وحدها مدينة ديار بكر، ذات الغالبية الكردية، أقفلت صناديق اقتراعها في ضوء النهار. والسبب هو رغبة القوى الأمنية في نقل صناديق الاقتراع إلى مراكز الانتخابات قبل حلول الليل حيث تتحول المناطق المحيطة بالمدينة غالبا إلى مسرح لاشتباكات بين رجال الشرطة والجيش ومتمردي «حزب العمال الكردستاني» المحظور في البلاد.
ونشر نحو 400 ألف شرطي ودركي لضمان أمن الانتخابات، يقدر بأن 11 ألفا منهم كانوا في مدينة ديار بكر وحدها، كما في جنوب شرقي تركيا حيث الغالبية الكردية، والتي تشهد منذ أشهر أوضاعا متوترة نتيجة سقوط عملية السلام التي كان يقودها رئيس الجمهورية رجب طيب إردوغان وزعيم التنظيم المسجون لمدى الحياة في سجن مشدد الرقابة في جزيرة وسط البحر عبد الله أوجلان.
وشهدت المدينة ذات الغالبية الكردية وجودا أمنيا كبيرا خلال عملية التصويت بسبب هذه الأوضاع التي تتجلى بآثار الأعيرة النارية التي خلفت ثقوبا في الجدار المحيط بمدرسة سليمان نظيف في منطقة سور في ديار بكر، التي تحولت إلى مركز للاقتراع والتي كانت شهدت مؤخرا مواجهات عنيفة بين مسلحين قريبين من حزب العمال الكردستاني والشرطة.
لكن هذا لم يمنع الناس من الإقبال مع اللحظات الأولى لفتح صناديق الاقتراع عند الساعة السابعة بتوقيت تركيا، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. ولاحظ مراسلو وكالات الأنباء العالمية الذين غطوا الانتخابات في المدينة آثار المواجهات ظاهرة في منطقة سور، معقل شبان حزب العمال الكردستاني، فمبانٍ محترقة هنا، ونوافذ محطمة هناك، وما بينهما خنادق محفورة على عجل.
ويقول حسين أوتورماك (65 عاما)، وهو مراقب في الانتخابات من حزب الشعب الديمقراطي المؤيد للأكراد، إن «الشرطة دخلت كل بيت في الحي، وتعاملت مع الجميع كمجرمين». وأضاف: «لا أمل لحزب العدالة والتنمية هنا».
ويتهم معظم سكان ديار بكر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بإشعال الحرب، بعد موجة عنف دموية متبادلة، لكن للمفارقة فإنه في عهد إردوغان رئيسا للوزراء أدخلت أنقرة مجموعة من الإصلاحات لصالح الأقلية الكردية، التي يتراوح عددها بين 15 و20 مليون شخص، وبدأت مفاوضات سرية مع زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان.
وشكل الأكراد قاعدة داعمة لحزب العدالة التنمية، لكن تحول الناخبين بأعداد كبيرة باتجاه حزب الشعوب الديمقراطي غير المعادلة ليصبح بذلك أول حزب موالٍ للأكراد يحجز مقعدا في البرلمان. والآن انتهت عملية السلام الهشة أصلا، وانتهت معها الآمال بإنهاء الحرب في جنوب شرقي البلاد، التي حصدت أرواح 45 ألف شخص على مدى ثلاثة عقود.
وتجددت المواجهات بعد هجوم استهدف ناشطين مؤيدين للأكراد في بلدة سوروتش الحدودية (جنوب) في يوليو (تموز) الماضي وقتل خلاله 34 شخصا، ونسبته السلطات إلى تنظيم داعش. ورد متمردو حزب العمال الكردستاني بعملية انتقامية قتلوا فيها رجلي شرطة، واتهم الأكراد أنقرة بالتواطؤ مع تنظيم داعش. وبعد يومين قامت مقاتلات تركية بقصف أهداف لـ«داعش» في سوريا ولمتمردي حزب العمال الكردستاني في العراق، ثم أعلن الجانبان انتهاء عملية السلام، في حين توعد إردوغان بمحاربة حزب العمال الكردستاني حتى «آخر إرهابي».
وارتفعت حدة التوتر في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بعدما فجر انتحاريان من نفسيهما في مسيرة سلام مؤيدة للأكراد في أنقرة، ما أسفر عن مقتل 102 شخص، بينهم أعضاء من حزب الشعوب الديمقراطي، في أسوأ هجوم من نوعه على الأراضي التركية.
واعتبر عزت اكير (55 عاما) أن «صلاح الدين دميرتاش (زعيم حزب الشعوب الديمقراطي) فقط يمكنه تحقيق السلام. إنه الشخص الذي يريد السلام، ولذلك سأصوت له».
وبحسب قناة «إن تي في» الخاصة، تم نشر نحو 11 ألف عنصر من الشرطة والجيش لضمان الأمن في ديار بكر والمنطقة المحيطة بها. وشهدت مراكز الاقتراع إقبالا كثيفا. وقالت ارين زونرون كاراكويون ي مدرسة سليمان نظيف إن النسبة تتراوح بين «80 و90 في المائة». وأضافت أنه «في ظل المناخ الحالي فإن الناس أدركوا أهمية هذه الانتخابات».
بدوره، قال حميد بوداكشي في مركز اقتراع آخر في سور: «انظروا إلى صناديق الاقتراع، لم نصل إلى الساعة 11 صباحا، وفاضت الصناديق». ولفت إلى أن نحو «60 في المائة من 389 ناخبا مسجلين هنا صوتوا».
ديار بكر: إقفال مراكز في الرابعة بعد الظهر.. لنقل الصناديق في ضوء النهار
المدينة ذات الغالبية الكردية تشهد على عودة الحرب بين «الكردستاني» والحكومة
ديار بكر: إقفال مراكز في الرابعة بعد الظهر.. لنقل الصناديق في ضوء النهار
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة