أميركا: منافسة مع روسيا (في سوريا).. ومع الصين (في بحر الصين الجنوبي)

الصحف الأوروبية: بافاريا تقع عند خط المواجهة مع الهجرة.. ومطالب بعدم التقارب مع إردوغان

أميركا: منافسة مع روسيا (في سوريا).. ومع الصين (في بحر الصين الجنوبي)
TT

أميركا: منافسة مع روسيا (في سوريا).. ومع الصين (في بحر الصين الجنوبي)

أميركا: منافسة مع روسيا (في سوريا).. ومع الصين (في بحر الصين الجنوبي)

في الأسبوع الماضي، في الإعلام الأميركي، عادت أجواء تغطية الحرب الباردة. اهتمت الصحف، والإذاعات، والتلفزيونات، ومواقع مراكز البحوث، بالمنافسة الأميركية مع روسيا (في سوريا)، وبالمنافسة الأميركية مع الصين (في بحر الصين الجنوبي).
في بداية الأسبوع، مع قرار مساندة الولايات المتحدة في نزاعها مع الصين، اهتم الإعلام الأميركي بقرار البرلمان الأوروبي، بفارق ضئيل (285 - 281) بتقديم توصية لحكومات الاتحاد بإسقاط أي تهم جنائية ضد إدوارد سنودن، خبير وكالة الأمن الوطني (إن إس إيه) الأميركية، لحمايته من أن يسلم إلى الحكومة الأميركية. وقالت صحيفة «واشنطن بوست» إن الاتحاد قرر، أيضًا، الاعتراف به كمدافع عن حقوق الإنسان بسبب كشفه عمليات تجسس سرية واسعة النطاق تقوم بها الحكومتان الأميركية والبريطانية.
وأبرزت كل الصحف والتلفزيونات الرئيسية خبر قرار الصين بوضع حد لسياسة «الطفل الواحد» المثيرة للجدل، بعد 36 عاما من بدايتها، لتحل محلها سياسة جديدة: «الطفلين».
ونقلت تلفزيونات، مثل «سي سبان» جلسة مجلس النواب عندما انتخب بول ريان (من ويسكونسن) رئيسا للمجلس خلفا لجون بونر (من ولاية أوهايو).
ونشرت مجلة «تايم» موضوعًا طويلا عن الاختلافات بين دول البلقان حول المهاجرين من سوريا. جاء فيه أن سلوفينيا مستعدة لبناء سياج على حدودها مع كرواتيا، إذا فشل الاتحاد الأوروبي في وقف تدفق المهاجرين عبر البلقان. لكن، قال فيرنر فايمان، مستشار النمسا، عند مناقشة إدارة تدفق المهاجرين، إنه سيتخذ إجراءات «أمنية تكنولوجية». لكنه أصر على ذلك لا يعني «أي سياج» على الحدود مع سلوفينيا.
في منتصف الأسبوع، تغلبت الأخبار الاقتصادية، والرياضية، والاجتماعية: نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن شركة «فولكس فاغن» يمكن أن تصرف قرابة مليار دولار لدفع تعويضات عن إهمال وتقصير في سياراتها، استمر سنوات كثيرة، وكانت هي أنكرت ذلك في البداية.
مع نهاية الأسبوع، عادت أخبار «الحرب الباردة»: توتر الوضع أكثر في سوريا، وزاد التدخل الأميركي.
وقصص اللاجئين، ومآسيهم، ما زالت تستحوذ على اهتمام الصحف الأوروبية. في الصحف الصادرة خلال الأيام القليلة الماضية نطالع أكثر من موضوع متعلق بالمهاجرين في أكثر من صحيفة، فقد تناولت صحيفة «الغارديان» البريطانية، في عددها الصادر أول من أمس، التعليق على لقاء المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع زعماء الائتلاف الحاكم لتسوية الخلافات حول السياسة المتعلقة بأزمة اللاجئين.
واستهلت «الغارديان» تعليقها بالقول: «عندما يحكم سياسي بلدا ما منذ عشرة أعوام كما هو الحال مع المستشارة ميركل، فحتما سيظهر السؤال: وماذا بعد؟». وتابعت الصحيفة أن: «المشكلة المباشرة لميركل تتمثل في الحزب المسيحي البافاري شريكها في التحالف المسيحي وزعيم الحزب البافاري هورست زيهوفر الذي يتبنى موقفا صارما في مواجهة الهجرة ويهدد بفكرة الخروج من الائتلاف الحكومي».
وأضافت الصحيفة أن «بافاريا تقع عند خط المواجهة مع الهجرة، لكن الولاية لديها بالتأكيد الوسائل الخاصة بالتغلب على تدفق المهاجرين». يشار إلى أن الحزب البافاري يشكل مع حزب ميركل المسيحي الديمقراطي ما يعرف بالتحالف المسيحي الديمقراطي الشريك الأكبر في الائتلاف الحاكم، الذي يضم كذلك الحزب الاشتراكي الديمقراطي. وذكرت الصحيفة أن الحزبين الشريكين في التحالف المسيحي حاولا في برلين تجاوز خلافاتهما «ويجب أن ينجحا في ذلك».
وتناولت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية في عددها الصادر أمس التعليق على الانتخابات البرلمانية التركية التي أجريت أمس. واستهلت الصحيفة تعليقها بالقول: «إن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان سيرسل الأتراك إلى صناديق الاقتراع حتى يحصل على ما كانوا قد حرموه منه قبل أربعة أشهر، وهو الأغلبية المطلقة التي تمكنه من تغيير الدستور وإقامة نظام رئاسي، وإلا فستكون البلاد مهددة بخطر الوقوع في أزمة سياسية». وتابعت الصحيفة تعليقها قائلة إن «أوروبا تحتاج إلى هذا الرئيس حتى تحجم من تدفق اللاجئين إليها، لكنها تعرف أنه يستغل الأوروبيين بالمطالبة بتسهيلات في التأشيرة وتسريع مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي». واختتمت الصحيفة تعليقها بالقول: «لكننا لا ينبغي أن نقع في هذا الشرك الخطير، فبالتأكيد علينا أن نساعد تركيا حتى تساعدنا في أزمة اللاجئين، لكننا في الوقت نفسه لا ينبغي أن نتقارب مع نظام حكم بعيد عنا بصورة واضحة».
وفي صحيفة «الإندبندنت» نطالع تقريرا عن نحو عشرة آلاف طفل بريطاني جرى تهجيرهم إلى أستراليا بين عامي 1947 و1967، بعضهم دون موافقة والديهم. وكان الهدف تفريغ دور الأيتام في بريطانيا وإمداد المستعمرات السابقة بسكان بيض البشرة. وقد توفي معظم أولئك الأطفال، وبقي ألفان منهم على قيد الحياة.

وتروي الصحيفة قصة مورين، وهى طفلة من أولئك الأطفال، وتبلغ الآن 67 عاما، وكانت في الخامسة من عمرها حين أرسلت إلى أستراليا عام 1953، وقضت طفولتها في ملجأ كاثوليكي للأيتام في إحدى ضواحي مدينة ملبورن. انتقلت بعد ذلك للإقامة مع إحدى العائلات، ثم تزوجت في سن الثانية والعشرين.
في السنوات الثلاثين الأولى لم تكن مورين تدرك أين ولدت ومن هما والداها الحقيقيان. وهي تتحدث عن شعورها بالوحدة، على الرغم من أن العائلة التي ربتها كانت لطيفة، لكنها لم تحس يوما بأنها تنتمي للعائلة، وحتى حين تزوجت فإنها لم تحس بانتماء حقيقي لزوجها.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.