الأتراك يختارون في الانتخابات البرلمانية بين «العدالة والتنمية».. والاستقرار

حزب إردوغان و«الشعب الجمهوري» يتقدمان.. و«الحركة القومية» يتراجع.. والأكراد مجددا بيضة القبان

رئيس الوزراء التركي داود أوغلو رفقة زوجته سارة يحيي مؤيديه خلال تجمع انتخابي أقيم في أنقره أمس (أ.ب)
رئيس الوزراء التركي داود أوغلو رفقة زوجته سارة يحيي مؤيديه خلال تجمع انتخابي أقيم في أنقره أمس (أ.ب)
TT

الأتراك يختارون في الانتخابات البرلمانية بين «العدالة والتنمية».. والاستقرار

رئيس الوزراء التركي داود أوغلو رفقة زوجته سارة يحيي مؤيديه خلال تجمع انتخابي أقيم في أنقره أمس (أ.ب)
رئيس الوزراء التركي داود أوغلو رفقة زوجته سارة يحيي مؤيديه خلال تجمع انتخابي أقيم في أنقره أمس (أ.ب)

يحتكم الأتراك اليوم، مجددا، لصناديق الاقتراع لاختيار برلمان جديد للبلاد، ومن ثم تأليف حكومة جديدة تقود البلاد، بعد تعذر تأليف حكومة بنتيجة الانتخابات السابقة التي جرت قبل خمسة أشهر، وحملت أربعة أحزاب إلى البرلمان من دون أن تعطي أيا منها القدرة على تأليف الحكومة منفردا، فيما تكفلت تناقضت أحزاب المعارضة في ما بينها، وتناقضاتها مع حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ عام 2002، بمنع قيام ائتلاف حكومي.
وتحمل الأحزاب التركية الـ16 التي دخلت الانتخابات طموحات متناقضة. فحزب العدالة والتنمية الحاكم يريد استعادة السلطة بالحصول على 276 مقعدا في البرلمان، بعدما أفقدته الانتخابات الأخيرة القدرة على الحكم المنفرد لأول مرة منذ وصوله إلى الحكم. ويتسلح الحزب بوجوده في السلطة والنجاحات الاقتصادية الكبيرة التي حققها في سنوات حكمه، كما يتسلح بفترة الأشهر الخمسة من التعثر الحكومي، ليقول للناخبين إن وجوده في الحكم هو ضمانة لاستقرار تركيا، فيما سيفتح فشله في الوصول إلى الحكم الباب مجددا أمام سيناريوهات الأزمات السياسية. وقال مصدر في الحزب لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إن العدالة والتنمية كلف أربع شركات إجراء استطلاعات للرأي عن نتائج الانتخابات، فأتت جميعها متقاربة لتعطي الحزب نحو 284 مقعدا، وهو أكثر من المطلوب لتأليف الحكومة منفردا.
وبينما تسعى الأحزاب الصغيرة لإثبات وجودها فقط، من دون أمل في تحقيق الـ10 في المائة اللازمة لدخولها البرلمان، تتركز الأنظار على أحزاب المعارضة الثلاثة الكبرى، حيث يأمل حزب ديمقراطية الشعوب، الوافد الجديد إلى البرلمان، في أن يكرر سيناريو انتخابات يونيو (حزيران) الماضي بتخطيه عتبة الـ10 في المائة، ودخوله البرلمان بقوة حارما العدالة والتنمية من المقاعد اللازمة لتأليف الحكومة. أما حزب الشعب الجمهوري فيأمل بدوره في الاستمرار في منحاه التصاعدي الذي عبرت عنه الانتخابات السابقة، من دون آمال كبيرة في تخطي حزب العدالة والتنمية الذي لا يزال صاحب الكتلة الناخبة الأكبر، والأكثر التزاما. أما حزب الحركة القومية، فهو سيكون على الأرجح أكثر المتضررين من هذه الانتخابات، حيث تؤشر معظم استطلاعات الرأي على تراجعه ليصبح الحزب الرابع في البرلمان، بسبب مواقفه من تشكيل الحكومة الائتلافية، فهو لم يقبل بالائتلاف مع أحزاب المعارضة ولا مع الحزب الحاكم، مما أدى إلى انشقاق في صفوفه بعد أن غادره نجل مؤسسه إلى حزب العدالة والتنمية مع نحو 60 من أعضائه.
وكانت آخر استطلاعات رأي نشرت قبل 48 ساعة من الانتخابات، وقامت بهما مؤسستا «كوندا» و«آي جي». وقد خلصت الأولى إلى أنه ستنتج عن الانتخابات حكومة ائتلافية، بينما تشير الثانية إلى أن حزب العدالة والتنمية سيتمكن من تشكيل الحكومة منفردا.
ووفقا لتوقعات مؤسسة «كوندا» فإن حزب العدالة والتنمية سيحصل على 41.7 في المائة من الأصوات، أي بزيادة 0.63 في المائة عن الانتخابات السابقة. أما حزب الشعب الجمهوري فسيحصل على 27.9 في المائة، بزيادة 2.97 في المائة. وحزب الحركة القومية سيحصل 14.2 في المائة بنقصان 2.09 في المائة. أما حزب الشعوب الديمقراطي فسيحصل على 13.8 في المائة بزيادة 0.64 في المائة.
أما توقعات مؤسسة «آي جي» فتؤشر إلى حصول حزب العدالة والتنمية على 47.2 في المائة أي بزيادة 5.5 في المائة. وسينال حزب الشعب الجمهوري 25.3 في المائة بزيادة 0.35 في المائة. أما حزب الحركة القومية فسينال 13.5 في المائة بنقصان 2.79 في المائة، وكذلك حزب الشعوب الديمقراطي الذي سينال 12.2 في المائة بنقصان 0.96 في المائة.
ويبلغ عدد الناخبين المسجلين في الداخل 54 مليونا، و49 ألفا، و940 ناخبا، فيما يبلغ عدد صناديق الاقتراع، التي من المقرر إقامتها في عموم البلاد، 175 ألفا، و6 صناديق، فيما يبلغ عدد الناخبين الأتراك في الخارج مليونين و895 ألفا و885 ناخبًا. ويتنافس في الانتخابات 16 حزبًا، أبرزها «العدالة والتنمية»، و«الشعب الجمهوري»، و«الحركة القومية»، و«الشعوب الديمقراطي». وتبدأ عملية التصويت في مدن شرق تركيا، ذات الأغلبية الكردية، في تمام الساعة السابعة صباحًا حتى الرابعة عصرًا، بينما تبدأ في غرب البلاد في الساعة الثامنة صباحًا حتى الخامسة عصرًا.
أما الخبراء فتتراوح توقعاتهم أيضا بين الحكومة الائتلافية، وفوز الحزب الحاكم. ويقول سيفجي اكارجشمي، من صحيفة «توداي زمان» المعارضة، لـ«الشرق الأوسط»، إن جميع شركات استطلاعات الرأي تشير إلى أن النتائج لن تتغير عن سابقتها في 7 يونيو (حزيران) الماضي. وأضاف في اتصال مع «الشرق الأوسط» أن شركات الاستطلاع في تركيا كسبت مصداقية في هذا المجال، ولهذا سيكون أمامنا خيار الائتلاف، مما سيحول الوضع إلى حالة من الضبابية في جميع المجالات ستترتب عليها أزمة سياسية واقتصادية. وشدد الصحافي التركي المعارض على أن الجميع باستثناء الحزب الحاكم يتخوفون على أمن ونزاهة الانتخابات «لأن الجميع يعلم أن حزب العدالة والتنمية سيفعل كل ما في جهده للبقاء في الحكم بكل الوسائل».
ورأى أنه «رغم أن الحزب الحاكم تصدر نتائج الانتخابات الماضية فإنه لم يشكل حكومة ائتلاف مع الأحزاب الأخرى واختار الذهاب إلى انتخابات مبكرة، لكن الاستطلاعات تقول إن الوضع لن يتغير، وبما أن داود أوغلو لن يجرؤ على إدخال البلاد مرة أخرى في انتخابات، فإنه سيجبر على تشكيل حكومة ائتلافية مع (الشعب الجمهوري)»، محذرا من أن «القصر الجمهوري (إردوغان) سيعمل على إفشال أي محاولة لتشكيل حكومة ائتلاف». ويخلص إلى أنه «سواء شكلت حكومة ائتلاف أو لم تشكل فإن الأوضاع الداخلية في (العدالة والتنمية) وتصريحات (نائب رئيس الوزراء السابق) بولاند أرنج تعطي إشارات بأن الحزب (الحاكم) سيعيش حالة من الانقسام، وسيجتمع المنشقون من الحزب حول الرئيس السابق عبد الله غل وأرنج وعلي باباجان، لأن هؤلاء القادة في الحزب لا يرون في داود أوغلو كفاءة لإدارة الحزب والبلاد».
أما لافت كوكير، المعيد في كلية الحقوق في جامعة يكن دوغو، فرأى أن «البلاد عاشت بعد انتخابات السابع من يونيو حالة من اللااستقرار، ولكن بمجرى قانوني دستوري، حيث إنه بعد أن انعقدت أول جلسة للبرلمان أدى بها النواب اليمين الدستورية كلف رئيس الدولة داود أوغلو بتشكيل حكومة، واستغل الأخير كل الفترة الدستورية (40 يوما) في مفاوضات يعرف الجميع أنها تهدف إلى كسب الوقت لكي يتسنى لرئيس الدولة إردوغان إعلان الانتخابات المبكرة بحجة أن أحزاب البرلمان لم تستطع تشكيل حكومة خلال 45 يوما وهذا ما حصل بالفعل. بعدها دخلت البلاد في حالة من الإرهاب والفوضى كان يهدف من خلالها إردوغان أن يعاقب الجمهور التركي قائلا لهم (إما أنا أو الفوضى والإرهاب)».
أما ايركام طوفان آيتاف، الكاتب والمحلل السياسي، فيقول إنه عايش أكثر من حقبة في تركيا بما فيها حقبة الانقلاب العسكري عام 1980. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لكني لم أذكر أن تركيا عاشت حقبة توتر مثل التي تعيشها الآن، فالـ40 في المائة المؤيدون للحزب الحاكم ينظرون إلى الـ60 في المائة الباقين وكأنهم أعداء له». ونقل عمن وصفهم بأنهم «مقربون من الحزب الحاكم» أن الحزب سيشهد حالة من الانقسامات بعد الانتخابات مباشرة لأن جزءا كبير جدا من مؤسسي وكوادر الحزب في حالة تذمر من تصرفات إردوغان (...) وسيتكون البرلمان التركي من 5 أحزاب، أي سيشكل المنشقين حزبا جديدا في البرلمان».
وفي المقابل، يؤكد جيم كوجك، الكاتب في جريدة «يني شفق» الموالية، أن الحزب الحاكم سيتصدر الانتخابات وسيرفع من نسبة أصواته 2 في المائة، لكن هذا لن يمكنه من الحصول على العدد الكافي من نواب البرلمان لتشكيل حكومة بمفرده، والسبب في هذا أن حزب الشعب الجمهوري سيرفع أيضا من أصواته على حساب حزب ديمقراطية الشعوب، أي الأصوات التي منحها الجمهوريون للأكراد ستعود للحزب.



بكين تُعزز انتشارها العسكري حول تايوان

جندي صيني يراقب التدريبات العسكرية للصين حول تايوان (أرشيفية - أ.ب)
جندي صيني يراقب التدريبات العسكرية للصين حول تايوان (أرشيفية - أ.ب)
TT

بكين تُعزز انتشارها العسكري حول تايوان

جندي صيني يراقب التدريبات العسكرية للصين حول تايوان (أرشيفية - أ.ب)
جندي صيني يراقب التدريبات العسكرية للصين حول تايوان (أرشيفية - أ.ب)

عزّزت الصين انتشارها العسكري حول تايوان خلال الساعات الـ24 الماضية، مع إرسالها 53 طائرة عسكرية و19 سفينة، وفق ما أفادت به، الأربعاء، سلطات الجزيرة، واصفة بكين بأنها «مثيرة مشاكل».

وتُعدّ الصين تايوان جزءاً من أراضيها، وتؤكد عزمها على إعادة ضمها مستقبلاً، حتى لو بالقوة.

وتعود جذور النزاع بين تايوان والصين إلى عام 1949، عندما فرّت القوى القومية بقيادة تشانغ كاي تشيك إلى الجزيرة، إثر هزيمتها في برّ الصين الرئيس أمام القوى الشيوعية، بقيادة ماو تسي تونغ.

حاملة الطائرات الصينية «لياونينغ» ومجموعتها القتالية خلال تدريبات في أكتوبر 2024 (موقع الجيش الصيني)

وقالت تايوان، الأربعاء، إنها رصدت خلال الـ24 ساعة الماضية 53 طائرة عسكرية صينية و19 سفينة حول الجزيرة، في إطار تنفيذ الجيش الصيني أكبر انتشار بحري له منذ سنوات.

وقالت وزارة الخارجية التايوانية في بيان: «تُولّد هذه التصرفات حالة من عدم اليقين وأخطاراً في المنطقة، وتتسبب في اضطرابات للدول المجاورة، وتؤكد أن الصين مثيرة مشاكل تُهدد السلام والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

من جهته، قال وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، إن الولايات المتحدة تراقب الوضع، وستضمن «ألا يقوم أحد بأي شيء لتغيير الوضع القائم في مضيق تايوان».

وأضاف، الأربعاء، لصحافيين في قاعدة أميركية في اليابان: «نقولها مجدداً، سياستنا لم تتغير. سنواصل بذل كل ما في وسعنا لمساعدة تايوان في الحصول على وسائل للدفاع عن نفسها».

وقالت وزارة الدفاع التايوانية في بيان: «إن الطائرات والسفن، وبينها 11 سفينة حربية، رصدت خلال فترة 24 ساعة انتهت في الساعة السادسة صباحاً (22.00 ت.غ الثلاثاء)».

لقطة من فيديو للجيش الصيني تُظهر ضابطاً ينظر للأفق عبر منظار مكبر على متن قطعة بحرية (أرشيفية - الجيش الصيني)

وهذا أعلى عدد من الطائرات والسفن الصينية التي ترصدها تايوان منذ المناورات العسكرية التي نظمتها بكين في أكتوبر (تشرين الأول) ردّاً على خطاب الرئيس لاي تشينغ تي، في العيد الوطني لتايوان قبل أيام من ذلك. وعند انتهاء تلك المناورات، رُصِد عدد قياسي، بلغ 153 طائرة صينية، في يوم واحد قرب الجزيرة، إضافة إلى 14 سفينة صينية.

والثلاثاء، أعلنت تايوان أنها رصدت حول الجزيرة خلال الساعات الـ24 الماضية 47 طائرة عسكرية، و12 سفينة حربية صينية، وذلك بعيد أيام من انتهاء جولة خارجية قام بها الرئيس التايواني لاي تشينغ تي، وأدانتها بكين بشدّة.

جنود من الجيش الصيني خلال التدريبات (أرشيفية - موقع الجيش الصيني)

وفي المجموع، نشرت بكين نحو 90 سفينة على مساحة أوسع، في مياه بحر الصين الشرقي والجنوبي، وكذلك في مضيق تايوان الذي يفصل الجزيرة عن البر الرئيس للصين، فيما وصفته تايبيه بأنها من كبرى المناورات البحرية منذ سنوات.

وقامت هذه السفن (60 سفينة حربية، و30 أخرى تابعة لخفر السواحل الصينيين) بمحاكاة مهاجمة سفن أجنبية، وتعطيل طرق شحن في المياه المحيطة بتايوان «لرسم خط أحمر» قبل تنصيب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، وفق ما أوضح مسؤول أمني تايواني.

ولم يُعلن الجيش الصيني ووسائل الإعلام الحكومية الصينية عن زيادة النشاط في هذه المناطق.

لكن ناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية صرّحت، الثلاثاء، بأن الصين «ستدافع بقوة» عن سيادتها.

مقاتلة تظهر خلال دورية الاستعداد القتالي والتدريبات العسكرية حول جزيرة تايوان التي نفذها الجيش الصيني (أرشيفية - أ.ب)

وتأتي هذه المناورات بعد أيام من انتهاء جولة قام بها الرئيس التايواني، وشملت منطقتين أميركيتين هما هاواي وغوام، وأثارت غضباً صينياً عارماً، وتكهّنات بشأن ردّ محتمل من جانب بكين.

وكانت جولة لاي في المحيط الهادئ أول رحلة خارجية له منذ تولّيه منصبه في مايو (أيار).

وخلال جولته، أجرى لاي مكالمة هاتفية مع رئيس مجلس النواب الأميركي، مايك جونسون، ما أثار غضب بكين.

وتتهم الصين لاي، مثل الرئيسة السابقة تساي إنغ وين، بالرغبة في تعميق الانفصال الثقافي مع القارة، منددة بالتصرفات «الانفصالية».

وتايوان التي تحظى بحكم ذاتي تُعدها الصين جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، وتعارض أي اعتراف دولي بالجزيرة، وكونها دولة ذات سيادة.

وبكين، التي تعارض أيّ اتصال رسمي بين تايبيه ودول أجنبية، دانت «بشدة» جولة لاي، وحضّت الولايات المتحدة على «التوقف عن التدخل في شؤون تايوان».

وكذلك، حذّرت بكين تايوان من أي محاولة «تهدف إلى الاستقلال بمساعدة الولايات المتحدة»، مؤكدة أنها «ستفشل».