مشروع طموح لتحويل جامعة الملك سعود إلى أكبر حاضنة للمخطوطات الأدبية

من خلال «كرسي الدكتور عبد العزيز المانع لدراسات اللغة العربية وآدابها»

مشروع طموح لتحويل جامعة الملك سعود إلى أكبر حاضنة للمخطوطات الأدبية
TT

مشروع طموح لتحويل جامعة الملك سعود إلى أكبر حاضنة للمخطوطات الأدبية

مشروع طموح لتحويل جامعة الملك سعود إلى أكبر حاضنة للمخطوطات الأدبية

يسعى «كرسي الدكتور عبد العزيز المانع لدراسات اللغة العربية وآدابها» في جامعة الملك سعود لإنجاز مشروع طموح يتعلق بتحويل الجامعة إلى أكبر حاضنة عالمية للمخطوطات العربية. وبدأ هذا الكرسي في تأسيس النواة الأولى للمشروع من خلال إنشاء مركز جامعة الملك سعود لجمع المخطوطات وتحقيقها ونشرها، إذ وصل عدد المخطوطات إلى أكثر من 100 ألف مخطوط، ولا يزال الكرسي يتواصل مع الجهات التي تملك مخطوطات عربية بغرض الحصول عليها وإيداعها مكتبه الجامعة.
وتضمن إنجاز المشروع مراحل تبدأ بتزويد قسم المخطوطات في الجامعة بأكثر من 37 ألف مخطوط خلال ستة أشهر، بينما لم يكن في القسم طوال خمسين عاما سوى 21 ألف مخطوط، في حين تتضمن المرحلة الثانية تزويد الكرسي مكتبة جامعة الملك سعود بأكثر من 37 ألف مخطوط، ثم يصل الرقم إلى 57 ألف مخطوط، وهو قابل للزيادة باستمرار، إذ إن الكرسي يتواصل مع الجهات التي تحتوي على مخطوطات عربية بغرض المبادلة والإهداء والتعاون مقابل الحصول على نسخ من مخطوطاتهم.
أما المرحلة الثالثة فتشمل تزويد مكتبة جامعة الملك سعود بما يقرب من 100 ألف مخطوط، كان الكرسي قد حصل عليها عن طريق المبادلة / الإهداء / التعاون. وبهذا يكون الكرسي قد أسس النواة الأولى للمشروع المقدم لإنشاء «مركز جامعة الملك سعود لجمع المخطوطات وتحقيقها ونشرها»، بعد استكمال تزويد مكتبة الجامعة بهذا العدد الكبير من المخطوطات (نحو 100 ألف مخطوط)، ولا يزال الكرسي يتواصل مع الجهات التي تحتوي على مخطوطات عربية بغرض الحصول عليها وإيداعها مكتبة الجامعة إلى هذه اللحظة.
وقد استطاع الكرسي أن يحصل على صور لهذه المخطوطات من دون أن تتكلف الجامعة ريالا واحدا.

إنجازات الكرسي

يذكر أن «كرسي الدكتور عبد العزيز المانع لدراسات اللغة العربية وآدابها» تم إقراره قبل 5 سنوات بعد نيل صاحبه جائزة الملك فيصل العالمية في اللغة والأدب لعام 2009.
وشملت إنجازات «كرسي الدكتور المانع لدراسات اللغة العربية وآدابها» قائمة من المؤلفات حققها مجموعة من الباحثين السعوديين والعرب، كما أنجز الكرسي محاضرات في غاية الأهمية ضمن اهتماماته، ونظم دورات مختلفة في تحقيق المخطوطات، وتنمية الكفاءة النحوية، وفي مجال اللغة والإبداع، وكيفية كتابة البحوث العلمية، وتحرير الأساليب الأدبية، والتصحيح الإملائي، والأخطاء الشائعة معها، كما شارك عدد من أعضاء الكرسي خارجيا في إلقاء المحاضرات وإعداد بحوث وتقديم أوراق عمل ودراسات مختلفة. ووقع الكرسي عقود شراكة مع جهات ومؤسسات أكاديمية خارجية ومحلية لتحقيق جملة من أهداف الكرسي، كما تم توقيع عقود مع أفراد للقيام بمشاريع لصالح الكرسي ونشاطاته، وأنجز الكرسي تقارير علمية حولية من العلماء إلى العلماء حول حاجز اللغة العربية وآدابها.
وفي ما يتعلق بإنجازات الكرسي من المؤلفات وتحقيقها تم نشر 16 مؤلفا حملت عناوين: «الشاهد الشعري في النحو العربي» للدكتور محمد الباتل الحربي، و«نظر في الشعر القديم» للدكتور حسين الواد، و«الأسلوبيات الأدبية» للدكتور محيي الدين محسب، و«الشعار على مختار نقد الأشعار» للدكتور عبد العزيز المانع، و«من اسمه عمرو من الشعراء» للدكتور عبد العزيز المانع، و«تحليل القصص» للدكتور ناصر الحجيلان، و«نشوة الطرب في تاريخ جاهلية العرب» للدكتور أحمد كمال والدكتور حسن الشماع، و«شعر الأخضر اللهبي» لإبراهيم الحقيل، و«نحو المعنى: بين البلاغة والنحو» للدكتورة خلود الصالح، و«دراسات لغوية» للدكتور إبراهيم الشمسان، و«ظاهرة حديث الشعر عن الشعر» للدكتور عبد العزيز الخراشي، و«الشعر العربي في أعمال ياروسلاف ستيتكيفيتش» للدكتور حسن البنا عز الدين، و«ديوان عبد الله بن الزبعرى» للدكتور عبد الله الجربوع، و«مناظرة الحاتمي وأبي الطيب المتنبي» للدكتور حسن الشماع، و«الزمن في العربية» للدكتورة جنان التميمي، في حين سيتم طباعة ستة مؤلفات هي: «رسائل العميدي» للدكتور إحسان الجابري، و«فصيح ثعلب» للدكتور سليمان العايد، و«قياس العكس في الجدل النحوي» للدكتور محمد العمري، و«معجم المصطلحات النقدية» للدكتور محمود الربداوي، و«جامع محاسن كتابة الكتاب» للدكتور عبد العزيز المانع، و«أمالي الزجاجي» للدكتور محمد خير البقاعي.
أما المحاضرات التي نظمها «الكرسي» خلال السنوات الأربع الماضية فحملت عناوين في غاية الأهمية لخدمة اللغة العربية وآدابها، أبرزها: «نظرية اكتساب اللغة بالفطرة والممارسة»، و«اللغة العربية في الجامعات الأميركية: جامعة كولومبيا نموذجا»، و«اللغة العربية وآفاق الحوسبة»، و«بيت المتنبي في حلب»، و«الحركة العلمية أيام سيف الدولة: العمارة، الطب، الفلك»، و«واقع اللغة العربية في الصحافة المقروءة»، و«أبعاد النظرية الثقافية الاجتماعية وأثرها في مجال تعليم اللغة»، و«النصوص الفردية أم الخطابات الجمعية.. القشرة وما تحتها».
ومن ضمن أنشطة الكرسي إعداد بحث عن نشر المخطوطات بالمملكة لتقديمه لمنتدى مركز الملك عبد الله الدولي لخدمة اللغة العربية، الذي سيعقد في الرباط يناير (كانون الثاني) المقبل، والاشتراك في لجنة الاختيار بجائزة الملك فيصل، وغيرهما. وساهم الكرسي بتدريس اللغة العربية في قسم اللغة العربية بجامعة مالنق بإندونيسيا، بـ90 أستاذا. وفي ما يخص عقود الشراكة مع المؤسسات الأكاديمية، أبرم الكرسي اتفاقية تعاون مع جامعة هايدلبرغ لخدمة مشروع توأمة دولي بهدف حصول جامعة الملك سعود متمثلة بالكرسي على صور لجميع مخطوطات جامعة هايدلبرغ، ومع قسم الإعلام بجامعة الملك سعود من خلال مشروع لدعم التواصل الأكاديمي بين الكرسي والأقسام العلمية ذات الاهتمام باللغة العربية من الناحية التطبيقية، كما تم توقيع عقد مع النادي الأدبي بالرياض لمشروع يتعلق بتحقيق المشاركة المجتمعية في تنمية المعرفة اللغوية والثقافة الأدبية العربية.

يفاوض جامعات عالمية لتبادل المخطوطات العربية

المانع يقدم مشروعا غير مسبوق لطريق هروب المتنبي

أنجز الدكتور عبد العزيز المانع الذي يحمل الكرسي اسمه رحلات علمية وعملية ذات طبيعة مختلفة غير مسبوقة، هذا ناهيك بالمحاضرات والدراسات الأخرى التي قام بها، ولعل أبرزها إنجاز مشروع غير مسبوق لوضع خارطة علمية لهروب المتنبي من مصر إلى الكوفة من خلال قيام المانع برحلتين تمهيديتين لكل من القاهرة وسيناء للتعرف على أماكن انطلاق المتنبي، بالإضافة إلى رحلتين إلى الأردن لتتبع الأماكن التي مر بها المتنبي، ورحلة تمهيدية لكل من تبوك والجوف لذات الهدف. وأنجز المانع الرحلة العلمية إلى الأردن وشمال السعودية لرسم طريق هروب المتنبي ووضع الخرائط النهائية للطريق كله حسب معايير علمية دقيقة، وذلك بالاتفاق والمشاركة مع إدارة المساحة العسكرية بالرياض، إضافة إلى زيارة علمية أخرى إلى الأردن للاطلاع على بعض الخرائط الخاصة بالمتنبي، وذلك بالتعاون مع الجمعية الملكية الجغرافية لخدمة مشروع وضع خارطة علمية لهروب المتنبي من مصر إلى الكوفة. وتضمنت الزيارات العملية والعملية للدكتور المانع زيارة لجامعة هايدلبرغ بألمانيا لصالح تنفيذ مشروع التوأمة المتفق حوله. وقد تم الاتفاق على تزويد الجامعة بما لديهم من مخطوطات عربية لخدمة المشروع. ونظم أيضا زيارة عمل لجامعة مالنق في إندونيسيا، للعمل أستاذا زائرا للغة العربية لمدة أسبوعين، وزيارة إلى برلين للتفاوض مع مكتبة برلين الوطنية حول إمكانية تبادل المخطوطات العربية بينها وبين جامعة الملك سعود، وكذلك زيارة عمل للنمسا للغرض ذاته.

*******************************************************************

شرح الصور:
1. الملك عبد الله بن عبد العزيز يسلم الدكتور المانع جائزة الملك فيصل العالمية في اللغة والأدب لعام 2009، وعلى أثر ذلك تم إنشاء كرسي باسمه في جامعة الملك سعود
2. الدكتور عبد العزيز المانع



رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة
TT

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

رحلة مع الشعر عبر الأزمنة والأمكنة

ليس أكثر من قصائد الشعر بمختلف اللغات وفي شتى العصور، ولكن ما عسى الشعر أن يكون؟ يقول جون كاري (John Carey) أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة أوكسفورد في كتابه «الشعر: تاريخ وجيز» (A Little History of Poetry)، (مطبعة جامعة ييل، نيوهفن ولندن، 2020) إن «صلة الشعر باللغة كصلة الموسيقى بالضوضاء. فالشعر لغة مستخدمة على نحوٍ خاص، يجعلنا نتذكر كلماته ونثمنها». وكتاب كاري الذي نعرضه هنا موضوعه أشعار عاشت على الزمن منذ ملحمة جلجامش البابلية في الألفية الثالثة ق.م وملحمتي هوميروس «الإلياذة» و«الأوديسة» في القرن الثامن ق.م حتى شعراء عصرنا مثل الشاعر الآيرلندي شيمس هيني (تُوفي في 2013) والشاعرة الأفرو - أميركية مايا أنجيلو (توفيت في 2014) والشاعر الأسترالي لس مري (توفي في 2019).

ليس الشعر كما يظن كثيرون خيالاً منقطع الصلة بالواقع أو تهويماً في عالم أثيري عديم الجذور. إنه كما يوضح كاري مشتبك بالأسطورة والحرب والحب والعلم والدين والثورة والسياسة والأسفار. فالشعر ساحة لقاء بين الشرق والغرب، ومجال للبوح الاعترافي، ومراوحة بين قطبي الكلاسية والرومانسية، وأداة للنقد الاجتماعي، ومعالجة لقضايا الجنس والعرق والطبقة. إنه كلمات يختارها الشاعر من محيط اللغة الواسع ويرتبها في نسق معين يخاطب العقل والوجدان والحواس. فالشعراء كما تقول الشاعرة الأميركية ميريان مور يقدمون «حدائق خيالية بها ضفادع حقيقية».

وتعتبر الشاعرة اليونانية سافو (630 ق.م-570 ق.م) من جزيرة لسبوس أول شاعرة امرأة وصلت إلينا أشعارها في هيئة شذرات (القصيدة الوحيدة التي وصلت إلينا منها كاملة عنوانها «أنشودة إلى أفروديتي» ربة الحب). المحبوبة في قصائدها تفاحة حمراء ناضجة في شجرة عالية بعيدة المنال. أو هي زهرة جبلية يطأها الرعاة الأجلاف بأقدامهم فتترك أثراً أرجوانياً على الأرض. وفى قصيدتها المعروفة باسم «الشذرة 31» ترى صديقة لها تتحدث مع رجل وتضاحكه فتتولاها الغيرة ويثب قلبها في صدرها وتشعر كأن ناراً ترعى في بدنها فتعجز عن الكلام وتغيم عيناها وترتعد فرائصها (للدكتور عبد الغفار مكاوي كتاب صغير جميل عن «سافو شاعرة الحب والجمال عند اليونان»، دار المعارف، القاهرة).

والشعر مشتبك بالدين كما هو الحال في غزليات الشاعر الفارسي حافظ الشيرازي (من القرن الرابع عشر الميلادي) الذي لا نعرف الكثير عن حياته. نعرف فقط أنه حفظ القرآن الكريم في طفولته واشتغل خبازاً قبل أن يغدو من شعراء البلاط ودرس الصوفية على يدي أحد أقطابها. وهو يستخدم صور الحب والخمر كما يفعل المتصوفة رمزاً إلى الحب الإلهي والوجد الصوفي والنشوة الروحية المجاوزة للحواس. وقد غدت قصائده من كنوز اللغة الفارسية، ودخلت بعض أبياته الأمثال الشعبية والأقوال الحكمية، ولا يكاد بيت إيراني يخلو من ديوانه.

كذلك نجد أن الشعر يشتبك بكيمياء اللغة وقدرتها على الإيحاء ومجاوزة الواقع دون فقدان للصلة به. يتجلى هذا على أوضح الأنحاء في عمل الشاعر الرمزي الفرنسي أرتور رامبو من القرن التاسع عشر. فعن طريق تشويش الحواس والخلط بين معطياتها يغدو الشاعر رائياً يرى ما لا يراه غيره وسيتكشف آفاق المجهول. فعل رامبو هذا قبل أن يبلغ التاسعة عشرة من العمر، وذلك في قصائده «السفينة النشوى» (بترجمة ماهر البطوطي) و«فصل في الجحيم» (ترجمها الفنان التشكيلي رمسيس يونان) و«اللوحات الملونة» أو «الإشراقات» (ترجمها رفعت سلام). وبهذه القصائد غدا رامبو - ومعه لوتريامون صاحب ديوان «أغاني مالدورور» - أباً للسريالية في العقود الأولى من القرن العشرين.

والشعر مشتبك بالسياسة خاصة في عصرنا الذي شهد حربين عالميتين وحروباً محلية وصراعات آيديولوجية ما بين نازية وفاشية وشيوعية وليبرالية وديمقراطية وأصولية دينية، كما شهد المحرقة النازية وإلقاء أول قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناجازاكي. وممن عاشوا أزمات هذا العصر الشاعر التشيكي ياروسلاف سيفرت (1986-1901) الحائز جائزة نوبل للأدب في 1984. إنه في ديوانه المسمى «إكليل من السوناتات» (1956) يخاطب مدينته براغ التي أحالتها الحرب العالمية الثانية إلى ركام معبراً عن حبه لها وولائه لوطنه. وشعر سيفرت يقوم على استخدام المجاز. وقد جاء في حيثيات منحه جائزة نوبل أن شعره الذي يمتاز بالوضوح والموسيقية والصور الحسية يجسد تماهيه العميق مع بلده وشعبه.

ومن خلال الترجمة يتمكن الشعر من عبور المسافات وإقامة الجسور وإلغاء البعد الزمني، وذلك متى توافر له المترجم الموهوب القادر على نقل روح القصيدة ونصها. هذا ما فعله المترجم الإنجليزي آرثر ويلي (توفي في 1966) الذي نقل إلى الإنجليزية كثيراً من الآثار الشعرية والروائية والمسرحية الصينية واليابانية.

ومن أمثلة ترجماته هذه القصيدة القصيرة من تأليف الإمبراطور الصيني وو-تي (القرن الأول ق.م) وفيها يرثي حبيبته الراحلة:

لقد توقف حفيف تنورتها الحريرية.

وعلى الرصيف الرخامي ينمو التراب.

غرفتها الخالية باردة ساكنة.

وأوراق الشجر الساقطة قد تكوّمت عند الأبواب.

وإذ أتوق إلى تلك السيدة الحلوة

كيف يتسنى لي أن أحمل قلبي المتوجع على السكينة؟

ويختم جون كاري هذه السياحة في آفاق الشعر العالمي، قديماً وحديثاً، شرقاً وغرباً، بقوله إن الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على طرح الأسئلة على الكون، بغية إدراك معنى الوجود، أسئلة لا تجد إجابة في الغالب، ولكن هذا التساؤل - من جانب الفيلسوف والعالم والشاعر - يمثل مجد الإنسان ومأساته معاً.