بين الأمن وحرية التعبير

بين الأمن وحرية التعبير
TT

بين الأمن وحرية التعبير

بين الأمن وحرية التعبير

يعود الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، للواجهة كلما تفشى التطرف، وخرج الإرهاب عن السيطرة، وينبعث من جديد الجدل بين الأمن وحرية التعبير، وأمام الانفلات الهائل في حجم التحريض، وتفتيت المجتمعات من الداخل، واستخدام وسائل التواصل في شحن الكراهية والأحقاد، بما ينذر بوقوع كوارث تهدد السلم الأهلي في منطقة ترقد على بركان ملتهب من التاريخ، طالب كُتاب بارزون بـ«حظر» وسائل التواصل وتقنين استخدامها، معرضين أنفسهم للتندر والانتقاد.
ويرى وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، أن المعركة مع التطرف هي «معركة أفكار». وفي حديثه في منتدى «حوار المنامة» قال: إن «الآيديولوجية التي يُبنى عليها التطرف الذي نواجهه ليست ابتكارا جديدا، كالفاشية أو الشيوعية، بل إن جذورها نابعة من تفسير مضلل لواحد من الأديان العظيمة؛ ولهذا السبب فإن جذورها أعمق وأوسع انتشارا – وهي تستغل قوة الإنترنت لنشر رسالتها في أنحاء العالم بطريقة لم تكن متوفرة لأي حركة متطرفة سابقة».
وينقل وزير الثقافة الجزائري عزّ الدين ميهوبي، عن أحد قادة التطرف قوله: إن «نصف المعركة يدور في فضاء الإنترنت». واليوم هناك نحو 150 ألف موقع إلكتروني يستخدمها المتطرفون.
هناك دول كبرى كالصين تنبهت إلى خطر الإنترنت، فضيقت الخناق على استخدامه، وحين تفكر الصين في موضوع التطرف، فإن ممثلها في مجلس الأمن يختصر الحلّ بالقول: إنه «يجب قطع قنوات الإنترنت التي يستخدمها المتطرفون».
هناك حلّ آخر تبناه الاتحاد الأوروبي، وهو الاستعانة بمتخصصين في شبكة الإنترنت لمحاربة المتطرفين والمتشددين الذي يعتمدون كثيرا على وسائل التواصل الاجتماعي للدعاية والترويج لأفكارهم.
ويرى المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب، جيل دو كيرشوف، في تصريح، أن أعداد الجهاديين الأوروبيين الذين يقاتلون في سوريا والعراق بلغ في العام 2014 «ثلاثة آلاف» بعد أن كانوا في منتصف 2013 نحو 2000 مقاتل.
وهناك قلق في أوروبا من أن أشد التنظيمات الإرهابية وحشية وتطرفًا «داعش» يتمكن فعليًا من تجنيد فتيات أوروبيات في سن المراهقة للالتحاق بالتنظيم في سوريا والعراق. ويقول خبير ألماني في قضايا التطرف: «إنهم يستخدمون مجموعات ومنتديات صغيرة للوصول إلى البنات الأوروبيات ويحاولون إقناعهن بأن يصبحن جزءًا من مجتمع النخبة والدولة الإسلامية الجديدة».
لا مناص إذن من مواجهة الحقيقة، وهي أن الحرب على التطرف هي حرب أفكار تستخدم الفضاء السيبراني ساحة لها، ومن العبث التفكير في «إغلاق» هذا الفضاء، لأنه غير ممكن. لكن من المهم التنبه إلى أنهم يخوضون هناك نصف معاركهم معنا، ولا يمكن تركهم يسرحون ويمرحون، كما لا يمكن مواجهتهم بأسلحة فكرية بالية.
البديل عن إغلاق منافذ الوصول للإنترنت، هو فتح المزيد من النوافذ، فهؤلاء ألفوا العالم المظلم المغلق الذي يتيح لهم الإطباق على ضحاياهم دون منافس.
والأهم هو التفكير عميقًا، لماذا يتمدد هذا الخطاب بين الشباب، رغم همجيته ووحشيته وقبحه. إذا قلنا إن الشباب في الشرق الأوسط يعانون من الإحباط، فماذا يقدم التطرف للشباب في أوروبا؟ ولماذا يتوسع داخل أوساط شباب ميسوري الحال في بلداننا؟ هي أسئلة حرجة لا بد من خوض النقاش بشأنها.



طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين
TT

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

يحتلّ موقع الدُّور مكانة كبيرة في خريطة المواقع الأثرية التي كشفت عنها أعمال المسح المتواصلة في إمارة أم القيوين. بدأ استكشاف هذا الموقع في عام 1973، حيث شرعت بعثة عراقية في إجراء حفريّات تمهيديّة فيه، وتبيّن عندها أن الموقع يُخفي تحت رماله مستوطنة تحوي بقايا حصن. جذب هذا الخبر عدداً من العلماء الأوروبيين، منهم المهندس المعماري البريطاني بيتر هادسون، الذي قام بجولة خاصة في هذا الموقع خلال عام 1977، وعثر خلال تجواله على طبق نحاسي علاه الصدأ، فحمله معه، واتّضح له عند فحصه لاحقاً أنه مزيّن بسلسلة من النقوش التصويرية تتميّز بطابع فنّي رفيع.

وجد بيتر هادسون هذا الطبق في ركن من جهة جنوب شرقي الموقع، وحمله بعد سنوات إلى الشارقة حيث كشفت صور الأشعّة عن ملامح حلية تصويرية منقوشة غشيتها طبقة غليظة من الصدأ. نُقلت هذه القطعة المعدنية إلى كلية لندن الجامعية، وخضعت هناك لعملية تنقية وترميم متأنية كشفت عن تفاصيل زينتها التصويرية بشكل شبه كامل. يبلغ قُطر هذه القطعة الفنية نحو 17.5 سنتيمتر، وعمقه 4.5 سنتيمتر، وتتألّف قاعدة حليته التصويرية من دائرة ذات زينة تجريدية في الوسط، تحوطها دائرة ذات زينة تصويرية تزخر بالتفاصيل الدقيقة. تحتل الدائرة الداخلية الصغرى مساحة قاع الطبق المسطّحة، ويزينها نجم تمتدّ من أطرافه الخمسة أشعة تفصل بينها خمس نقاط دائرية منمنمة. تنعقد حول هذا النجم سلسلتان مزينتان بشبكة من النقوش، تشكّلان إطاراً لها. ومن حول هذه الدائرة الشمسية، تحضر الزينة التصويرية، وتملأ بتفاصيلها كل مساحة الطبق الداخلية.

تتمثّل هذه الزينة التصويرية بمشهد صيد يحلّ فيه ثلاثة رجال، مع حصانين وأسدين، إضافةً إلى أسد مجنّح له رأس امرأة. يحضر رجلان في مركبة يجرها حصان، ويظهران متواجهين بشكل معاكس، أي الظهر في مواجهة الظهر، ويفصل بينهما عمود ينبثق في وسط هذه المركبة. يُمثّل أحد هذين الرجلين سائق المركبة، ويلعب الثاني دور الصياد الذي يطلق من قوسه سهماً في اتجاه أسد ينتصب في مواجهته بثبات، رافعاً قائمته الأمامية اليسرى نحو الأعلى. من خلف هذا الأسد، يظهر صياد آخر يمتطي حصاناً، رافعاً بيده اليمنى رمحاً طويلاً في اتجاه أسد ثانٍ يرفع كذلك قائمته الأمامية اليسرى نحوه. في المسافة التي تفصل بين هذا الأسد والحصان الذي يجرّ المركبة، يحضر الأسد المجنّح الذي له رأس امرأة، وهو كائن خرافي يُعرف باسم «سفنكس» في الفنين الإغريقي والروماني.

يحضر كل أبطال هذا المشهد في وضعية جانبية ثابتة، وتبدو حركتهم جامدة. يرفع سائق المركبة ذراعيه نحو الأمام، ويرفع الصياد الذي يقف من خلفه ذراعيه في وضعية موازية، ويبدو وجهاهما متماثلين بشكل متطابق. كذلك، يحضر الأسدان في تأليف واحد، ويظهر كل منهما وهو يفتح شدقيه، كاشفاً عن لسانه، وتبدو مفاصل بدنيهما واحدة، مع لبدة مكونة من شبكة ذات خصل دائرية، وذيل يلتفّ على شكل طوق. في المقابل، يفتح «سفنكس» جناحيه المبسوطين على شكل مروحة، وينتصب ثابتاً وهو يحدّق إلى الأمام. من جهة أخرى، نلاحظ حضور كائنات ثانوية تملأ المساحات الفارغة، وتتمثّل هذه الكائنات بدابّة يصعب تحديد هويتها، تظهر خلف الأسد الذي يصطاده حامل الرمح، وطير يحضر عمودياً بين حامل القوس والأسد المواجه له، وطير ثانٍ يحضر أفقياً تحت قائمتَي الحصان الذي يجر المركبة. ترافق هذه النقوش التصويرية كتابة بخط المسند تتكون من أربعة أحرف، وهذا الخط خاص بجنوب الجزيرة العربية، غير أنه حاضر في نواحٍ عديدة أخرى من هذه الجزيرة الواسعة.

يصعب تأريخ هذا الطبق بشكل دقيق، والأكيد أنه يعود إلى مرحلة تمتد من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد، ويُشابه في الكثير من عناصره طَبَقاً من محفوظات المتحف البريطاني في لندن، مصدره مدينة نمرود الأثرية الواقعة قرب الموصل في شمال العراق. كما على طبق الدُّوْر، يحضر على طبق نمرود، صيادٌ برفقة سائق وسط مركبة يجرها حصانان، ملقياً بسهمه في اتجاه أسد يظهر في مواجهته. يحضر من خلف هذا الأسد صياد يجثو على الأرض، غارساً رمحه في قائمة الطريدة الخلفية. في المسافة التي تفصل بين هذا الصياد والحصانين اللذين يجران المركبة، يحضر «سفنكس» يتميّز برأسٍ يعتمر تاجاً مصرياً عالياً.

ينتمي الطبقان إلى نسق فني شائع عُرف بالنسق الفينيقي، ثمّ بالنسق المشرقي، وهو نسق يتمثل بمشاهد صيد تجمع بين مؤثرات فنية متعددة، أبرزها تلك التي تعود إلى بلاد الرافدين ووادي النيل. بلغ هذا النسق لاحقاً إلى جنوب شرق الجزيرة العربية حيث شكّل نسقاً محلياً، كما تشهد مجموعة من القطع المعدنية عُثر عليها خلال العقود الأخيرة في مواقع أثرية عدة تعود اليوم إلى الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان. وصل عدد من هذه القطع بشكل كامل، ووصل البعض الآخر على شكل كسور جزئية، وتشهد دراسة هذه المجموعة المتفرّقة لتقليد محلّي تتجلّى ملامحه في تبنّي تأليف واحد، مع تعدّدية كبيرة في العناصر التصويرية، تثير أسئلة كثيرة أمام المختصين بفنون هذه الناحية من الجزيرة العربية.

يحضر مشهد صيد الأسود في عدد من هذه القطع، حيث يأخذ طابعاً محلياً واضحاً. يتميّز طبق الدُّوْر في هذا الميدان بزينته التي يطغى عليها طابع بلاد الرافدين، ويمثّل كما يبدو مرحلة انتقالية وسيطة تشهد لبداية تكوين النسق الخاص بجنوب شرقي الجزيرة العربية.