الانبعاثات تخنق «فولكسفاغن» وتهدد بإعادة تشكيل السوق العالمية

«سيارة الشعب» تواجه أكبر أزماتها.. لكن أغلب المراقبين يؤكدون قدرتها على تجاوزها

الانبعاثات تخنق «فولكسفاغن» وتهدد بإعادة تشكيل السوق العالمية
TT

الانبعاثات تخنق «فولكسفاغن» وتهدد بإعادة تشكيل السوق العالمية

الانبعاثات تخنق «فولكسفاغن» وتهدد بإعادة تشكيل السوق العالمية

تستمر أزمة انبعاث الغازات الكربونية لصانع السيارات الألماني العملاق «فولكسفاغن» في الاستحواذ على دائرة الضوء، ففي الوقت الذي تعرف فيه الماركة التجارية بـ«سيارة الشعب»، تفقد ثقة عملائها بتكرار نفس الفضيحة للمرة الثانية على التوالي في أقل من شهرين.
ووفقا لاستطلاع «وول ستريت جورنال» الأميركية، تعد «فولكسفاغن غولف»، و«فولكسفاغن بيتل»، و«فولكسفاغن باسات»، الثلاث سيارات الأوائل على قائمة أفضل 10 سيارات مبيعًا في العالم.
وفي الوقت ذاته تتعرض الشركة لانتقادات موسعة، خاصة بعد اعترافها في سبتمبر (أيلول) الماضي باستخدام برمجيات غير قانونية لخداع اختبار الانبعاثات، وهي المشكلة التي تسببت في الإضرار بنحو 11 مليون سيارة، واستقال على أثرها رئيس مجلس إدارة المجموعة.
ومنذ ذلك الحين، اندلعت سلسلة من التحقيقات والإجراءات الآخذة في الاتساع. وطالبت وكالة الحماية البيئية الأميركية بفتح تحقيق موسع للشركة لفحص نسب انبعاث الغازات في موديلات «بورشه كايين ديزل» و«طوارق» من طرازات أعوام ما بين 2014 وحتى 2016، و«أودي تي دي أي ديزل» موديلات «كيو 7»، و«إيه 6»، و«إيه 7»، و«إيه 8»، و«كيو 5» من طرازات عامي 2015 و2016.
ووفقا لمذكرة الوكالة، الصادرة منذ أيام قليلة، فإن التلاعب قد شمل أيضًا محركات سعة 3 لترات ولا تقتصر على محركات 2 لتر، متضمنة 10 آلاف سيارة تم بيعها في الولايات المتحدة من طراز عام 2014، وعددًا آخر غير محدد من طراز عام 2016. وأوضحت الوكالة أن انبعاث غاز أكسيد النيتروجين وصل إلى تسع مرات المستوى المسموح به في السيارات سالفة الذكر، وأضافت أن الشركة لم تبلغهم بوجود هذا البرنامج في المحركات الكبيرة سعة 3.0 لترات المستخدمة في سيارات رياضية فاخرة.
إلا أن الشركة تنفي في تصريحات إعلامية متكررة أن البرنامج يغير مستويات الانبعاثات «بطريقة محظورة»، وتؤكد أن نفس السيارات تعمل في أوروبا مزودة بنفس البرنامج الذي يقول منظمون أميركيون إنه استخدم للتحايل على اختبارات انبعاثات العادم في الولايات المتحدة، فيما استجابت «أودي» و«بورشه» قبل أيام قليلة بوقف مبيعات السيارات سالفة الذكر في الولايات المتحدة.
وقال وزير النقل الألماني ألكسندر دوبريندت، في تصريحات صحافية سابقة، إن وزارته «تشرف على إعادة اختبارات كل من العلامات التجارية (فولكسفاغن) لتشمل محركات البنزين والديزل للسيارات (فولكسفاغن) و(أودي) و(سكودا) و(سيات)، وذلك لقياس الانبعاثات الحقيقة لغازي ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد النيتروجين»، وجاء هذا الإعلان بعد أن كشفت شركة صناعة السيارات الألمانية أنها «قللت من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون من 800 ألف سيارة».
وما زال هناك تساؤلان مترابطان مفادهما: «هل تعرضت (فولكسفاغن) إلى معاقبة مفرطة من السوق؟»، و«هل الشركة ما زالت تحمل تاريخًا عريقًا يسمح بتخطي هذه الأزمة؟».
ويرى علاء السبع، رئيس مجلس إدارة «السبع أتوموتيف» أحد وكلاء «فولكسفاغن» في مصر، أن الصانع الألماني من أقوى العلامات التجارية في صناعة السيارات حول العالم، قائلا لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأزمة ما هي إلا عثرة».
وبحسب كيفين بوشر، كبير موظفي الاستثمار في مؤسسة «بروكس ماكدونالد» الدولية، فإن «(فولكسفاغن) شركة كبيرة تستطيع احتواء الأزمة.. وصناعة السيارات في العالم - وخصوصا في أوروبا - ساعدت على النمو الاقتصادي العالمي خلال الثلاث سنوات الماضية»، مؤكدا في مقابلة تلفزيونية، أن «الضرر سيطال كثيرا من المؤسسات، خاصة البنوك التي تقرض هذه الصناعة، والاقتصاد الأوروبي الذي يحقق معدلات نمو منخفضة خلال السنوات الماضية، خاصة إذا انضمت شركات أخرى للتحقيق».
ووفقا لتقرير وكالة التصنيف الائتماني موديز الصادر منذ أيام قليلة، فإن تخفيض التصنيف الائتماني لعملاق صناعة السيارات الألماني من «إيه 2» إلى «إيه 3»، يعكس تصاعد المخاطر التي تهدد سمعة «فولكسفاغن» وأرباحها في المستقبل. وتضيف الوكالة أن تحقيقات وكالة حماية البيئة الأميركية لبعض نماذج «أودي» و«بورشه» قد تضيف تحديات حول المرونة المالية والوضع التنافسي للشركة، فيما أصدرت وكالة التصنيف الائتماني ستاندر آند بورز مذكرة منذ أيام قليلة، تؤكد فيها على النظرة السلبية للشركة.
ويرى مراقبون أن انخفاض القيمة السوقية لأسهم الشركة، والتي تقدر بنحو 30 مليار دولار خلال العام الحالي، فرصة سانحة لكثير من المتعاملين في أسواق المال، فيما يرى آخرون أن الشركة تواجه مستقبلاً غامضًا؛ كنتيجة لتراجع المبيعات وتراجع ثقة العملاء بالشركة ومنتجاتها.
وانخفض سهم «فولكسفاغن» بنهاية تعاملات الخميس ما يقرب من 10 في المائة، كما هبط سهم «بورشه» إلى 9.5 في المائة.. فيما شهد سهم المجموعة تذبذبا كبيرا بنهاية جلسات الأسبوع يوم الجمعة الماضي ليرتفع بمقدار 0.87 في المائة.
وأوضح المحلل الفني محمد سعيد لـ«الشرق الأوسط» أنه «من المبكر التكهن ببلوغ السهم أقل قيمة له، على الرغم من تراجع اقترب من 29 في المائة خلال الأيام القليلة الماضية».
وينصح كبير موظفي الاستثمار كيفين بوشر بأنه «يجب الحذر في شراء أو بيع سهم الشركة خلال الأيام القليلة القادمة، نظرًا لتذبذب التعامل على السهم، في حين ستخضع أسهم جميع مصنعي السيارات لضغوط، فيجب مراقبتها جيدا قبل قرارات الشراء حتى تنتهي الأزمة».
ويوضح أحد وكلاء «فولكس» لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك شركات أخرى قد مرت بمثل تلك الأزمات، إلا أنها استطاعت التغلب عليها.. فمثلا دفعت (جنرال موتورز) ما يقرب من 900 مليون دولار سبتمبر الماضي من أجل تسوية مفاتيح التشغيل المعيبة في بعض سياراتها والامتثال لمعايير السلامة، وأيضًا هناك قضية (تويوتا موتورز) في عام 2010، حيث اعترف الرئيس التنفيذي للشركة (أكيو تويدا) أمام لجنة استماع بالكونغرس بالإضرار بالسلامة في تسارع للسيارة المذكورة، واضطرت الشركة حينها لدفع 1.2 مليار دولار لحل القضية واستعادة ثقة عملائها».
وارتفعت إيرادات «فولكسفاغن» خلال التسعة أشهر الماضية بنسبة 8.5 في المائة مقارنة بنفس الفترة العام الماضي، في حين تراجعت الأرباح بنحو 1.83 مليار دولار في الربع الثالث من العام الحالي.
وقد انخفضت الأرباح التشغيلية للربع الثالث بنسبة 0.7 في المائة مقارنة بنفس الفترة العام الماضي، في حين بلغت الهوامش التشغيل لنفس الفترة 6.2 في المائة انخفاضًا من 6.6 في المائة العام الماضي، كما ارتفعت تكاليف الاستثمار في البحث والتطوير والتي تشكل نحو 60 في المائة من حجم المبيعات الصافية.
ووفقا لتقرير «إرنست آند يونغ» الصادر الشهر الماضي، فإن «فولكسفاغن» لم تحظَ بكثير من طلبات كروس أوفر في الولايات المتحدة، حيث ارتفع سوق المركبات الخفيفة بنسبة 5 في المائة على أساس سنوي خلال سبتمبر، على خلفية ارتفاع قوي بنسبة 11.7 في المائة في مبيعات الشاحنات الخفيفة. أما في الصين، أكبر سوق للشركة، فقد تراجعت أحجام المجموعة بنسبة 5.2 في المائة على أساس سنوي خلال نفس الفترة «نظرًا لتباطؤ الاقتصاد عالميا»، بحسب التقرير.
وقد أشار الرئيس التنفيذي الجديد للشركة ماتياس مولر، في تصريحات صحافية سابقة، إلى «تحول استراتيجية 2018 إلى استراتيجية 2025 لإعادة تنظيم المجموعة.. خاصة بعد أزمة الانبعاتات»، وذلك لدعم العملاء وتحقيق التغيرات الهيكلية الكبرى، لمحاولة تحقيق النمو النوعي وليس الكمي.
وتصدرت المجموعة قائمة الأكثر مبيعًا حول العالم، تليها «تويوتا موتورز»، ثم «جنرال موتورز»، وتحل «كرايسلر غروب» رابعا في القائمة، وفقا لتقرير «فوربس» عن العام الماضي. وبحسب خبير قطاع السيارات إبراهيم حبيب لـ«الشرق الأوسط»، فإن القائمة سيتم تعديلها لتتصدرها «تويوتا موتورز»، وتتراجع مجموعة «فولكسفاغن» إلى آخر مرتبة بالقائمة، في حال استمرار الأزمة وتبعاتها على العملاق الألماني.
ويرى محللون أن ارتفاع الهوامش التشغيلية لمجموعة «تويوتا موتورز»، والتي بلغت 11 في المائة خلال التسعة أشهر الماضية، لا يؤهلها إلى تصدر القائمة، والأقرب إلى ذلك هي «جنرال موتورز».
ويقول علاء السبع لـ«الشرق الأوسط»: «إنه أمر صعب تحديد نمط الأزمات لصناع السيارات حول العالم واقتراح طرق الحل؛ فعلى الشركة أن تدفع غرامات مالية، إلا أنه من المتوقع أن تنخفض غرامات (فولكسفاغن) إلى حد كبير، كما هو الحال مع (جنرال موتورز)»، وهو ما اعتبره السبع «إرضاء للرأي العام».



بكين تنتقد مساعي أميركية لإشعال «حرب الثوم»

مزارع يفرز الثوم في إحدى الأسواق الشعبية بمدينة جينشيانغ شرق الصين (رويترز)
مزارع يفرز الثوم في إحدى الأسواق الشعبية بمدينة جينشيانغ شرق الصين (رويترز)
TT

بكين تنتقد مساعي أميركية لإشعال «حرب الثوم»

مزارع يفرز الثوم في إحدى الأسواق الشعبية بمدينة جينشيانغ شرق الصين (رويترز)
مزارع يفرز الثوم في إحدى الأسواق الشعبية بمدينة جينشيانغ شرق الصين (رويترز)

حثت وزارة الخارجية الصينية يوم الجمعة الساسة الأميركيين على ممارسة المزيد من «الحس السليم» بعد أن دعا عضو في مجلس الشيوخ الأميركي إلى إجراء تحقيق في واردات الثوم الصيني، مستشهدا بمخاوف بشأن سلامة الغذاء وممارسات العمل في البلاد.

وكتب السيناتور الجمهوري ريك سكوت إلى العديد من الإدارات الحكومية الأميركية هذا الأسبوع، واصفا في إحدى رسائله الثوم الصيني بأنه «ثوم الصرف الصحي»، وقال إن استخدام البراز البشري سمادا في الصين أمر يثير القلق الشديد.

وفي رسائل أخرى، قال إن إنتاج الثوم في الصين قد ينطوي على ممارسات عمالية استغلالية وإن الأسعار الصينية المنخفضة تقوض جهود المزارعين المحليين، ما يهدد الأمن الاقتصادي الأميركي.

وتعتبر الولايات المتحدة الصين أكبر مورد أجنبي لها للثوم الطازج والمبرد، حيث يتم شحن ما قيمته ملايين الدولارات منه عبر المحيط الهادئ سنويا.

وقالت ماو نينغ، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، عندما سُئلت في مؤتمر صحافي دوري عن رسائل سكوت: «لم يكن الثوم ليتخيل أبداً أنه سيشكل تهديداً للولايات المتحدة... ما أريد التأكيد عليه هو أن تعميم مفهوم الأمن القومي وتسييس القضايا الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية وتسليحها لن يؤدي إلا إلى زيادة المخاطر الأمنية على سلسلة التوريد العالمية، وفي النهاية إلحاق الضرر بالآخرين وبنفسنا». وأضافت: «أريد أيضاً أن أنصح بعض الساسة الأميركيين بممارسة المزيد من الحس السليم والعقلانية لتجنب السخرية».

ومن المتوقع أن تتصاعد التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم عندما يعود دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني)، بعد أن هدد بفرض تعريفات جمركية تتجاوز 60 في المائة على واردات الولايات المتحدة من السلع الصينية.

وخلال فترة ولاية ترمب الأولى، تعرض الثوم الصيني لزيادة التعريفات الجمركية الأميركية إلى 10 في المائة في عام 2018، ثم إلى 25 في المائة في عام 2019. وكان الثوم من بين آلاف السلع الصينية التي فرضت عليها تعريفات جمركية أعلى خلال الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين والتي كانت السمة المميزة لرئاسته.

ومن غير المرجح أن تهز أي إجراءات عقابية على الثوم الصيني وحده التجارة الثنائية الإجمالية، حيث تمثل شحناته جزءاً ضئيلاً فقط من صادرات الصين البالغة 500 مليار دولار إلى الولايات المتحدة العام الماضي.

وفي سياق منفصل، قال المكتب الوطني الصيني للإحصاء يوم الجمعة إن إجمالي إنتاج الحبوب في الصين بلغ مستوى قياسيا يتجاوز 700 مليون طن متري في عام 2024، مع تحرك بكين لتعزيز الإنتاج في سعيها لتحقيق الأمن الغذائي.

وقال وي فنغ هوا، نائب مدير إدارة المناطق الريفية، في بيان، إن إنتاج العام في أكبر مستورد للحبوب في العالم بلغ 706.5 مليون طن، بعد حصاد أكبر من الأرز الأساسي والقمح والذرة. وأظهرت بيانات المكتب أن هذا أعلى بنسبة 1.6 في المائة من حصاد عام 2023 البالغ 695.41 مليون طن.

وقال وي: «كان حصاد الحبوب هذا العام وفيراً مرة أخرى، بعد أن تبنت المناطق والسلطات الصينية بشكل صارم مهام حماية الأراضي الزراعية والأمن الغذائي، مع التغلب على الآثار السلبية للكوارث الطبيعية».

وتعتمد الصين بشكل كبير على الواردات من البرازيل والولايات المتحدة لإطعام سكانها البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة. وفي السنوات الأخيرة، كثفت الصين استثماراتها في الآلات الزراعية وتكنولوجيا البذور في إطار الجهود الرامية إلى ضمان الأمن الغذائي. وأظهرت البيانات أن إنتاج الأرز في عام 2024 ارتفع إلى 207.5 مليون طن، بزيادة 0.5 في المائة على أساس سنوي، في حين نما إنتاج القمح بنسبة 2.6 في المائة إلى 140.1 مليون طن. وشهد الذرة قفزة أكبر عند مستوى قياسي بلغ 294.92 مليون طن، بزيادة 2.1 في المائة عن العام السابق. وانخفضت فول الصويا بنسبة 0.9 في المائة إلى 20.65 مليون طن.

ويعزى الحصاد الوفير إلى زيادة زراعة الأرز والذرة، بالإضافة إلى غلة أفضل من الأرز والقمح والذرة.

وقال وي إن المساحة المزروعة بالحبوب على المستوى الوطني بلغت حوالي 294.9 مليون فدان (119.34 مليون هكتار)، بزيادة 0.3 في المائة عن العام السابق في السنة الخامسة على التوالي من التوسع.

وارتفعت مساحة زراعة الأرز للمرة الأولى منذ أربع سنوات، بنسبة 0.2 في المائة على أساس سنوي إلى 71.66 مليون فدان (29 مليون هكتار). كما ارتفعت مساحة زراعة الذرة بنسبة 1.2 في المائة إلى 110.54 مليون فدان (44.74 مليون هكتار). وانكمش حجم زراعة فول الصويا بنسبة 1.4 في المائة إلى 25.53 مليون فدان (10.33 مليون هكتار). كما انخفض حجم زراعة القمح بنسبة 0.2 في المائة إلى 58.32 مليون فدان (23.6 مليون هكتار).

وقالت وزارة الزراعة الصينية إنه على الرغم من زيادة الإنتاج، تظل الصين معتمدة على الإمدادات المستوردة من فول الصويا والذرة.