مرحلة جديدة في عالم التسوق وتداركا لغزو التسوق الإلكتروني.



الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
TT

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)
في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

تحظى سراويل الجينز اليابانية المصبوغة يدوياً بلون نيلي طبيعي، والمنسوجة على أنوال قديمة، باهتمام عدد متزايد من عشاق الموضة، الذين لا يترددون في الاستثمار في قطع راقية بغض النظر عن سعرها ما دامت مصنوعةً باليد. وعلى هذا الأساس يتعامل كثير من صُنَّاع الموضة العالمية مع ورشات يابانية متخصصة في هذا المجال؛ فهم لا يزالون يحافظون على كثير من التقاليد اليدوية في صبغ قطنه وتصنيعه من الألف إلى الياء.

يوضع القطن في وعاء يحتوي على سائل أزرق داكن لا يلوّنها وحدها بل أيضاً أيدي العاملين (أ.ف.ب)

داخل مصنع «موموتارو جينز» الصغير في جنوب غربي اليابان، يغمس يوشيهارو أوكاموتو خيوط قطن في وعاء يحتوي على سائل أزرق داكن يلوّن يديه وأظافره في كل مرّة يكرر فيها العملية. يتم استيراد هذا القطن من زيمبابوي، لكنّ الصبغة النيلية الطبيعية المستخدَمة مُستخرجةٌ في اليابان، ويؤكد أوكاموتو أنّ لونها غني أكثر من الصبغات الاصطناعية. وكانت هذه الطريقة التي يشير إلى أنها «مكلفة» و«تستغرق وقتاً طويلاً»، شائعةً لصبغ الكيمونو في حقبة إيدو، من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر.

العمل في هذه المصانع صارم فيما يتعلق بمختلف جوانب التصنيع من صبغة إلى خياطة (أ.ف.ب)

وتشكِّل «موموتارو جينز» التي أسستها عام 2006 «جابان بلو»، إحدى عشرات الشركات المنتِجة لسراويل الجينز، ويقع مقرها في كوجيما، وهي منطقة ساحلية تشتهر بجودة سلعها الحرفية، بعيداً عن سراويل الجينز الأميركية المُنتَجة على نطاق صناعي واسع. ويقول رئيس «جابان بلو»، ماساتاكا سوزوكي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نحن صارمون جداً فيما يتعلق بمختلف جوانب التصنيع». ويشمل ذلك «جودة الخياطة والصبغة»، ما يجعل الاعتماد على مهارات التصنيع التقليدية للحرفيين المحليين، مسألة ضرورية.

بيد أن كل ما هو منسوج يدويا ومصنوع بهذا الكم من الحرفية له تكلفته، إذ يبلغ سعر النموذج الرئيسي من الجينز الذي تنتجه «موموتارو» نحو 193 دولاراً. أما النموذج الأغلى والمنسوج يدوياً على آلة خشبية محوّلة من آلة نسج كيمونو فاخرة، فيتخطى سعره 1250 دولاراً.

يعمل أحد الحرفيين على تنفيذ بنطلون جينز باليد بصبر رغم ما يستغرقه من وقت (أ.ف.ب)

ومع ذلك، ازداد الاهتمام بما تنتجه «جابان بلو» على أساس أنها إحدى ماركات الجينز الراقية على غرار «إيفيسو»، و«شوغر كين». وتمثل الصادرات حالياً 40 في المائة من مبيعات التجزئة، كما افتتحت الشركة أخيراً متجرها السادس في كيوتو، ويستهدف السياح الأثرياء بشكل خاص. يشار إلى أن صناعة الجينز ازدهرت في كوجيما بدءاً من ستينات القرن العشرين لما تتمتع به المنطقة من باع طويل في زراعة القطن وصناعة المنسوجات. وخلال حقبة إيدو، أنتجت المدينة حبالاً منسوجة للساموراي لربط مقابض السيوف. ثم تحوّلت بعد ذلك إلى صناعة «تابي»، وهي جوارب يابانية تعزل إصبع القدم الكبير عن الأصابع الأخرى، وانتقلت فيما بعد إلى إنتاج الأزياء المدرسية.

تعدّ سراويل الجينز الياباني من بين أغلى الماركات كونها مصنوعة ومصبوغة باليد (أ.ف.ب)

ويقول مايكل بندلبيري، وهو خيّاط يدير مشغل «ذي دينيم دكتور» لتصليح الملابس في بريطانيا، إنّ سوق سراويل الجينز اليابانية «نمت خلال السنوات الـ10 إلى الـ15 الماضية». ومع أنّ محبي الجينز في الدول الغربية يبدون اهتماماً كبيراً بهذه السراويل، «لا يمكن للكثيرين تحمل تكاليفها»، بحسب بندلبيري. ويتابع قائلاً: «إن ماركات الجينز ذات الإنتاج الضخم مثل (ليفايس) و(ديزل) و(رانغلر) لا تزال الأكثر شعبية، لكن في رأيي تبقى الجودة الأفضل يابانية». ويرى في ضعف الين وازدهار السياحة فرصةً إضافيةً لانتعاش سوق هذه السراويل.

رغم هشاشتها والضجيج الذي ينبعث منها فإن الأنوال القديمة لا تزال هي المستعملة احتراماً للتقاليد (أ.ف.ب)

يعزز استخدام آلات النسيج القديمة رغم هشاشتها والضجيج الذي ينبعث منها، وبالتالي لا تملك سوى رُبع قدرة أنوال المصانع الحديثة، من سمعة «موموتارو جينز» التي تعود تسميتها إلى اسم بطل شعبي محلي. وغالباً ما تتعطَّل هذه الأنوال المصنوعة في الثمانينات، في حين أنّ الأشخاص الوحيدين الذين يعرفون كيفية تصليحها تزيد أعمارهم على 70 عاماً، بحسب شيغيرو أوشيدا، وهو حائك حرفي في موموتارو.

يقول أوشيدا (78 عاماً)، وهو يمشي بين الآلات لرصد أي صوت يشير إلى خلل ما: «لم يبقَ منها سوى قليل في اليابان» لأنها لم تعد تُصنَّع. وعلى الرغم من تعقيد هذه الآلات، فإنه يؤكد أنّ نسيجها يستحق العناء، فـ«ملمس القماش ناعم جداً... وبمجرّد تحويله إلى سروال جينز، يدوم طويلاً».