سقوط قتيل وجرحى في احتجاجات على تدنيس مصحف من طرف مجهولين في نواكشوط

وزير الإعلام الموريتاني: لن نسمح لأصحاب النوايا السيئة باستغلال العواطف الدينية من أجل تحقيق مآرب أخرى

ارشيفية لنواكشوط
ارشيفية لنواكشوط
TT

سقوط قتيل وجرحى في احتجاجات على تدنيس مصحف من طرف مجهولين في نواكشوط

ارشيفية لنواكشوط
ارشيفية لنواكشوط

قتل متظاهر وأصيب آخرون بجراح متفاوتة الخطورة، خلال احتجاجات شهدتها العاصمة الموريتانية نواكشوط أمس، على خلفية حادثة تدنيس المصحف الشريف من طرف مجهولين في أحد مساجد العاصمة مساء أول من أمس. وتدخل الأمن الموريتاني لتفريق آلاف المحتجين الغاضبين الذين حاولوا الوصول إلى القصر الرئاسي.
وكان أربعة أشخاص ملثمين يستخدمون سيارة مظللة النوافذ، ولا تحمل لوحة أرقام، قد دخلوا أحد المساجد في حي شعبي، شمال نواكشوط، مباشرة بعد انتهاء صلاة العشاء، ومزقوا أربعة مصاحف شريفة، ورموا أحدها في دورة مياه بالمسجد، قبل أن يغادروا على عجل، وفق ما نقلته وسائل إعلام محلية عن شهود عيان.
في غضون ذلك، انتشرت حالة من الغضب لدى سكان نواكشوط، مباشرة بعد انتشار الخبر وتداوله من طرف وسائل الإعلام، حيث خرج مئات المحتجين من مختلف أحياء المدينة، وتوجهوا نحو ساحة مسجد ابن عباس، وسط نواكشوط غير بعيد من القصر الرئاسي، فيما جابت مسيرة احتجاجية بالسيارات مختلف شوارع المدينة. ودخل المحتجون في مناوشات مع الأمن خلال محاولتهم الوصول إلى القصر الرئاسي.
وتواصلت الاحتجاجات صباح أمس، حيث أغلقت أسواق العاصمة والمدارس والجامعة، وتجمهر آلاف المحتجين في الشوارع القريبة من القصر الرئاسي، ورددوا هتافات منددة بالواقعة، وطالبوا السلطات العليا بالتدخل للقبض على المتورطين في تدنيس المصحف الشريف، وإنزال العقوبة اللازمة بهم؛ كما رفع المشاركون في المظاهرة التي وصفت بـ«العفوية» شعارات من قبيل «سنحمي المصحف بدمائنا»، وأخرى تدعو إلى «هبة شعبية لنصرة كلام رب البرية».
وتزامنا مع ارتفاع حدة الاحتجاجات فرضت السلطات إجراءات أمنية مشددة، حيث نشرت مئات من عناصر مكافحة الشغب وسط العاصمة، وركزت بشكل كبير على الشوارع المؤدية للقصر الرئاسي؛ وأمام تقدم المتظاهرين استخدم الأمن القنابل الصوتية والقنابل المسيلة للدموع من أجل تفريق المتظاهرين؛ واندلعت إثر ذلك مواجهات وصفت بـ«العنيفة» بين عناصر مكافحة الشغب والمتظاهرين الغاضبين الذين كان بعضهم يكبرُ ويدعو إلى «الجهاد».
وأسفرت المواجهات عن مقتل متظاهر واحد على الأقل وجرح آخرين. وحسب ما أكده شهود عيان فإن الضحية شاب يدرس في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة نواكشوط، تعرض لإصابة مباشرة في الصدر بسبب إحدى القنابل المسيلة للدموع، نقل على إثرها إلى مصحة حيث فارق الحياة. وقال وزير الاتصال (الإعلام) والعلاقات مع البرلمان الموريتاني سيدي محمد ولد محم، في تصريحات أدلى بها للتلفزيون الرسمي تعليقا على تصاعد المواجهات في نواكشوط، إن «جهات مغرضة تسعى إلى استغلال عواطف بعض الشباب لخلق حالة من انعدام الاستقرار الأمني والفوضى للاعتداء على الممتلكات العامة»؛ وأكد الوزير الموريتاني أن السلطات الأمنية عثرت على مصحفين ممزقين في المسجد المذكور «والتحقيق متواصل في الحادثة لمعرفة إن كان تمزيق المصاحف عن إصرار وترصد»، قبل أن يشير إلى أن «شهود العيان وإمام المسجد لم يقدموا معلومات مفيدة للمحققين»، على حد تعبيره.
وشدد ولد محم على أن «الاعتداء على المقدسات ومحاسبة المتورطين فيه، مسؤولية الدولة وأجهزتها الأمنية والقضائية، والحكومة ستقف أمام أي محاولة للمس بالمقدسات، ولن تسمح لأصحاب النوايا السيئة باستغلال العواطف الدينية من أجل تحقيق مآرب أخرى»، قبل أن يدعو إلى «التهدئة وضبط النفس وترك القضاء والنيابة العامة يقومان بدورهما في هذه القضية»، على حد تعبيره. وقال وزير الاتصال الموريتاني في أول تعليق رسمي على مقتل شاب خلال المظاهرات، إن الرصاص لم يكن سبب الوفاة، مؤكدا أن «التحقيق لا يزال جاريا في ملابسات الحادثة».
من جهتها، أصدرت السلطة العليا للصحافة وقطاعي المسموع والمرئي «توصية» موجهة إلى وسائل الإعلام التي تغطي الحادثة، قالت فيها «إثر المنكر العظيم الذي أقدم عليه بعض المجرمين في مسجد بالعاصمة نواكشوط، فإن السلطة العليا للصحافة وقطاعي المسموع والمرئي تهيب بكافة وسائل الإعلام المرئية إلى استحضار روح الوطنية والمسؤولية في تغطيتها للأحداث»؛ وأضافت السلطة المكلفة مراقبة الحقل الإعلامي في موريتانيا «يتطلب ذلك التحلي بالقواعد المهنية في التعاطي مع هذه الواقعة، والابتعاد عن الشائعات المغرضة وكل ما من شأنه تأجيج الوضع أو إثارة النعرات من أي نوع كانت».
يشار إلى أن موريتانيا شهدت خلال الشهرين الماضيين احتجاجات واسعة للتنديد بمقال كتبه شاب موريتاني أساء فيه للنبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ وطالب المحتجون الذين كان من بينهم علماء بارزون بإعدام كاتب المقال، الذي لا يزال معتقلا في مدينة نواذيبو، شمال البلاد.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».