لم تتوقع الدولة المصرية وقت إنشاء حي التجمع الخامس، أن يكون وجهة للطبقة المرتفعة مصريين كانوا أو أجانب، إذ كانت المنطقة وقت قرار الحكومة عام 2000 بإنشائها على مساحة تقترب من 70 ألف فدان، على أطراف القاهرة الشرقية، شيئا يقترب من الدعابة الثقيلة، نظرًا لبعدها عن المنطقة السكنية بعشرات الكيلومترات من وسط المدينة.
ولكن حسن تخطيط المنطقة والطقس المعتدل نتيجة ارتفاعها عن سطح البحر بنحو 180 مترًا، جذب الشركات العقارية التي نوعت من تصميماتها للمباني على الطراز الشرقي والغربي، مما أضفى شكلاً متجانسًا للحي الذي لقب بالراقي فيما بعد.
وجذبت ضاحية التجمع الخامس على أطراف القاهرة مشاهير وسياسيين رأوا فيه الهدوء المطلوب والتجانس المجتمعي، والراحة النفسية نتيجة وجود مساحات خضراء شاسعة مخططة مع المباني، وكان أبرز هؤلاء المشاهير الفنانة الراحلة فاتن حمامة، والسياسي عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية السابق، ووزير الطيران السابق أحمد شفيق المرشح السابق للرئاسة، وأيضًا الرئيس الأسبق محمد مرسي المحبوس حاليًا على ذمة عدة قضايا. إلى جانب قادة كبار بالجيش مثل وزير الدفاع المصري الأسبق المشير حسين طنطاوي، والفريق سامي عنان رئيس أركان الجيش الأسبق.
وجذب الحي الراقي الشركات العقارية العربية والأجنبية، التي ساهمت بشكل مباشر في التنوع العمراني من الروماني والإسلامي والفرعوني والحديث، وإضفاء لمسة غربية على بعض المباني من خلال إقامة مجموعة من العمارات بشكل متناسق مع عدد من الفيلات داخل منطقة محددة (كمبوند) وبأبواب إلكترونية.
ويعد التجمع الخامس من أسرع المناطق من حيث معدل البناء في مصر، وهو أحد تجمعات مدينة القاهرة الجديدة، ويتكون من عدة أحياء منها الحي الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بالإضافة إلى غرب الجولف والشويفات والدبلوماسيين وحي النرجس وحي الياسمين وحي البنفسج وحي جنوب الأكاديمية.
ويحتوي أكبر شوارعه (شارع التسعين) على مراكز مالية وإدارية وأنشطة تجارية، ويعتبر واجهة لأفخر وأفخم الماركات العالمية من ملابس وأساس ومأكولات، حتى إن سفيرة السويد حضرت مؤخرًا افتتاح إحدى الماركات السويدية الشهيرة لمول ضخم بالمنطقة.
ونقلت الشركات العقارية العربية خبرة إنشاء المولات والتجمعات للسوق المصرية، فأنشأت شركة الفطيم العقارية مدينة «كايرو فيستفال سيتي» التي تحاكي المدن الأوروبية على مساحة 3 ملايين متر مربع، كما تحتوي على مول يحاكي المولات العملاقة في الإمارات.
ومن أشهر الشركات العقارية التي أنشأت مدنا ومناطق بالحي الخامس، «إعمار الإماراتية» التي أنشأت مدينة «كلوب هاوس»، و«الفطيم» الإماراتية (كايرو فيستفال سيتي)، و«بالم هيلز» المصرية (كمبوند هيلز)، و«سوديك» المصرية (إيست تاون)، و«عامر جروب» المصرية (بورتو كايرو التجمع)، ومجموعة مكسيم المالكة لفندق كمبينسكي المصمم على طراز فريد.
ونظرًا لإقبال الشركات والماركات العالمية على حجز مكان في هذا الحي، فإن حجم الاستثمارات في التجمع الخامس يصل إلى ما يقدر بمليارات الدولارات، إذ تبلغ قيمة الوحدة السكنية الواحدة في أحد التجمعات السكنية المعروضة للبيع في كمبوند بالم هيلز على سبيل المثال نحو مليوني جنيه مصري (نحو 241 ألف دولار).
ويمنع في التجمع الخامس، أي نشاط تجاري في المناطق السكنية، للحفاظ على خصوصية السكان، الذين يبلغ عددهم الآن أكثر من 3 ملايين نسمة، لكن نسبتهم تعد قليلة الكثافة للغاية مقارنة بالمساحة الشاسعة، مما يزيد من الهدوء والحفاظ على المساحات الخضراء، ويوفر الراحة لقاطني المنطقة، بالإضافة إلى غياب ظاهرة الباعة الجائلين الذين ينتشرون في المناطق العشوائية.
لكن مع محاكمة أحد المشاهير أو المسؤولين، تتوجه الأنظار نحو التجمع الهادئ والراقي، من كاميرات تلفزيونية وصحافيين وإعلاميين وأنصار المجني عليه وأنصار الجاني، ومئات من أفراد الشرطة للسيطرة على الوضع. وذلك نظرًا لوجود مجمع محاكم كبير تحول إليه القضايا الكبرى.
ويأتي قرار إنشاء مجمع المحاكم، في التجمع الخامس، ليوضح كيفية تخطيط الدولة المصرية وقتها، التي كانت ترنو إلى إنشاء هذا الحي لحل أزمة الزحام بوسط المدينة والقاهرة الكبرى بشكل عام، فعندما قررت الحكومة في السبعينات إنشاء تجمعات حول الطريق الدائري، قرر وزير الإسكان آنذاك، المهندس حسب الله الكفراوي، إنشاء 12 تجمعًا حول هذا الطريق، وأطلق عليها أسماء التجمع الأول، والثاني، والثالث.. وهكذا، على أن يستوعب كل تجمع نحو 200 ألف شخص، أي سيتم تسكين نحو 2.5 مليون مواطن من فقراء القاهرة في هذه التجمعات. وتم تكليف 12 مكتبًا مصريًا لتخطيط هذه التجمعات، وتم تسليم كل تجمع لواحدة من شركات الدولة، مثل شركات مصر الجديدة، والمعادي، ومدينة نصر، تكون مهمتها تعمير هذه التجمعات. إلا أن تطور الأحداث وتعاقب الوزراء لم يفلح في الحفاظ على التجمع الخامس للفقراء، أو حل أزمة الزحام بوسط المدينة.
وتعتبر أحياء الفيلات مثل الجولف، وأربيلا، والشويفات، وغيرها، من أرقى مناطق القاهرة الجديدة، ومتوسط سعر الأراضي بها يتجاوز 7 آلاف جنيه للمتر، ونفس الأمر ينطبق على المناطق التي تطل على شارع التسعين.
التجمع الخامس في القاهرة.. ضاحية الأرستقراطية والمشاهير
أنشئ كحل لأزمة الفقراء.. فتحول إلى أرقى مناطق العاصمة
التجمع الخامس في القاهرة.. ضاحية الأرستقراطية والمشاهير
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة