شاشة الناقد

لقطة لمحمد أدار من فيلم «هواجس الممثل المنفرد»
لقطة لمحمد أدار من فيلم «هواجس الممثل المنفرد»
TT

شاشة الناقد

لقطة لمحمد أدار من فيلم «هواجس الممثل المنفرد»
لقطة لمحمد أدار من فيلم «هواجس الممثل المنفرد»

هواجس الممثل الجميلة
‫* هواجس الممثل المنفرد بنفسه ‬
- إخراج: حميد بنعمرة
- تقييم الناقد: ‪ ‬ (****) (من خمسة).

الممثل الجزائري محمد أدار هو شخصية هذا الفيلم التسجيلي الطويل الرئيسية ولا يمكن فصله عن أفكاره وآماله وأحلامه وفنه. يسلط المخرج حميد بنعمرة الضوء قويًا عليه ويتوجه وإياه إلى حيث يوفر الممثل المادة التعليقية والمخرج بصرياتها الأخاذة. دقائق قليلة جدًا من الفيلم كافية لأن تؤكد للمشاهد أنه ليس حيال عمل عادي لا في تركيبه ولا في موضوعه ولا في عناصر فنه. بنعمرة يغرف من موهبة لا محدودة منتقلاً ما بين الحاضر والماضي، والفردي والعام، والوجدانيات التي ينضح بها حديث الممثل عن نفسه لجانب رصد الأفكار التي يستعيرها من مواد سابقة صوّرها لشخصيات ثقافية وسينمائية مهمّة من بينها المخرج الجزائري فاروق بلّوفة والمخرج اللبناني برهان علوية والشاعر والمثقف المصري الراحل غالي شكري كما يبدأ فيلمه بقائمة (كتابية ومصوّرة) لفنانين آخرين من بينهم رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي وممثلون ومخرجون جزائريون تم اغتيالهم كما لو أنهم مرصودون على قائمة أمنية أو سياسية.
الفيلم، في ساعة ونصف، مليء بالمشاهد القافزة أمامنا من دون حساب. تبدو تلقائية وهي تتمتع بهذه الروح بالفعل، لكنها خلف الكاميرا تعكس ترتيبًا مبهرًا لا بد أن المخرج والمصوّر والمونتير بنعمرة مارسه مختارًا بين ألوف اللقطات هذا النسيج السلس من دون خفّة أو هوان.
هناك لب مسرحي في الموضوع. يمثل محمد أدار داخل الفيلم دوره في مسرحية يتم إجراء التمارين عليها. مسرحية حول مواطن عادي (يعمل سكّافًا) يريد تأسيس حزب سياسي وتقديم نفسه إلى الانتخابات كرئيس جمهورية الجزائر. ينتقل المخرج ما بين هذا اللب الجوهري، كونه يعكس حالة فنية حاضرة لموضوع سياسي في أجندته، وبين كل ما يمكن أن يضيفه الفيلم من لقطات غزيرة لكن غير متنافرة أو متناقضة. المخرج مع محمد أدار في رحلة قطار مجهولة الهدف. معه على الشاطئ مستلقيًا أو لاهيًا بدور مهرج. في الموازاة لقطات ومشاهد للطبيعة ليس لجمالها بل لوجدانياتها المثارة. الصورة التي يلتقطها المخرج مؤلّفة دومًا من طبقات ومعانٍ وأحيانا من رموز لكنها في محصلتها عاكسة لرغبته رصد حياة الممثل ومن خلالها أحلامه وإحباطاتها ومن خلالها إحباطات الثقافة والفن بشكل عام.
يؤم المخرج أنواع وعناصر عمل كثيرة: هناك التصوير الشخصي الآني، والمقابلات والمشاهد الموثقة وبينها أحاديث حول الفن في ندوة أقيمت في دورة أحد مهرجانات السينما العربية في باريس تحدث فيها علوية وبلوفة مع لقطات للممثلة الجزائرية المعتزلة فاطمة بلحاج. إلى كل هذا وسواه يتعامل بنعمره مع مضامين عدّة. إنه فيلم ذكريات وذاكرة وفيلم عن التمثيل والفن والسينما والمسرح مع أفكار وجودية تشكل المظلة وتستخدم تشكيلا فنيًا مثيرًا للإعجاب يشي بالأوقات العصيبة التي لا بد أن المخرج قضاها وهو يرتب ويختار ويُوَلّف لقطاته الكثيرة.
الفيلم، بسبب كل ذلك الزخم، طويل نسبيًا كمنوال وذلك بعد مرور ساعته الأولى أو نحوها، لكن ليست فيه دقيقة ضائعة أو مقحمة واحدة. عمل رائع ومثير في مختلف جوانبه. الفيلم التسجيلي في أفضل مستوى له.
(*) : لا يستحق | (**): وسط| (***) : جيد |
(****) : ممتاز | (*****) : تحفة‬



«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).