حضرموت.. بين غضبة «تشابالا» وسطوة «القاعدة»

الانقلاب وضعف الحكومة ساهما في تمدد الجماعات الإرهابية

حضرموت.. بين غضبة «تشابالا» وسطوة «القاعدة»
TT

حضرموت.. بين غضبة «تشابالا» وسطوة «القاعدة»

حضرموت.. بين غضبة «تشابالا» وسطوة «القاعدة»

مرّ الإعصار «تشابالا»، من حضرموت بجنوب شرقي اليمن، مخلفًا وراءه منازل مدمرة وسكانًا مشردين، في حين لا يزال إعصار تنظيم القاعدة جاثمًا على أجزاء واسعة من حضرموت الساحل، وهو ما جعل السكان يعيشون بين مطرقة الكوارث الطبيعية وسندان تنظيم القاعدة الذي سيطر على العاصمة المُكلاّ في الثاني من أبريل (نيسان) الماضي وسط انهيار منظومة الدولة هناك واختفائها عن المشهد.
ويتساءل كثير من اليمنيين والمراقبين، اليوم، عن كيفية تمكن المسلحين المتشددين الذين لا يتجاوز عددهم 150 شخصًا من السيطرة على مدينة المُكلاّ، وعلى معسكرات المنطقة العسكرية الثانية، والأجهزة الأمنية والمخابرات والأمن القومي، بالتزامن مع انشغال حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي بقتال المتمردين من قوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وميليشيات الحوثي المتحالفة معها، في مدن جنوبية آنذاك، متجاهلة تمدّد «القاعدة» شرقًا.

تعدّ محافظة حضرموت، جنوب شرقي اليمن، من أهم المناطق النفطية التي تعتمد عليها الدولة اليمنية بشكل رئيسي في دخلها القومي، وتحتل ما نسبته 36 في المائة من مساحتها الإجمالية، إذ كانت تنتج نحو 100 ألف برميل يوميا قبل أن يتوقف الإنتاج بشكل نهائي وتغادر جميع الشركات الأجنبية من القطاعات النفطية منذ انقلاب الحوثي وصالح في سبتمبر (أيلول) 2014.
وتشير آخر الإحصائيات الرسمية الصادرة من لجنة الطوارئ بمديريات ساحل حضرموت في أعقاب الإعصار «تشابالا» المدمّر الذي ضرب حضرموت وجزيرة سقطرى ومناطق يمنية أخرى إلى وفاة 8 أشخاص. ولقد قال خالد بلفاس، رئيس غرفة العمليات باللجنة، في تصريحات صحافية، إن السيول والفيضانات تسببت في إصابة 45 شخصًا وتهدم 13 منزلاً بصورة كلية، ونفوق أكثر من 350 رأس ماشية وتضرر 211 قارب صيد.
وكان التواصل قد انقطع مع مديريتي حجر وأرياف المكلا لليوم السادس على التوالي منذ أن ضرب «تشابالا» المناطق الساحلية في حضرموت، وذكرت اللجنة أن الإعصار تسبب بأضرار بالغة في مشاريع البنى التحتية والخدمات العامة بمدينة المُكلاّ، وتضرّرت ثلاثة جسور رئيسية وطمر ثلاث آبار لمياه الشرب في كل من حقول الغليلة وفلك وفوة، كما تضررت خطوط وشبكات خدمات المياه والكهرباء والاتصالات وقطعت الطرقات بين مختلف المناطق في ساحل حضرموت.
وتُقسم حضرموت إداريا وعسكريًا إلى حضرموت الساحل، وحضرموت الوادي والصحراء. الأولى يسيطر عليها تنظيم القاعدة وتخلو تمامًا من أي وجود للجيش والأمن. أما حضرموت الوادي والصحراء فما زالت في قبضة قوات الجيش والأمن، التي هي أصلا ضعيفة ومشكوك في ولائها. ومنذ سيطرة «القاعدة» على المدينة توقّفت جميع مؤسسات الدولة في ساحل حضرموت، فيما عدا المؤسّسات الخدمية مثل قطاع الصحة. أما الصحف والإذاعة الوحيدة بالمُكلاّ فقد توقفت بشكل كامل. ويقول سكان من المدينة لـ«الشرق الأوسط»، إن «القاعدة» لم تقدّم أي مساعدات للسكان خلال إعصار «تشابالا»، بل اكتفت بنشر سيارات مكتوب عليها فرق إغاثة.

مجلس أهلي
مضت سبعة أشهر على سكان المُكلاّ، وهم تحت حكم المتشددين من مسلحي «القاعدة»، التي تقول مصادر محلية إن لهم علاقة بالمخلوع علي عبد الله صالح.. «الذي كان قد أمر قيادات عسكرية وأمنية موالية له بالانسحاب من المدينة وتسليمها لهم»، بحسب هذه المصادر. ومن ثم، حاول السكان سد الفراغ الذي تركته الدولة ومؤسساتها عبر إنشاء «مجلس أهلي» تمكّن من تجنيب المدينة المواجهات المسلحة كما يقول، وعقد اتفاقا مع قادة «القاعدة» من بينهم ناصر الوحيشي - الذي قتل بعدها بغارة لطائرة أميركية من دون طيار - ينص على تسليم المرافق كافة وإداراتها إلى «المجلس الأهلي» الحضرمي. وأن يكون من حق «المجلس الأهلي» أن يُعيّن من شاء رئيسًا له، وأن يتحمل «المجلس الأهلي» إدارة الأمن العام ومرافقه، ويجري تجنيد وتوظيف أبناء حضرموت لإدارة أعمال المجلس والإدارات الخدمية. إلا أن الاتفاق ظل حبرًا على ورق، ولم ينسحب المتشدّدون من المقرات العسكرية والأمنية، حيث يدير «القاع» جميع الشؤون الأمنية والقضائية وفرض أفكاره المتشددة على الجامعات والمدارس هناك والتي لا تزال مغلقة بأوامر من قيادة التنظيم.
ولقد شهدت مدينة المُكلاّ، عاصمة محافظة حضرموت وكبرى مدنها، احتجاجات ومظاهرات ضد «القاعدة»، كان أبرزها في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما خرج السكان في شوارع المدينة للتعبير عن رفض وجود التنظيم المتشدد، رغم تحذيره للأهالي من المشاركة في أي فعاليات احتجاجية. ورفع المتظاهرون يومذاك شعارات ولافتات ترفض الإرهاب و«القاعدة». ويؤكد السكان أن التنظيم يحكم سيطرته على المُكلاّ بمساعدة جهات متنفذة في السلطة، مشيرين إلى أنهم يرفضون وجوده في المدينة.
من ناحية ثانية، يتحدث السكان عن استيلاء «القاعدة» على كميات ضخمة من المال من فرع البنك المركزي وفروع بقية البنوك الحكومية والخاصة، إضافة إلى أسلحة ثقيلة استولى عليها من المعسكرات، كما قام التنظيم بإطلاق السجناء من السجن المركزي بينهم قيادات من التنظيم، الذين تمركزوا في القصر الجمهوري بالمُكلاّ ومقر قيادة المحافظة وبقية المقار والمباني الرسمية وغير الرسمية. ولقد فرض التنظيم على المواطنين نظامًا يصفه بـ«الإسلامي» ويتعلق بتطبيق ما يعتقدونه «الشريعة الإسلامية»، إذ نفذ مسلحو التنظيم المتطرف سلسلة من عمليات الإعدام في الساحات العامة.
ومطلع أكتوبر أيضًا أعلن «المجلس الأهلي» الحضرمي إنشاء قوة أمنية. وأوضح المجلس الذي يضم في عضويته شخصيات اجتماعية ووجاهات وعلماء دين، أن «القوة ستسند إليها مهام حفظ الأمن والاستقرار لضمان تأمين الميناء والمطار والإدارات الحكومية، التي جرى تسلمها من «القاعدة». وعن ظروف تأسيس «المجلس الأهلي» ذكر المهندس عمر بن الشكل الجعيدي، رئيس «المجلس الأهلي» الحضرمي لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه أنه «منذ سيطرة (القاعدة) على المُكلاّ سارعنا إلى تشكيل مجلس أهلي بهدف تجنيب المدينة إراقة الدماء. ولذا بادرنا للتواصل مع قيادات التنظيم، ووقعنا اتفاقا مع قائد التنظيم آنذاك ناصر الوحيشي الذي قتل بطائرة من دون طيار، وما زال الاتفاق ملزمًا وساري المفعول ونحن نتابع تنفيذه».
أما بخصوص تعامل المجلس مع إعصار «تشابالا»، فأوضح الجعيدي قائلاً: «شكلنا لجان طوارئ قبل الإعصار بأيام، وتم توزيع الفرق التطوعية إلى مناطق الخطر في السواحل والأودية، وتمكنّا من إجلاء السكان من ساحل البحر، بالإضافة إلى فتح قنوات تصريف السيول التي كانت مغلقة».
غير أنه أفاد بأنه لم يكن هناك تواصل لا من قبل المجلس ولا السلطات مع قيادات «القاعدة» بخصوص تنسيق الجهود الإغاثية.. «بل كان عملهم مستقلاً عنا، عبر توزيع سياراتهم في عدة أحياء بالمُكلاّ». أيضًا وفق رئيس «المجلس الأهلي» فإنه «عند دخول (القاعدة) إلى المُكلاّ ومدن الساحل اختفى الجيش والأمن والقيادات الرسمية، ولم نجد لهم أي أثر»، ثم قال «مشكلة المحافظة أن الدولة غائبة ولم تقدم شيئًا للمحافظة. لم تقدم الحكومة أي مساعدات للمجلس الأهلي، ولا للسكان، وهو ما جعل (القاعدة) تتشبث بالبقاء في المُكلاّ».
من جانبه، يرى صلاح باتيس، عضو رئاسة الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني في اليمن، أن «غياب السلطات المحلية عن المُكلاّ، عاصمة محافظة حضرموت، كان له تأثير سلبي على أعمال الإغاثة والإجلاء، وخاصة أن المحافظة تعاني منذ عقود من غياب البنية التحتية الكافية وضعف وانعدام شبه كامل للإمكانيات الخاصة بالمستشفيات والمراكز الصحية». وتابع باتيس في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «غياب الدولة ومؤسساتها، وسيطرة (القاعدة) على مدن الساحل، جعلا الجهود الشعبية ومنظمات المجتمع المدني هي المتصدّرة التي قامت بعمل الدولة، فيما كان هناك حضور للدولة في حضرموت الوادي وشبوة والمَهرة، وتمكنت السلطات المحلية من مساعدة السكان وتقديم الاحتياجات الضرورية لهم وإن كان بإمكانيات متواضعة ولا ترقى للمستوى المطلوب».
وأوضح: «(القاعدة) لم تستطع أن تقدم شيئًا للمواطنين المتضررين من الإعصار، كما أنه لا يوجد أي تنسيق بينهم وبين السلطات أو الفرق التطوعية. إنهم يظهرون ويختفون فجأة، مع أنهم يسيطرون حاليًا على المُكلاّ والشحر والغيل والديس الشرقية».
وأكد باتيس، الذي ينتمي إلى محافظة حضرموت، أن «سقوط مؤسسات الدولة بأيدي جماعات مسلحة كـ(القاعدة) وغيره فاقم من معاناة سكان حضرموت. وحاول الأهالي بجهود ذاتية تشكيل فرق تطوّعية من أبناء المناطق المتضررة، قامت بالتواصل مع غرف عمليات السلطة المحلية في الوادي المرتبطة بغرفة عمليات الرياض ومع اللجنة الحكومية».

خطأ تكتيكي
في هذه الأثناء، يرى مراقبون أن الانقلاب والاضطرابات التي شهدتها معظم المدن اليمنية، عاملان ساهما في تنامي نفوذ الجماعات الإرهابية كـ«القاعدة» وميليشيات الحوثي وجماعة صالح، قبل أن ينضم إلى هؤلاء فصيل جديد هو «داعش» الذي ينازع تنظيم القاعدة الذي تأسس في 2009 نفوذه. وهنا يشرح سعيد عبيد الجمحي، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، قائلاً إن «(القاعدة)، استغلت – كعادتها – الأوضاع المتردّية، وبسط هيمنته على جزء من محافظة حضرموت، بمساعدة الموالين للنظام السابق لتعميق حالة الفوضى وخلق مزيد من الإرباك الداخلي، وفق قاعدة (عليّ وعلى أعدائي)».
ويوضح الجمحي لـ«الشرق الأوسط» مستطردًا: «رغم استفادة التنظيم من هشاشة الأوضاع، فإنه لم يكن في حسبانه أنه سيكون هو الطرف الأكثر خسارة. إن اختياره حضرموت مركزًا لنشاطه، لم يكن اختيارا موفقًا، إذ فوجئ التنظيم برفض شعبي عارم من قبل أهالي حضرموت، الذين خرجوا بمسيرات رافضة وجوده بينهم. وعلى الرغم من محاولات (القاعدة) التودّد إلى الأهالي من خلال تقديم بعض المساعدات والتملّق للناس، كما حصل أثناء الإعصار، فإن رفض الحضارم للتنظيم يبدو مبدئيًا وغير قابل للتحوّل».
ويشرح الجمحي كيف أن «حسابات (القاعدة) في اختيار حضرموت، حملت خطأ تكتيكيًا، إذ كانت خسارة التنظيم في صفوف قياداته وعناصره هي الأكبر من تأسيسه. إذ لم يفقد تنظيم القاعدة قيادات في وقت قصير، كما حصل له أثناء استيلائه على حضرموت». ويضيف: «نتيجة عدم امتلاك التنظيم أي مشروع سياسي أو اجتماعي، يمكنه من خلاله استمالة المواطن اليمني، كانت خساراته متواصلة». ثم يلفت الجمحي إلى أن أي «استراتيجية للبقاء في المحافظة تبدو مفقودة لدى التنظيم، واتضح أن خياراته فاشلة، ذلك أن حضرموت رغم توسعها الجغرافي، ضاقت بالتنظيم، بسبب الاستفزازات المتواصلة من عناصر التنظيم للأهالي». ويفصل الخبير الاستراتيجي جوانب من أخطاء ممارسات «القاعدة» في حضرموت فيقول إن «تنظيم القاعدة يفرض قيودًا في حركة المواطنين ويقيد حريتهم. كذلك أقدم التنظيم على فرض خطباء وموجّهين تابعين له، ناهيك بأن عناصر التنظيم في حضرموت يتعاملون مع الناس بتعالٍ واستعلاء توهمًا منهم بأنهم أكثر فهمًا للإسلام وتعاليمه من غيرهم خارج التنظيم».
ويذكر الجمحي أن «هذا الأمر تنبّه له زعيم (القاعدة) السابق ناصر الوحيشي، حين ظهر في آخر تسجيل له قبل مقتله وهو يشكو رعونة بعض عناصر جماعته، ومصادمتهم لعامة الناس، من خلال فرض آراء لا يمكن أن يتقبلها الآخرون بهذه السرعة، فضلاً عن أن هذا السلوك لا يتناسب مع جوهر الشريعة، بحسب الوحيشي».
ويفسر الجمحي هذا الموقف من الوحيشي بأنه «يبدو متخاذلاً لدى بعض عناصر التنظيم الأخرى، ويكشف عن خلل داخلي كبير في صفوف التنظيم. وقد يكون ذلك هو الإجابة عن سبب التساقط السريع لقيادات التنظيم وسهولة استهدافهم من خلال الطائرات من دون طيار». ويضيف: «هناك قرائن وأدلة على وجود اختراقات، واهتزاز داخلي لدى تنظيم القاعدة، لا سيما إذا أضفنا إلى كل ذلك، طموحات بعض القيادات في التنظيم للوصول إلى زعامة التنظيم في أسرع وقت».
ويعتقد الجمحي أن التنظيم «يمر حاليًا بوقتٍ عصيب، خاصة مع بروز تنظيم داعش كطرف أكثر تشددًا من كل ما رأيناه في الجماعات المتطرفة». ويردف «(داعش) يتوسع راهنًا على حساب (القاعدة) حتى في حضرموت ويلتهم عناصره بسهولة. وهو يقدم خطابًا يدغدغ فيه مشاعر المتشددين، بتحقيق حلم (الدولة) وليس فقط (الإمارة) التي عجزت (القاعدة) عن الحفاظ عليها، بل انهارت في وقت قصير». ويختتم كلامه بالقول: «جميع الدلائل تشير إلى احتمال وقوع صراع واقتتال قريب بين (القاعدة) و(داعش) في حضرموت، لا سيما أن الحرب الإعلامية بينهما بلغت أوج سعارها في الفترة الأخيرة».

محافظة حضرموت.. في سطور

> تقع محافظة حضرموت على ساحل البحر العربي، وتبعد عن العاصمة صنعاء بحدود 794 كيلومترا، وعدد مديرياتها 30 مديرية، وتعد أكبر محافظات الجمهورية مساحة. ومدينة المُكلاّ عاصمتها، وأكبر موانيها. أما أكبر مدنها الأخرى فهي سيئون وتريم وشبام، الحواضر الثلاث في وادي حضرموت، والشِّحر وغيل باوزير في المنطقة الساحلية.
> يمارس سكان حضرموت الزراعة وصيد الأسماك والعناية بالثروة الحيوانية، خصوصا أن المحافظة تقع على شريط ساحلي طويل يمتد على شاطئ بحر العرب (الجزء الشمالي الغربي من المحيط الهندي)، الذي يمتاز بكثرة وتنوع الأسماك والأحياء البحرية، كما تضم أراضي المحافظة بعض الثروات المعدنية منها حقول النفط وموارد معدنية أهمها الذهب.
> من معالم السياحة في محافظة حضرموت المساجد والمدارس والمكتبات والقصور في مدينة تريم (العاصمة الثقافية والدينية لوادي حضرموت) وحصون وحدائق مدينة سيئون (العاصمة الإدارية والسياسية) وناطحات السحاب الفريدة في مدينة شبام (المدرجة على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي).
> تتميز المحافظة بتنوع مناخها نتيجة مساحتها الكبيرة ومتوسط درجات الحرارة خلال أيام السنة 27 درجة مئوية تقريبًا.
> عدد سكانها أكثر من مليون نسمة، (5.2 في المائة من إجمالي السكان)، ويتوزّعون بين المناطق الجبلية التي تتركز في الأجزاء الوسطى والجنوبية الغربية وبعض الأجزاء الغربية، والقسم الثاني المناطق الصحراوية وتتركز في الأجزاء الشمالية والشمالية الغربية والشرقية للمحافظة، والقسم الثالث بالمناطق الساحلية التي تمثل الشريط الساحلي المطل على البحر العربي.
> بحسب التقسيم الاتحادي الذي أقرته حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي ستكون المحافظة جزءًا من «إقليم حضرموت» الذي يتكوّن من ولايات المَهرة وحضرموت وشبوة وجزيرة سُقُطرى.
> تعد حضرموت من أهم المناطق التي اتخذها تنظيم القاعدة معقلا له، ولقد شن الكثير من الهجمات على كثير من مدنها ونهب كثيرا من المصارف ومعسكرات الجيش، خاصة مدينتي سيئون والشِّحر اللتين تعرضتا لأكثر الهجمات من قبل المسلحين المتشددين.



إيال زامير... رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد عسكري من خارج معارك السياسة

زامير
زامير
TT

إيال زامير... رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد عسكري من خارج معارك السياسة

زامير
زامير

في خضم العاصفة يتولّى الجنرال إيال زامير يوم 6 مارس (آذار) المقبل، منصب رئيس الأركان الـ24 للجيش الإسرائيلي. وعندما قرّر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تعيين زامير لهذا المنصب، فإنه فعل ذلك في اللحظة الأخيرة قبل مغادرة البلاد إلى لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وقد حصل ذلك، ليس فقط كي لا يعيش الجيش في فراغ بعد استقالة رئيس الأركان الحالي الجنرال هيرتسي هليفي، بل أيضاً للظهور أمام الرئيس الأميركي – مثلما يحب الأخير – قائداً قوياً يستطيع أيضاً أن يحارب الجنرالات الأقوياء تحت قيادته.

اختيار زامير بالذات لهذا المنصب، مع أنه أصبح خارج الجيش منذ ثلاث سنوات، هو جزء من الرسالة. ذلك أن زامير يمثل بالنسبة لنتنياهو نهاية عهد وبداية عهد جديد في العلاقات بين القيادتين السياسية والعسكرية.

وهذه العلاقات المتوترة، التي تعكّرت بمبادرة من نتنياهو منذ عام 2011، باتت تلحق أضراراً بالجهتين. ويُؤمل من زامير أن يتولّى مهمة تنظيفها؛ إذ يقال إن قادة الجيش الإسرائيلي ما عادوا يحترمون القيادة السياسية بتاتاً، وأن زامير هو الجنرال الوحيد في المؤسّسة الذي يكنّ قدراً من الاحترام لنتنياهو. ويعود ذلك إلى كونه سكرتيراً عسكرياً سابقاً لرئيس الوزراء، ثم مديراً عاماً لوزارة الأمن، وتولّى إبّان الحرب مهمّة شراء كميات هائلة من الذخائر والأسلحة وعمل بتنسيق يومي مع نتنياهو، وأخيراً، وقف إلى جانب نتنياهو أثناء خلافاته الأخيرة مع وزير الأمن السابق يوآف غالانت.

تنتظره مهام صعبة

غير أن ترميم العلاقات بين الحكومة والجيش سيكون مهمة ثانوية لرئيس الأركان الجديد إذا ما قورنت بالمهام والتحديات الأخرى، وأبرز هذه إعداد الجيش للحروب المقبلة.

إذ إن الجيش بُني خلال السنوات العشر الأخيرة بطريقة يكون فيها «صغيراً (من حيث العديد) وحكيماً»، وثمة قناعة تامة اليوم بأنه يجب أن يعود ليكون كبيراً وكلاسيكياً، ويعتمد في الاجتياحات البرّية على الدبابات والمدرعات. وزامير هو رئيس الأركان الوحيد الآتي من سلاح المدرعات منذ أكثر من 50 سنة (آخر رئيس أركان جاء من سلاح المدرّعات كان دافيد إليعازر الذي قاد الجيش في «حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973»).

الواقع أن الحرب الأخيرة على غزة، وكذلك على لبنان، أظهرتا نقاط ضعف شديدة في الحرب الميدانية، وإبان الحرب تكلم العسكريون عن ذلك، بل ولاحظوا أن الحرب الأوكرانية أضحت درساً أمام جيوش الغرب يتعلمون منه أن لا غنى عن الحرب الميدانية.

بل يتكلم البعض في إسرائيل اليوم عن خطر فتح «جبهة سابعة» ضد تركيا، بسبب التطورات في سوريا. ذلك أن الوجود العسكري التركي هناك يمكن أن يتحوّل إلى صدام مع إسرائيل، والمعروف أن الجيش التركي بُني - وما زال حتى اليوم - كجيش قتال بري. ومع أن هذه الفرضية تبدو ذات احتمالات ضعيفة، حتى الآن، يأخذها العسكريون والمحللون الإسرائيليون في الاعتبار ويثيرونها علناً.

طالب به سموتريتش

يضاف إلى ما سبق وجود قناعة بأن الحرب مع غزة لم تتوقف بعد، وقد تُستأنف في أي وقت. لا بل إن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي كان قد طلب وحظي بما طلبه، ساهم في اختيار زامير.

وحقاً، قال سموتريتش بعد اختيار زامير: «كلّي أمل بأن يثبت زامير جدارته في تغيير عقيدة الجيش إلى عقيدة قتالية صارمة، تتّسم بالإقدام والالتحام وتقتلع الإرهاب الفلسطيني من جذوره». وردّد نتنياهو نفسه هذا الكلام، لدى اتخاذ الحكومة قرارها رسمياً بالمصادقة على تعيين زامير خلال جلستها يوم الأحد 16 الشهر الجاري؛ إذ قال: «زامير رجل صدامي، وهو ما يحتاجه الجيش اليوم».

إلا أن الجملة الأكثر أهمية جاءت عندما تكلّم نتنياهو عن أهمية ولاء المسؤولين الكبار في الحكومة - يقصد أيضاً رئيس الأركان - للحكومة ورئيسها كونهم منتخبي الشعب. وكي يقنع الحاضرين، وهم الوزراء ورؤساء أجهزة الأمن والمستشارة القضائية، راح يروي لهم ما يفعله الرئيس دونالد ترمب في الولايات المتحدة اليوم، مدركاً أن ترمب هو اليوم النجم الساطع لدى غالبية الإسرائيليين.

وهنا فصّل: «انظروا إلى ترمب، إنه يفعل في أميركا ثلاثة أشياء؛ أولاً: أحاط نفسه بأشخاص مخلصين له فقط، وثانياً: أقال كل الأشخاص الذين ما كانوا مخلصين له، وثالثاً: ها هو يقضي على الدولة العميقة بشكل منهجي ومتسق». ويقال إن الدهشة سادت إذ ذاك الغرفة، وتحرّك الحاضرون في مقاعدهم بشكل غير مريح.

زامير، من جهته، فهم الرسالة جيداً قبل تعيينه. ووفق مصادر في قيادة الجيش، يعرف زامير جيداً، في نهاية المطاف، المطلوب منه، أكان من السياسيين أم من العسكريين. ولكن الذين يعرفونه عن قرب يقولون إن «الرجل قدير في المناورات، وشاطر في تذويب الخلافات، لكنه صاحب تفكير مستقل، ولديه عمود فقري من الفولاذ. وأثناء خدمته سكرتيراً عسكرياً للحكومة لم يتردّد في الاختلاف مع نتنياهو لكنه لم يسمح لأي خلاف أن يؤثر على الثقة بينهما».

سيرته الذاتية

إيال زامير (59 سنة) ولد عام 1966 وترعرع في إيلات، ثم انتقل إلى المدرسة الداخلية العسكرية في تل أبيب. وخلال خدمته العسكرية حصل على درجتين جامعيتين، واجتاز دورتي تعليم في الولايات المتحدة وفرنسا في كلية الأمن القومي.

بدأ الخدمة العسكرية في سلاح المدرعات عام 1984، ثم أكمل دورة تدريب على قيادة الدبابات. وظل يتنقل من منصب قيادي حربي إلى آخر حتى صار سكرتيراً عسكرياً للحكومة عام 2012.

بعد ثلاث سنوات، عاد زامير إلى الجيش، وأصبح قائداً للواء الجنوبي، ليسجّل باسمه الجدار القوي المحكم حول قطاع غزة، الذي اخترقته «حماس» بسهولة بالغة يوم 7 أكتوبر 2023.

في عام 2018 عين نائباً لرئيس الأركان، وكان منافساً على رئاسة الأركان، لكن رئيس الوزراء - يومذاك - يائير لبيد، فضّل اختيار هيرتسي هليفي، فترك زامير الجيش، إلا أنه بعد عودة نتنياهو إلى الحكم، عين مديراً عاماً لوزارة الدفاع.

وبحسب مقربين منه، ستكون مهمته الأولى إعادة ترميم صورة الجيش الإسرائيلي في نظر الجمهور، إثر تراجع الثقة فيه، ولا سيما، أثناء الحرب الأخيرة. ويشار اليوم إلى ترهّل في الانضباط، والمطلوب وسيلة حكيمة للتغلب عليها من دون إملاءات.

رضا اليمين

من وراء الكواليس، عمل قادة اليمين الإسرائيلي المتطرف على اختيار زامير، ولكن ليس لأنه يلائم اليمين فكرياً أو سياسياً، بل لأنه لم يُجرّب في الضفة الغربية. ففي العادة، يتولى قائد المنطقة الوسطى في الجيش مهمة قيادة الجيش في الضفة، ومن هنا يحدث احتكاك مع المستوطنين.

زامير لم يتول هذه المهمة، ويوم 7 أكتوبر 2023، كان خارج هيئة رئاسة أركان الجيش. ولذا، رأى فيه اليمين خروجاً عن سرب القيادات العسكرية التي ينبذها.

مع هذا، في الأيام الأخيرة قبل تعيين زامير، لوحظ حراك يميني للانقلاب على هذا التوجه. وبحسب صحيفة «معاريف» فإن زوجة نتنياهو وابنه، الموجودين في مدينة ميامي الأميركية، سعياً لـ«قلب الجرة» وإبطال تعيين زامير في اللحظة الأخيرة. لكن هذا التدخل جاء متأخراً. أما سبب «الانقلاب» فكان التيقن من أن زامير مستقل «زيادة عن الحد».

وتضيف الصحيفة: «مَن يعرف زامير عن كثب عبر خدمته العسكرية يروي أنه ضابط نظيف من الخلطات وبريء من السياسة. ضابط ينظر إلى الجيش لا كـ(وحدة خاصة) أو منظومة خاصة، بل كجهاز عظيم يحتاج أكثر من أي شيء آخر إلى يد حديدية دقيقة على الدفة. ينبغي له أن يعيد الجيش إلى المهنة العسكرية من البداية ويجعله قريباً من الناس. عليه أن يعيد إلى المهنة العسكرية شرفها والحرص على الثقافة العسكرية ألا تنزلق إلى ثقافة معسكرات، خلطات أو تلاعبات. عليه أن يعيد إلى الجيش شرفه وأن يعيد ثقة الجمهور به. عليه أن يحاول بناء سور صيني بين الجيش والسياسيين. إيال زامير سيكون رئيس الأركان الـ24 للجيش الإسرائيلي، ودوره لن يكون أقل من تاريخي».