ميانمار تجري أول انتخابات وطنية منذ 25 عامًا

المعارضة أونغ سان سو تشي تؤكد أنها ستترأس الحكومة إذا فاز حزبها بالانتخابات

ميانمار تجري أول انتخابات وطنية منذ 25 عامًا
TT

ميانمار تجري أول انتخابات وطنية منذ 25 عامًا

ميانمار تجري أول انتخابات وطنية منذ 25 عامًا

أكدت أونغ سان سو تشي، زعيمة حزب الرابطة القومية من أجل الديمقراطية، أمس، أنها سوف تحكم ميانمار إذا فاز حزبها في الانتخابات التي سوف تجرى بعد غد، والتي تعد أول انتخابات وطنية منذ 25 عاما.
لكن وفقا للدستور الحالي الذي وضعه الجيش، فإنه لا يمكن أن تصبح سو تشي رئيسة للبلاد، لأن ابنيها أجنبيان، حيث يحملان الجنسية البريطانية.
وقالت سو تشي للصحافيين خارج مقر إقامتها، أمس، حيث أمضت نحو عقدين قيد الإقامة الجبرية خلال الحكم العسكري، إنه «إذا فاز حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية بالانتخابات، فسوف أترأس الحكومة». وأضافت موضحة: «لدينا مرشح مستعد لأن يصبح الرئيس.. سوف أكون فوق الرئيس.. ولا يوجد بند في الدستور يمنع شخصا من أن يصبح (فوق الرئيس)».
وعلى الرغم من أن القانون يمنع سو تشي من أن تصبح رئيسة، فإن الحزب يعتمد بقوة على صورتها في حملته الانتخابية. وستكون الانتخابات المقررة بعد غد الأحد الأولى التي يشارك فيها حزب الرابطة الوطنية منذ عام 1990، حيث كان الحزب قد قاطع الانتخابات عام 2010، مما سمح لحزب اتحاد التضامن والتنمية الذي يدعمه الجيش بالفوز بالانتخابات.
وقد أثارت سو تشي تساؤلات بشأن العملية الانتخابية الحالية بقولها إن «العملية الانتخابية أقل من أن تكون حرة ونزيهة». وقد قدم حزب الرابطة الوطنية شكوى أمس لدى اللجنة الانتخابية بالبلاد، قال فيها إن الرئيس ثين سين يقوم بحملة من أجل حزب اتحاد التضامن والتنمية، في وقت يمنع فيه القانون المسؤولين في المناصب العليا من إظهار تأييدهم لحزبهم.
ولم تجب سو تشي مباشرة عن أسئلة بشأن أزمة الروهينغيا، وهو الموقف الذي وصفته بعض الجماعات الحقوقية بالإبادة الجماعية، لكنها قالت إنه «لا يجب أن نبالغ في وصف الموقف»، لكنها أضافت موضحة: «ومع ذلك فإنه إذا فاز حزب الرابطة الوطنية فإنني أتعهد بأن يتم احترام الحقوق الإنسانية لكل شخص يعيش في هذه البلاد».
وردا على تعليقات سو تشي، أوضح حزب اتحاد التضامن والتنمية أنه لا يوجد «سبيل لها لكي تترأس الحكومة»، إذ قال نائب رئيس الحزب هتاي أو، لوكالة الأنباء الألمانية: «يجب أن تظهر بعض الاحترام لدستور البلاد، سواء كان يروق لها أم لا»، مضيفا أنه سوف يكون من المستحيل أن يشكل حزب الرابطة الوطنية حكومة من دون شركاء ائتلاف، مشيرا إلى أن احتمالية تحقيق فوز ساحق «مستحيلة».
من جانبها، دعت المعارضة البورمية أونغ سان سو تشي، التي تواجه انتقادات في أغلب الأحيان بسبب صمتها حيال أقلية الروهينغيا المسلمة المضطهدة، أمس، إلى «عدم المبالغة» في توصيف مأساة الروهينغيا. وقالت في مؤتمر صحافي كبير، ردا على استخدام كلمة «إبادة» في سؤال طرحه صحافي، بقولها إنه «من المهم جدا عدم المبالغة في وصف مشاكل البلاد». وأضافت موضحة أن «البلد برمته في وضع خطير وليس وحدها ولاية راخين»، التي تقع في غرب البلاد، حيث يعيش آلاف من الروهينغيا وعدد كبير منهم في مخيمات للنازحين.
وواجهت أونغ سان سو تشي خلال الأشهر الأخيرة انتقادات في الخارج لصمتها بشأن 1.3 مليون من الروهينغيا المسلمين الذين يواجهون أعمال عنف دينية وقوانين تمييزية في بلد يشكل البوذيون غالبية سكانه.
وكانت جامعة يال الأميركية قد قالت في تقرير الأسبوع الماضي إن هناك «أدلة دامغة» تسمح بوصف ما يجري ضد الروهينغيا بالإبادة. فيما يتحدث طلاب حقوق أجروا تحقيقا قانونيا عن عمليات قتل وفرض قيود على الإنجاب، وعن شروط من شأنها أن تدمر المجموعة، كالعيش في المخيمات والحرمان من الغذاء والعناية، وهو ما ينطبق برأيهم على تعريف الإبادة.
وفي 2012، اندلعت أعمال عنف في ولاية راخين أسفرت عن سقوط أكثر من مائتي قتيل معظمهم من المسلمين. وبسبب ذلك اضطر آلاف لمغادرة بيوتهم، فيما لا يزال أكثر من 140 ألف شخص يعيشون في مخيمات، بينما يحاول الآلاف كل سنة الهرب من البؤس والاضطهاد.
وتواجه البلاد أيضا صعودا للتطرف البوذي الذي تجسده حركة لجنة حماية الجنسية والديانة (ماباثا)، بقيادة الراهب ويراتو الذي يروج لخطاب عنيف ضد المسلمين. وقد عبر ديفيد ماثيسون، من منظمة «هيومان رايتس ووتش» المدافعة عن حقوق الإنسان، عن أسفه لأن «وضع الروهينغيا المجردين من الجنسية في ولاية راخين كارثي فعلا، ورد أونغ سان سو تشي اليوم مبهم، بينما يتطلب الوضع تحركا حاسما ومنسقا».
وكان مصير الروهينغيا قد احتل العناوين الرئيسية للصحافة الدولية في مايو (أيار) الماضي عندما فر آلاف منها في مراكب هشة، وعلقوا في خليج البنغال بعد حملة ضد شبكات التهريب السرية في تايلاند. إلا أن سو تشي وعدت «بحماية كل الذين يعيشون في هذا البلد»، طبقا لحقوق الإنسان. لكنها لم تذهب أبعد من ذلك في وقت يحاول فيه البوذيون المتطرفون إسقاط مصداقيتها لدى الناخبين بوصفها بأنها مؤيدة للمسلمين.



إندونيسيون ضحايا «عبودية حديثة» بعد وقوعهم في فخ شبكات جرائم إلكترونية

صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
TT

إندونيسيون ضحايا «عبودية حديثة» بعد وقوعهم في فخ شبكات جرائم إلكترونية

صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)

كان بودي، وهو بائع فاكهة إندونيسي، يبحث عن مستقبل أفضل عندما استجاب لعرض عمل في مجال تكنولوجيا المعلومات في كمبوديا، لكنّه وجد نفسه في النهاية أسير شبكة إجرامية تقوم بعمليات احتيال رابحة عبر الإنترنت.

يقول الشاب البالغ 26 عاماً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، مفضلاً عدم ذكر كنيته: «عندما وصلت إلى كمبوديا، طُلب مني أن أقرأ سيناريو، لكن في الواقع كنت أعد لعمليات احتيال».

داخل مبنى محاط بأسلاك شائكة وتحت مراقبة حراس مسلّحين، كانت أيام بودي طويلة جداً، إذ كان يقضي 14 ساعة متواصلة خلف شاشة، تتخللها تهديدات وأرق ليلي.

وبعد ستة أسابيع، لم يحصل سوى على 390 دولاراً، بينما كان وُعد براتب يبلغ 800 دولار.

وفي السنوات الأخيرة، اجتذب آلاف الإندونيسيين بعروض عمل مغرية في بلدان مختلفة بجنوب شرقي آسيا، ليقعوا في نهاية المطاف في فخ شبكات متخصصة في عمليات الاحتيال عبر الإنترنت.

أُنقذ عدد كبير منهم وأُعيدوا إلى وطنهم، لكنّ العشرات لا يزالون يعانون في مصانع الاحتيال السيبراني، ويُجبرون على البحث في مواقع وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها عن ضحايا.

تروي ناندا، وهي عاملة في كشك للأطعمة، كيف سافر زوجها إلى تايلاند في منتصف عام 2022 بعد إفلاس صاحب عمله، وانتهز فرصة كسب 20 مليون روبية (1255 دولاراً) شهرياً في وظيفة بمجال تكنولوجيا المعلومات نصحه بها أحد الأصدقاء.

لكن عندما وصل إلى بانكوك، اصطحبه ماليزي عبر الحدود إلى بورما المجاورة، مع خمسة آخرين، باتجاه بلدة هبا لو، حيث أُجبر على العمل أكثر من 15 ساعة يومياً، تحت التهديد بالضرب إذا نام على لوحة المفاتيح.

وتضيف المرأة البالغة 46 عاماً: «لقد تعرض للصعق بالكهرباء والضرب، لكنه لم يخبرني بالتفاصيل، حتى لا أفكر بالأمر كثيراً».

ثم تم «بيع» زوجها ونقله إلى موقع آخر، لكنه تمكن من نقل بعض المعلومات بشأن ظروفه إلى زوجته، خلال الدقائق المعدودة التي يُسمح له فيها باستخدام جواله، فيما يصادره منه مشغلوه طوال الوقت المتبقي.

غالباً ما تكون عمليات التواصل النادرة، وأحياناً بكلمات مشفرة، الأدلة الوحيدة التي تساعد مجموعات الناشطين والسلطات على تحديد المواقع قبل إطلاق عمليات الإنقاذ.

«أمر غير إنساني على الإطلاق»

بين عام 2020 وسبتمبر (أيلول) 2024 أعادت جاكرتا أكثر من 4700 إندونيسي أُجبروا على إجراء عمليات احتيال عبر الإنترنت من ثماني دول، بينها كمبوديا وبورما ولاوس وفيتنام، بحسب بيانات وزارة الخارجية.

لكن أكثر من 90 إندونيسياً ما زالوا أسرى لدى هذه الشبكات في منطقة مياوادي في بورما، على ما يقول مدير حماية المواطنين في وزارة الخارجية جودها نوغراها، مشيراً إلى أنّ هذا العدد قد يكون أعلى.

وتؤكد إندونيسية لا يزال زوجها عالقاً في بورما أنها توسلت إلى السلطات للمساعدة، لكنّ النتيجة لم تكن فعّالة.

وتقول المرأة البالغة 40 عاماً، التي طلبت إبقاء هويتها طي الكتمان: «إنه أمر غير إنساني على الإطلاق... العمل لمدة 16 إلى 20 ساعة يومياً من دون أجر... والخضوع بشكل متواصل للترهيب والعقوبات».

ويقول جودا: «ثمة ظروف عدة... من شأنها التأثير على سرعة معالجة الملفات»، مشيراً خصوصاً إلى شبكات مياوادي في بورما، حيث يدور نزاع في المنطقة يزيد من صعوبة عمليات الإنقاذ والإعادة إلى الوطن.

ولم تتمكن الوكالة من التواصل مع المجلس العسكري البورمي أو المتحدث باسم جيش كارين الوطني، وهي ميليشيا تسيطر على المنطقة المحيطة بهبا لو، بالقرب من مياوادي.

وتشير كمبوديا من جانبها إلى أنها ملتزمة باتخاذ إجراءات ضد هؤلاء المحتالين، لكنها تحض أيضاً إندونيسيا والدول الأخرى على إطلاق حملات توعية بشأن هذه المخاطر.

وتقول تشو بون إنغ، نائبة رئيس اللجنة الوطنية الكمبودية للتنمية، في حديث إلى الوكالة: «لا تنتظروا حتى وقوع مشكلة لتوجيه أصابع الاتهام إلى هذا البلد أو ذاك. هذا ليس بحلّ على الإطلاق».

وتضيف: «لن نسمح بانتشار مواقع الجرائم الإلكترونية هذه»، عادّة أن التعاون الدولي ضروري لوقف هذه المجموعات، لأنّ «المجرمين ليسوا جاهلين: ينتقلون من مكان إلى آخر بعد ارتكاب أنشطتهم الإجرامية».

«جحيم»

تقول هانيندا كريستي، العضو في منظمة «بيراندا ميغران» غير الحكومية التي تتلقى باستمرار اتصالات استغاثة من إندونيسيين عالقين في فخ هذه الشبكات: «الأمر أشبه بعبودية حديثة».

وتمكّن بودي من الفرار بعد نقله إلى موقع آخر في بلدة بويبيت الحدودية الكمبودية.

لكنه لا يزال يذكر عمليات الاحتيال التي أُجبر على ارتكابه. ويقول: «سيظل الشعور بالذنب يطاردني طوال حياتي».