عبر طريق الهجرة.. تصاعد الضغوط لإغلاق حدود أوروبا المفتوحة

الأمم المتحدة: 218 ألف لاجئ عبروا المتوسط وصلوا أوروبا خلال شهر أكتوبر الماضي

لاجئون في انتظار عبور الحدود والأسلاك الشائكة من منطقة العبور  سنتيغلي في سلوفينيا باتجاه النمسا أمس (أ.ف.ب)
لاجئون في انتظار عبور الحدود والأسلاك الشائكة من منطقة العبور سنتيغلي في سلوفينيا باتجاه النمسا أمس (أ.ف.ب)
TT

عبر طريق الهجرة.. تصاعد الضغوط لإغلاق حدود أوروبا المفتوحة

لاجئون في انتظار عبور الحدود والأسلاك الشائكة من منطقة العبور  سنتيغلي في سلوفينيا باتجاه النمسا أمس (أ.ف.ب)
لاجئون في انتظار عبور الحدود والأسلاك الشائكة من منطقة العبور سنتيغلي في سلوفينيا باتجاه النمسا أمس (أ.ف.ب)

اندفع سيل طالبي اللجوء، تاركين سلوفينيا خلفهم والنمسا أمامهم، نحو الحواجز الحديدية التي تعترض طريقهم مرددين هتافات في جوف الليل الدخاني البهيم «نريد العبور!».
ظل ما يقرب من 1000 شخص منتظرين طوال اليوم افتتاح الحدود للعبور، كانوا محاصرين وسط تلك الأرض القاحلة بواسطة قوات حرس الحدود المضطربة والمسلحة بالمسدسات والبنادق الهجومية والذين كانوا يجيبون طلبات الغداء والماء بالأوامر الصارمة والنظرات القاسية الباردة التي تتماهى ودرجات الحرارة الآخذة في الانخفاض الرهيب.
تقول غالية علي مشيرة إلى صبيها شديد الإعاقة البالغ من العمر (8 سنوات) الذي يرقد مرتجفا من البرودة القاسية على بطانية بالقرب من النار الخافتة «لقد أمضينا حتى الآن ليلتين في العراء. وإذا بقينا هنا حتى الصباح التالي فسوف أفقد ولدي للأبد».
أزيلت الحواجز الحدودية بعد عدة ساعات، ومن ثم اندفع المهاجرون إلى داخل النمسا. ولكن على طول الطريق الطويل الذي قطعه العدد التاريخي من المهاجرين خلال هذا العام سعيا وراء حياة أفضل في أوروبا، تتزايد الضغوط الداعية إلى إغلاق الحدود الأوروبية المفتوحة وإلى الأبد.
أثبتت هنغاريا مؤخرا قدرتها على عزل نفسها بعيدا عن أزمة اللاجئين من خلال تثبيت سياج من الأسلاك الشائكة والإعلان عن عقوبات ممتدة بالسجن لكل من يجرؤ على تجاوز ذلك السياج عبورا للحدود. هذا وقد نقلت تلك الإجراءات من جانب هنغاريا أعباء أزمة اللاجئين إلى الدول المجاورة - وقد صارت تلك الإجراءات مغرية لبعض من قادة تلك الدول لبناء أسوارهم الخاصة على الحدود.
أعلنت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة الاثنين أن رقما قياسيا يبلغ 218394 فردا من اللاجئين قد عبروا البحر الأبيض المتوسط وصولا إلى الشواطئ الأوروبية في أكتوبر (تشرين الأول) وهو ما يقارب إجمالي اللاجئين الذين عبروا خلال العام الماضي مجتمعين. ومع تصاعد أعداد اللاجئين، يرقب قادة الدول في أواسط وجنوب شرقي أوروبا بعضهم البعض بعصبية ظاهرة، خشية أن الإغلاق المفاجئ لأحد الحدود قد يثير تأثيرا تعاقبيا عبر المنطقة بأكملها مما يترك عشرات الآلاف من اللاجئين في حالة غضب عارمة وقد تقطعت بهم السبل وهم قابعون في أبعد مكان يفصلهم عن وجهتهم المنشودة في شمال القارة.
يقول رانكو اوستوجيك وزير الداخلية الكرواتي «سوف تكون النتيجة الحتمية هي الفوضى والعنف الدامي»، وهو يشرف على تنسيق تعامل بلاده مع أكثر من 300 ألف مهاجر قد عبروا بالفعل من خلال الدولة الساحلية الصغيرة خلال منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي - بما في ذلك 8400 مهاجر عبروا في يوم الأحد فقط.
وأضاف وزير الداخلية الكرواتي يقول: «أتعتقد فعلا أنه يمكنك إيقاف تدفق أولئك الناس من دون إطلاق النار؟ عليك بناء جدار حول أوروبا إذا ما أردت حقا وقف ذلك النوع من التدفقات البشرية».
سعت كرواتيا، بدلا من محاولة عرقلة تحركات المهاجرين، إلى تسريع تلك التحركات، حيث نظمت رحلات القطارات لنقل الناس من الحدود الصربية في الشرق إلى حدود سلوفينيا في الغرب. ولكن المعارضة اليمينية في البلاد، التي تقترب بهامش طفيف من الفوز في الانتخابات الوطنية يوم الأحد، قد اقترحت حلا مختلفا: السياج.
وأعلنت سلوفينيا أنها تنظر في بناء السياج من تلقاء نفسها. ووصف كارل ايرجافيك وزير خارجية سلوفينيا ذلك الإجراء بقوله «الملاذ الأخير»، ولكنه أضاف أنه «قلق للغاية» من بناء الدول الأوروبية الأخرى لحواجز حدودية مماثلة، مما يترك تلك الدولة الصغيرة في جبال الألب الأوروبية ترزح تحت أعباء لا يمكنها تحملها. وحتى الآن، كما قال الوزير، تحاول سلوفينيا التعامل مع الوضع الراهن.
وتابع السيد ايرجافيك يقول عبر رسالة وصلت بالبريد الإلكتروني ردا على الأسئلة: «لا يمكننا الاستمرار على هذا المنوال لوقت طويل. لقد استقبلنا أكثر من 100 ألف مهاجر خلال أسبوعين اثنين فقط. إن ذلك العدد يمثل 5 في المائة من إجمالي تعداد البلاد. ومواردنا البشرية والمالية والمادية محدودة».
وعلى طول درب الهجرة، قال المسؤولون قي النمسا الأسبوع الماضي إنهم يخططون لوضع الحواجز من أجل تنظيم أفضل لتحركات المهاجرين القادمين عبر حدود سلوفينيا. ولكنهم سرعان ما أوضحوا عدم وجود نوايا لدى الحكومة النمساوية لإغلاق الحدود. ولكنهم تابعوا فقالوا: إنهم لن يمكنهم الاستمرار طويلا في فتح الحدود إذا ما قررت ألمانيا - وهي المحطة التالية على طريق الهجرة بعد النمسا والمقصد الأخير بالنسبة للكثير من طالبي اللجوء - عجزها عن مواصلة التعامل مع تدفقات اللاجئين والتي جلبت أكثر من نصف مليون طالب للجوء السياسي إلى البلاد خلال الشهور التسعة الأولى من هذا العام. ومع تدني أرقام استطلاعات الرأي الخاصة بها، فإن الدعوات تتزايد يوما بعد يوما أمام المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لفعل ذلك بالتحديد.
يقول إيغور تاباك، وهو محلل أمني كرواتي يعمل لدى موقع (obris.org): «يخشى الجميع من لحظة إعلان ألمانيا أنها لن تفعل المزيد». ويتابع السيد تاباك قوله: إن إغلاق الحدود لن يقوض فحسب من مبدأ حرية التحرك وهو في موضع القلب من مبادئ أوروبا لما بعد حقبة الحرب الباردة، ولكن من شأنه أن يسبب زعزعة كبيرة للاستقرار في عمق منطقة البلقان، حيث أجبرت الدول التي كانت تتقاتل فيما بينها قبل جيل من الزمان على التعاون الآن في ظل أكبر التحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي خلال عقود.
ظلت سلوفينيا وكرواتيا وصربيا، ولمدة أسابيع، تتبادل فيما بينها الاتهامات بسوء التعامل مع الأزمة الراهنة. فإذا ما توجهت الحكومة اليمينية الكرواتية إلى إغلاق الحدود المشتركة مع صربيا، كما يقول السيد تاباك، فإن تدفقات اللاجئين سوف تتجه نحو البوسنة، وهي الدولة المنقسمة عرقيا والتي تكافح لرأب الصدع والاستمرار بعد الحرب المروعة التي تركت البلاد غارقة في بحر من الدماء.
يقول رانكو اوستوجيك وزير الداخلية الكرواتي إن التعاون ما بين الأنداد الإقليميين السابقين قد تحسن كثيرا بعد اجتماع الطوارئ الذي عقدته دول البلقان في بروكسل خلال الشهر الماضي. وفي الأيام الأخيرة، بدأت القطارات تتحرك سريعا بالمهاجرين عبر الإقليم كجزء من برنامج تجريبي يهدف إلى العمل بكامل طاقته أثناء هذا الأسبوع.
ويحل ذلك النظام محل آخر كان المسؤولون اعتبروه لا يتلاءم على الإطلاق مع حجم الأزمة. ففي الأسبوعين الأوليين من إغلاق هنغاريا لحدودها مع كرواتيا، مما دفع بالمهاجرين إلى إعادة التحرك نحو سلوفينيا، اضطر الآلاف من الناس إلى النوم في العراء في كل ليلة مع هطول مستمر للأمطار الغزيرة وانخفاض شديد في درجات الحرارة.
هذا، وقد اتهمت سلوفينيا كرواتيا بإرسال تدفقات المهاجرين عبر حدودها من دون سابق إنذار.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»



لبنانيون خائفون من الحرب: «لم نعد نتحمّل»

يعيش اللبنانيون حالة ترقّب في ظلّ إغلاق المدارس والجامعات وتحويل بعضها مراكز إيواء لعشرات آلاف الذين فروا من مناطق طالها القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)
يعيش اللبنانيون حالة ترقّب في ظلّ إغلاق المدارس والجامعات وتحويل بعضها مراكز إيواء لعشرات آلاف الذين فروا من مناطق طالها القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)
TT

لبنانيون خائفون من الحرب: «لم نعد نتحمّل»

يعيش اللبنانيون حالة ترقّب في ظلّ إغلاق المدارس والجامعات وتحويل بعضها مراكز إيواء لعشرات آلاف الذين فروا من مناطق طالها القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)
يعيش اللبنانيون حالة ترقّب في ظلّ إغلاق المدارس والجامعات وتحويل بعضها مراكز إيواء لعشرات آلاف الذين فروا من مناطق طالها القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)

في لبنان المُثقل بالأزمات السياسية والاقتصادية، يُغرق شبح الحرب كثيرين مجدداً في الحزن واليأس. ويختصر أنيس ربيز هذا الشعور قائلاً: «كلّ شيء ينهار حولنا، لا نقوى على تحمّل هذه الحرب».

ويقول الرجل (55 عاماً)، وهو مالك شركة عقارية، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما يركن سيارته في أحد شوارع الأشرفية في شرق بيروت: «نفسية الناس متعبة، تكفينا الحرب الاقتصادية والأموال (العالقة) في المصارف».

ويشهد لبنان أزمة اقتصادية غير مسبوقة منذ خريف العام 2019، في ظل تدهور غير مسبوق لقيمة العملة اللبنانية، وفقدان قيمة كل الودائع بالليرة اللبنانية أو تجميدها. في أغسطس (آب) 2020، دمّر انفجار ضخم مرفأ بيروت والمنطقة المحيطة به، وحصد قتلى وجرحى وأغرق اللبنانيين في غضب على فساد وسوء إدارة ساهما في حصول الانفجار. كل ذلك، وسط انقسام سياسي وشلل مؤسساتي، في حين تدير البلاد حكومة تصريف أعمال، ويعجز البرلمان منذ العام 2022 عن انتخاب رئيس.

تصاعدت المواجهة بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي منذ الاثنين وحصدت مئات القتلى والجرحى في لبنان (أ.ف.ب)

وبدأ التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل منذ قرابة عام، مع اندلاع الحرب في قطاع غزة، عندما فتح «حزب الله» «جبهة إسناد» للفلسطينيين ضد إسرائيل. وتصاعدت المواجهة منذ الاثنين، وحصدت مئات القتلى والجرحى في لبنان بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية، ونشرت الذعر.

في شوارع العاصمة، حركة السير والناس أبطأ من العادة، في مؤشر على حالة ترقّب يعيشها اللبنانيون، في ظلّ إغلاق المدارس والجامعات، وتحويل بعضها مراكز إيواء لعشرات الآلاف من الأشخاص الذين فرّوا من مناطق طالها القصف الإسرائيلي هذا الأسبوع.

ويقول ربيز: «الوضع لا يطمئن، لا أُفق للمستقبل أو حتى بصيص نور»، مشيراً إلى هجرة آلاف الشباب على وقع الأزمات المتلاحقة.

«فداء للمقاومة»

أمام مركز تسوّق في الأشرفية، تقول عبير خاطر (43 عاماً) لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أنا جاهزة أساساً في حال اندلاع حرب، أعددت حقيبة تحتوي على أوراق أولادي الثبوتية وجوازات سفر وثياب، وضعتها قرب الباب».

وتروي الأم لثلاثة أولاد، وهي مديرة متجر، أنها انتقلت وعائلتها من منطقة عين الرمانة المتاخمة للضاحية الجنوبية لبيروت، معقل «حزب الله»، إلى بلدة بحمدون شرق بيروت. «أخشى سقوط صاروخ عن طريق الخطأ، لا يمكن لأحد أن يعرف ما قد يحصل لنا».

وتقول إن أولادها لم يتعافوا نفسياً بعد من انفجار مرفأ بيروت. وتضيف: «عام 2006 (الحرب الأخيرة بين «حزب الله» وإسرائيل)، لم أكن متزوجة. لكن الآن يتملكني خوف كبير على أطفالي».

وخاض «حزب الله» وإسرائيل حرباً مدمّرة صيف 2006، استمرت 33 يوماً، وأسفرت عن مقتل 1200 لبناني، معظمهم مدنيون، و160 قتيلاً في الجانب الإسرائيلي معظمهم من الجنود. كما ألحقت الحرب دماراً هائلاً في مناطق وبنى تحتية لبنانية.

ويختلف اللبنانيون حول «جبهة الإسناد»، بين من يعدّ أن «حزب الله» يجرّ لبنان إلى حرب لا يريدها كثير من اللبنانيين، ومن يدعم «حزب الله» من دون تردد ضد إسرائيل. لكن القلق حيال المستقبل يجمعهم.

يتمتع «حزب الله» بنفوذ سياسي كبير في لبنان ويتهمه خصومه بأنه يتحكّم بقرار السلم والحرب (أ.ف.ب)

وسط ساحة ساسين في الأشرفية؛ حيث يرفرف علم لبناني ضخم، يجلس محمد خليل على مقعد خشبي يُفكّر بكيفية تأمين لقمة عيش عائلته بعد أن نزح مع زوجته وأطفاله الثلاثة ووالدته من قريته دير انطار في محافظة النبطية (جنوب).

ويقول خليل (33 عاماً): «منذ نحو 3 ساعات، أفكر كيف سأؤمن عملاً ومسكناً، لدي أطفال يجب أن يذهبوا إلى المدارس، أفكر في مستقبلهم... لكنني أصطدم بحائط مسدود».

رغم ذلك، يبدو خليل واثقاً بأنه «في نهاية المطاف، سيكون النصر حليفنا».

ويتابع: «ما حصل لأهل الجنوب يجب ألا يُسكت عليه»، مؤكداً أن كل شيء «فداء للمقاومة».

«ينتهي لبنان»

ويتمتع «حزب الله» بنفوذ سياسي كبير في لبنان، ويتهمه خصومه بأنه يتحكّم بـ«قرار السلم والحرب»، ويُشكّل «دولة ضمن الدولة»، ويستخدم سلاحه «للترهيب» في الداخل. لكن منذ بدء التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل، تبدو البلاد منقسمة أكثر من أي وقت مضى.

وتقول غادة حاطوم في شارع الحمرا في غرب بيروت «(حزب الله) ليس الدولة ليأخذ قرار السلم والحرب، هو كيان موازٍ للدولة، وأثبت لشعبه وبيئته التي تحتضنه أنه اتخذ قراراً خاطئاً. لا أحد يجهّز نفسه للحرب، ولا يبني ملجأ. هل أرواحنا رخيصة لهذه الغاية؟ إذا لم يكن لديّ ملجأ أختبئ فيه لم تجرني إلى الحرب؟».

على أحد أرصفة الأشرفية، يعزف فيكتور (65 عاماً) الذي رفض إعطاء اسم عائلته على آلة الأكورديون، غير مكترث لهدير دراجات نارية وأبواق سيارات من حوله.

ويقول الرجل الذي عاش الحرب الأهلية (1975 - 1990) لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «تفصلني الموسيقى عن الواقع، وتهدئ أعصابي».

ويضيف بنبرة هادئة: «لستُ خائفاً من اندلاع حرب؛ لأننا اعتدنا الحروب، ومن له عمر لا تقتله الشُدّة».

على بُعد عشرات الأمتار، تبدي نينا روفايل التي كانت تسير بخطوات متسارعة تعاطفها مع أهالي الجنوب، الذين فروا من منازلهم، لكنها تخشى من تصعيد إضافي.

وتسأل: «لديّ خوف من الغد... من سيرمّم؟ من سيبني؟ من سيُطعم؟ ومن سيعلّم؟ لديَّ خوف من كل شيء».

وتضيف المدرّسة الخمسينية: «لا أشعر بالخوف من اندلاع حرب فحسب، إنما لدي خوف من أن ينتهي لبنان بالكامل».