بلدة بريطانية تشهد موت حقبة ذهبية فجرتها الثورة الصناعية

الصينيون يتسببون في إغلاق آخر مصنع للفولاذ بإنجلترا يعود إلى عام 1917

مظاهرة لعمال فولاذ بريطانيين صرفوا من العمل بعد اغلاق مصنعهم (غيتي)
مظاهرة لعمال فولاذ بريطانيين صرفوا من العمل بعد اغلاق مصنعهم (غيتي)
TT

بلدة بريطانية تشهد موت حقبة ذهبية فجرتها الثورة الصناعية

مظاهرة لعمال فولاذ بريطانيين صرفوا من العمل بعد اغلاق مصنعهم (غيتي)
مظاهرة لعمال فولاذ بريطانيين صرفوا من العمل بعد اغلاق مصنعهم (غيتي)

في هذه البلدة الصغيرة التي تطل على ساحل بحر الشمال، وتشتهر باحتوائها على مصنع عمره قرن من الزمان ينتج الفولاذ المستخدم في بناء بعض الجسور الأكثر شهرة في العالم، ترددت الأنباء بأن المصنع على وشك الإغلاق إلى الأبد، مع تسريح 2200 وظيفة كان يوفرها. وتكشّفت اضطرابات بريطانيا ما بعد الصناعة، في إحدى الليالي مؤخرا داخل مقصف «أوغرادي» المحلية، عندما شارك عمال الفولاذ أحزانهم على بُعد بضع أقدام من رجل أعمال يبيع الفولاذ الصيني الرخيص إلى الحكومة البريطانية، وهو الشيء الذي يشتكي كثيرون في بلدة ردكار منه.
«سيصاب الجميع بالجنون»، هكذا قال كونراد ماكورميك (38 عاما)، وهو أب لطفلين، فقدَ وظيفته في المصنع الذي ينتج الفولاذ لجسر ميناء سيدني في أستراليا، وجسر شلالات فيكتوريا في زامبيا، ومركز التجارة العالمي 1 في نيويورك. وأضاف ماكورميك وهو ممسك بزجاجة جعة وزنها نصف لتر تقريبا: «هذا هو الشيء الوحيد الذي أنا متأكد منه في حياتي الآن». وعبر المقصف وقف جيم، رجل أعمال عمره 61 عاما، رفض ذكر اسم عائلته، وهو ممسك بمشروبه أيضا، وقال إن شركته متوسطة الحجم كانت تبيع الفولاذ الصيني وغيره من الفولاذ الأجنبي بشكل جيد للحكومة من أجل بناء السكك الحديدية ومزارع الرياح والمباني العامة. وتابع جيم: «تسعى بريطانيا لتوفير الأموال وخفض العجز العام عن طريق استيراد المواد الرخيصة من الخارج». وجاء الإعلان عن الإغلاق النهائي لمصنع الفولاذ «تيسايد» - الذي تأسس في عام 1917، وانتقلت ملكيته مؤخرا إلى شركة «سهافيريا» التايلاندية للصناعات الفولاذية – يوم 12 أكتوبر (تشرين الأول). وفي وقت سابق من هذا الشهر، تقدم الفرع البريطاني لشركة «سهافيريا» بطلب بإشهار الإفلاس، بينما ظلت أفران فحم الكوك مشتعلة وسط المحادثات بشأن انتقال الملكية إلى شركة أخرى، غير أن تلك المحادثات تعثرت، وبمجرد وقف تشغيل أفران فحم الكوك ستكون فرصة إعادة تشغيل المصنع ضئيلة للغاية.
وتعصف القوى ذاتها بشركة فولاذ أخرى تدعى «تاتا»، التي أعلنت يوم الجمعة عن تسريح 1200 وظيفة في بريطانيا، أي بمعدل 7 في المائة من قوة العمل لديها. وأعلنت الحكومة عن حزمة تعويضات تبلغ قيمتها 80 مليون جنيه إسترليني (أي نحو 123.5 مليون دولار) لعمال «تيسايد»، وهو ما يتضمن إعادة التدريب وتوفير المال للمشاريع المبتدئة، لكن تلك الأزمة كانت المسمار الأخير في نعش مصنع الفولاذ الشهير.
تقع ردكار، وهي بلدة في شمال شرق إنجلترا يقطنها 35 ألف نسمة فقط، في منطقة تعاني بالفعل من أعلى معدل بطالة في بريطانيا، 8.5 في المائة، أي أعلى ثلاث نقاط عن الإحصائيات الوطنية. وتبلغ نسبة أكثر من 10 في المائة هناك من الشباب العاطلين عن العمل، وجرى تسريح المئات من عمال الفولاذ الذين كانوا متعاقدين بالإضافة إلى 2200 كانوا موظفين.
وبعد أن كانت معروفة بتوافر الوظائف الصناعية الصلبة بها أصبحت البلدة تشتهر الآن بـ«متاجرها الخيرية، والحانات، ومطاعم الوجبات السريعة»، بحسب كلير، 35 عاما، وهي ممرضة متزوجة عامل صناعات فولاذية.
ومن دون الفولاذ لا تستطيع ردكار تقديم شيء للعالم، باستثناء السياحة الساحلية الصيفية المتواضعة. وحتى في ذلك الوقت لا تتمتع البلدة بخدمات شبكة سكك حديدية محلية جيدة، فبها قطار بطيء ذو أربع عربات يسير على مسارات متهالكة، ويجد السياح البريطانيون من الأسهل التحليق إلى إسبانيا.
وقد فقدَ الساسة كثيرا من المصداقية بين سكان ردكار، وفقا لبون، ويرفض الناخبون الأحزاب المهيمنة، ويسجلون أصواتا احتجاجية بدلا من ذلك. وفي انتخابات شهر مايو (أيار) لمقعد برلماني، أبلى مرشح محلي لحزب الاستقلال البريطاني المناهض للهجرة بلاء حسنا، باقترابه بنسبة ضئيلة من المركز الثاني.
ويعترف السكان والعمل مثل بون أن فقدان الوظائف هو أمر حتمي في اقتصاد السوق، لكنّ هناك شعورا واسعا بالغضب من الحكومة لأنها تبدو وكأنها تتخلى عن عمال الفولاذ والمجتمع.
ويقول العمال وأرباب العمل المحليين إنهم يريدون خطة صناعية قوية تضاهي مستوى المنافسة لصانعي الفولاذ البريطانيين. وعلى سبيل المثال، يشددون على ضرورة تقليص الضرائب الحكومية البريطانية وأسعار الطاقة، وهي الأغلى في أوروبا. ويريدون أيضًا الحكومة لفرض رسوم أعلى على الواردات الصينية.
«الأمر لا يتعلق بأننا نحاول إفادة الصين»، هذا ما قاله غاري كليش، رجل أعمال بريطاني – أميركي، نصح هذا العام بعدم شراء مصنع فولاذ مملوك لشركة «تاتا» في سكونثورب، تبعد نحو 70 ميلا إلى الجنوب من ردكار، بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة والضرائب. وأوضح أن الصين تقدم دعم لصناعة الفولاذ لديها بشكل أكبر من الصين، و«بما أن الصين لا تكسر القواعد التجارية، يميل الناس إليها».
واستبعدت الحكومة المحافظة لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون هذا النوع من التدخل. وقال جيسون راج، المتحدث باسم وزارة الأعمال والابتكار والمهارات إن الحكومة «اتخذت إجراءات لمساعدة صانعي الفولاذ المحليين، عن طريق دفع مبلغ 47 مليون جنيه إسترليني تعويضا عن تكاليف الطاقة». وفي يوليو (تموز)، صوت البرلمان لصالح تمديد الرسوم الجمركية على منتجات قضبان الأسلاك الصينية التي تعتقد بريطانيا أن تسعيرها أقل من القيمة السوقية العادلة، بحسب راج، و«سوف تنظر في الحالات الأخرى عند ظهورها». وبالنسبة إلى بيتر أتكينسون، 56 عاما، فإن الأزمة الأخيرة ليست جديدة. وقد تقاعد من المصنع في عام 2010، عندما بِيع لملاكه الحاليين. وسرحت الشركة المالكة حينئذ – «تاتا ستيل» الهندية – 1700 عامل بعد انتهاء عقودهم. والآن تم تسريح نجله، 26 عاما، عامل فولاذ أيضا.
وذكر جورج أوزبورن، مستشار وزير المالية، متحدثا بشأن خطة تعليم كرة القدم في الصين بمبلغ ثلاثة ملايين جنيه إسترليني: «من اللطيف الاعتناء بالأشخاص الآخرين في العالم». وتابع: «لكن يتعين عليك في بعض الأحيان الاعتناء بنفسك». هناك كثير من الثرثرة في ردكار عن الصين، التي تسعى حكومة كاميرون بجد لعقد صفقات تجارية معها. وتنتج الصين نصف كمية الفولاذ في العالم، ويظهر صدى هذا الانتشار هنا، لأن بريطانيا أيضًا أنتجت ذات مرة نصف فولاذ العالم. تمتلك الصين مخزونا واسعا من الفولاذ، تراكم خلال السنوات التي أعقبت حزمة التحفيز في بكين في عام 2008، لكن الآن يفقد اقتصادها قوته، وتبيع الصين الفولاذ بأسعار تكافح مصانع الفولاذ البريطانية مضاهاتها.
واستوردت بريطانيا 60 في المائة من فولاذها العام الماضي، وفقا لجماعة الضغط الصناعية «يو كيه ستيل»، بينما تستورد الصين ما يشكل 8 في المائة من الطلب البريطاني. وتبدو الأرقام ضئيلة بالمقارنة مع المنافسين من أوروبا والشرق الأوسط وروسيا، بحسب غاريث ستيس، مدير «يو كيه ستيل». لكن وتيرة الواردات الصينية تنذر بالخطر، حيث زادت أربعة أضعاف في غضون شهر، وفقا لستيس. وبالعودة إلى أوغرادي، يوجد لدى السيد أتكينسون وجهة نظر فلسفية، حيث قال: «وُلِدنا ونشأنا كعمال فولاذ، لكن في الوقت ذاته نحتاج إلى إدراك أن كل شيء لديه مدى عمري».

* خدمة «نيويورك تايمز» خاص بـ {الشرق الأوسط}



ماذا نعرف عن الصاروخ «أوريشنيك» الذي أطلقته روسيا على أوكرانيا؟

TT

ماذا نعرف عن الصاروخ «أوريشنيك» الذي أطلقته روسيا على أوكرانيا؟

صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب)
صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب)

أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، بإطلاق بلاده صاروخاً جديداً فرط صوتي على مصنع أسلحة أوكراني. وهذا السلاح، غير المعروف حتى الآن، استخدمته روسيا للمرة الأولى ضد أوكرانيا ولتحذير الغرب.

فيما يلي ما نعرفه عن هذا الصاروخ التجريبي الذي أُطلق عليه اسم «أوريشنيك»:

آلاف الكيلومترات

حتى استخدامه يوم الخميس، لم يكن هذا السلاح الجديد معروفاً. ووصفه بوتين بأنه صاروخ باليستي «متوسط المدى»، يمكنه بالتالي بلوغ أهداف يتراوح مداها بين 3000 و5500 كيلومتر، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

صاروخ «يارس» الباليستي الروسي قبل إطلاقه (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

وحسب الرئيس الروسي، فإن إطلاق الصاروخ كان بمثابة تجربة في الظروف القتالية؛ مما يعني أن هذا السلاح لا يزال قيد التطوير. ولم يعطِ أي إشارة إلى عدد الأنظمة الموجودة، لكنه هدّد بإعادة استخدامه.

تبلغ المسافة بين منطقة أستراخان الروسية التي أُطلق منها صاروخ «أوريشنيك»، الخميس، حسب كييف، ومصنع تصنيع الأقمار الاصطناعية بيفدينماش الذي أصابه الصاروخ في دنيبرو (وسط شرق أوكرانيا)، تقريباً 1000 كيلومتر.

وإذا كان لا يدخل ضمن فئة الصواريخ العابرة للقارات (التي يزيد مداها على 5500 كيلومتر) يمكن لـ«أوريشنيك» إذا أُطلق من الشرق الأقصى الروسي نظرياً أن يضرب أهدافاً على الساحل الغربي للولايات المتحدة.

وقال الباحث في معهد الأمم المتحدة لأبحاث نزع السلاح (Unidir) في جنيف، بافيل بودفيغ، في مقابلة مع وسيلة الإعلام «أوستوروزنو نوفوستي»، إن «(أوريشنيك) يمكنه (أيضاً) أن يهدّد أوروبا بأكملها تقريباً».

وحتى عام 2019 لم يكن بوسع روسيا والولايات المتحدة نشر مثل هذه الصواريخ بموجب معاهدة القوى النووية متوسطة المدى الموقّعة في عام 1987 خلال الحرب الباردة.

لكن في عام 2019 سحب دونالد ترمب واشنطن من هذا النص، متهماً موسكو بانتهاكه؛ مما فتح الطريق أمام سباق تسلح جديد.

3 كلم في الثانية

أوضحت نائبة المتحدث باسم «البنتاغون»، سابرينا سينغ، للصحافة، الخميس، أن «(أوريشنيك) يعتمد على النموذج الروسي للصاروخ الباليستي العابر للقارات RS - 26 Roubej» (المشتق نفسه من RS - 24 Yars).

وقال الخبير العسكري إيان ماتفييف، على تطبيق «تلغرام»، إن «هذا النظام مكلف كثيراً، ولا يتم إنتاجه بكميات كبيرة»، مؤكداً أن الصاروخ يمكن أن يحمل شحنة متفجرة تزن «عدة أطنان».

في عام 2018، تم تجميد برنامج التسليح «RS - 26 Roubej»، الذي يعود أول اختبار ناجح له إلى عام 2012، حسب وكالة «تاس» الحكومية، بسبب عدم توفر الوسائل اللازمة لتنفيذ هذا المشروع «بالتزامن» مع تطوير الجيل الجديد من أنظمة «Avangard» التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ويُفترض أنها قادرة على الوصول إلى هدف في أي مكان في العالم تقريباً.

صاروخ «يارس» الباليستي الروسي على متن شاحنة مدولبة (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

حسب بوتين فإن الصاروخ «أوريشنيك» «في تكوينه غير النووي الذي تفوق سرعته سرعة الصوت» يمكن أن تصل سرعته إلى 10 ماخ، «أو 2.5 إلى 3 كيلومترات في الثانية» (نحو 12350 كلم في الساعة). وأضاف: «لا توجد أي طريقة اليوم للتصدي لمثل هذه الأسلحة».

عدة رؤوس

أخيراً، سيتم تجهيز «أوريشنيك» أيضاً بشحنات قابلة للمناورة في الهواء؛ مما يزيد من صعوبة اعتراضه.

وشدد بوتين على أن «أنظمة الدفاع الجوي المتوفرة حالياً في العالم، وأنظمة الدفاع الصاروخي التي نصبها الأميركيون في أوروبا، لا تعترض هذه الصواريخ. هذا مستبعد».

وأظهر مقطع فيديو للإطلاق الروسي نُشر على شبكات التواصل الاجتماعي، ست ومضات قوية متتالية تسقط من السماء وقت الهجوم، في إشارة -حسب الخبراء- إلى أن الصاروخ يحمل ست شحنات على الأقل. يقوم هذا على تجهيز صاروخ بعدة رؤوس حربية، نووية أو تقليدية، يتبع كل منها مساراً مستقلاً عند دخوله الغلاف الجوي.