300 من أبناء شمال لبنان يقاتلون في صفوف «داعش» و«جبهة النصرة» في سوريا والعراق

التنظيم المتطرف يعدم حما عمر بكري فستق إثر محاولته استرداد ابنه وابنتيه المنتسبين لداعش

عمر بكري مع ولديه قبل اعتقاله
عمر بكري مع ولديه قبل اعتقاله
TT

300 من أبناء شمال لبنان يقاتلون في صفوف «داعش» و«جبهة النصرة» في سوريا والعراق

عمر بكري مع ولديه قبل اعتقاله
عمر بكري مع ولديه قبل اعتقاله

أظهر إعدام تنظيم داعش اللبناني محمود الحسين (50 سنة) أول من أمس، أن ظاهرة الانضمام للتنظيم المتطرف في سوريا أو العراق، لم تختفِ بفعل الإجراءات الأمنية المتشددة، رغم انحسارها، في حين كشف مصدر لبناني مطلع على حركة المتشددين شمالي البلاد، أن عدد اللبنانيين المنخرطين في التنظيمات المتشددة، يفوق اليوم الـ300 شخص.
المصدر الذي طلب تحاشي ذكر اسمه «لضرورات أمنية»، أكد لـ«الشرق الأوسط» أن عدد اللبنانيين الذين يتحدّرون من شمال لبنان، ويقاتلون حاليًا في صفوف تنظيمي داعش وجبهة النصرة في سوريا والعراق، «يناهز الـ300 شخص»، وأوضح أن العدد سيزداد «إذا ما جرى توثيق لبنانيين آخرين يتحدرون من مناطق أخرى، مثل شرق لبنان، رغم أن عددهم ليس كبيرًا». ويتقاطع هذا الرقم، مع ما أعلنه مصدر إسلامي آخر في الشمال، ذكر أن أعداد اللبنانيين في صفوف المنضوين في التنظيمين في سوريا، «يناهز هذا الرقم، رغم غياب إحصاءات دقيقة»، إذ أفاد «الشرق الأوسط» خلال لقاء معه عن «تراجع عدد الملتحقين بالتنظيمات المتشددة في سوريا كثيرًا، نظرًا إلى إجراءات أمنية اتخذتها السلطات اللبنانية، أفضت إلى تفكيك شبكات تجنيد هؤلاء في الشمال، كما اتخذت السلطات التركية قبل أشهر قرارات مشابهة، للحد من وصول هؤلاء المشتبه بهم إلى الأراضي السورية، وملاحقتهم في المناطق الحدودية مع سوريا». ولفت المصدر في الوقت نفسه إلى أن عدد الملتحقين «تضاءل أيضًا بفعل إقفال المناطق الحدودية اللبنانية مع سوريا من الطرفين، مما يعرقل إمكانية وصولهم». ثم استطرد قائلاً إن المقاتلين الموجودين راهنًا في سوريا أو العراق «كانوا التحقوا بتنظيمي النصرة أو داعش قبل سنتين ونص السنة، وهؤلاء كانوا يلتحقون بالتنظيمات عبر الحدود اللبنانية السورية، أو عبر تركيا».
هذا، وسُلّط الضوء على هؤلاء، أمس، مع إعلان مصادر متقاطعة في منطقة المنكوبين في مدينة طرابلس، عاصمة شمال لبنان وثاني كبرى مدنه، أن تنظيم داعش أعدم اللبناني محمود الحسين في إحدى مناطق سيطرته، بعدما كان قد وصل إلى العراق، لاسترداد ابنه يحيى (18 سنة) وابنتيه القاصرتين، اللتين كانتا انضمتا إلى تنظيم داعش المتشدد. غير أن المعلومات ما زالت متضاربة حول ما إذا كان الحسين، قد أعدم في العراق أو في مدينة الرقة بشمال وسط سوريا، وسط غياب معلومات مؤكدة عن هذه الحادثة.
وفي حين تناقل مواطنون في طرابلس أن الحسين أعدم في الرقة، قال المصدر الذي كان يتكلم في المدينة، إن «المعلومات المتوفرة عنه أنه غادر إلى تركيا، بغرض العبور إلى العراق واسترداد ابنه وابنتيه المقيمين في العراق في معاقل تنظيم الدولة». وأردف المصدر شارحًا أن يحيى، غادر بصحبة شقيقتيه قبل 6 أشهر تقريبًا إلى تركيا بهدف السياحة، قبل أن يدخلوا جميعًا إلى مناطق نفوذ تنظيم داعش، وبعد ذلك، سافر والدهم لمحاولة استردادهم، قبل الإعلان عن إعدامه على يد التنظيم بتهمة الردّة، والزعم أنه على علاقة بالسلطات اللبنانية والتركية. وفور وصول الأب اعتقله عناصر التنظيم، وأخضعوه لتحقيق مكثف لمدة يومين قبل إصدار القرار بإعدامه.
من جهة أخرى، يتناقل أبناء طرابلس معلومات عن بيان يحمل توقيع «ديوان القضاء والمظالم» التابع لـ«داعش»، جاء فيه أنه «بعد الاطلاع على القضية والجلوس مع المدعى عليه وسماع دفوعه وسماع شهادة الشهود، أثبت الشهود سب المدعى عليه للنبي (صلى الله عليه وسلّم)، وذلك بشهادة رجل وثلاث نساء، وهو لم ينكر الكفر، وتبين أيضًا أنه على علاقة وطيدة مع القنصلية التركية وأنه أيضًا على علاقة مع الحكومة اللبنانية ولم ينكر ذلك، وبذلك يكون قد وقع في الردة من خلال هذه العلاقات، لذا حكم بقتله».
وتابع المصدر المطلع على حركة المتشددين في طرابلس كلامه معلقًا «نخشى أن يكون أولاده متآمرين ضده، نظرًا لأنه كان عازمًا على إرجاع ابنتيه.. فالتهم المنسوبة إليه غير صحيحة، بل تندرج ضمن إطار تلفيق التهم والتبرير لإعدامه، لأن التنظيم لا يسمح للمنخرطين فيه بمغادرة المدينة».
جدير بالذكر أن الحسين هو والد الزوجة الثانية للشيخ عمر بكري فستق، وهو سوري الأصل، الذي حكم عليه القضاء العسكري اللبناني بالسجن 6 سنوات بتهمة محاولة إنشاء جمعية تابعة لـ«جبهة النصرة». ولقد نفى فستق تلك الاتهامات في الجلسة التي عقدت الثلاثاء الماضي، قائلاً: «أنا لم أفكر ولم أخطّط ولم أشكل جماعة إرهابية ولا يوجد ابن امرأة يعرفني». كذلك قال فستق: «أريد أن أؤكد أنني أوقفت من قبل (داعش) وجبهة النصرة وقبل الذي حصل في عرسال بأشهر»، في إشارة إلى هجوم التنظيمات المتشددة على مواقع الجيش اللبناني في بلدة عرسال الحدودية مع سوريا في شرق لبنان.
هذا، ورفضت عائلة فستق تقديم أي معلومات مرتبطة بمقتل الحسين، أو ابنه الذي قتل قبل أيام في ريف حلب الشرقي، خلال مواجهات مع القوات الحكومية السورية. وقالت المصادر إن نجل فستق القتيل، هو محمد البالغ من العمر 22 سنة، وكان يقيم في بريطانيا حيث تقيم أمه (زوجة فستق الأولى). ويُرجح أنه غادر بريطانيا باتجاه سوريا، بهدف القتال في صفوف تنظيم داعش.
وكان تنظيم داعش قد أعلن عن مقتل 3 لبنانيين في صفوفه خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، أثناء معارك خاضها التنظيم ضد الميليشيات الكردية وقوات السلطات العراقية والسلطات السورية في دير الزور (شرق سوريا)، وذكر أن أحدهم انتحاري فجّر نفسه في قوات البيشمركة، وتقبلت عائلة لبنانية على الأقل التعازي بمقتل ابنها في مدينة طرابلس.



انقلابيو اليمن يستكملون «حوثنة» المؤسسات بهياكل إدارية جديدة

الجماعة الحوثية بدأت إجراءات واسعة لتغيير الهيكل الإداري للمؤسسات (إ.ب.أ)
الجماعة الحوثية بدأت إجراءات واسعة لتغيير الهيكل الإداري للمؤسسات (إ.ب.أ)
TT

انقلابيو اليمن يستكملون «حوثنة» المؤسسات بهياكل إدارية جديدة

الجماعة الحوثية بدأت إجراءات واسعة لتغيير الهيكل الإداري للمؤسسات (إ.ب.أ)
الجماعة الحوثية بدأت إجراءات واسعة لتغيير الهيكل الإداري للمؤسسات (إ.ب.أ)

بعد قرابة شهرين من إعلان الجماعة الحوثية تشكيل حكومتها غير المعترف بها، بدأت الجماعة إعادة هيكلة الجهاز الإداري لمؤسسات الدولة التي تسيطر عليها، عبر قرارات دمج وتقليص وصفها خبراء قانونيون بأنها لأدلجة المؤسسات و«حوثنة» الوظيفة العامة. وأصدر ما يسمى المجلس السياسي الأعلى (مجلس الحكم الحوثي) قراراً لإنشاء ما سُمِيَ «آلية استكمال تنفيذ عملية الدمج والتحديث للهياكل التنظيمية لوحدات الخدمة العامة»، وهو القرار الذي تحفظت الجماعة على مضمونه، واكتفت بالإعلان عن تقسيمه وعدد مواده وفصوله، ويأتي ضمن ما يعرف بالتغييرات الجذرية التي أعلن عنها زعيم الجماعة قبل أكثر من عام. كما صدرت قرارات وتعليمات بالبدء بإجراءات دمج مصلحتَي الضرائب والجمارك في كيان واحد، وكذلك الأمر مع المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية والهيئة العامة للتأمينات والمعاشات، وتحويل كل من مركز الدراسات والبحوث اليمني التابع لجامعة صنعاء، ومركز التطوير التربوي التابع لوزارة التربية والتعليم كياناً واحداً بمسمى «الهيئة العامة للعلوم والبحوث والابتكار».

تسعى الجماعة الحوثية إلى تعزيز قبضتها على مؤسسات الدولة المختطفة (أ.ف.ب)

وبحسب إفادة مصادر قانونية مطلعة في العاصمة المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، فإن الجماعة الحوثية تدرس دمج الكثير من المؤسسات والهيئات الحكومية الخاضعة لسيطرتها في مساعٍ لتقليص حجم الهيكل الإداري من جهة، وتحويل مؤسسات الدولة كيانات تابعة لقيادة الجماعة، وتعيين أتباعها في مختلف المناصب والوظائف داخلها.

وحذَّرت المصادر من وجود نوايا لدى قادة في الجماعة الحوثية لإلغاء المعاشات التقاعدية، وذلك بعد قرار دمج المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بالهيئة العامة للتأمينات والمعاشات. المصادر ألمحت إلى أن الهيئة والمؤسسة جرى الاستيلاء على مواردهما وأرصدتهما البنكية من قِبل الجماعة الحوثية؛ وهو ما يهدد بإفلاسهما حتى مع دمجهما في كيان واحد، وحرمان عشرات الآلاف من المستفيدين منهما من حقوقهم، إضافة إلى إدراج أسماء قتلى الجماعة في الحرب ضمن أولئك المستفيدين عنوة.

تحايل وتغول

وتعمل الجماعة الحوثية طبقاً للمصادر على إعادة تصميم هياكل الوزارات مع إقرار لوائح تقضي بحرمان الوزراء في حكومة الانقلاب من الإشراف على القطاعات والمؤسسات والهيئات الإيرادية، مثل منع وزير الشباب والرياضة من الإشراف على صندوق النشء والشباب، ومنع وزير النقل والأشغال العامة من الإشراف سوى على المراكز البحرية. وفسرت المصادر القانونية في صنعاء هذا التوجه بأن الجماعة تنوي التغول داخل مؤسسات الدولة من خلال مَن تعينهم مسؤولين على قطاعاتها الإيرادية، في حين سيتم تعيين الوزراء من انتماءات جغرافية أو سياسية أو فئوية لا ترتبط بالجماعة الحوثية عرقياً أو عقائدياً للتمويه على نهج السيطرة على الدولة ونهب مواردها.

القادة الحوثيون يتنافسون على السيطرة على المؤسسات وبناء كيانات موازية لها (إ.ب.أ)

ويرى الخبير القانوني اليمني محمد حيدر أن هذه القرارات والإجراءات لا تفتقر فقط إلى الشرعية والمشروعية لكونها صادرة عن حكومة لا يعترف بها أحد، بل وتفتقر أيضاً إلى الموضوعية والمنطق القانوني، وتأتي ضد طبيعة التطور القانوني والإداري للدولة التي يفترض أن تتوسع بنيتها ويزيد عدد قطاعاتها بمرور الوقت. وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يتهم حيدر، وهو أحد قيادات وزارة الشؤون القانونية السابقين، الجماعة الحوثية بانتهاج سلوك رجعي يهدف إلى تخلي الدولة عن واجباتها تجاه السكان الذين تتزايد أعدادهم باستمرار، وينتج من هذه الزيادة والتطورات التي تشهدها مختلف المجالات متطلبات تقتضي توسع هيكل الدولة، وإنتاج المزيد من المهام والواجبات. وينوّه إلى أن هذا السلوك الرجعي اتضح بشكل جلي عند إلغاء الجماعة لوزارة الشؤون القانونية، واستبدالها بمكتب تابع لمجلس الحكم الانقلابي يتولى مهامها نفسها؛ وهو ما يشير إلى وجود نوايا لإعادة الدولة إلى أشكال بدائية وقديمة من الهياكل التنظيمية والإدارية.

توقعات بإقصاء من يرفضون المشاركة في فعاليات الجماعة الحوثية من وظائفهم (رويترز)

وتربط المصادر بين قرارات دمج المؤسسات وما يسمى «مدونة السلوك الوظيفي» التي أعلنت الجماعة الحوثية عنها قبل أكثر من عامين وأجبرت الموظفين العموميين على التوقيع عليها، والالتزام بما فيها من مقررات ملزمة لهم بالتبعية للجماعة وموالاتها.

توسيع دائرة الفساد

ومنذ قرابة الشهر تعمل الجماعة الحوثية على إجراء تعديلات لأحكام قانون السلطة القضائية، بإجراءات مخالفة لما هو متعارف عليه دستورياً وقانونياً عند تعديل القوانين واللوائح، إلى جانب تنفيذ حركة تعيينات لعدد من القضاة الموالين لها، وإزاحة من ليس محسوباً عليها، تحت مسمى «الإصلاحات ومواجهة القصور». وأوضح حيدر، وهو ممن أبعدتهم الجماعة الحوثية عن مناصبهم، أن الكثير من الممارسات تؤكد بوضوح هذا النهج، بدءاً بإيقاف رواتب الموظفين العموميين، والتوقف أو التراجع عن تقديم الكثير من الخدمات، أو رفع أسعارها بشكل كبير، وممارسة الجبايات وفرض الإتاوات مقابل خدمات يفترض أنها أبسط واجبات الدولة تجاه مواطنيها. ولفت حيدر، إلى أن الإجراءات الحوثية ستؤدي إلى تقليص حجم الجهاز الإداري للدولة، وتوسيع مهام المسؤولين فيه؛ ما يتناقض تماماً مع مبادئ وسياسات مكافحة الفساد المتبعة حول العالم، ومع مع تقرّه الدساتير والقوانين واللوائح.

الجماعة الحوثية ألغت وزارة الشؤون القانونية في حكومتها الانقلابية (فيسبوك)

وأبدى أكاديميون وباحثون في مركز الدراسات والبحوث اليمني استياءهم الشديد من دمج المركز مع هيئة تابعة لوزارة التربية والتعليم، وعدّوا ذلك انتقاصاً من دور المركز ومهامه، وتهميشاً لدوره، واعتداءً على تاريخه الذي يزيد على خمسة عقود. واستغرب عدد من الباحثين في المركز من أن يجري طمس وجود مركز بهذه العراقة والتاريخ بقرار اتخذته جماعة لا علاقة لها بالعلم أو البحث العلمي، ولا تهتم بتاريخ الدولة ومؤسساتها، وفق تعبير عدد منهم. وتتوقع المصادر أن يتم استغلال عمليات دمج المؤسسات لإزاحة مئات الموظفين الذين لم يثبتوا ولاءهم للجماعة، خصوصاً وأن عمليات الدمج ستتضمن إجراءات هيكلة وإعادة بناء. ويرجّح أن يتم إقصاء جميع الموظفين العموميين الذين رفضوا المشاركة في دورات ثقافية تنفذها الجماعة لنشر أفكارها، وغيرهم ممن لا يشاركون في فعالياتها ومظاهراتها واحتفالاتها.